تأصيل

حدود الطاعة الشرعية لولاة الأمر

مفهوم طاعة ولاة الأمر مِن القضايا الجدلية في هذا الزمان مِن حيث تحديد ما يَدخُلُ في الواجب الشرعي مِن طاعتهم وما لا يدخُل، ويأتي هذا المقال في رسم حدود الطاعة الشرعية مِن حيث الوجوب وعدمه؛ إبرازًا للنصوص الواردة في ذلك، وانسجامًا مع مقاصد الشرع في الإمامة، بغض النظر عن أحوال الأفراد، وعوارض الاستطاعة والإكراه.

تمهيد في المقصود مِن نصب الإمام:

وجودُ الإمام ليس مطلوبًا لنفسه، وعقدُ الإمامة ليس مقصودًا لذاته، وإنما شُرع لما يترتب عليه.

قال الطِّيبي في «شرح المشكاة»: «الراعي ليس بمطلوب لذاته، وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه المالك، فعلى السلطان حفظ الرعية فيما يتعين عليه مِن حفظ شرائعهم..، فينبغي أن لا يتصرف في الرعية إلا بإذن الله ورسوله»[1].

وأحكامُ الإمامة ليست مِن الأحكام التعبُّدية المحضة التي لا يُعقل معناها، بل هي مِن الأحكام التي شُرعت لتحقيق مقاصد شرعية عظيمة تتمثل في حراسة الدين، وسياسة الدنيا به بما يُحقِّق مصالح الناس، ويحفظ ضرورياتهم، ويدفع عنهم المفاسد، فالإمامةُ: «موضوعةٌ لخلافة النبوّة في حراسة الدين، وسياسة الدنيا»[2].

ولا يتمكَّن الحاكم مِن القيام بهذه المهامّ إلا بتجاوُب الرعية مع قراراته وتوجيهاته، ومِن هنا جاءت النصوص الشرعية مُلزمةً للرعية طاعة مَن ولّاه اللهُ أمرهم.

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩].

قال الطبري: «وأَولى الأقوالِ في ذلك بالصواب قولُ مَن قال: هم الأمراء والولاة؛ لصحّة الأخبار عن رسول الله ﷺ بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان طاعةً وللمسلمين مصلحة»[3].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: (عليك السمعُ والطاعة في عُسرِك ويُسرِك، ومَنشطِك ومَكرهِك، وأَثَرةٍ عليك)[4].

وقال الإمام الطحاوي في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة: «ولا ننزِعُ يدًا مِن طاعتِهم، ونرى طاعتَهم مِن طاعةِ الله عز وجل فريضةً ما لم يأمروا بمعصية»[5].

ليس في شيء مِن أدلة الشريعة ما يدلّ على وجوب طاعة مَن يقود الأمةَ بغير شريعة الله مِن الأهواء أو القوانين الوضعية، بل إنّ الداعي لنصبه، والمعنى الذي أمر بطاعته لتحقيقه قد فات كليًا باتخاذه كتاب الله وراءه ظهريًا، وإعراضه عن شريعة الإسلام

الشريعة قيدت طاعة الحكّام:

طاعة الحكام ليست مطلقةً بلا قيود، فقد جاءت الشريعة بضبط هذه الطاعة ليتحقَّق المقصد مِن مشروعيتها، فمَن يتأمَّل هذه الضوابط تتبيّن له عظمة التشريع الإسلامي في تحقيق المصالح ودرء المفاسد من جميع الجوانب. فمِن أجل انتظام أمور الجماعة، وتحقيق الدولة لواجباتها ومسؤولياتها ألزمت الرعيةَ بالسمع والطاعة، وجعلت ذلك فرضًا دينيًا يُثاب فاعلُه ويعاقَب تاركُه. ومِن أجل ضبط هذه الطاعة لئلا تخرج عن مقصودها، ولئلّا تتحوّل إلى أداةٍ للاستبداد وتحقيقِ الأهواء فقد وضعت لها قيودًا وضوابط تحافظ عليها في سياقها الصحيح. وهذا المقال يُعنى ببيان هذه الضوابط، وذكر أدلتها، وإبراز حدودها ومعالمها، وإذا كان الأصل هو وجوب طاعة الحاكم المسلم، فالسؤال الذي يجيب عنه المقال:

ما هي الضوابط الشرعية في طاعة ولي الأمر المسلم؟

ويمكن إجمال هذه الضوابط في خمسة:

  1. أن يقود الأمةَ بكتاب الله.
  2. ألّا يأمر بمعصية.
  3. أن يأمر بما يقتضيه العلم.
  4. أن يأمر بما يتعلق بالمصالح العامة.
  5. أن يأمر بما يُستطاع.

وقبل الشروع في تناول هذه الضوابط يحسُن التأكيد هنا على عدم التلازم بين عدم وجوب طاعة ولي الأمر في بعض الصور وبين مشروعية الخروج عليه، فقد لا تجب الطاعة ومع ذلك لا يشرع الخروج؛ لعدم تحقق شروطه.

كما أنّ الأمر بلزوم الجماعة والمنع مِن الخروج على ولاة الأمر لا يستلزم الطاعة المطلقة لهم، ومتابعتهم على الحق والباطل.

وفيما يلي توضيح هذه الضوابط:

الضابط الأول: أن يقود الأمةَ بكتاب الله:

إنما نُصب الإمام (السلطان) لحراسة الدّين، وسياسة الدّنيا به، وهذا يوجب أنْ يقود الأمةَ بكتاب الله وسنة نبيه ﷺ، فإذا لم يفعل فات المقصود الأساس مِن نصبه، وزال أهم الأسباب التي مِن أجلها أوجبت الشريعةُ على الرعية طاعتَه.

فعن أمِّ الحصين رضي الله عنها: أنَّها سمعت رسولَ الله ﷺ يقول: (إنْ أُمّر عليكم عبدٌ مُجدَّعٌ يقودكم بكتاب الله تعالى، فاسمعوا له وأطيعوا)[6].

وبيّن هذا بجلاء ووضوح أميرُ المؤمنين علي رضي الله عنه حيث قال: «حقٌّ على الإمام أن يحكم بما أنزل الله عز وجل، وأنْ يؤدِّي الأمانة، فإذا فعل ذلك فحقٌّ على الناس أن يسمعوا له وأن يطيعوا، وأن يجيبوا إذا دُعوا»[7].

وقال الإمام مالك رحمه الله: «لا يكون أحدٌ إمامًا أبدًا إلا على هذا الشرط»[8].

وفي بيان معنى القيادة بكتاب الله تعالى يقول الطيبي: «(يقودكم) يسوقكم بالأمر والنهي على ما هو مقتضى كتاب الله وحكمه»[9].

وفي بيان اعتبار هذا القيد في لزوم طاعة الأئمة يقول القاضي عياض: «وفيه ما يلزم مِن طاعة الأئمة إذا كانوا متمسِّكين بالإسلام، والدعوة لكتاب الله كيف ما كانوا هم في أنفسهم وأنسابهم وأخلاقهم»[10]، وبنحوه قال النووي[11].

