قضايا معاصرة

لماذا لم تتساوَ النساء بالرجال حتى في أكثر الدول تقدّمًا؟

 

ميَّز الله بين الذكر والأنثى بفروقاتٍ كثيرةٍ تتجاوز مجرَّد الفرق الشكلي، وبعضَ الوظائف المتبادرة للذهن، وكلما عمد البشر إلى تجاهل هذه الفروقات برزت بصورةٍ جديدةٍ أكثر وضوحًا؛ وفي أكثر المواطن تكريسًا لمبدأ المساواة، وهذه المقالة تأخذنا في جولة على بعض الإحصائيات والأرقام في أكثر الدول تطبيقًا لمبدأ المساواة بين الذكر والأنثى.

رغم انفتاح آفاق الفرص ومجالات العمل في الدول الغربية أمام النساء بلا موانع قانونية أو اجتماعية، يظل التفاوت بين الجنسين قائمًا في صورة فجوة Gap بين النسب الرجالية والنسائية على ثلاثة أصعدة: الدخل، والتخصصات العلمية، والتقدم المهني. وباعتبار الحركة النسوية قد حققت تقدمًا قياسيًا في الدول الأوروبية، يحسن بنا دراسة ورصد هذه الظاهرة بالإحصاءات والأرقام، مع النظر في أسبابها بين الدّعاوى والشواهد الواقعية:

– فجوة الدخل Gender Pay Gap:

منذ أن قامت الحركة النسوية الغربية إلى اليوم، تتصدَّر مسألة تفاوت الأجور لائحة التظلُّم الدائب في كتاباتها وأدبياتها، باعتبارها من الأدلة الدامغة على استمرار التمييز الجنسي الفجّ. وبمعاينة بعض الإحصائيات من موقع Eurostat التابع للمفوّضية الأوروبية[1] Euro Commission تظهر الفروق في النسبة المئوية في الأجور للساعة، بين الرجال والنساء، في الوظائف نفسها، على مدى عدة أعوام، وكلها تُظهر استمرار الفجوة إجمالاً وإن بدأت تضيق في بعض الدول الأوروبية دون بعض.

ففي عام 2018م كانت الفجوة بين أجور الرجال والنساء في إيطاليا 5% وفي هولندا 14.8%، وفي فرنسا 15.5%، وفي فنلندا 16.3%، وفي ألمانيا 20.9%، والمعدل العام للفجوة في دول الاتحاد الأوروبي 14.8%، وجميع هذه الأرقام لصالح أجور الرجال. وفي عام 2021م بلغت الفجوة في إيطاليا 5% وفي هولندا 13.5%، وفي فرنسا 15.4%، وفي فنلندا 16.5%، وفي ألمانيا 17.6%، ومعدل الفجوة في دول الاتحاد الأوروبي 12.7%.

وبنظرة بسيطة على هذه الإحصاءات سنجد الفجوة في أكثر الدول مناداةً بالمساواة بين الجنسين، واستجابةً لمطالب الحركة النسوية، وقد تولّى تقرير المفوضية سرد ما يراه أسبابًا لتلك الفجوة، ومنها[2]:

  1. التمثيل الزائد للمرأة في القطاعات ذات الأجور المنخفضة نسبيًّا، مثل الرعاية والصحة والتعليم، وبالتالي تقلّ قيمة عائد الوظائف “عالية التأنيث”.
  2. استعداد النساء لقضاء المزيد من الساعات في العمل غير مدفوع الأجر (التطوعي)، بالأخص رعاية الطفل والمنزل، مما يجور على ما يخصصنه من ساعات للعمل المدفوع.
  3. التمييز الفجّ، إذ تتقاضى المرأة أجرًا أقل من الرجل مقابل القيام بعمل متساوٍ أو عمل ذي قيمة متساوية حتى لو كان مبدأ المساواة في الأجر منصوصًا عليه في النظام الأوروبي.

