قراءات

قراءة في كتاب جذور البلاء.. للأستاذ عبدالله التلّ

طغى اليهود في هذا العصر وأفسدوا في الأرض ما لم يُفسدوا في وقت سابق، فاحتلوا بلاد المسلمين، ودنَّسوا مقدساتهم، وزرعوا الفتن بينهم، ونشروا أنواع الكفر في العالم، وأشاعوا الرذيلة، وتغلغلوا في مفاصل الاقتصاد والإعلام والسياسة، وعاثوا في الأرض فسادًا، وكان من بين المسلمين مَن يمتنع عن نسبة هذا الإفساد لليهود، ويفرِّق بين اليهودية والصهيونية، وهذا الكتاب يوضح خطأ هذا التصور ويلقي الضوء على الجذور المظلمة لهذا البلاء والداء العضال

نبذة عن المؤلف:

عبد الله بن يوسف التل: ولد في الأردن عام ١٩١٨م، شغل منصب الحاكم العسكري للقدس وقائد القوات العربية فيها عام ١٩٤٨م، من الشخصيات البارزة التي لعبت دورًا محوريًا في الصراع مع الكيان الإسرائيلي والتصدِّي لمشروعه، من مؤلفاته: «كارثة فلسطين»، و«خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية»، توفي عام ١٩٧٣م[1].

وصف الكتاب:

يقع الكتاب في مقدمة وثمانية فصول، استغرقت ٢٨٠ صفحة من القطع المتوسط، والطبعة الأولى لدار الإرشاد في بيروت ١٩٧١م.

موضوعه:

يهدف الكتاب إلى الردِّ على مَن يحاول التفريق بين اليهودية والصهيونية –مع اختلاف الدوافع فيما بينهم– بتوضيح أنَّ التكوين الفكري والنفسي لليهود كان وبالًا على جميع الشعوب التي تعامل اليهود معها وأقاموا بينها، وذلك من خلال استعراض معتقداتهم الفاسدة، والتعريف بالتلمود، وعرض صفات اليهود النفسية، وعلاقتهم بغيرهم من الشعوب، وأهداف اليهود في السيطرة على العالم، والأسلحة التي استخدموها للوصول إلى هدفهم، والفتن والمؤامرات التي نشروها، وخططهم لغزو أفكار البلاد الإسلامية، والعقبات التي وقفت أمامهم، مبينًا تدبير الله تعالى لإنقاذ أهل الأرض من شرور اليهود، والنهضة بالأمم وأخلاقهم.

التكوين الفكري والنفسي لليهود كان وبالًا على جميع الشعوب التي تعامل اليهود معها وأقاموا بينها

القراءة في الكتاب:

الفصل الأول: الجذور في كتاب اليهود «المقدس»:

كتاب اليهود المقدس هو مجموعة أسفار مقسمة إلى ثلاثة أقسام: (التوراة، وأسفار الأنبياء، والكتب). فالتوراة هي الأسفار الخمسة المنسوبةُ لموسى عليه السلام: (التكوين، الخروج، اللاويون، العدد، التثنية)، وتشتمل أسفار الأنبياء على أسفار الأنبياء الذين جاؤوا بعد موسى عليه السلام، ومنهم: (يشوع، والقضاة) وغيرها. أما القسم الثالث: فهو حِكمٌ وآدابٌ ومزاميرٌ وأخبارٌ تاريخية.

وتمثِّل هذه الأسفار الأساسَ الأولَ للدين اليهودي، بينما يُمثِّل التلمودُ الأساسَ الثاني، ومن أعظم ما في التوراة من جذور البلاء ما يلي:

  • الوعود الكاذبة: حيث يحفل كتابهم المقدَّس بوعودِ «الربِّ لإبراهيم ونسله أن يورثهم الأرض المقدسة» في عشرات المواضع، ولا يشكُّ قارئُها أنَّها من بثِّ حاخامات اليهود في أسفارهم التي جُمعت بعد قرونٍ عديدة من وفاة أنبيائهم، تلك الوعود التي تسبَّبت بالشقاء للعالم، وأورثت الإنسانيةَ على مرِّ العصور داءً عضالًا.
  • الكفر والتجديف على الله: فدين اليهود الحالي المنبثق من التوراة المحرفة دينٌ عجيب، وإلههم جاهلٌ حينًا، وعالمٌ حينًا آخر، ضعيفٌ تارةً، وجبارٌ مرعبٌ تارةً أخرى، إلهٌ متعطشٌ لسفكِ الدماء وحرقِ شحومها.