وقال ابن حزم: «الإمام الواجب طاعته ما قادنا بكتاب الله تعالى وبسنة رسول الله ﷺ الذي أَمر الكتابُ باتباعها، فإن زاغ عن شيء منهما مُنع مِن ذلك..»[12].

وقال الأمير الصنعاني: «ولكنْ شرَطَ السمعَ له والطاعةَ بقوله: (ما أقام فيكم كتاب الله) أي: ما عمل فيكم بالقرآن»[13].

فإن قيل: إنَّ كثيرًا من النصوص تأمر بطاعة ولي الأمر بإطلاقٍ دونَ تقييد بهذا القيد، ولو كان فاسقًا عاصيًا.

فالجواب: أنّه ليس في شيء مِن أدلة الشريعة ما يدلّ على أنّ مَن يقود الأمةَ بغير شريعة الله مِن الأهواء أو القوانين الوضعية أنه يجب أن يُسمَع له ويُطاع له، بل إنّ الداعي لنصبه، والمعنى الذي أمر بطاعته لتحقيقه قد فات كليًا باتخاذه كتاب الله وراءه ظهريًا، وإعراضه عن شريعة الإسلام.

ومما يوضّح هذا أنّ البيعة الواجبةَ على الرعية إنما تكون بمبايعته على كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، فمَن طلب البيعةَ على غير الكتاب والسنة لم يُجَب إلى ذلك.

قال أبو عبد الله القرطبي: «إذا انعقدت الإمامةُ.. وجب على الناس كافةً مبايعتُه على السمع والطاعة، وإقامةِ كتاب الله وسنّةِ رسوله ﷺ»[14].

وقال ابن حجر: «والأصلُ في مبايعة الإمام أن يبايعَه على أن يعملَ بالحقّ، ويقيمَ الحدود، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر»[15].

المقصودُ بسقوط طاعة الإمام الذي يحكم بغير ما أنزل الله أنه لا تجب طاعتُه شرعًا بمجرد صفته إمامًا، وكونِه حاكمًا أو وليَّ أمر. أما التقيد بالأنظمة المحقِّقة للمصالح العامة مِن غير مخالفةٍ للشريعة فلا بدّ منه

وإذا تقرر أنَّه لا تجب طاعةُ الإمام الذي لا يقود الأمةَ بالكتاب والسنة، ولا يحكُمُ بشريعة الله، فلا يعني ذلك خروجَ المسلم عن التقيُّد بالقوانين الأخرى الموافقة للشريعة في ضبط حياة الناس، ودرء المفاسد عنهم، ومنع الجنايات والاعتداء فيما بينهم.

فالمقصودُ بسقوط طاعة الإمام الذي يحكم بغير ما أنزل الله أنه لا تجب طاعتُه شرعًا بمجرد صفته إمامًا، وكونِه حاكمًا أو وليَّ أمر، أما التقيد بالأنظمة المحقِّقة للمصالح العامة مِن غير مخالفةٍ للشريعة فلا بدّ منه، ومثلُ ذلك فيما لو دخل المسلم بلادًا لا تُحكَم بالشريعة للعمل أو للزيارة، فدخوله يكون مِن خلال عقد مع تلك الحكومة فيَلزمُه الوفاءُ بهذا العقد وعدم مخالفة الأنظمة العامة التي بها تتحقق المصالح في غير المعاصي.

ويمكن بيان وجه ذلك مِن خلال الربط بالتكييف الشرعي لسلطة الإمام؛ فإنّ سلطة الإمام لها جانبان[16]:

أحدهما: شرعي يتمثّل في كونه نائبًا عن صاحب الشرع في تطبيق أحكامه، ومِن هنا تثبت له الولاية الشرعية.

قال ابن خلدون في مقدمته: «قد بيّنّا حقيقة هذا المنصب، وأنّه نيابةٌ عن صاحب الشّريعة في حفظ الدّين، وسياسة الدّنيا به»[17].

والثاني: دنيوي يتمثَّل في كون الإمام وكيلًا ونائبًا عن الناس في إدارة شؤونهم العامة.

قال الحجاوي : « وتصرفه -أي الإمام- على الناس بطريق الوكالة لهم، فهو وكيل المسلمين»[18]. فسلطةُ الإمام مركبةٌ مِن الولاية الشرعية والوكالة مِن الرعية عبر ممثليهم مِن أهل الحلِّ والعقد.

قال ابن تيمية في بيان تعلّق سلطة الإمام بالجانبين: «إنّ الخلقَ عبادُ الله، والولاة نوابُ الله[19] على عباده، وهم وكلاءُ العباد على نفوسهم؛ بمنزلة أحد الشريكين مع الآخر؛ ففيهم معنى الولاية والوكالة»[20].

فولايةُ الإمام مُستفادة مِن الشريعة، فإذا لم يَحكُم بها سقط ما ثبت له مِن الولاية، ولم يثبت كونُه وليًا للأمر شرعًا تجب طاعتُه، ولكن يبقى الجانب الآخر المتمثل في التعاقد والاتفاق بين الطرفين، وينبني عليه التقيد بحسب ما وقع عليه الاتفاق.

الضابط الثاني: أن لا يأمر بمعصية:

الذي أوجب طاعةَ ولاة الأمر هو الله عز وجل، فإذا أمر الحاكمُ أو الوالي بمعصية الله في أمرٍ من الأمور لم يُمكن أن يمتثل أمره بمعصية الله سبحانه الذي ما شرعتْ طاعةُ الولاة إلا بأمره، وقد جاءت السنة النبويةُ صريحةً في أنَّه لا طاعة في المعاصي، وأنَّ طاعتهم تسقط إذا أمروا بمعصية.

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ، قال: (السمعُ والطاعةُ على المرء المسلم فيما أحبّ وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)[21].

وعن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: (لا طاعةَ في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف)[22].

وقال الشوكاني: «وهذا تقييدٌ لما أُطلق في الأحاديث المطلقة القاضية بطاعة أولي الأمر على العموم، والقاضية بالصبر على ما يقع مِن الأمير مما يُكره»[23].

إذا أمر الحاكم المسلم بمعصيةٍ فإنّ الطاعةَ تسقط في خصوصِ ما أمر به مِن المعصية، لا في عُموم ما يأمر به؛ لأنّ الأصل وجوبُ السمع والطاعة

ومما ينبغي التنبيهُ عليه أنّ الحاكمَ المسلم إذا أمر بمعصيةٍ فإنّ الطاعةَ تسقط في خصوصِ ما أمر به مِن المعصية، لا في عُموم ما يأمر به؛ لأنّ الأصل وجوبُ السمع والطاعة، ويخرج عن هذا الأصل ما إذا أمر بمعصية فتسقط طاعتُه فيها، ويبقى ما عداه على الأصل.

