نظرات نقدية

التشيع الإيراني بين مخرجات الأمس واليوم

يتناول هذا المقال استمرارية الفكر الشيعي الإيراني وممارساته التاريخية والحاضرة، مسلطًا الضوء على الانحرافات العقائدية والأيديولوجية التي تستهدف أهل السنة، مع إبراز دور الزعامات الشيعية المعاصرة في توظيف عقيدة التشيع لدعم مشاريع توسعية تحت غطاءٍ دينيٍّ وسياسي، كما يُناقش تداخُل المصالح الإيرانية مع الغرب والصهيونية، والتحدِّيات التي تواجه أهل السنة في مواجهة هذا المشروع.

اهتمَّ علماء الإسلام قديمًا وحديثًا بالكتابة عن التشيُّع والشيعة حسب تسميتهم لأنفسهم، ومن هؤلاء العلماء شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- الذي ألّف عنهم كُتبًا ورسائل كاشفةً لحقيقة معتقدهم، ومما قال فيهم: «فمن له أدنى خبرةٍ بدين الإسلام يعلم أن مذهب الرافضة مُناقضٌ له، ولهذا كانت الزنادقة الذين قَصْدُهم إفساد الإسلام يأمرون بإظهار التشيُّع والدخول إلى مقاصدهم من باب الشيعة»[1].

ويؤكد الدكتور موسى الموسوي -من علماء الشيعة الناقدين المعاصرين- على أنَّ شعارات الشيعة في نُصرة علي رضي الله عنه وآل البيت غير صحيحة، وأنها تُعدُّ وسيلةً لأهدافٍ أخرى تكشف عن الهدف الحقيقي، وهو ما جعل هذا الباحث الشيعي تتملَّكه الحَيرة والدهشة من هذا التناقض الظاهر والباطن -حسب قوله- وذلك بقوله: «الحيرة كل الحيرة هي الطريقة التي اتَّبعتها الشيعةُ في معالجتها لمشكلة الخلافة، فهي تتناقض كُلَّ التناقُض مع سيرة الإمام علي، وسيرة أولاده من أئمة الشيعة، ولذلك تتملَّكُني الحيرة والدهشة عندما أرى أنَّ شعار الشيعة هو حبُّ الإمام علي وأولاده، ولكنهم يضربون عرض الحائط سيرة عليٍّ والأئمة من ولده»[2].

ولابن تيمية خلاصات جامعة مفيدة عن الشيعة الباطنية في كتابه “منهاج السنة النبوية”، ومن ذلك قوله عن أساس نشأة هذا المعتقد ومؤسس هذا الانشقاق في جسد الأمة المسلمة: «الذي ابتدع مذهب الرافضة -ابن سبأ- كان زنديقًا مُلحدًا عدوًا لدين الإسلام وأهله، ولم يكن من أهل البدع المُتأوِّلين؛ كالخوارج والقدرية»[3].

وقال عن أصل الفتن في التاريخ الإسلامي مما يجب معرفتُه على كل مسلم: «أصل كل فتنةٍ وبليةٍ هم الشيعة ومن انضوى إليهم، وكثيرٌ من السيوف التي سُلت في الإسلام إنما كانت من جهتهم»[4]!

كما قال عن مدى ضلالهم وانحرافهم وعداوتهم للصحابة الأطهار وموالاتهم للكفار: «فهل يوجد أضلُّ من قوم يُعادون السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ويوالون الكفار والمنافقين»[5]، وقال في توصيف عداوتهم للإسلام: «الرافضة ليس لهم سعيٌ إلا في هدم الإسلام ونقضِ عُراه وإفساد قواعده»[6]. كما قال عن حقيقة الرافضة الشيعة وموالاتهم للكفار والمشركين واليهود والنصارى: «دائمًا يوالون الكفار من المشركين واليهود والنصارى، ويعاونونهم على قتال المسلمين ومعاداتهم»[7].