لكن ثمة بعد آخر للصورة الكاملة، يسلِّط الضوء على أسبابٍ تجعل تلك الفجوة مُنصفةً على الحقيقة، بل ويكاد يتعذَّر سدّها تمامًا! إذ إنَّ تفاوت أجور العاملين في المهنة نفسها مرتبط بعدة عوامل مثل العمر والخبرة والأداء، ويكون جنس الفرد وما يغلب على طبيعة ذلك الجنس من المؤثرات في تلك العوامل. مثلاً، الواقع المشهود والإحصاءات الغربية نفسها تفيد أنَّ الرجال عادةً هم من يعملون لساعاتٍ أطول، ويمكن أن يظلُّوا حتى أوقاتٍ متأخرة في العمل أو ربَّما الليلَ كلَّه، ويقلُّ ذلك من النساء في المهنة نفسها بالمقارنة. كذلك الرجال أكثر قابليةً للعمل في وظائف أخطر، وأكثر قابلية للترحال والتنقل، وأقدر على خشونة التحمل لساعات طويلة متصلة نفسيًّا وبدنيًّا.

وعلى هذا، صحيح أنَّ ثمة نساء يتقاضين مثل الرجال أو أكثر في الوظيفة نفسها؛ لأنهنَّ حققن تلك الاعتبارات وغيرها، وتعدادهنَّ اليوم أكثر من ذي قبل بلا ريب، لكنهن مع ذلك يظللن استثناءات في جهة السائد بين النساء، مقارنة بالسائد في جهة الرجال. لذلك يظلُّ الرجال إجمالاً هم المتصدِّرين عندما يكون سياق الكلام على العموم وباعتبار الغالبية لا الاستثناءات.

تفاوُت أجور العاملين في المهنة نفسها مرتبط بعدة عوامل مثل العمر والخبرة والأداء، ويكون جنس الفرد وما يغلب على طبيعة ذلك الجنس من المؤثرات في تلك العوامل. فالرجال يعملون لساعاتٍ أطول، وأكثر قابليةً للترحال والتنقل أو العمل في وظائف أخطر، وأقدر على خشونة التحمل لساعات طويلة متصلة نفسيًّا وبدنيًّا

– فجوة التخصص العلمي Gender Major Gap:

وعلى المنوال نفسه، لم تتحقَّق مسألة التسوية بين تناسب الجنسين في مختلف التخصصات العلمية وبالتبع المهنية إلى الآن، رغم إتاحة الفرص على مصراعيها. مثلاً: بمطالعةٍ عامةٍ لإحصاءات مختلف النقابات العمالية في مختلف المهن، نجد أن 93.8% من عمّال البناء في أمريكا رجال، في مقابل 6.2% من النساء كما في أحدث إحصائية لقاعدة بيانات Zippia المهنية[3]. وكذلك ما يزال الذكور أغلب من يختارون مجالات الهندسة والإنشاءات والطيران الحربي، حتى في الدول الاسكندنافية أكثر الدول الأوروبية في إتاحة الفرص للمساواة بين الجنسين، وفق إحصاءات قاعدة بيانات Statista الألمانية[4]. بينما يظل غالب طلبة كليات العلوم الإنسانية والاجتماعية والفنية من الإناث.

وبالتجوال في دراسات تتبع سرّ غلبة الذكور في مجال تطوير البرامج وتقنيات المعلومات، على كونه مجالاً لا يرتبط بالقدرة العضلية بل الذهنية، ارتكزت الرؤى إجمالاً على سببين اثنين[5]: تحيّز الذكور المهيمنين على التوظيف في هذه المجالات وبالتالي لا تتشجع الإناث على دخول التخصص، أو غَلَبة ميل الإناث للمهن والتخصصات ذات الطابع الاجتماعي وبناء العلاقات لا العمل الفردي مع الآلات والمعادلات الصمّاء.

وفي مقال نشرته مجلة فوربس Forbes الأمريكية لتريسي روسمان التي أسَّست منظمة TechGirls غير الربحية لتشجيع الفتيات على الانضمام للمجال التقني إجمالاً، تقول تريسي من واقع خبرتها في استبانة آراء الفتيات في مراحل الدراسة ما قبل الجامعية: “لقد أمضيت الكثير من الوقت في البحث لفهم سبب الانخفاض في عدد الفتيات والنساء اللاتي يدخلن هذا المجال. الحقائق واضحة: الفتيات يعتقدن أن وظائف الكمبيوتر مملة، ووسائل الإعلام تصور التقنيين على أنهم مهووسين وغريبي الأطوار Geek/Nerd، والمدارس تقدِّم القليل من دروس البرمجة أو التكنولوجيا، والآباء لا يفهمون تمامًا جميع الخيارات التي توفرها التكنولوجيا للمهن. لقد صار من الواضح بما لا يمكن إنكاره أنَّ مهنة التكنولوجيا لا يتمُّ تقديمها للفتيات بطريقة جذّابة بالنسبة لهن. والحل بسيط: تغيير الطريقة التي يتم بها تقديم الوظائف التكنولوجية وسوف تختار الفتيات متابعة هذه الوظائف”[6]. وتضرب أمثلة لهذا التغيير في تعديل أسماء مناهج البرمجة من “تعلم البرمجة بلغة الجافا” إلى “حل المشكلات بشكل إبداعي في العلوم والهندسة باستخدام الأساليب الحسابية مع بايثون”، ودمج عناصر “المرح” و”الألوان” في العملية التعليمية.