قال أبو العباس القرطبي: «فإنْ أمر بمعصية فلا تجوز طاعته في تلك المعصية قولًا واحدًا»[24].

وأما ما ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله ﷺ: (إنه سيلي أمرَكم مِن بعدي رجالٌ يُطفئون السنة، ويُحدثون بدعة، ويؤخِّرون الصلاة عن مواقيتها، قال ابن مسعود: يا رسول الله، كيف بي إذا أدركتُهم؟ قال: ليس يا ابن أم عبدٍ طاعةٌ لمن عصى الله. قالها ثلاث مرات)[25]. فهذا الحديث مختلَفٌ في ثبوته، وعلى القول بثبوته فالمرادُ به عدمُ موافقته في المعاصي المذكورة، لا سقوط طاعته بالكلية.

قال أبو الحسن السندي: «قوله: (لمن عصى الله) أي: فيما به يعصيه، لا مطلقًا»[26].

وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: «وقال الجمهور مِن الأمة وأهل الحديث: لا يُخلع بهذه الأمور -أي بالجَور والظلم-، ولا يجب الخروج عليه؛ بل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته فيما يدعو إليه من معاصي الله»[27].

ولابن تيمية تفريقٌ في طاعة الإمام بين ما إذا كان عدلًا أو غيرَ عدل، حيث يقول: «والإمامُ العدلُ تجب طاعتُه فيما لم يُعلم أنه معصية، وغيرُ العدل تجب طاعتُه فيما عُلم أنه طاعةٌ كالجهاد»[28].

ولعلّ وجه ذلك أنّ الأصلَ في العدل أن يتحرَّى مرضاة الله، ويتجنَّب معاصيَه، ويجتهد في تحقيق مصالح المسلمين بخلاف غير العدل الذي عُرف باتباع هواه، وعدم تحرِّي مرضاة الله وتحقيق مصالح الناس التي إنما نُصب لتحقيقها، وما أُمر بطاعته إلا لإعانته عليها، فقد يكون في طاعته إعانةٌ له على هواه مما يخرج عن مقصود نصبه.

ويدخل في قوله: «فيما عُلم أنه طاعة» كلُّ ما يحقق مصالح العباد، ويدرأ عنهم المفاسد؛ لأنّ الأمرَ به لا شكَّ أنه مِن الطاعة، فلا بدّ مِن إعانته عليه بطاعته والتجاوب معه في تحقيقه.

إذا أمر السلطان مِن غير علمٍ بالشرعِ ولا الواقع، ولا رجوعٍ إلى أهل العلم فيما تتوقَّف معرفةُ حكمِه على ذلك كان عاصيًا بذلك، ويسقطُ وجوبُ طاعته فيما أمر به

وهذا يلتقي مع ما قرَّره العزُّ بن عبد السلام بقوله: «وكذلك لا طاعةَ لجهلة الملوك والأمراء إلا فيما يعلم المأمورُ أنه مأذونٌ في الشرع»[29]، فكلامُه متوافق مع كلام ابن تيمية في أنّ طاعة الأئمة في الحال التي لا يتحقق فيهم مِن الصفات ما يؤتمنون فيه على مصالح الخلق إنما تكون في المأذون شرعًا الذي عُلم أنه ليس بمعصية بخلاف الأئمة العدول العالمين الذين يُطاعون في كلّ ما يأمرون به إلا إذا علم أنه معصية محقّقة.

الضابط الثالث: أن يأمر بما يقتضيه العِلم لا بمجرَّد هواه:

تحصيلُ مصالح العباد، ودرءُ المفاسد عنهم، وحفظُ ضرورياتهم لا يتأتّى إلا بالعلم والخبرة التي يحصلها الإمام بنفسه أو بمن يُشاورهم مِن أهل العلم، فإذا أمر مِن غير علمٍ بالشرعِ ولا الواقع، ولا رجوعٍ إلى أهل العلم فيما تتوقَّف معرفةُ حكمِه على ذلك كان عاصيًا بذلك، ويسقطُ وجوبُ طاعته فيما أمر به على خلاف قانون العلم، ويدخل في ذلك ما إذا أمر السلطانُ بقضية اختصاصية سواء كانت شرعيةً أو اقتصاديةً أو غيرها، وكان جاهلًا بذلك الاختصاص، ولم يرجع إلى أهل المعرفة بذلك، ويحكم أهلُ الخبرة بخطأ قراره، وأنه يفضي إلى وقوع المفاسد، ولا يحقق المصالح فحينئذ يجب عليه أن يتراجع عن قراره، ولا تجب طاعتُه فيه إلا إذا أجبر الرعيةَ عليه، فيُطاع لمحلّ الاضطرار.

قال أبو العباس القرطبي: «الأمراء شرطهم أن يكونوا آمرين بما يقتضيه العلم، وكذلك كان أمراءُ رسول الله ﷺ، وحينئذ تجب طاعتهم، فلو أمروا بما لا يقتضيه العلم حَرُمَت طاعتهم»[30].

وقال ابن القيم: «والتحقيقُ أنّ الأمراء إنما يطاعون إذا أمروا بمقتضى العلم؛ فطاعتُهم تبع لطاعة العلماء؛ فإن الطاعة إنما تكون في المعروف وما أوجبه العلم، فكما أنّ طاعة العلماء تبع لطاعة الرسول فطاعة الأمراء تبع لطاعة العلماء»[31]. وقرر ذلك أيضًا الحافظ العراقي[32].

وسبق قول العز بن عبد السلام: «لا طاعةَ لجَهَلة الملوك والأمراء إلا فيما يَعلمُ المأمورُ أنَّه مأذونٌ في الشرع»[33].

وما يؤكد هذا الضابط القاعدةُ التي قرّرها العلماء، وهي أنّ (تصرف الإمام على الرعية مَنوطٌ بالمصلحة)، بمعنى أنه ليس له أن يتصرف بمجرد هواه ورغبته، بل يجب عليه أن يراعي في قراراته وتصرفاته مصلحة مَن وُلّي عليه مِن الرّعية، فإذا تصرَّف بغير ما تقتضيه المصلحة كان تصرفُه مخالفًا للشريعة، وكان عاصيًا بذلك مما يستدعي نصيحتَه والإنكار عليه، لا إعانته على المعصية بطاعته، وقد أورد الفقهاء تحت هذه القاعدة أمثلةً كثيرةً لتصرُّفاتٍ واقعةٍ مِن الإمام على غير المصلحة، وحكموا بعدم صحَّتها[34].

وقال ابن نجيم الحنفي: «تنبيهٌ: إذا كان فعلُ الإمام مبنيًا على المصلحة فيما يتعلق بالأمور العامة لم ينفُذ أمره شرعًا إلا إذا وافقه[35]، فإن خالفه لم ينفُذ»[36].