يعتقدُ اليهودُ بإلهٍ خاصٍّ بهم يسمُّونه (يَهْوه)، أجرَوا عليه عمليةَ مسخٍ ليظهروا أنَّهم أقوى منه فيسيرُ معهم حسب أهوائهم. وتعاليم (يَهْوه) كانت على الدوام أساسًا لعادات اليهود الوحشية في ذبح غير اليهود وامتصاص دمائهم لاستخدامها في طقوسهم الدينية، و(يَهْوه) ظالمٌ حقودٌ، شرع قاعدة العقوبات المشتركة التي تأخذ البريء بجريرة المذنب – تعالى الله أن يكون كذلك! – كما حمل كتابهم الاعتراف بوجود آلهةٍ كثيرة.

  • العنصرية والتعصب والانعزال: وضع اليهود في توراتهم جذور العنصرية والتعصُّب والانعزالية، إلى حدِّ حِرمان بقية الشعوب من الاتصال بـ (يَهْوه)، ورسَّخ في أنفسهم أنَّهم الشعب المختار.

طبَّق عزرا كاهن اليهود وجامع توراتهم تعاليم (يَهْوه) عمليًا، فحين عاد مع يهودِ السبيِ إلى أورشليم ووجد أنَّ اليهود قد تزوَّجوا من شعب فلسطين، أقدم على الفصل بين الأزواج اليهود وزوجاتهم الفلسطينيات وأطفالهم.

  • القسوة والهمجية: صوَّر اليهود (يَهْوه) على أنَّه ربُّ الجنود ورجُلُ الحرب، إلهُ إسرائيل الظالم المتوحش، مما عزَّز في نفوسهم غريزة البطش والإرهاب. وجاء في الكتاب المقدَّس أنَّ (يَهْوه) يأمُرُ بقتل الذين يأكلون خبزًا خميرًا في أيامٍ حُرِّم فيها أكلُ الخمير، وبعد أن استراحت نفسه واستمتع برؤية شعبه يَذبحُ بعضهم بعضًا، وجَّه إرادته بالانتقام للشعوب الأخرى، راسمًا خطةَ حربِ الإبادة ليضمن لشعبه الحبيب أرضًا بلا سكان، ووطنًا قوميًا لا منازع لهم فيه من السكان الأصليين.
  • الفسق والدعارة: لم يكتسب الفسقُ والدعارةُ قداسةً كما اكتسبت في توراة اليهود المحرفة، ففي شِرعتهم تسجيلٌ لحوادثِ مضاجعة الأب الفاني السكِّير لابنتَيهِ، والاعتداء على زوجة الأب، وقصصِ زنى الأخ بأخته، واتِّهام الأنبياء بالزنى، وتصوير حياتهم على أنها فوضى جنسية.
  • الظلم والطغيان: تُعدُّ التوراةُ أوَّل كتابٍ يُبيح قتلَ الأبرياء، وتُقرِّر العقوبات المشتركة لمن لا ذنبَ له من البشر والحيوانات التي لا تعقل، وحين عَثَر اليهود على من يحتطبُ يوم السبت، لم يُرشدوه إلى تحريم العمل يوم السبت وإنما قتلوه، ولم يكتفوا بعقاب السارق بل قتلوا معه جميع أفراد أسرته!!
  • الغش والسرقة والطمع: أباحت التوراة الغشَّ والسرقة والطمع، ونسبت هذه الصفات القبيحة إلى الأنبياء، وقد أحلَّ (يَهْوه) لشعبه سرقةَ غيرهم، ونظَّم لهم خُطةً نفعية يُحقِّقها على حساب الآخرين، و(اصطناع الثروة) من خلال الابتزاز بالرِّبا.
  • الرق والعبودية: سبقت توراة اليهود في شرعنة الطبقية الاجتماعية ووضعِ أنظمة الرق والعبودية، فالشعب المختار في نظرها سيدٌ، وبقية الشعوب عبيدٌ يخدمون السادة إلى الأبد، وتُصوِّر التوراةُ يوسفَ عليه السلام مستغلًّا ماهرًا لفقر الشعب المصري، فيشتريه وأرضَه لحساب فرعون، بعد أن اشترى منهم الفضة والمواشي بالخبز الذي يدفع عنهم الموت.
  • الحقد والغدر مع الجحود ونكران الجميل: ما أكثر دروس الحقد والمكر التي تسرُدُها التوراة ناسبةً أغلَبَها إلى أنبياء بني إسرائيل ومُلوكِهم وكهنتهم، فقد خدع أبناءُ يعقوب آلَ شكيم بحثِّهم على الختان لإكمال المصاهرة، ثم انقلبوا عليهم بعد إتمام عملية الاختتان وأبادوهم.