ومن الخلاصات المعبِّرة عن واقعهم مع الإسلام وأهله، ومع العلم والعلماء، أو الجهاد والفتوح ونصرة الإسلام عبر التاريخ؛ ما قاله ابن تيمية فيهم: «ولهذا لا يوجد في أئمة الفقه الذين يُرجع إليهم رافضي، ولا في أئمة الحديث، ولا في أئمة الزهد والعبادة، ولا في الجيوش المؤيَّدة المنصورة جيشٌ رافضي، ولا في الملوك الذين نصروا الإسلام وأقاموه وجاهدوا عدُوَّه مَن هو رافضي، ولا في الوزراء الذين لهم سيرةٌ محمودةٌ من هو رافضي»[8]

وأضاف ابن تيمية في توصيفهم وصفات أبرز فِرَقهم ما يكشف عن حقيقة بُعدهم عن الإسلام وشرائعه: «وأما مَن هو عند المسلمين من أهل العلم والدين، فليس في هؤلاء رافضيٌّ؛ لظهور الجهل والظلم في قولهم، وتجدُ ظهور الرفض في شرِّ الطوائف؛ كالنصيرية والإسماعيلية والملاحدة الطُّرُقية، وفيهم من الكذب والخيانة وإخلاف الوعد ما يدلُّ على نفاقهم، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) زاد مسلم: (وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم)[9]»[10].

كما أنَّ من خلاصات ابن تيمية ما أورده من المقارنات بين أهل الباطل، حينما قارن بين الرافضة الشيعة والتتار قبل إسلامهم، فقال: «ولهذا يُخبر أهل الشرق القادمون من تلك البلاد: أن الرافضة أضرّ على المسلمين من التتر، وقد أفسدوا مَلِك التتر وميَّلوه إليهم، وهم يختارون دولته وظهوره، فكيف يجوز أن يكون في عسكر المسلمين من هو أشدّ عداوةً وضررًا على المسلمين من التتر؟!»[11].

بل إنَّ ابن تيمية أوضَحَ الفروقات بين من لا دين له -مثل التتار- وبين من يَدينُ بعقيدةٍ باطلةٍ معاديةٍ للإسلام كما هو حال الشيعة الرافضة، ومما قال: «والتتريُّ إذا عَرَف الإسلام ودُعي إليه أحبّه واستجاب إليه؛ إذ ليس له دينٌ يُقاتِلُ عليه يُنافي الإسلام، وإنما يُقاتِل على المُلك. وأما الرافضة فإنَّ من دينهم السعيَ في إفساد جماعة المسلمين وولاة أمورهم، ومعاونة الكفار عليهم؛ لأنهم يرون أهل الجماعة كفارًا مرتدِّين، والكافر المرتدّ أسوأ حالاً من الكافر الأصلي، ولأنهم يرجُون في دولة الكفار ظهورَ كلمتهم وقيام دعوتهم ما لا يَرجونه في دولة المسلمين، فهم أبدًا يختارون ظهور كلمة الكفار على كلمة أهل السنة والجماعة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج: (يقتُلون أهل الإسلام ويَدَعُونَ أهلَ الأوثان)[12]. وهذه سواحل المسلمين كانت مع المسلمين أكثر من ثلاثمائة سنة، وإنما تسلَّمها النصارى والفرنج من الرافضة، وصارت بقايا الرافضة فيها مع النصارى»[13].

وعن هؤلاء -رافضي الحق- كتب تلميذه ابن القيم رحمه الله واصفًا هؤلاء بأنهم أعداء خيار خلق الله بعد الرسل، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك قوله: «فإنهم [الشيعة الرافضة] عمدوا إلى أطيب خلق الله وأطهرهم فعادَوهم وتبرَّؤوا منهم، ثم والَوا كلَّ عدوٍّ لهم من النصارى واليهود والمشركين، فاستعانوا في كل زمانٍ على حرب المؤمنين الموالين لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمشركين والكفار، وصَرَّحُوا بأنهم خيرٌ منهم»[14].