إلزام السلطان في مسائل النزاع بالتزام قولٍ بلا حجَّةٍ مِن الكتاب والسنة لا يجوز باتِّفاق المسلمين، ولا يفيد حكمُ حاكمٍ بصحّة قولٍ دون قولٍ في مثل ذلك إلا إذا كان معه حجةٌ يجبُ الرجوع إليها

ابن تيمية رحمه الله

الضابط الرابع: أن يأمر بما يتعلق بالمصالح العامة:

نظرُ الإمام متعلِّقٌ بالشأن العام؛ لأنّ موضوعَ الولاية رعايةُ مصالح الخلق العامة في العاجل والآجل، فليس له أن يتدخّل فيما لا تعلُّق له بالشأن العام مما يسوغ للعباد أن يعملوه في خاصة أنفسهم، فليس مِن صلاحيات الإمام إلزام الناس بقولٍ معين في المسائل الاجتهادية المتعلقة بالعبادات والشؤون الخاصة، فإذا أمر بشيء مِن ذلك كان أمره كأمر غيره؛ لأنه خارج عن موضوع ولايته، كما لو أمر شخصًا أن يزوّج ابنتَه لفلان، أو أمره أن يتوضأ مِن أكل لحم الإبل، أو يحج متمتعًا.

قال الإمام الطبري: «لا طاعةَ تجب لأحدٍ فيما أمر ونهى فيما لم تقم حجةُ وجوبه إلا للأئمة الذين ألزم الله عباده طاعتَهم فيما أمروا به رعيتَهم مما هو مصلحةٌ لعامة الرعية، فإنّ على مَن أمروه بذلك طاعتَهم»[37].

وقال ابن تيمية: «وأما إلزام السلطان في مسائل النزاع بالتزام قولٍ بلا حجَّةٍ مِن الكتاب والسنة فهذا لا يجوز باتِّفاق المسلمين، ولا يفيد حكمُ حاكمٍ بصحّة قولٍ دون قولٍ في مثل ذلك إلا إذا كان معه حجةٌ يجبُ الرجوع إليها؛ فيكون كلامُه قبل الولاية وبعدها سواء، وهذا بمنزلة الكتب التي يصنفها في العلم»[38].

وأما قاعدة (حكم الحاكم يرفع الخلاف) فمحلُّ تطبيقها إنما هو في حكم القاضي في مسائل النزاع بين الخصوم؛ لأنّ القضاء إنما أقيم لفضِّ النزاع، وقطع الخصومة، ولا يتأتى ذلك إلا بالإلزام بحكم القاضي ونفوذه في المسائل الاتفاقية والخلافية، إلا إذا بنى حكمَه على ما يخالف النص أو الإجماع، أو حَكم بقول شاذ مردود فإن حكمَه حينئذ يُنقض.

الضابط الخامس: أن يأمر بما يُستطاع.

جميع التكاليف الشرعية منوطة بالاستطاعة، فإذا لم تتحقق سقط التكليف، قال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦]، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم)[39].

وقد جاء النص على اشتراط الاستطاعة في خصوص وجوب طاعة أولي الأمر، كما جاء عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، قال: (كنا إذا بايعنا رسولَ الله ﷺ على السمع والطاعة، يقول لنا: فيما استطعتم)[40].

قال ابن حبان: «(وتطيعوا لمن ولاه الله أمركم) لفظُه عامٌّ له تخصيصان؛ أحدهما: أن يؤمر المرء بما له فيه رضى، والثاني إذا أمر ما استطاع دون ما لا يستطيع»[41].

ويحسن هنا التنبيه أنّ الاستطاعة المعتبرة شرعًا ليست هي مجردَ إمكانِ الفعل، وعدمِ العجز، بل إذا ترتب على الفعل مفسدةٌ راجحة، وضررٌ غير محتمل لم يكن المكلّفُ مستطيعًا.

لو أمر السلطانُ شخصًا أن يترك مدافعة الصائل عن نفسه لم تجب طاعته؛ لعظم الضرر في ذلك، أو أمره بتأدية مال لا بدّ له منه في حاجاته الأصلية لم يلزمه ذلك ما لم يُكره عليه

قال ابن تيمية: «فالشارعُ لا ينظر في الاستطاعة الشرعية إلى مجرد إمكان الفعل، بل ينظر إلى لوازم ذلك، فإذا كان الفعل ممكنًا مع المفسدة الراجحة لم تكن هذه استطاعةً شرعيةً، كالذي يقدر أن يحج مع ضرر يلحقه في بدنه أو ماله، أو يصلي قائمًا مع زيادة مرضه، أو يصوم الشهرين مع انقطاعه عن معيشته، ونحو ذلك»[42].

فلو أمر السلطانُ شخصًا أن يترك مدافعة الصائل عن نفسه لم تجب طاعته؛ لعظم الضرر في ذلك، أو أمره بتأدية مال لا بدّ له منه في حاجاته الأصلية لم يلزمه ذلك ما لم يُكره عليه.

وبهذا يتبين أنّ طاعة ولي الأمر المسلم مقيدة بخمسة ضوابط وقيود، والضابط الأول لا بد منه في ثبوت أصل الطاعة، وهو أن يحكم بشريعة الله.

وأما في بقية الضوابط (وهي: ١. أن لا يأمر بمعصية، ٢. وأن يأمر بمقتضى العلم، ٣. أن يأمر بما يتعلق بالمصالح العامة، ٤. وأن يأمر بما يستطاع) فلا تسقط طاعة الإمام بالكلية، وإنما تُترك طاعتُه في خصوص القضية المعينة التي لم يتوفر فيها الضابط، ويبقى وجوبُ طاعته ثابتًا فيما عدا ذلك.

فظهر بذلك أنّ طاعة الحكام والسلاطين ليست مطلقة في الشريعة الإسلامية، ولا مقصودة لذاتها، وإنما أمرت بها الشريعة لتكون عونًا لهم في تحقيق مقصود الإمامة، وجلب مصالح العباد، ودرء المفاسد عنهم، ومِن ثَمّ فإن وجوبها يَسقط في الحالات التي تخرج عن المقصد الذي شرعت مِن أجله.. والله الموفق.


د. عمار بن إبراهيم العيسى

أكاديمي، ومتخصص في البحث والتعليم الشرعي.


[1] الكاشف عن حقائق السنن (شرح مشكاة المصابيح)، للطيبي (٨/ ٢٥٦٩).

[2] الأحكام السلطانية، للماوردي ص (٧)، وفي معناه ما ذكره ابن خلدون في تاريخه (١/٢٣٩).

[3] جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري (٧/١٨٢).

[4] أخرجه مسلم (١٨٣٦). الأَثَرةُ: الاسم مِن آثَرَ يُوثِرُ، والمراد أنه يستأثر عليكم، فيفضّل غيركم، ويختص بالدنيا دونكم، والاستئثارُ: الانفراد بالشيء. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (١/٢٢).

[5] متن الطحاوية، لابن أبي العز، ص (٦٨).