وتُصوِّر التوراةُ داوودَ عليه السلام (أعظم أنبيائهم وملوكهم) حقودًا غدر بالشعب الفلسطيني الذي حماه وأكرمه يوم كان شريدًا طريدًا.

  • الغاية تبرِّر الوسيلة: أباحت التوراة أن يصلَ الإنسان إلى غايته بأيةِ وسيلةٍ حتى لو كانت منافيةً للأخلاق، وقد أثبتت أنَّ الأنبياء طبَّقوا هذا المبدأ، فها هم يصوِّرون إبراهيم عليه السلام أنانيًا غايتُهُ أن يعيش ولو على حساب كرامته، وينسبون إليه التفريط في عِرضِه خوفًا على حياته.
  • الجبن والنفاق: سجَّلت توراةُ اليهود على الشعب المختار جبنًا أصيلًا ونفاقًا فطريًا، فحين سحبهم موسى من مصر ورأوا المصريين مِن خلفهم دبَّ الرعبُ في نفوسهم، على الرغم من أنَّ عدد الجيش الذي كان مع موسى ويوشع باعتراف التوراة كبيرٌ وخيالي.
  • الاستغلال والسيطرة: لا يكادُ قسمٌ من أقسام التوراة يخلو من بيانِ غريزة الاستغلال وحبِّ السيطرة الكامنة في نفوس اليهود منذ أيامهم الأولى، حتى قبل أن تنهال عليهم الوعود الإلهية من (يَهْوه)، تلك الوعود التي ضاعفت من تلك الغريزة لتغدو شهوةً مسعورةً لا يمكن كبح جماحها، فاستغلال اليهود لغيرهم من الشعوب يعتبرونه حقًا قرره لهم ربهم.
  • الكذب: الكذب عند اليهود من الأمور الشائعة التي يُصادفها القارئ في أغلب صفحات كتابهم المقدس، ويأخذ الكذبُ عندهم أشكالًا مختلفةً تصور نفسية اليهود وعقولهم التي تؤمن بالخرافات والسحر والشعوذة، كما تصور داوودَ كذوبًا لا يُخفي كذبَه حتى في مزاميره الدينية.

تُعدُّ التوراةُ أوَّل كتابٍ يُبيح قتلَ الأبرياء، وتُقرِّر العقوبات المشتركة لمن لا ذنبَ له من البشر والحيوانات التي لا تعقل، وحين عَثَر اليهود على من يحتطبُ يوم السبت، لم يُرشدوه إلى تحريم العمل يوم السبت وإنما قتلوه، ولم يكتفوا بعقاب السارق بل قتلوا معه جميع أفراد أسرته!!

الفصل الثاني: الجذور في التلمود:

يمثل التلمود شرح وتفسير علماء اليهود لكتابهم المقدَّس، وقد وُضع في فترة من فترات طغيان اليهود وكفرهم بأنبياء الله، وهو لذلك يحتوي على قدرٍ عظيم من جذور الشرِّ والبلاء.

نبذة تاريخية:

وُضع التلمود في العصر الروماني البيزنطي الذي امتد من سنة ٦٣ ق.م إلى الفتح الإسلامي، ففي أواخر القرن الأول الميلادي حاول اليهودُ الثورةَ على الرومان، لكنهم هُزموا سنة ٧٠ ميلادية وتشتتوا، فباتوا لا ملاذ لهم، فانتقل جمهور علمائهم إلى طبريا، وعملوا على إعادة بناء زعامةٍ دينيةٍ، ونظروا فوجدوا التوراة تنطوي على أحكامٍ مختلفة تحتاج إلى شرحٍ وتفسير، فبدؤوا بشرحه حتى تمَّ لهم ذلك سنة ٤٠٨ ميلادية، وسمِّيَ بالتلمود الأورشليمي، وبعد أن اضطُهِد علماء اليهود زمن البيزنطيين، رحل قسمٌ كبيرٌ منهم إلى فارس وأقبلوا هناك على زيادة التوسُّع في التفسير ووضعوا تلمودًا جديدًا هو التلمود البابلي. ثم صارت الصولة والجولة للتلمود، لأنَّ فيه كلّ ما تشتهيه غرائز اليهود تحت ستار التوراة.