وقوله كذلك عن بُعدهم عن الإسلام وشرائعه، بل ومعاداة المسلمين: «ولهذا تجد الرافضة أبعدَ الناس من الإخلاص، وأغشَّهم للأئمة والأمة، وأشدهم بعدًا عن جماعة المسلمين؛ فهؤلاء أشدُّ الناس غِلاً وغِشًا بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم والأمة عليهم، وشهادتِهم على أنفسهم بذلك، فإنهم لا يكونون قطُّ إلا أعوانًا وظهرًا على أهل الإسلام، فأيُّ عدوٍّ قام للمسلمين كانوا أعوان ذلك العدو وبطانته، وهذا أمر قد شاهدتْه الأمة منهم»[15].

إنَّ هذه الأقوال وغيرَها كثير يَبرز فيها تلاقي حقيقة الأهداف الباطنية بين السابقين واللاحقين، وبين الماضي والحاضر من التاريخ، وهي نتائج قطعية الدلالة وقواسم مشتركة بين علماء أمة الإسلام؛ لكن السؤال هنا: هل تلتقي كل النتائج العلمية مع الواقع السياسي المعاصر للشيعة؟

«تتملَّكُني الحيرة والدهشة عندما أرى أنَّ شعار الشيعة هو حبُّ الإمام علي وأولاده، ولكنهم يضربون عرض الحائط سيرة عليٍّ والأئمة من ولده»

موسى الموسوي

بين النتائج والواقع المعاصر:

قد يقول قائلٌ إنَّ الكتب المتخصصة في العقائد المنحرفة والملل الفاسدة تتعلق بفرق عقائدية قديمة عفى عليها الزمن، ولا علاقة لها بالرافضة ممن يُسموْن الشيعة في العصر الحاضر، لكن النتائج البحثية تقول غير هذا كما هي نتائج كتب وأبحاث الدكتور ناصر بن عبد الله القفاري -المتخصص في الفِرق- وهي متفقةٌ مع السياق العلمي السابق واللاحق حول حقيقة الأهداف لدى الشيعة، ومن هذه الرسائل رسالته للماجستير “مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة”، وكذلك رسالته الدكتوراه “أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية: عرض ونقد”، وغيرها من مؤلفاته. وكما هي كُتب الدكتور سليمان السلومي برسالته للماجستير “القرامطة: تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية”، وبرسالته للدكتوراه “أصول الإسماعيلية: دراسة وتحليل ونقد”.

ومن التأصيلات العلمية التي توصَّل إليها الباحث القفاري حول حقيقة معتقد الرافضة الشيعة ما نقله كذلك عن الشيخ محمد أبو زهرة حول كتاب “الكافي” المرجعية العلمية الشيعية وما فيه من كفريات وضلالات، مما يربط عقائدهم بين الأمس واليوم، وذلك بقوله: «يقول الشيخ محمد أبو زهرة -رحمه الله- عن كتاب أصول الكافي، وصاحبه الكليني، وهو أعظم كتاب لديهم، وأهم مصدرٍ ومرجعية عندهم: “إن صاحب الكتاب، قَرَّرَ أنه يعتقد القول بتحريف القرآن ونقصه وتغييره”، ويُعلِّق القفاري على هذا القول: مَن هذه عقيدته فليس مِن أهل القبلة[16]، وليس من المسلمين، ويتلقون دينهم عن غير المسلمين، ولذلك يخطئ من يُعرِّف بهم بأنهم أتباع أهل البيت»[17].

والدكتور موسى الموسوي -من علماء الشيعة الناقدين المعاصرين- يقرِّر في كتابه الفاضح لعقائد الشيعة، حجمَ التناقض الكبير مع مبادئ الإسلام الصريحة، وهو ما يُوضح كذلك الأهداف الحقيقية لهذه العقائد الباطنية في عصرنا الحاضر، بقوله:

«إنَّ ولاية الفقيه تلعبُ دورًا بارزًا في إحداث تناقضٍ مع مبادئ الإسلام الصريحة»[18]. بل إنَّ الموسوي يدعو إلى الثورة على زعامات الشيعة الدينية إذا ما أرادوا أن يكونوا مسلمين حقًا، وذلك بقوله: «إنَّه نداء العقل والإيمان إلى الشيعة؛ كي تنفُض عن نفسها غبار السنين، وتثورَ ثورةً لا هوادة فيها، ولا انتظار على تلك الزعامات المذهبية التي سبَّبت لها هذا التخلُّف الكبير في الحياة الدينية والفكرية والاجتماعية»[19].