[6] أخرجه مسلم (١٢٩٨). مُجَدَّع: أي مُقطَّع الأعضاء. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير الجزري (١/ ٢٤٧).

[7] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٣٢٥٣٢)، وسعيد بن منصور في التفسير (٦٥١)، والطبري في تفسيره (٧/١٦٩)، والخلال في السنة (٥١) بسند صحيح لا مطعن فيه، وصحح إسناده د.سعد الحميد، ود.بشير حكمت ياسين في الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور (٢/٦٨).

[8] الصواعق المحرقة، لابن حجر الهيتمي (١/٣٧)، وقد أورده بعد ذكر شرط أبي بكر t في خطبته بعد تولي الخلافة: «أطيعوني ما أطعتُ الله فيكم»، «إنما أنا متبع، ولست بمبتدع، فإذا أحسنتُ فأعينوني، وإذا أنا زغت فقوّموني».

[9] الكاشف عن حقائق السنن (شرح مشكاة المصابيح)، للطيبي (٨/٢٥٥٨).

[10] إكمال المعلم بفوائد مسلم (٤/٣٧٥).

[11] شرح النووي على مسلم (٩/٤٦).

[12] الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم (٤/ ٨٤).

[13] التحبير لإيضاح معاني التيسير، للصنعاني (٣/٧٣١).

[14] الجامع لأحكام القرآن (١/٢٧٢).

[15] فتح الباري، لابن حجر (١٣/٢٠٣).

[16] ذكر المرداوي في الإنصاف (١٠/٣١٠) الخلافَ في تكييف تصرفات الإمام، وهل هي بطريق الوكالة أو الولاية.

[17] تاريخ ابن خلدون (١/٢٣٩).

[18] كشاف القناع، للبهوتي (٦/١٦٠).

[19] المراد أنّ الله عهد إليهم أن ينفذوا في العباد حكمه، وجعل لهم ولاية في ذلك.

[20] مجموع الفتاوى (٢٨/٢٥١).

[21] أخرجه البخاري (٩/٦٣ برقم: ٧١٤٤)، ومسلم (١٨٣٩).

[22] أخرجه البخاري (٧٢٥٧)، ومسلم (١٨٤٠).

[23] نيل الأوطار، للشوكاني (٧/ ٢٧١).

[24] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (٤/ ٣٨).

[25] أخرجه ابن ماجه (٢٨٦٥) وصححه جمع من أهل الحديث، وفي سماع عبد الرحمن من أبيه عبد الله بن مسعود t اختلاف.

[26] نقله عنه محققو مسند أحمد، ط الرسالة (٦/٣٤٠).

[27] شرح صحيح البخاري، لابن بطال (٨/٢١٥).

[28] مجموع الفتاوى (٢٩/١٩٦).

[29] قواعد الأحكام في مصالح الأنام، للعز بن عبد السلام (٢/١٥٨).

[30] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (٤/٣٥).

[31] إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم (١/٨).

[32] طرح التثريب في شرح التقريب، للعراقي (٨/٨٢).

[33] قواعد الأحكام (٢/١٥٨).

[34] ينظر: المنثور في القواعد الفقهية، للزركشي (١/ ٣٠٩)، الأشباه والنظائر، للسيوطي، ص (١٢١)، شرح القواعد الفقهية، للزرقا، ص (٣٠٩).

[35] كذا وقع في المطبوع، ولعله: وافقها، وكذلك قوله بعدها: «فإن خالفه»، لعلّ صوابه: خالفها.

[36] الأشباه والنظائر، لابن نجيم ص (١٠٦).

[37] جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري (٧/١٨٤).

[38] مجموع الفتاوى (٣/٢٤٠).

[39] أخرجه البخاري (٧٢٨٨)، ومسلم (١٣٣٧) واللفظ له.

[40] أخرجه البخاري (٧٢٠٢)، ومسلم (١٨٦٧) واللفظ للبخاري.

[41] أخرجه ابن حبان (١٠/٤٢٣).

[42] منهاج السنة النبوية، لابن تيمية (٣/٤٩).

أكاديمي، ومتخصص في البحث والتعليم الشرعي.

3 تعليقات

  • من سوريا فبراير 1, 2022

    أحسن الله إليكم
    أرى أن هذا ينتقض من جهات عدة:

    أولاً : ما دام أنه قد ثبتت له الولاية شرعاً بسبب التغلب وما شابه فتجب طاعته فيما لا معصية فيه، وإلا ليس هناك معنى من ثبوت الولاية لأن الولاية لا بد أن تشتمل على معنى الطاعة.

    ثانياً : عموم النصوص بطاعة الأمير الظالم ما دام لم يخرج من دائرة الإسلام.
    مثل حديث حذيفة رضي الله عنه…عندما قال له النبي صلى الله عليه وسلم( يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس، قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله، إن أدركت ذلك ؟ قال تسمع وتطيع الأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ، فاسمع وأطع).

    ثالثاً : إجماع أهل السنة والجماعة واستقرار مذهبهم على ذلك.

    رابعاً : بسبب هذا القول أحدثنا قول لم يقل به السلف وهو من الأقوال المبتدعة ، وهو قولنا لا بد من طاعته حتى ينتظم أمر الناس.

    خامساً : قولنا لا بد من الالتزام
    بالنظام العام للمصلحة هو نفسه طاعة وإن لم نسمه بذلك فالأمور بالمعاني وليس بالحروف والأسامي.

    سادساً : هذا القول يفتح باب شر وذريعة لمخالفة النظام العام وخلخلة النظام والأمن العام والمصلحة العامة للمسلمين، وهو ذريعة لكثير من الشرور بحجة عدم طاعة هذا الحاكم الذي يخرج في حكمه عن الشريعة.

    سابعاً : لا يمكن أن نتصور ولي أمر حكم دولة مسلمة ترك الحكم بالكلية …فلا بد أن يوجد منهم من يقيم شعائر الدين من الصلاة والصيام والأذان والحج وغير ذلك…لذلك هذا القول ليس منه فائدة إلا إغراء كثير من الجهال وأهل الغلو في ارتكاب مفاسد لا تقرها الشريعة الإسلامية.

    ثامناً : وأما نقلكم أقوال العلماء واستدلالكم بالحديث في هذا المعنى فهو من المتشابه الذي يرد إلى محكمات النصوص وما استقر عليه إجماع السلف وما في كتب العقائد.

    هذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    • إدارة الموقع فبراير 5, 2022

      في البداية أود أن أشكركم أخي الفاضل على مشاركتكم النافعة، وحواركم الهادف، ونقدكم العلمي الذي يقوّم البحث ويقوّيه، وما أحوجنا إلى مثل هذه المناقشات والحوارات ما دامت في إطار العلم والضوابط الشرعية وفقه الخلاف وأدب الحوار، وسأحاول الجواب عن النقاط التي ذكرتموها على ترتيبها بحسب ما يتيسر، فأقول مستعيناً بالله:

      -قولكم: ” أرى أن هذا ينتقض من جهات عدة”.
      لم تحددوا في بداية كلامكم موضع النقد من المقال، وما الذي ينتقض من عدة جهات، وهل هو جميع الضوابط أو بعضها، وإن كان التأمل في تفصيل كلامكم يدل على أنكم تعنون ضابط (أن يقود الأمة بكتاب الله تعالى) دون غيره، ولذلك سيكون الكلام متعلقاً به أصالة.