واللافت في هذا التقرير وحده: إثبات فرق طبيعة الاستعداد الذهني عند الإناث بحيث تتطلَّب طريقة عرضٍ مغايرةٍ عن السائد والمقبول لدى أقرانهم من الذكور، الذين يجتذبهم المجال على ما هو عليه. ثم إنَّ إقبال الفتيات على تعلُّم المواد التقنية والاستمتاع بطرق عرضها الجذابة شيء، وإقبالهنَّ على المجال تخصّصًا دراسيًّا ومهنيًّا شيء آخر، وتفاوت النسب بين الجنسين بحيث صارت فجوةً معتبرةً شيءٌ ثالث، وكلٌّ له دلالته.

وكل هذا الرصد يثبت بالدليل العملي أنَّ المسألة ليست في فتح آفاقٍ أو حجبٍها، وإلا فهذا نتاج اختيارات الأفراد الحرّة، بل في اعتبارات منها ما يتعلق بطبائع الجنسين. ولذلك يعبّر هذا التفاوت ضمن ما يعبّر عن جوهر الفروق الفطرية والخِلقية، في الميول والاستعدادات والطاقات النفسية والذهنية اللازمة للتحصيل العلمي ثم العمل المهني، مهما حاول من حاول التنصُّل منها. والفروق ليست عيبًا ولا سُبّة، ولا تعني إلا ما تعنيه حرفيًّا فحسب: هي فروق، ولا بد من الإقرار بها واحترام ما تقتضيه بدل معاندته، والتوقف عن تجاهلها والتعتيم عليها في محاولة سقيمة لطمسها.

يعبّر التفاوت عن جوهر الفروق الفطرية والخِلقية بين الرجال والنساء، في الميول والاستعدادات والطاقات النفسية والذهنية اللازمة للتحصيل العلمي ثم العمل المهني، مهما حاولوا التنصُّل منها. والفروق ليست عيبًا ولا سُبّة، ولا بد من الإقرار بها واحترام ما تقتضيه بدل معاندته، والتوقف عن تجاهلها والتعتيم عليها ومحاولة طمسها

وفيما يلي نماذج منتقاة من إحصاءات من قاعدة بيانات Statista الألمانية، عن نسب الذكور والإناث في بعض التخصصات، في السويد وفنلندا عام 2020:

ويظهر فيها بوضوح تصدر الذكور في مجالات الهندسة والإنشاءات والمعمار وتقنية المعلومات والاتصالات، بينما ترتفع نسب الإناث في مجالات الخدمات الاجتماعية والصحية والإدارة والقانون.

– فجوة التقدم المهني Professional Adancement Gap:

لا تقتصر الفجوة بين الجنسين على الصعيد المهني على تفاوت النسب في مختلف الوظائف، بناء على ما سبق بيانه من التفاوت في التخصصات العلمية، بل لفتت الانتباه في العقود الأخيرة ظاهرة قلة تعداد النساء في مناصب قمة الهرم الإداري في مختلف المجالات. مثلاً، في يناير من هذا العام 2023م بلغت نسبة النساء في منصب المدير التنفيذي CEO في أكبر 500 شركة في الولايات المتحدة 10%، ثم زادت بعد خمسة أشهر إلى 10.4% فحسب، وفق تقرير مجلة فورتشن Fortune الدولية لقضايا المال والأعمال، الصادرة من أمريكا[7].

وفي إحصائية لعام 2016 نشرتها “وول ستريت جورنال”[8]، يظهر تفاقم الفجوة بين نسب الرجال والنساء على طول خط الترقي المهني: الموظف، المدير، مدير المدير، ثم مختلف درجات الإدارة الأعلى فالأعلى. حسب الجدول الآتي:

وهذه الدراسة تظهر اتساع الفجوة بين نسب الرجال والنساء كلما اتجهنا إلى أعلى الهرم الوظيفي أو الإداري.