والحقيقة أنَّ المتأمل في العقائد وبعض الأحداث والوقائع؛ يُدرك أنَّ عقائد اليوم ترتبط بعقائد الأمس، وإن اختلفت الأسماء، وتنوَّعت أساليب التعصُّب والكراهية وأشكال الصراع لديهم، فالعقيدة واحدةٌ، كما أنَّ الأهداف واحدة.

وحول هذا الواقع المعاصر لهذه الملل والنحل المنحرفة وأنها باقية، بل تكفيرُهم لأهل السنة مُحرِّكٌ أساسيٌّ في العصر الحاضر للصراعات والحروب والفتن، واستحلال الدماء والأموال والأعراض، وردت تصريحاتٌ وأقوالٌ لقائد الثورة الإيرانية الخُميني 1979م، تكشف عن عنصريةٍ فارسيةٍ مقيتةٍ، وعن طائفيةٍ تكفيريةٍ تستهدف عموم أهل السنة بمشروعٍ طويل الأجل، فالخميني يُسمي أهل السنة (نواصب وخوارج) ويُكفِّرهم، ومن ذلك قوله في كتابه تحرير الوسيلة (1/118): «وأما النواصب والخوارج -لعنهم الله تعالى- فهما نجسان من غير توقُّف». وقال أيضًا في تحرير الوسيلة (2/146): «فتحلُّ ذبيحة جميع فِرَق الإسلام عدا الناصبي، وإن أظهر الإسلام»[20].

وفي كتابه (تحرير الوسيلة) يُوضح بجلاء عداوة أهل السنة، ووجوب محاربتهم في العصر الحاضر، وذلك بقوله: «والأقوى إلحاق الناصبي بأهل الحرب في إباحة ما اغتُنِم منهم وتعلق الخُمس به، بل الظاهر جواز أخذ ماله أينما وُجِد، وبأيِّ نحوٍ كان، ووجوب إخراج خمسه»[21]. فالخميني يَعدُّ الناصبيَّ (أهل السنة) أشدَّ كفرًا من اليهود والنصارى.

ويُضاف إلى ما سبق تصريح علي خامنئي المرشد الأعلى الإيراني في الوقت الذي يتعرَّض فيه الشعب السُني الفلسطيني إلى أبشع صور القتل والتصفيات والإبادة والتهجير عام 2024م على يد الصهيونية العالمية، وكأنَّ هذا التصريح إثباتٌ وتأكيدٌ إيرانيٌ مباشر وغير مباشر لإكمال مشروع استهداف أهل السنة بتصفيتهم في فلسطين وما حولها بعد العراق وسوريا، وبعد لبنان واليمن، وذلك بقوله عن أهل السُنة الذين يُعبِّر عنهم بمصطلح (اليزيدية)، وذلك في عدة تدوينات وتغريدات في منصة إكس (X) بتاريخ 25 أغسطس 2024م: «المعركة بين الجبهة الحسينية والجبهة اليزيدية لا تنتهي أبدًا». وفي تغريدة أخرى قال: «حدّد الإمام الحسين أثناء خروجه إلى كربلاء هدف الجبهة الحسينيّة، ألا وهو الجهاد ضد الظلم. فمقابل هذه الجبهة تقف جبهة الجور والظلم ونكث العهد الإلهي. إنكم ترون اليوم هذه المواجهة في العالم»[22].