      -الجواب عن أولاً، وقولكم: ” ما دام أنه قد ثبتت له الولاية شرعاً بسبب التغلب وما شابه فتجب طاعته..”
      أقول: هذا استدلال بمحل النزاع، فالمقال ينازع في ثبوت الولاية الشرعية التي يترتب عليها وجوب الطاعة شرعاً لمن يفوّت المقصود الرئيس مِن تلك الولاية، وهو حراسة الدين، وسياسة الدنيا به، ويَفترض أنه لا تنعقد في الشريعة ولاية شرعية أصلاً لمن لا يقيم دين الله ولا يعتبره.
      قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/ 262): “فالمقصود الواجب بالولايات: إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسراناً مبيناً، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا؛ وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به مِن أمر دنياهم”.
      وجِهةُ النظر هنا إلى حقيقة الولاية ومقصودها دون طريق الوصول إليها، فلو وصل السلطان إلى الإمامة بالاختيار أو الاستخلاف -وهما الطريقان المشروعان لانعقاد الولاية- مع إعلانه أنه لن يحكم الناس بكتاب الله وسنة نبيه وأنه لا مرجعية للشريعة لما انعقدت ولايته شرعاً، ولا وجب على المسلمين اعتبار طاعته ديناً وشرعاً يتقربون به إلى الله، فكيف بالمتغلب المفتئت على الأمة الغاصب لحقها في الاختيار ؟!

      – الجواب عن ثانياً، وقولكم :” عموم النصوص بطاعة الأمير الظالم ما دام لم يخرج مِن دائرة الإسلام”.
      أقول: أزعم أنه ليس في الكتاب ولا في السنة نصٌّ واحدٌ صحيح صريح على هذه الدعوى بتمامها، وبيان ذلك يتضح في نقاط:
      1- نعم جاءت النصوص الصحيحة الصريحة بطاعة الأمير بالمعروف وإن وقع منه ظلم أو فسق..
      2-أما ربط الطاعة بعدم خروجه مِن الملة فهذا لا أعلم عليه دليلاً من الكتاب ولا السنة، والذي رُبط بالكفر البواح في النصوص إنما هو منازعة الأمرِ أهلَه أو المقاتلة أو المنابذة بالسيف أو الخروج عليهم، ومسألة مشروعية الخروج أو وجوبه مسألة أخرى منفكّة عن مسألة الطاعة، والخلطُ بينهما هو الذي يؤدّي إلى هذا الوهم في وجود نصوص صحيحة يدل عمومها على وجوب طاعة الإمام مطلقاً حتى يخرج من الملة..
      3-وهناك تنبيه آخر على ما ورد في كلامكم مِن جعل غاية وجوب الطاعة هو خروج شخص الإمام مِن الملة، وهو أنَّ مشروعية الخروج على الإمام (وليس فقط سقوط وجوب طاعته) عُلِّقت في الكتاب والسنة بنفس وقوع الكفر البواح من السلطان أو في حكمه ودولته، ولم تُعلَّق بخروجه هو مِن الملة، وبعبارة أخرى : تعليق جواز الخروج بالحكم على شخص الإمام بالخروج من الملة بتوفر الشروط وانتفاء الموانع لم أقف على ما يدل عليه في نصوص الكتاب والسنة، بل هو مخالفٌ لظاهرها، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: (إلا أن تروا كفراً بواحاً) ، (ما أقاموا فيكم الصلاة)، (ما صلَّوا)، فعلّق النبي صلى الله عليه وسلم الحكمَ بأمرٍ ظاهرٍ يمكن لكلِّ أحدٍ أن يعرفه ويراه، وهو وقوع الكفر، فنقلُ هذا الحكم إلى النظر في شخص الحاكم واعتقاده وهل توفرت فيه الشروط وانتفت الموانع (مما لا يمكن النظر فيه أو تطبيقه في غالب الأحيان إلا في حالة واحدة وهي أن يصرح الإمام بنفسه بخروجه من الملة) هو إخراجٌ للأحاديث الصريحة عن مدلولها، بل وتعطيلٌ لها، وحملٌ لها على حالة نادرة إن لم تكن شبه معدومة.
      -وأما حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعاً: (يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس، قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله، إن أدركت ذلك ؟ قال تسمع وتطيع الأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ، فاسمع وأطع) فالجواب عنه من وجوه:
      1-أنّ الحديث أخرجه الإمام مسلم في المتابعات لتقوية أصل حديث حذيفة الصحيح المشهور الذي ليس فيه موضع الشاهد، لا للاحتجاج به مستقلاً.
      2- أنه حديث منقطع كما بينه أهل العلم، والمنقطع من أقسام الحديث الضعيف، فكيف ندّعي دعوى كبيرة ومسألة عظيمة من مسائل الشريعة، ثم نذكر ما يُفهم منه أنه دلت عليها أدلة كثيرة، ثم لا نجد في تلك الأدلة ما يؤيد تلك الدعوى بتمامها إلا حديثاً ضعيفاً لا تقوم به الحجة؟!
      قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (12/ 238): “قال الدارقطني: هذا عندي مرسلٌ؛ لأنّ أبا سلّام لم يسمع حذيفة. وهو كما قال الدارقطني، لكن المتن صحيح متصل بالطريق الأول، وإنما أتى مسلم بهذا متابعةً كما ترى “.
      3-أنه على فرض صحة الحديث فهو لا يدل على صورة الخلاف وهي الحاكم الذي لا يعتدّ بالشريعة ولا يقود الأمة بكتاب الله، بل غاية ما فيه أن يكون الحاكم مخالفاً لهدي رسول الله مجانباً لسنته؛ فقوله: (أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي..) يصدق على الكثير والقليل من المخالفة، ولا يمكن أن يُفهم منه أنهم لا يهتدون بهدى النبي ولا يستنون بسنته مطلقاً، لا في قليل ولا في كثير، فيدخل في ذلك أصول الدين وفروعه؛ فإنّ مَن ترك ذلك جملةً لا يكون مسلماً، فإذا لم يمكن حملُ الحديث عليه تعيّن حملُه على الجور والظلم والفسق الذي وردت به الأحاديث الصحيحة.
      4-ويؤكد حملَ هذه العبارات على هذا المعنى ما ورد في تفسيرها في نفس حديث حذيفة لكن مِن الطريق الثابت الذي لا قدح فيه في صحيح مسلم: أنّ حذيفة قال: قلت للنبي: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: (نعم، وفيه دخن)، قلت: وما دخنه؟ قال: (قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر).
      فالذين قيل عنهم في الرواية المنقطعة: (أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي..) هم بعينهم الذين قال فيهم في الرواية الثابتة (قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر) بعد أن وصف زمنهم بأنه خيرٌ، ولكنْ فيه دخَن.
      فدلّ على أن هؤلاء الذين يستنون بغير سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويهتدون بغير هديه عندهم ما يُعرف مما يوافق الشرع، وعندهم ما يُنكَر مما يخالف الشرع.
      5- أما قوله في حديث حذيفة في الرواية المنقطعة التي أوردتموها (وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس)، فيُفهم معناه بمقارنته بالرواية الصحيحة، حيث يقابلهم فيها: سؤال حذيفة للنبي: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: (نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)، فقلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: «نعم، قوم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا).
      فالدعاة على أبواب جهنم هم الرجال الذين قلوبهم قلوب الشياطين في إرادة الشر والفساد، ولكنها في جثمان إنس حيث كانوا مِن أبناء جلدتنا المسلمين، ويتكلمون بألسنتنا..
      وليس في الروايتين ما يشير أنّ هؤلاء الشياطين هم مِن الأئمة والسلاطين، بل قوله: (وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس) يدل بوضوح على أنهم غير الأئمة المذكورين قبل ذلك، وليس في الحديث أيضاً أنهم يعلنون منابذة الشريعة، ويظهرون عدواتها.
      “قال القابسي: معناه أنهم في الظاهر على ملتنا، وفي الباطن مخالفون” فتح الباري (13/ 36).