ولم يؤثر تقدُّم الزمان على هذه النتيجة؛ حيث بقي تفاقم فجوة النسب ساريًا، ففي إحصائية 2022م وردت في تقرير “النساء في مكان العمل”[9]، الصادر مشتركًا من شركة Mckinsey and Company للاستشارات الإدارية (نيويورك) ومبادرة Lean In للتمكين النسائي (كاليفورنيا)، يظهر أنَّ نسب الترقية المهنية النسائية لم تتقدم كثيرًا حتى عام 2022م.

“الرجال والنساء لديهم تصوُّراتٌ مختلفة عما ستكون عليه تجربة شغل منصبٍ رفيع المستوى، وهو ما يمكن أن يُساعد في تفسير استمرار التفاوُت بين الجنسين في قمة التسلسل الهرمي التنظيمي رغم الآفاق والفرص، بما لا علاقة له بالتحيز وإنما بطبائع الاستعداد والرغبة في السلطة كنتيجة طبيعية للتطوير المهني”
تقرير ضمن فعاليات الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأمريكية (PNAS) 2015م

انقسمت الدراسات المحلّلة لهذا التفاوت إلى قسمين:

  • الأول: نظر إلى الظاهرة من منطلق سؤال: لماذا لا يوجد عدد أكبر من النساء في منصب المدير التنفيذي؟ واتجهت إجاباته بأصابع الاتهام إلى “الذكورية” بالأساس. فثقافة العقليات السائدة تتصوَّر مهارات الرياسة والحنكة الإدارية والصلابة العملية وخفّة طاقة السفر والترحال والتنقل في مختلف الأوقات والأطوار … بوصفها خصائص مُذَكَّرة، وبالتالي يميل أرباب التوظيف تلقائيًّا للنظر في المرشحين الرجال للوظائف العليا، ويوم ينظرون لامرأةٍ تكون فلتةً نادرة، وذات خصائص استثنائية (استرجالية بالتعبير الأدق). ومهما تم تقدير أداء النساء العاملات في المجال نفسه وأثبتن زيادة كفاءتهن على أقرانهنّ من الرجال لا يؤخذن بالجِدِّية نفسها عند حلول موسم الترقيات، إذ يخشى أرباب العمل من تأثر الأداء المهني والعائد الربحي للمؤسسة المترتبين على ما يعرض للنساء مما يضطرهن للاستقالة أو طلب إجازات مطولة، عند بدء أسرة أو وقت الحمل أو الإرضاع أو رعاية طفل، ناهيك عن طور الدورة الشهرية وآثاره الفيزيائية والنفسية المعلومة. ولهذا ترى أدبيات هذا القسم أن المجتمع يعاقب المرأة على خصائصها الطبيعية، في حين أنها يجب أن تحصل على حقها كالرجل طالما أنها تخرج مثله للعمل، بل وفي ظل ظروف لا يَخبُر هو مثلها (كما وقت الحمل أو العادة الشهرية)[10].
  • الثاني: خلُص إلى أنَّ السبب كامنٌ في الجواب عن سؤال: لماذا لا تريد أعداد أكبر من النساء التواجد في منصب المدير التنفيذي أو المناصب القيادية بشكل عام؟ وأشهر من تصدّر لجوابه دراسة في عام 2015، أعدتها ثلاث أستاذات من جامعة هارفارد، نشرتها دورية “الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأمريكية”، بعنوان: “بالمقارنة مع الرجال، ترى النساء أن التقدم المهني ممكن التحقيق على قدم المساواة، ولكنَّهنَّ أقل رغبة فيه”[11]. وعلى صدورها من سنوات، تظل خلاصات تلك الدراسة من الفاعلية والصلاحية بحيث يتجدَّد الاستشهاد بها في مختلف الدوريات الحديثة[12].