ينصبُّ سخطُ اليهود في التلمود على المسيحيين، فهم في نظرهم كفارٌ؛ دماؤهم وأموالهم وأعراضهم حلال، وغيرهم من بقية الشعوب من باب أولى، لا يشفقون عليهم ولا يقرضونهم إلا بالربا، والزنى بغير اليهود مباح

أهم التعاليم التلمودية:

يصفه واضعوه بالقدسية ويضفون عليه هالةً ربانية، ويبالغون في التحذير من السخرية منه والخطأ في حقه، مع أن عين قارئه لا تخطئ حجم الشتم والتنقص الذي يحتويه التلمود لإلههم، فهو يدرس ويحكم ويلعب ثم يتعلم التلمود!! أما الملائكة في التلمود فهي لا تفهم لغة اليهود، وآدم وحواء يتزوجان الشياطين وينجبان منهم الشياطين!!

ينصبُّ سخطُ اليهود في التلمود على المسيحيين، فهم في نظرهم كفارٌ؛ دماؤهم وأموالهم وأعراضهم حلال، وغيرهم من بقية الشعوب من باب أولى، لا يشفقون عليهم ولا يقرضونهم إلا بالربا، والزنى بغير اليهود مباح.

الفصل الثالث: عداء اليهود الأول للمسيحية والإسلام:

بدلًا من إيمان اليهود بالمسيح عليه السلام، ثم بنبوّة محمد ﷺ.. كفروا بهما، وحاولوا قتلهما، وحشدوا أفكارهم لعداء هاتين الديانتين، فشكّلت هذه النفسية جزءًا من الجذور.

  1. عداؤهم للمسيحية:

بعد أن عمَّ الفسادُ وتفشت الرذيلةُ بين اليهود، وانحرفوا عن جادَّة الصواب، أرسل الله عيسى ابنَ مريم عليه السلام، ليُعيد للإنسانية كرامتها التي أُهدرت، فبدأ المسيح بعلاج ادِّعاء اليهود بأنَّ لهم الفضلَ على من سواهم، وأراد التخفيف من غطرستهم، وتعليمهم الحبَّ والتسامحَ وكرمَ الأخلاق، ومحاربة عبادةِ الذهبِ واحتكارِ عبادة الربّ. لكنهم لم يُصغوا لتعاليمه السامية، وأحسَّوا بالخطر يتهدَّد أنظمتهم وطُقوسهم العفنة، فشرعوا يخططون لقتله، وتآمر معهم يهوذا الإسخريوطي.

نُفِّذت عمليةُ الصلبِ بطريقةٍ بشعة، مارسوا خلالها فنون التعذيب، لكن الذي صُلِب وعُذِّب كان رجلًا يُشبه المسيح عليه السلام. وبعد المسيح لاقى الحواريون الذين حملوا رسالته أفظع أنواع الاضطهاد، وتعرض أتباعهم إلى أهوال يعجز القلم عن وصفها.

وفي الفترة التي كان اليهود فيها ضعفاء عاجزين عن الفتك بالنصارى، كانوا يلجؤون إلى الحرب الأدبية مستخدمين نفوذهم المالي لنشر الكتب التي تهاجمُ المسيحية وتتطاولُ على المسيح والسيدة العذراء عليهما السلام.

2. عداؤهم للإسلام:

أرسل الله محمدًا عليه الصلاة والسلام لحمل الرسالة الإصلاحية الجديدة، وكان اليهود حينَها في شمال الحجاز، حيث عاشوا مع عرب الحجاز في صراع دائم، وبثُّوا روح الشقاق بينهم.

ورغم أنَّ اليهودَ تحدثوا عن نبيٍّ يُبعث في الجزيرة العربية بصفاتٍ وردت في كتبهم، إلا أنهم لم يعترفوا بنبوته ﷺ حين بعثته، حيث رأوا أنَّه منافسٌ يوشِكُ أن ينتزع الزعامة الدينية التي كانوا يدَّعونها، فنظروا لمحمد ﷺ ودينه نظرةَ حَسدٍ وحقدٍ، وأخذوا يكيدون للإسلام والمسلمين، وإذا سُئلوا عن شيء ممَّا في كُتبهم حرفوا الكلم عن مواضعه، وتظاهر بعضهم بالإسلام لدسِّ الشكوك والرِّيَب وزعزعة عقيدة المسلمين وتشكيكهم بالإسلام.