كما قال في تغريدة ثالثة، وحرب الإبادة لا تزال دائرة على أهل السنة في فلسطين، وهي إبادة بشكل مختلف عن العراق وسوريا: «تأخذ المعركة بين الجبهة الحسينية والجبهة اليزيدية أشكالاً مختلفة؛ ففي عصر السيوف والرماح لها شكلُها الخاص، وفي عصر الذرّة والذكاء الاصطناعي لها شكلٌ آخر، وفي عصر الدعاية والإعلام عبرَ الشِّعر والبيان والكلام لها شكلُها أيضًا، وفي عصر الإنترنت والكوانتوم وما إلى ذلك، لها شكلٌ مختلف»[23].

ويؤصل خامنئي لمعركته المعاصرة ضد أهل السنة في تدوينة رابعة له عبر منصة إكس: «المعركة بين الجبهة الحسينية والجبهة اليزيدية هي معركة مستمرة، وقد حدّد الإمام الحسين (ع) ماهيّة هذه المعركة وهدفها، قائلاً: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (من رأى سلطانًا جائرًا) القضيّة قضيّة الظلم والجور؛ الجبهة الحسينية تقاوم اليوم الجبهة اليزيديّة، أي جبهة الظلم والجور»[24]، وهي تصريحاتٌ مباشرةٌ في مشروعية تقتيل أهل السنة، وتتكامل مع مخطط إكمال استهداف أهل السنة فيما بقي من دول العالم العربي، تماهيًا أو تقاطعًا في المصالح مع الصهيونية العالمية، والصليبية الغربية، أو تعاونًا معهما.

ويُعزز هذا التوافق وتقاطع المصالح بين القوى الثلاثة ما صَرَّح به وزير الخارجية الإيرانية بالنيابة علي باقري كني بتاريخ 13 يونيو 2024م، وذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك مع مستشار الأمن القومي العراقي، حيث قال بوضوح تام: «خلافات أمريكا مع إيران ترجع إلى الحصة التي خصَّصوها لنا، نحن لم نقبل بذلك، ونسعى للحصول على حصَّتنا في المنطقة»![25]، وهو تصريحٌ يكشف عن قناعٍ واضح من التعصب والكراهية، وخطط الصراع والحروب في العصر الحاضر كما هو في العصر الماضي.

إنَّ المتأمل في عقائد الرافضة وبعض الأحداث والوقائع التاريخية؛ يُدرك أنَّ عقائد اليوم ترتبط بعقائد الأمس، وإن اختلفت الأسماء، وتنوَّعت أساليب التعصُّب والكراهية وأشكال الصراع لديهم، فالعقيدة واحدةٌ، كما أنَّ الأهداف واحدة

الرعاية الغربية:

حول توافق هذه الأيديولوجية بين شيعة الأمس واليوم، وأنها واحدة، وإن اختلفت الوسائل والأساليب؛ كما أوضح عن هذا بصورةٍ مفصَّلةٍ خامنئي، كَتَبَ العلامة الشيخ حسين عبد القادر المؤيد -وهو المهتدي من طائفة الشيعة- وأوضح بما هو أكثر حول العلاقات الدولية بين إيران والصهيونية العالمية وتقاطُع مصالحهما بما يمكن تسميته بالرعاية الغربية: «الغرب يرعى التمدُّد الشيعي. اليوم أيُّ عملٍ دعوي بسيط يُوصف بالإرهاب إذا كان من أهل السنة والجماعة، أي عمل خيري يُمنع، أراد أهل السنة أن يفتحوا مدرسة في أفغانستان فمنعتهم أمريكا، وجاء خامنئي وفتح جامعة كبرى في كابول السنية التي ليس فيها شيعي؛ جامعة كبرى، وأجُيز. فالغرب يرعى التمدُّد الشيعي، ويريد لهذا التشيُّع أن يمتدَّ، لأنَّه صنيعةُ هؤلاء أصلاً تاريخيًا، فهؤلاء يرعون صنيعتهم، هم صنعوا التشيع وأرادوه أن يبقى إسلاميًا… وهؤلاء الشيعة أرادوا لهم أن يقولوا: نحن المسلمون، نحن جزء من هذه الأمة كي يستطيعوا أن يلعبوا الدور»[26]، وهذا الموقف الغربي يؤكِّد حقيقة المشروع الإيراني المكتوب عنه في كثيرٍ من الوثائق والكتب التي تؤكد أنه مشروع فكري عقدي سياسي توسعي، لا يمكن أن يتوافق مع أي جهود مصالحة أو سلام مع العالم العربي والإسلامي.