وفيما يلي مقتطفات توضح الجواب الذي خلصت له في تحليل دوافع النساء من وجهة نظرهن بناء على عيّنات الدراسة:

“على الرغم من أن الأبحاث قدمت أدلة على أن التحيّز والتمييز ضد المرأة يساهمان في هذا التفاوت بين الجنسين في التقدم الوظيفي، إلا أن المؤلفين لهذا البحث اكتشفوا تفسيرًا من زاوية نظر أخرى: وهو أن الرجال والنساء ينظرون إلى التقدم المهني بشكل مختلف، ويؤثر منظورهم هذا على قراراتهم بالترقي في السُّلَّم الوظيفي. … انخفاض معدلات النساء في الأدوار القيادية قد يرجع جزئيًّا إلى الأولويات الأخرى التي تعتني بها النساء، وليس فقط العوائق في مكان العمل التي تحول دون حصولهن على تلك الأدوار. أجرى المؤلفون تسع دراسات لفحص كيفية اختلاف الرجال والنساء في تصوراتهم للمناصب ذات السلطة العالية”ا.هـ.

وسلّطت الدراسة الضوء على ثلاثة مكامن افتراق بين النساء والرجال، تجعل النساء يبتعدن طواعية عن الترقي المهني:

  • خشية التعرض لسلبيات الضغط والقلق والتوتر التي تصاحب المناصب الرفيعة ومعارك “الحفاظ على الكرسي”.
  • التمتع بالسلطة إحدى الداوفع الرئيسية للتقدم المهني عمومًا، لكن وُجد أن النساء أقل اهتمامًا من الرجال باتخاذ السلطة والرياسة هدفًا تسعى وراءه.
  • أولوية اهتمامات أخرى في الحياة تحول دون الاستعداد لـ “تكريس” النفس لساعات عمل أطول، فالمرأة لا تستمع بهذا التكريس كالرجل (الطامح للترقي على المدى) ولا تستمد منه القيمة نفسها. وقد وُجد أنه حتى إذا كان الترقِّي لن يتطلَّب جهدًا إضافيًا من المهام أو ساعات العمل، فلا تزال النساء أقل احتمالاً إحصائيًا من الرجال، بواقع 5 للنساء مقابل 6 للرجال على مقياس اهتمام من 7 نقاط.

وبهذا “تكشف هذه النتائج أنَّ الرجال والنساء لديهم تصوُّراتٌ مختلفة عما ستكون عليه تجربة شغل منصبٍ رفيع المستوى، وهو ما يمكن أن يُساعد في تفسير استمرار التفاوُت بين الجنسين في قمة التسلسل الهرمي التنظيمي رغم الآفاق والفرص، بما لا علاقة له بالتحيز وإنما بطبائع الاستعداد والرغبة في السلطة كنتيجة طبيعية للتطوير المهني”. انتهى من التقرير.

يعبّر التفاوت في الصدارة المهنية بين الرجال والنساء ضمن ما يعبّر عن جوهر فروق فطرية وخِلقية، في الميول والاستعدادات والطاقات النفسية والذهنية اللازمة للتحصيل العلمي ثم العمل المهني، وليست محض “خرافات” أو “قوالب صناعية” خلقتها الأعراف السائدة أو التحيز الذكوري، كما يزعم دعاة المساواة

وفي الختام:

الحاصل من كل هذه السجالات أن فجوة التفاوت في الصدارة المهنية يظل قائمًا حتى في الدول المناصرة للمساواة والتمكين النسائي واسع النطاق. وكل هذا الرصد لأسباب تلك الفجوة واستمرارها يثبت بالدليل العملي أن المسألة ليست في فتح آفاق أو حجبها، وإلا فهذا نتاج اختيارات الأفراد الحرّة دون ضغط مجتمعي أو تقييد عرفي. وإنما المسألة في اعتبارات لها صلة بطبائع الخِلقة الفيزيائية والاستعدادات النفسية، المختلفة بين الرجال والنساء. ولذلك يعبّر هذا التفاوت ضمن ما يعبّر عن جوهر فروق فطرية وخِلقية، في الميول والاستعدادات والطاقات النفسية والذهنية اللازمة للتحصيل العلمي ثم العمل المهني، وليست محض “خرافات” أو “قوالب صناعية” خلقتها الأعراف السائدة أو التحيز الذكوري، كما يحاجج المنظور النسوي ومؤيدوه.

والفروق ليست عيبًا ولا سُبّة، ولا تعني إلا ما تعنيه حرفيًّا فحسب: هي فروق، ولا بد من الإقرار بها واحترام ما تقتضيه بدل معاندته، والتوقف عن تجاهلها والتعتيم عليها في محاولة سقيمة لطمسها أو التنصّل منها.



أ. هدى عبد الرحمن النمر

كاتبة ومؤلّفة ومتحدِّثة في الفكر والأدب وعُمران الذات.