وقد فضح القرآن الكريم أخلاق اليهود وأوضحها، من: الجُبن، والإجرام والقسوة، والكفر وقتل الأنبياء، والكذب والافتراء، والمكر والكيد، وأكل المال الحرام، والمكابرة ونقض العهود، والفحشاء والمنكر، وأكل الربا، والذلة والمسكنة والخزي، فكان طبيعيًا أن يقع الصدام مع المسلمين؛ لأنَّ الإسلام يدعو إلى مُثلٍ عُليا تتعارض مع أخلاق وقيم اليهود.

فضح القرآن الكريم أخلاق اليهود كالجُبن، والإجرام والقسوة، والكفر وقتل الأنبياء، والكذب والافتراء، والمكر والكيد، وأكل المال الحرام، والمكابرة ونقض العهود، والفحشاء والمنكر، وأكل الربا، والذلة والمسكنة والخزي، فكان طبيعيًا أن يقع الصدام مع المسلمين

الفصل الرابع: أسلحة التنفيذ:

اتَّخذ اليهود في نشر بلائهم وشرورهم في العالم أدوات وأسلحة كثيرة، أبرزها ما يأتي:

  1. الماسونية:

وهي أخطر الجمعيات السرية، هدفُها القضاء على المسيحية والإسلام والمجتمعات الإنسانية تمهيدًا لتسلُّط اليهود على العالم، تدَّعي ظاهرًا ترقية العلوم، لكنها بؤرة فسادٍ ودعارةٍ، ولها صلاتٌ مع شيعٍ أخرى يهودية ونصرانية وإلحادية هدفها محاربة الأديان، فغَدَتْ نهرًا تصبُّ فيه جداولُ الحركات الشريرة جميعها.

في عام ١٧١٧م تأسس محفل بريطانيا الأعظم، وأطلقوا على أنفسهم اسم (البنائين الأحرار) بعد أن كانوا (القوة المستورة)، وجعلوا من أهداف الماسونية الخدَّاعة: الحريةَ والإخاءَ والمساواةَ.

وللماسونية مراحلُ ثلاث، يترقى فيها الأعضاء وفق شروط وتراتيب معينة، وقد تأسست لها المحافل في العالم حتى وصلت إلى عالمنا الإسلامي، وتدَّعي الماسونية أنَّها إنسانيةٌ شاملة، وأنها تُهادن الأديانَ جميعها، ولكنَّ هدف الماسون الأول فصلُ الدين عن التعليم ونشرُ العلمانية، وقد دأبت على تحطيم الأسرة لأنها أساس المجتمعات.

2. الصهيونية وجذورها:

وهي حركة سياسية عنصرية قديمة قدم اليهودية نفسها، تسعى إلى تحقيق آمال اليهود في تخريب دول العالم وقيام دولة اليهود، وتهدف إلى تجميع اليهود في فلسطين واستعادة الدولة اليهودية، وإعادة بناء هيكل سليمان وإقامة عرش داوود في القدس، وقد مرَّت الصهيونية خلال مسيرتها بالعديد من الأدوار، ظهر خلال كل دور العديدُ من الأفكار المنحرفة، ومنها ما كُتب له الاستمرار ومنها ما لم يكتب له النجاح.

وتاريخها يقسم إلى أربعة مراحل: (زمن التوراة، وما قبل هرتزل، والزمن المعاصر لهرتزل، والزمن التالي لوعد بلفور)، وكانت قد خمدت في القرون الوسطى نتيجة إدراك أوروبا لخطورة الفكر اليهودي، ثم في عصر التسامح النسبي في القرن الثامن عشر تشجَّع اليهود على إظهار نواياهم الخبيثة لتخريب العالم ثم الحكم على أنقاضه.

3. الصهيونية الحديثة:

تنسب لتيودور هرتزل، حيث حضر محاكمة الضابط اليهودي الفرنسي (دريفوس) الذي كان متهمًا بخيانة الجيش الفرنسي لصالح الألمان، فأحس هرتزل بالاضطهاد الذي يلاقيه اليهود، فنادى بضرورة نصرة اليهود وتخليصهم من الظلم والعبودية، فاستقبل اليهود مشروعه بحماسة شديدة، ثم تجوَّل هرتزل في العديد من العواصم يروِّجُ لفكرته، حتى اتصل بالسلطان العثماني عبد الحميد الثاني رحمه الله، وقدم له المغريات مقابل منح اليهود حقَّ استيطان فلسطين، لكن السلطان ردَّه. ومن أهم الأعمال التي أنجزها هرتزل قبل وفاته:

  • جمع زعماء المنظمات اليهودية في أول مؤتمر صهيوني عالمي سنة ١٨٧٩م.
  • صهر الكتل اليهودية المتناحرة والمتباينة في أهدافها وخططها.
  • جمع حكماء صهيون الذين صدر عنهم أخطر البروتوكولات في تاريخ العالم.