      الجواب عن قولكم: “ثالثاً : إجماع أهل السنة والجماعة واستقرار مذهبهم على ذلك”.
      أقول: إجماعهم على ماذا بالضبط؟ وأين هذا الإجماع المدّعى؟ ومَن نقله؟
      فإن كنت تعني الإجماع على طاعة الإمام الفاسق الظالم وعدم الخروج عليه فنعم، ولكن ليست هذه مسألتنا.
      وإن كنت تعني وجوب الطاعة للإمام مطلقاً حتى يثبت خروجه بنفسه من الملة فهذا الذي أزعم أنه لم يقع في كلام أئمة أهل السنة وكبار العلماء المتقدمين فضلاً عن أن يكون إجماعاً لهم.
      وإن كنت تعني وجوب طاعة الإمام الذي لا يقود الأمة بكتاب الله فهذا أيضاً لم يقع في كلام علماء السنة أصلاً كسابقة.
      فما هو إجماع أهل السنة الذي استقر عليه مذهبهم؟!

      الجواب عن قولكم: ” رابعاً : بسبب هذا القول أحدثنا قول لم يقل به السلف وهو من الأقوال المبتدعة ، وهو قولنا لا بد من طاعته حتى ينتظم أمر الناس.
      أقول : لا يثبت أن القول مبتدَع بمجرد الجهل به وعدم الاطلاع، وليس كل قول لم ينص عليه السلف يكون مبتدعاً مردوداً لا سيما إذا تعلّق بصورة لم توجد في زمنهم.
      وأنا أسألكم أخي الكريم: إذا كان السلطان كافراً معلناً بالكفر البواح بحيث يجوز أو يجب الخروج عليه، ولكن لا قدرة للمسلمين على خلعه، ورأى أهلُ الحل والعقد أنّ المفسدة في الخروج عليه أعظم بكثير من بقائه، وأنه لا فائدة ترجى في هذه المحاولة فماذا يكون حال الناس حينئذ؟
      لا أظن أن أمامنا في مثل هذه الصورة إلا أحد ثلاثة خيارات لا رابع لها:
      1-إما أن نوجب طاعته على الناس كطاعة الإمام المسلم، فيجب على المسلمين أن يطيعوه في كل ما يأمر به في غير المعصية، وإذا خالفوه كانوا عصاة آثمين.
      2-وإما أن نقول: لا يجب عليهم شرعاً طاعة السلطان بصفته وليَّ أمر للمسلمين؛ لأنه لا ولاية لكافر على مسلم، ولكن يجب على الناس التقيد بالأنظمة العامة المحققة للمصالح الدارئة للمفاسد.
      3-وإما أن نقول: لا يجب على المسلمين أن يعملوا بشيء من الأنظمة ولا القوانين مطلقاً، حتى ما لا بد منه لحفظ الأمن، ورعاية الحقوق.
      فماذا ستختار أحد هذه الخيارات؟ أو أن عندك احتمالاً رابعاً لم يخطر على البال، فلو أفدتنا به.
      ومَن اختار الخيار الثاني الذي هو مقضى ولازم وجود هذه الصورة (حاكم كافر لا يمكن خلعه) لأنه الخيار الوحيد الملائم لنصوص الشريعة وقواعدها هل يكون قد قال قولاً مبتدعاً لم يقله أحد مِن السلف والعلماء ؟!
      فالسلف لم يتكلموا بخصوص هذه الصورة لأنهم لم يُبتلوا بها، وكذلك لم يبتلوا بمن لا يقود الأمة بكتاب الله، ولا يرفع بالشريعة رأساً، ووجود هذا الخيار هو لازم هاتين الصورتين.
      وقد جاء في فتاوى الشيخ ابن باز (7/ 120): “فإذا سن قانوناً يتضمن أنه لا حدّ على الزاني، أو لا حد على السارق، أو لا حد على شارب الخمر فهذا قانون باطل، وإذا استحله الوالي كفر؛ لكونه استحل ما يخالف النص والإجماع وهكذا كل من استحل ما حرم الله من المحرمات المجمع عليها فهو يكفر بذلك.
      س 4: كيف نتعامل مع هذا الوالي؟
      ج 4: نطيعه في المعروف وليس في المعصية حتى يأتي الله بالبديل”.
      ولا يمكن حمل كلام الشيخ على أن الكافر يطاع كما يطاع المسلم لأن وجوب الطاعة للحاكم بصفته وليَّ أمر فرع ثبوت الولاية الشرعية، ولا ولاية للكافر على المسلم بالإجماع، فلم يبق إلا أن المراد هو التقيد بالنظام العام.

      الجواب عن قولكم: ” خامساً : قولنا لا بد من الالتزام بالنظام العام للمصلحة هو نفسه طاعة وإن لم نسمه بذلك ..”.
      أقول: نعم هو طاعة، ولكن البحث فيمن هو المطاع وفي حدود الطاعة، فهل الطاعة هنا للإمام أو الطاعة للشريعة في اعتبار المصالح ودرء المفاسد، أو الطاعة للأمة فيما وضعته من أنظمة لتحقيق مصالحها.
      قال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (3/ 387): “والكافر والفاسق إذا أمر بِما هو طاعة لله لَم تحرم طاعته، ولا يسقط وجوبُها لأمر ذلك الفاسق بِها”.