كما أنَّ من يتأمَّل كتاب (استهداف أهل السنة)[27] للباحث المُنصف الماروني النصراني نبيل خليفة يُدرك أن العقائد القديمة هي العقائد المعاصرة، والمشروع القديم ضد أهل السنة هو المشروع الحديث، وإن اختلفت بعض الوسائل؛ فالأهداف تتفق بين الأمس واليوم بالأقوال والأعمال في عداوة أهل السنة، بدعمٍ غربي مكشوف، ومن ذلك قول خليفة: «ملامح مشروع الآخرين [الغربي] واضحة: إقامة شرقٍ أدنوي أقلّوي خالٍ من النفوذ السياسي السُّني، ومحكوم بالنفوذ الشيعي الإيراني، برضىً إسرائيلي، ودعم غربي روسي»[28].

وفي كتاب (صحوة الشيعة)[29] للمؤلف الخبير الإيراني الأمريكي ولي نصر الذي يعمل مع المحافظين الجُدد من مجموعة رامسفيلد في أيام الرئيس الأمريكي بوش، ما يكشف بوضوح عن الموقف الدولي المساند للتشيع الإيراني بمشروعه التوسعي، خاصةً بعد المشهد الشيعي المُتَشَكِّل بالثورة الإيرانية عام 1979م، ثم ما حدث من تسليم للعراق لطائفة الشيعة.

وقد نال كتاب صحوة الشيعة هذا تقريظاتٍ غربية؛ من أبرزها قولُ أحدهم من الكونجرس الأمريكي: «من يريد أن يتعرَّف على الاتجاهات المستقبلية للسياسة الأمريكية عليه أن يقرأ هذا الكتاب، فعند قراءته سيجد القارئ أن من خلاصته لدى صاحب القرار الأمريكي بأنَّ أهل السنة هم الخطر على الغرب؛ فأهل السنة مشروعٌ نهضويٌّ يمكن أن ينفجر في أي لحظة من اللحظات! يجب علينا أن نخرج الشيعة من القُمْقُم، ونخلق كُتلاً سياسية، دولاً شيعية في وسط دُول أهل السنة، كي نمنع تماسُك الدول السنية، وكي تبقى هذه الكِيانات الشيعية مصدرًا لضرب الاستقرار في الدول السنية»[30].

ويؤكِّد هذه الاستراتيجية الغربية الإيرانية ما قاله بول بريمر Paul Bremer الحاكم المدني الأمريكي سابقًا للعراق، وذلك بعد احتلاله عام 2003م حول وُجوب تغيير ونقل حكم العراق من أهل السُّنة إلى طائفة الشيعة في العصر الحديث حينما أصدر: «مائة من المراسيم (الأوامر) ليعكس بها استراتيجية فريق الرئيس بوش الابن، ومن حوله مهندسو الحقبة التي أنهت حكمًا للسنَّة استمرَّ ألف عام، وأبرزهم نائب الرئيس ديك تشيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ومساعده آنذاك بول وولفوفيتز وآخرون»[31].