4. جمعيات أخرى:

مثل «بناي برث» و «شهود يَهْوَه» و «الروتاري» و «اللاسامية» وجميعها سارت على خطى الماسونية والصهيونية في خدمة اليهود للسيطرة على العالم.

الفصل الخامس: الفتن والمؤامرات:

النفسية التآمرية لدى اليهود حدت بالكثير منهم إلى ادِّعاء الدخول في الإسلام لبثّ السموم بين المسلمين وزرع الفتن بينهم، مستغلِّين رِفعةَ الأخلاق العربية الإسلامية وتسامُح المسلمين مع من يُبدي لهم حسن النية.

تشعَّب عن مؤامرات اليهود عددٌ من الحركات الهدّامة التي أسهمت في إضعاف المسلمين، وكان من أخطرها «الإسماعيلية» التي أسسها عبد الله بن ميمون القداح، وأنجبت «الإسماعيلية» حركة «القرامطة» في البحرين والعراق واليمن وفارس، والتي قامت لهدم الخلافة العباسية، وألغت شعائر الإسلام من صلاة وصوم وزكاة.

واستمرت فتن اليهود حتى نشوء «الدولة الفاطمية» التي أسّسها اليهودي عبيد الله المهدي في المغرب، ولولا عوامل القوة الكامنة في الإسلام لاستطاع اليهود بدسائسهم ومكرهم تحطيمه ولما يزال في مهده.

يستخدم اليهود الجنس لاسترداد أموال العالم التي يعتقدون أنها لهم، وللحصول على أسرارٍ ومعلوماتٍ من الشخصيات الكبيرة وأصحاب النفوذ في العالم، ولهدم النظام الأسري؛ فانحلَّت الأسرة في الغرب بشكل مخيف، وارتفع عدد الجرائم والتفسُّخ الخلقي في أنحاء كثيرةٍ من العالم

الفصل السادس: طرق التدمير في المجتمعات غير اليهودية:

عمِل اليهود على تدمير مقوِّمات الأمم والشعوب تمهيدًا للاستيلاء على أوطانهم، وأُولى تلك الطرق هي هدم الدين عن طريق الهجوم على رجال الدين للنيل منهم وتحقيرهم أمام الجيل الصاعد، كما يلجأ اليهود إلى طرقٍ عديدةٍ، كان أشدها خطرًا:

  1. الجنس: ويستخدمه اليهود لاسترداد أموال العالم التي يعتقدون أنها لهم، وللحصول على أسرارٍ ومعلوماتٍ من الشخصيات الكبيرة وأصحاب النفوذ في العالم، ولهدم النظام الأسري؛ فانحلَّت الأسرة بشكل مخيف، وارتفع عدد الجرائم والتفسُّخ الخلقي في أنحاء كثيرةٍ من العالم.
  2. الشذوذ الجنسي: نشر اليهود هذا الوباء في العالم ولا سيَّما بعد الحرب العالمية الثانية، وأُيد ذلك من قبل عددٍ كبيرٍ مذهلٍ من رجال الدين، وطلبة الجامعات البريطانية، فاستطاعت اليهودية هزيمة الفضيلة في أوروبا وأمريكا.
  3. الأدب والفن: استطاع اليهود السيطرة على صناعة السينما في العالم، فلا تسمح بإخراج أيِّ فيلمٍ لا يخدم أهداف اليهود من زاويةٍ معيَّنة، وتمكَّنوا من الإشراف على المسارح والملاهي، ويتَّخذون حيَلًا لإبعاد الشُبَهِ عنهم كاستئجار مؤلِّفين من غير اليهود ممن يتمتَّعون بشُهرةٍ واسعةٍ في عالم الأدب والتأليف، كما أنهم سيطروا على صحافة العالم، وينشرون عن طريقها التفسُّخ والانحلال في المجتمعات غير اليهودية.
  4. النصب والرشوة والسرقة: أوجد اليهود في العالم مدرسة النصب والرشوة والسرقة والاحتيال، ثم استعرت في نفوسهم حُمَّى الحقد والحسد والكراهية للناس كافة، فجاءت كتبهم وتعاليم حكمائهم تشجع على الغش والسرقة والنصب واستحلال دم غير اليهود وأموالهم وأعراضهم.