      الجواب عن قولكم: ” سادساً : هذا القول يفتح باب شر وذريعة لمخالفة النظام العام وخلخلة النظام والأمن العام والمصلحة العامة للمسلمين، وهو ذريعة لكثير من الشرور ..”.
      أقول: ما كنتَ تقول به في صورة الحاكم الكافر الذي لا يمكن الخروج عليه فقل به هنا؛ لاتفاق الصورتين في عدم انعقاد الولاية الشرعية، وما تضعه هناك من ضمانات لإغلاق باب الشرور، وتحقيق المصالح العامة فضعه هنا .
      فإن قيل: إن بينهما فرقاً، فشتان بين مَن ثبت كفره وخروجه من الملة وبين غيره..
      فالجواب: لا شك أنّ بينهما فرقاً كبيراً، ولكن هذا الفرق لا أثر له في الحكم المتعلق بوجوب الطاعة؛ لأن الوجوب الشرعي للطاعة هو فرع ثبوت الولاية شرعاً، ولا فرق شرعاً بين الصورتين في ذلك، ومن فرّق بينهما فعليه الدليل الواضح.
      والفرق المذكور يظهر أثره في مسائل أخرى كما في وجوب الخروج والمنابذة بالسيف.

      الجواب عن قولكم: ” سابعاً : لا يمكن أن نتصور ولي أمر حكم دولة مسلمة ترك الحكم بالكلية …فلا بد أن يوجد منهم من يقيم شعائر الدين من الصلاة والصيام والأذان والحج وغير ذلك..”
      أقول: وجود الشعائر التي يقيمها المسلمون في بلاد الإسلام لا يعارض أن ينبذ الحاكم شرع الله ويترك حكم الله، ويوضحه ما يلي:
      1- أن هذه الشعائر إنما يقيمها في الحقيقة المسلمون، وليس الحاكم، حتى لو شاركهم في بعضها مجاملة كحضور صلاة العيد، أو أذن باستمرار إدارات الأوقاف التي كانت موجودة من قبله.
      2-هذه الشعائر قد توجد في بعض الدول التي غالبيتها مسلمون ولكن حاكمها نصراني مثلاً، فهل يوجب ذلك طاعته على المسلمين؟ وهل القول بعدم وجوب طاعته يعني بالضرورة فتح باب الشرور والفساد؟ بل ربما توجد تلك الشعائر أو جزء منها في بعض بلاد غير المسلمين، فما يتوجب على المسلمين في تلك البلاد يتوجب عليهم في مسألتنا.
      3-أن انطماس هذه الشعائر مع بقية الأحكام يخرج تلك البلاد عن كونها إسلامية، ومسألتنا مفروضة في بلاد الإسلام، ولم يشترط أحد ذهاب كل الأحكام حتى يقال إن السلطان لا يقود الأمة بكتاب الله، ويوضحه ما بعده:
      4-أن النظر والاعتبار إنما هو إلى المرجعية والمصدر والسيادة، وليس إلى أفراد الأحكام، فوجود بعض الأحكام الشرعية لا يجعل السلطان قائداً للأمة بكتاب الله، كما أن وجود بعض التجاوزات والمخالفات لا يخرج السلطان عن كونه حاكماً بالشريعة، ويمكن تشبيه هذا بمسألة الإيمان، فوجود بعض شعب الكفر لا ينافي تحقق أصل الإيمان، ووجود بعض شعب الإيمان لا ينافي أصل الكفر.
      وقولكم بعدها: ” لذلك هذا القول ليس منه فائدة إلا إغراء كثير من الجهال وأهل الغلو في ارتكاب مفاسد لا تقرها الشريعة الإسلامية”.
      جوابه : أن هذه حجة خطابية لا تصلح لبناء الحكم عليها أو نقضه، ويمكن أن يجاب عليها بمثلها فيقال: لهذا القول فائدة عظيمة في بيان الحكم الشرعي، والتمييز بين ما يجب شرعاً وما لا يجب، وعدم تأثيم المسلمين فيما لا إثم فيه.
      وأما أهل الجهل والغلو فلا حيلة فيهم، وارتكابهم للمفاسد التي لا تقرها الشريعة حاصل بدون هذا القول، وهذا القول مضبوط بالضوابط الشرعية المعتبرة.
      وانضباط المسلم وتقيده بالنظام العام واجب حتى لو كان في دولة غالبية أهلها مسلمون وحاكمها نصراني، أو كان في دولة رافضية، أو في دولة غربية.

      الجواب عن قولكم: ” ثامناً : وأما نقلكم أقوال العلماء واستدلالكم بالحديث في هذا المعنى فهو من المتشابه الذي يرد إلى محكمات النصوص وما استقر عليه إجماع السلف وما في كتب العقائد.
      أقول: لم أقف على شيء من تلك المحكمات ربما لقصور باعي، وقلة اطلاعي، ولم تتكرموا عليّ بإيراد شيء منها، ربما لإرادة الاختصار، وكونها معلومة في تقديركم، وكذلك لم أقف على كلام لأحد من السلف يخالف شيئاً مما ذكرت فضلاً عن أن يكون لهم إجماع مستقر معلومٌ مشهورٌ بخلافه، وقد قرأتُ جملة وافرة من كتب العقائد، ودرَستُ ودرّستُ كثيراً منها فما وقفتُ على حرف واحد يخالفه، فربما تكون مرت بي ونسيتُها أو غفلتُ عنها، أو ظننتُ المحكم متشابهاً، والمتشابه محكماً، فلو ترشدوني إلى تلك المحكمات والإجماعات ونصوص كتب الاعتقاد المصادمة (للمتشابهات) التي ذكرتُها لعل الله يفتح فهماً وهدايةً لعبده.
      ونسأل الله سبحانه أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه؛ إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ووفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى، وجمعنا على البر والتقوى.

  • من سوريا فبراير 6, 2022

    جزاكم الله خيرا وبارك في علمكم وعملكم فضيلة د عمار عيسى على هذا التوضيح وسعة الصدر وحسن الرد، ومنكم نستفيد ونتعلم، فأنتم أهل التخصص والباع الطويل في هذا الباب.
    ولكن في ظني وإن كان هذا ما ترجحونه فإن المسألة من نوازل العصر كما ذكرتم ووقع فيها الخلاف ويسع فيها الخلاف…لذلك لعله يشار إلى أن المسألة يسع فيها الخلاف .
    وسأنقل لكم قول لعالم من علماء العصر المعتبرين عند أهل الاعتبار.
    ‏229‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن حكم طاعة الحاكم الذي لا يحكم بكتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم‏؟‏
    فأجاب بقوله ‏:‏ الحاكم الذي لا يحكم بكتاب الله وسنة رسوله تجب طاعته في غير معصية الله ورسوله ، ولا تجب محاربته من أجل ذلك ، بل ولا تجوز إلا أن يصل إلى حد الكفر فحينئذ تجب منابذته ، وليس له طاعة على المسلمين‏.‏
    “مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين”

التعليقات مغلقة

X