ووُفق هذه المخرجات العلمية والواقع السياسي العالمي والإقليمي المفضوح، فلا غرابة فيما تداولته بعض وسائل الإعلام من أخبارٍ وتقارير؛ مما يؤكد على حقيقة التشيع الإيراني الصفوي الفارسي والعربي بين مخرجات الأمس واليوم، حيث يتم تجنيد مرتزقة من الطائفة الشيعية بعشرات الآلاف من باكستان، وتجنيسهم بالجنسيات العراقية والسورية واللبنانية واليمنية، ودمجهم في مكوِّنات تلك الدول، وذلك من بوابة العراق وكربلاء والنجف بمناسبة عاشوراء محرم 1446هـ، إضافةً إلى تجنيس ودمج مئات الآلاف من الإيرانيين الشيعة خاصةً في العراق كما هو معروف إعلاميًا وسياسيًا، وحيث أن تجنيد المرتزقة يُعدُّ أمرًا متكررًا عبر التاريخ في استهداف أهل السنة بالقتل والتشريد؛ لذا فإن هذا الأمر يجبُ أخذه مأخَذَ الجد وبعين الاعتبار، فهذه الهجرات الباكستانية تُعدُّ استعداداتٍ عدوانيةً هُجومية، وليست حالاتٍ دِفاعية، وربما أن ما خفي أعظم! ومن الوسائل الإعلامية التي كتبت عن هذه المخاطر الجديدة بتعليقاتها وتقاريرها ومصادرها الإخبارية؛ ما يدفع لقراءةٍ أكثر عن المشهد المستقبلي الخطير في تصدير الثورة الإيرانية ومخاطر مشروعات الإبادة السنية[32].

وما سبق حول وضوح عقيدة الشيعة الباطنية، إضافةً إلى ما ورد من تصريحات بأقوال عدائية وأخبار وتقارير جميعها تكشف للقارئ مدى أهمية القراءة والكتابة والنشر عن العقائد والأفكار المنحرفة في سابق التاريخ، وارتباطها بعقائد وأفكار الواقع المعاصر ارتباطًا تاريخيًا وثيقًا، خاصةً العقائد المناوئة لمنهج أهل السنة والجماعة، وهو ما يدعو للمراجعة المخلصة من قِبل بعض الرموز الدعوية والفكرية، المنخدعين بالنظام الإيراني وميليشياته الرافعين لشعار القدس! وأنهم مناصرون للقضية الفلسطينية! بل وإعادة النظر لدى هذه الرموز في المنطلقات الفكرية والتحليلات السياسية البعيدة عن البعد العقدي.

“أهل السنة مشروعٌ نهضويٌّ يمكن أن ينفجر في أي لحظة من اللحظات! يجب علينا أن نخرج الشيعة من القُمْقُم، ونخلق كُتلاً سياسية، دولاً شيعية في وسط دُول أهل السنة، كي نمنع تماسُك الدول السنية، وكي تبقى هذه الكِيانات الشيعية مصدرًا لضرب الاستقرار في الدول السنية”

الشيخ حسين عبدالقادر المؤيَّد

وبوضوح هذا الانحراف العقدي في السابق واللاحق للتشيُّع، وما دَوّنه التاريخ بأحداثه المؤلمة، إضافةً إلى الواقع السياسي المعاصر للعدوان الاستراتيجي، فإن كل هذا مما يفرض على أمة الإسلام -حكوماتٍ وشعوبًا- أن يكون لها مشروعها الخاص المناوئ والموازي في القوة للمشروع الإيراني، مع التفريق في العلاقات الدولية للدول والحركات الإسلامية مع أي نظامٍ يتبنى هذه العقائد المنحرفة، وبين اعتبار هذه العقائد الباطنية بأهلها -بالرغم من انحرافها العقدي- إخوةً وأنصارًا وأعوانًا في أي قضية إسلامية، حتى لو كانت فلسطين والقدس، دون اعتبارٍ للعقائد المنحرفة، والتاريخ الكاشف، والممارسات المفضوحة.

بوضوح الانحراف العقدي في السابق واللاحق للتشيُّع، وما دَوّنه التاريخ بأحداثه المؤلمة، إضافةً إلى الواقع السياسي المعاصر للعدوان الاستراتيجي، فإن كل هذا مما يفرض على أمة الإسلام -حكوماتٍ وشعوبًا- أن يكون لها مشروعها الخاص المناوئ والموازي في القوة للمشروع الإيراني


د. محمد بن عبد الله السلومي

باحث في الدراسات التاريخية ودراسات العمل الخيري والقطاع الثالث


[1] منهاج السنة النبوية، لابن تيمية (8/479).