الفصل السابع: الغزو الفكري:

أدركت أممُ الغرب أن الإسلام هو العقبة الكبرى في طريق الاستعمار وفي طريق اليهودية العالمية، وأنَّ الغزو العسكريَّ لديار المسلمين مُخفقٌ مهما طال الزمن، إذا لم يكن مصحوبًا بغزوٍ فكريٍ يزلزل عوامل القوة الكامنة في الإسلام، فشرعوا في تدبير الخطط للقضاء على مقوِّمات الأمة الإسلامية، فقرروا دراسة الإسلام وتاريخِه وآدابِه وفنونِه، فكانت حركة الاستشراق التي أخذت صورة البحث العلمي الأكاديمي الخادع، والتبشير الذي يعمل في التعليم الأولي مِن دور الحضانة ورياض الأطفال إلى المراحل المتقدمة، والطعن بنبي الإسلام وتشويه تاريخه، وإثارة الفتن بين الطوائف الإسلامية، ومحاربة اللغة العربية ممثلة بالقرآن الكريم، وتشويه فكر الشباب ليعجب بمدنية الغرب.

مكمن الخطر في أنظار المستشرقين والمبشرين:

أدرك المستشرقون والمبشرون أن الإسلام يهدد أوروبا ويقف سدًا منيعًا في وجه انتشار المسيحية، وأن قوته الكامنة أخضعت البلاد التي كانت خاضعة للنصرانية، ومَكْمَنُ الخطر في نظرهم يتمثل في القرآن الكريم ومكة المكرمة، والجهاد وقدرة الإسلام على التوسُّع والإخضاع.

أهدافهم الأساسية:

هدف المستشرقون والمبشرون إلى هدم الإسلام وتنصير المسلمين، ومع إدراكهم استحالة ارتداد المسلم عن دينه؛ عملوا على زعزعة عقيدة المسلمين ليسهل عليهم إخضاعهم وهزيمتهم، وكانت أبرز أدواتهم ما يلي:

  • إلحاق المسلمين بالمدارس العلمانية التي تساعد في القضاء على الروح الإسلامية للطلاب.
  • الفصل بين الإسلام والتعاليم الإسلامية وبين الحياة المادية التطبيقية.
  • العمل بصمت على انتزاع شجرة الوحدة الإسلامية، وغرس شجرة صناعية بدلًا عنها تمتد جذورها إلى منابع المدنية الصليبية اليهودية.

وسائلهم لتحقيق أهدافهم:

  1. تشويه الإسلام ونبي الإسلام: بمهاجمة القرآن واتهامه بالتناقض وعدم وضوح التوحيد فيه، والتشكيك بنسب الرسول ﷺ. وطعنهم بعدد من أحكام الإسلام، وتشويه صورة التاريخ الإسلامي.
  2. تسخير التعليم والطب: لنشر تعاليمهم الفاسدة، وملئها بالسموم والمطاعن على الإسلام وتاريخه، كما تصدَّر المستشرقون من اليهود لتدريس التاريخ الإسلامي وتخريج أعدادٍ كبيرةٍ من المسلمين ليعودوا إلى أوطانهم صورًا مشابهةً للمستشرقين، إلا أنهم أكثر خطورة.

أما هيئات التبشير فقد قامت بفتح المدارس التبشيرية في قلب الديار الإسلامية للتأثير على فطرتهم قبل أن تنمو عقولهم ويتشبعوا بالتعاليم الإسلامية، كما أنها استغلت آلام الناس فأكثرت من الإرساليات الطبية المجانية وهدفها الأول هو التبشير.

3. المؤتمرات التبشيرية: لتداول المنجز من الأعمال التبشيرية التي سبقت كل مؤتمر، ودراسة النجاح والفشل، ووضع الخطط على ضوء تلك الدراسات.

4. الكتب والصحف والنشرات: التي استخدموها لبثِّ دعاياتهم المضلِّلة ضد الإسلام والمسلمين، ولنشر الفساد والخلاعة بين صفوف الشباب المسلم عن طريق المقالات الإباحية والكتب الجنسية والمجلات الخليعة.