 

[1] تقرير (Gender pay gaps in the European Union – a statistical analysis – 2021 edition) فجوات الأجور بين الجنسين في الاتحاد الأوروبي -تحليل إحصائي- إصدار 2021م، على موقع ec.europa.eu/eurostat.

[2] تقرير (The gender pay gap situation in the EU. Eureopean Commission. 2020) حالة الفجوة في الأجور بين الجنسين في الاتحاد الأوروبي. على موقع المفوضية الأوروبية commission.europa.eu.

[3] تقرير (CONSTRUCTION WORKER DEMOGRAPHICS AND STATISTICS IN THE US.2023) التركيبة السكانية والإحصائيات لعمال البناء في الولايات المتحدة.2023م، على موقع www.zippia.com.

[4] موقع قاعدة البيانات الألمانية www.statista.com.

[5] تقرير (Why Aren’t There Many Women in the Tech Industry?)، على موقع www.advantisglobal.com – 2023م. وتقرير Jenny Little بعنوان (Ten years on, why are there still so few women in tech?) بعد مرور عشر سنوات، لماذا لا يزال هناك عدد قليل جدًا من النساء في مجال التكنولوجيا؟ صحيفة الغارديان – 2020م.

[6] تقرير Tracey Welson-Rossman بعنوان (The Real Reason Most Women Don’t Go Into Tech, According To Women) السبب الحقيقي لعدم دخول معظم النساء مجال التكنولوجيا، وفقًا للنساء، موقع فوربس، Forbes.com – 2015م.

[7] تقرير بعنوان (Women CEOs run more than 10% of Fortune 500 companies for the first time in history) تدير المديرات التنفيذيات أكثر من 10% من شركات قائمة فورتشن 500 لأول مرة في التاريخ، بقلم (EMMA HINCHLIFFE) مجلة فورتشن، يناير 2023م،fortune.com . وتقرير (Women hold 10.4% of Fortune 500 CEO jobs, a sign that companies are recognizing the value of diverse leadership) تشغل النساء 10.4% من وظائف الرؤساء التنفيذيين المدرجة على قائمة فورتشن 500، وهي علامة على أن الشركات تدرك قيمة القيادة المتنوعة، بقلم (EMMA HINCHLIFFE) مجلة فورتشن، يناير 2023م،fortune.com .

[8] تقرير (How Men and Women See the Workplace Differently) كيف يرى الرجال والنساء مكان العمل بشكل مختلف، صحيفة وول ستريت جورنال 2016م، graphics.wsj.com.

[9] تقرير (Women in the Workplace) المرأة في مكان العمل، شركة (Mckinsey and company)، ومبادرة (Lean In)، 2023م. womenintheworkplace.com.

[10] تقرير (Why women must work harder to move up? proof verus potential problem) لماذا يجب على النساء العمل بجدية أكبر للارتقاء؟ الدليل مقابل المشكلة المحتملة، 2022م، إعداد Katie Bishop موقع BBC. وتقرير (Forget the ambition gap, it’s the ‘ambition penalty’ that’s really holding women back at work) انسوا فجوة الطموح، إنها “عقوبة الطموح” التي تعيق النساء عن العمل، بقلم Stefanie O’Connell Rodriguez، مجلة غلامور، Glamour Magazine UK، عام 2023م. glamourmagazine.co.uk. وتقرير (Women less inclined to self-promote than men, even for a job) النساء أقل ميلاً للترويج لأنفسهن من الرجال، حتى بالنسبة للوظيفة، بقلم Christina Pazzanese، صحيفة هارفاردThe Harvard Gazette، 2020م.

[11] تقرير (Compared to men, women view professional advancement as equally attainable, but less desirable) بالمقارنة مع الرجال، ترى النساء أن التقدم المهني أمر ممكن تحقيقه على قدم المساواة، ولكنهن أقل رغبة، إعداد Francesca Gino, و Caroline Ashley Wilmuth, و Alison Wood Brooks، ضمن فعاليات الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأمريكية (PNAS) 2015م.  www.pnas.org.

[12] تقرير (Gender differences in private and public goal setting) الفروق بين الجنسين في تحديد الأهداف الخاصة والعامة، إعداد Jordi Brandts، وآخرين، مجلة السلوك الاقتصادي والتنظيم  Journal of Economic Behavior & Organization، doi.org، العدد 192،2021م.

X