[2] الشيعة والتصحيح، لموسى الموسوي، ص (11).

[3] منهاج السنة النبوية، (4/363).

[4] المرجع السابق (6/370).

[5] المرجع السابق (3/374).

[6] المرجع السابق (7/415).

[7] المرجع السابق (3/378).

[8] المرجع السابق (2/80-81).

[9] أخرجه البخاري (33) ومسلم (59).

[10] منهاج السنة النبوية (2/81-82).

[11] جامع المسائل، لابن تيمية (7/213).

[12] أخرجه البخاري (3344) ومسلم (1064).

[13] جامع المسائل (7/213).

[14] مفتاح دار السعادة، لابن القيم (2/724-725).

[15] المرجع السابق (1/199).

[16] أهل القبلة: هم من يؤمنون بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولاً، وبالقرآن كتابًا، وبالكعبة قبلة، ويؤمنون بالبعث والنشور والحساب والجنة والنار، وغير ذلك مما له علاقة بمجمل قواعد الإسلام وكلياته. يقول الإمام الطحاوي: «ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين، ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين، وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين» مقالة في مجلة البيان، بعنوان (أهل القبلة) لعبد الباسط الشيخ إبراهيم، العدد 366، بتاريخ 19 أكتوبر 2017م.

[17] محاضرة بعنوان: (مدخل إلى كتب الفرق والردود – الجزء الثاني)، للدكتور ناصر بن عبد الله القفاري، على منصة Toutube بتاريخ 26 جمادى الآخر 1436هـ.

[18] الشيعة والتصحيح، ص (76).

[19] المرجع السابق، ص (7).

[20] (كلام الخميني في أهل السنة)، زيد عبد العزيز الفياض، مقال بعنوان: بتاريخ 26 أغسطس 2010م، على موقع الألوكة alukah.net.

[21] المرجع السابق.

[22] مقالة على موقع سي إن إن عربية arabic.cnn.com، بعنوان: (إيران.. علي خامنئي يشعل ضجة بتدوينة “المعركة لا تنتهي أبدًا” بين الشيعة وأنصار يزيد بن معاوية)، بتاريخ 26 أغسطس 2024م.

[23] المرجع السابق.

[24] المرجع السابق.

[25] مادة على موقع: إيران إنترناشنال iranintl.com/ar، بعنوان: (وزير الخارجية الإيراني بالإنابة: خلافنا مع الولايات المتحدة حول حصتنا في المنطقة)، بتاريخ 13 يونيو 2024م.

[26] محاضرة بعنوان: (المخاطر الأمنية والعسكرية للتشيع)، لحسين بن عبد القادر المؤيد، في برنامج (مجالس الطيبين) قناة طيبة الفضائية، بتاريخ 31 أغسطس 2016م، على منصة يوتيوب Youtube.

[27] كتاب استهداف أهل السنة -من يتزعم العالم العربي- الإسلامي السعودية أم إيران؟، لنبيل خليفة.

[28] المرجع السابق، ص (29).

[29] كتاب صحوة الشيعة، لولي نصر.

[30] (المخاطر الأمنية والعسكرية للتشيع)، لحسين بن عبد القادر المؤيد، في برنامج (مجالس الطيبين) قناة طيبة الفضائية، بتاريخ: 31 أغسطس 2016 م، على منصة يوتيوب .Youtube، الدقيقة 40 فما بعد.

[31] مقال بعنوان: (بريمر يعترف بـأخطاء في قراري تفكيك البعث وحل الجيش)، علي بردي، صحيفة الشرق الأوسط، بتاريخ 27 شعبان 1444هـ.

[32] تقرير صحيفة الشرق الأوسط، بعنوان: (50 ألف باكستاني اختفوا في العراق)، بتاريخ 20 محرم 1446هـ، وينظر: مشاري الذايدي، بعنوان: (البحث عن 50 ألف باكستاني من العراق لليمن)، صحيفة الشرق الأوسط، بتاريخ 23 محرم 1446هـ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

X