لم يبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم الجهاد إلا بعد أن استكمل عُدَّته واطمأنَّ إلى رسوخ الإيمان في قلوب الصحابة رضوان الله عليهم، فاستطاع الإسلام أن يحوِّل نفوسَ المسلمين إلى نفوسٍ مثالية خارقة في البذل والتضحية والفداء، وحقَّق بهذه النفوس عن طريق الجهاد المعجزات الحربية الخالدة

الفصل الثامن: استراتيجية السماء:

نظر الله جلَّ وعلا في جميع أهل الأرض فوجد العربَ أجدر الأمم على حمل راية الإسلام، لما يتَّصفون به من صفات جعلتهم ندًا قويًا للطبيعة القاسية، فبعث الله رسوله محمدًا ﷺ مِن قلب الجزيرة العربية، ليُحوِّل تلك الطاقات البشرية إلى قوى تسخَّر لخدمة الإنسانية، وتسلك طريق الجهاد وتنظم أموره معتمدًا على دعائم خمس هي:

  1. التبرير والأمر: فقد سلك النبيُّ ﷺ طريق الجهاد لدفع الأذى والظلم عن المسلمين، ودفاعًا عن دين الله، وعن الضعفاء والمساكين، وعن العِرض والمال والوطن، وردعًا لعصبية الكفر والشرك والظلم والفساد.
  2. الروح المعنوية: التي تجعل المجاهدين يُقْدِمون على الموت بشجاعة ورغبة صادقة.
  3. مقومات الثبات: من أهمها التشجيع والوعد بالجنة والنعيم، والتأنيب والوعيد بالحساب والعذاب.
  4. الإعداد المادي: وتتضمن إعداد الوسائل الحربية التي تكفل التغلب على الأعداء ورد كيدهم في نحورهم.
  5. الأخلاق: فقد أمر القرآن الكريم أن يحافظ المسلمون في جهادهم وحربهم على فروسيتهم الموروثة، فلا يفتكون بغير المحاربين كالنساء والأطفال والشيوخ.

التطبيق العملي:

لم يبدأ الرسول ﷺ الجهاد إلا بعد أن استكمل عُدَّته واطمأنَّ إلى رسوخ الإيمان في قلوب الصحابة رضوان الله عليهم، فاستطاع الإسلام أن يحوِّل نفوسَ المسلمين إلى نفوسٍ مثالية خارقة في البذل والتضحية والفداء، وحقَّق بهذه النفوس عن طريق الجهاد المعجزات الحربية الخالدة، فهدموا عرشَ كسرى، وزلزلوا غطرسة الروم بفئات قليلة، وعندما تغيَّرت نفوس المسلمين وتعلقت بالدنيا ومغرياتها كانت الهزائم رغم قوتهم المادية وكثرتهم البشرية كما هو الحال في بلاط الشهداء.

بطلان فرية:

فسَّر المستشرقون والمبشرون ظهور الإسلام أنه حركةٌ فرضتها ظروف الجزيرة العربية الاقتصادية، وافتروا على تاريخ الجهاد ناسبين إليه أطماعًا اقتصادية، لكنهم تجاهلوا المَدَنية الإسلامية التي عمَّت أرجاء الكرة الأرضية، فنتج عنها خيرٌ وعمرانٌ وثراء وتقدُّمٌ علميٌّ.

ويُكمل المبشرون والمستشرقون اليهود فريتهم بادِّعائهم أنَّ الإسلام دينُ السيف يُجبر الناس على الدخول فيه، لكنَّه والله دين الحرية والسلام والتسامح، ولم يُكره المسلمون أحدًا على ترك دينه، بل اعترف مؤرخو الغرب المنصفون بالفَرق الشاسع بين حروب الإسلام وحروب الغرب المسيحي، الذين كانوا يتفننون بتعذيب من تحت أيديهم.

إنَّ الأمر ليس متعلقًا بالمنطق والتاريخ والوقائع، وإنما هو التخطيط الصليبي اليهودي، لتشويه معاني الجهاد الإسلامي.

وفي الختام:

وبعد هذه الجولة المختصرة في هذا الكتاب يتَّضح خطأ من يروم التفريق بين الصهيونية واليهودية؛ فيعتبر الصهيونية حركةً سياسية، ويَنسِب إليها الاحتلال والقتل والتدمير والإفساد في الأرض، ويبرِّئ اليهودية من الرزايا والشرور وينظر إليهم نظرةً مسالمةً بحجة وجود أفرادٍ أو جماعات من اليهود هنا أو هناك مناوئين للحركة الصهيونية، متناسيًا أن جذور البلاء ضاربة في أعماق دين اليهود وكتابهم المقدس وتاريخهم القديم والحديث.


أ. غسان أسود

إجازات قرآنية، مدرس في جمعية لتعليم القرآن الكريم.


[1] موقع الجزيرة نت.

X