يتجه العالم اليوم إلى محاكاة النمط الغربي في فردانيتة المتطرفة، التي يتمحور فيها الفرد حول ذاته ومصالحه الشخصية المباشرة، ويتراجع فيها دور المجتمع في الأمة ودور الفرد في المجتمع، وهذا بطبيعة الحال يتسبب في سلبيات كثيرة ومتعددة، فمن المستفيد من هذه الفردانية؟ وما هي آثارها؟ وكيف يمكن التخفيف من آثارها؟ وما هو دور المجتمع في صنع الاستقرار المنشود؟
مقدمة:
جعل الله التكامل بين أفراد المجتمع وخدمتهم لبعضهم البعض طبيعة بشرية وسنة كونية لا يمكن تجاوزها ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ [الزخرف: 32]، لكن التأخر الذي اعترى أمتنا -وما رافقه مِن ظروف سياسية واجتماعية- انعكس على كثير من التصورات والأفهام، ففقدت العديد مِن مجتمعاتنا المعاصرة نظرة التكامل بين أفرادها، وصار يصعب أن يكون لدى المرء القدرة على تخيل ما الذي يقدمه لمجتمعه ويؤثر عليه فعلاً، وما الذي يأخذه منه؟
خلال القرن الماضي سعى (الملأ) العالمي إلى أن يكون العالم كله مُسخَّرًا لهم، وهو ما حذَّر الله تعالى منه حيث قال: ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾ [الحشر: 7]، فعندما أصبح المال متداولاً بين أصحاب السيادة والنفوذ السياسي والمالي دون غيرهم أصبح الأفراد مسخرين لخدمتهم حصرًا دون مجتمعهم. وقد تعزز هذا بشكل كبير في النظام الرأسمالي الحالي، فعبر تحكم (الملأ) بالفرد جَعَلت الرأسماليةُ الإنسانَ آلةً للإنتاج في النهار والاستهلاك في الليل خدمةً لـ (الملأ) واستهلاكًا لمنتجاته، دون النظر إلى السياق المحيط بالفرد مِن أسرة ومجتمع ودين وعقيدة ومرجعيات وآدابٍ وغيرها، فعليه أن يعمل دون تفكير ويجتهد دون توقف لكي يدفع الضرائب والفواتير والإيجارات، وإلا فإنه سينام في الشارع! ومَن خرج عن هذا السياق فأمامه مساران: إما أن ينضم إلى (الملأ) ولهذا نمط خاص يطول ذكره، أو أن يُقضى عليه.
عزَّز الفكر الرأسمالي الغربي سيطرة مجموعة قليلة من الناس على بقية البشر، حيث يتحكم رجال المال والسياسة (الملأ) في كل شيء، فيقررون مَن يستحق العلاج ومَن يمتلك العقارات ومن يحصل على التعليم، ويحددون أسعار الغذاء والخدمات، … وهكذا
هذا السياق العامُّ الشرس جَعَل كل إنسانٍ يفكِّر بالنجاة وحدَهُ مع مَن يحب، وقد عززت الأنظمة الغربية -تحت قيادة الرجل الأبيض- هذا التفكير، وفرضته على مختلف دول العالم خاصة أوروبا والغرب وما يسمى بالديموقراطية. حيث إن الدولة ورجال المال والسياسة (الملأ) هم المتحكمون في كل شيء، فهم مَن يقرر مَن يستحق العلاج على الرغم مِن كثرة الأطباء وانتشار المستشفيات، وهم مَن يقرر مَن يمتلك العقارات في ظل الاتساع الهائل للأراضي الفارغة، وهم مَن يقرر أسعار الغذاء في ظل تراكم الطعام وكثرة مصانعه، وهم مَن يقرر مَن يحصل على التعليم في ظل انتشار العلم ووسائله، وهكذا حتى أصبح هذا (الملأ) هو مَن يستعبد البشر ليجعلهم جميعًا مسخرين لخدمته هو فقط ولا أحد سواه.
إن استمرار التبعية لـ (الملأ) مِن قِبل المجتمعات والأفراد له نتائج خطيرة، أهمها انتزاع سيادة الأمة وتحولها مِن سيادة المرجعيات الثابتة كالشريعة الإسلامية إلى سيادة (الملأ)، وهي تتسبب في انحدار الأمم لتخدم نزوات وغرائز (الملأ) فوصلت في وقتنا هذا إلى أحط مستوى شهدته البشرية في تاريخها ولم يكن لمخلوق أن يتخيل نتائجها.
التفاعل بين الفرد والمجتمع:
إن التفاعل بين الأفراد والمجتمعات والملأ يمكن أن يوضح بالرسم التالي:
فالأفراد يسعون لإرضاء الملأ الذين يمتلكون المال والسلطة وما يسطرونه مِن قوانين ومعايير، وستجد في الرسم أفرادًا يسعون لإرضاء الملأ مباشرة دون أن يكون له مجتمع يؤويه، ومعظم الأفراد إن مر بمجتمع ما فمروره عابر اضطراري، وليس له مشاركة مؤثرة تصنع تغييرًا، فسهم الرغبات والإرضاء يخرج مِن الفرد إلى الملأ؛ ليضمن بقاء الفرد قادرًا على العيش بكرامة بقدر ما يعطي ويدفع. وقد تجد أفرادًا يتبعون مجتمعات، ولكن هذه المجتمعات لا تأثير لها على الملأ ولا تشكل له تهديدًا أو تأثيرًا.
يظهر هنا السؤال الأهم:
لماذا وصلنا إلى هذه الحال؟ وكيف الخروج منها؟
لقد بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام دينًا يهتم بالفرد، لكنه أيضًا يؤسس لمجتمعات صحيحة سليمة وبالتالي تكوِّن أمة قوية، فلا تكاد تجد خطابًا في القرآن يخاطب المسلم بذاته الفردية إلا في سياقات خاصة وضمن أطر محدودة تتعلق بأحداث معينة، أو تشير لطبيعة الحساب الفردي في الآخرة، فخطاب ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ هو الأساس، وامتدح ربنا ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، فعندما يكون هذا التركيز الكبير على العمل الجماعي والروح الجماعية، لم يكن لها أن تخبو في مجتمعاتنا. ولكي يفهم الكلام على وجهه الصحيح: فأنا أتحدث عن العمل الجماعي المؤثر على قرارات (الملأ) وليس العمل الجماعي العام المنتشر حاليًا الذي لا يكاد يظهر تأثيره على أي مِن أصحاب التأثير أو مراكز النفوذ.
إن الوضع المستهدف هو الذي يمثله الرسم التالي:
يلاحظ في الرسم أن كل فرد يكون ضمن مجتمع (ومِن الوارد أن يكون في أكثر مِن مجتمع واحد: جامعة، جمعية، نادي، حزب، نقابة، مركز أبحاث… وغيرها) فهي مجتمعات (واعية) وقوية ومؤثرة بقوة على (الملأ) “بالسهم الأحمر”، أما التبعية والتأثير فتكون مِن الأفراد إلى المجتمعات الواعية المنظمة التي لديها القدرة على التأثير على قرارات الملأ. هذا النمط هو ما يحقق الأثر الحقيقي، وهذا هو الحال الذي يُرعب (الملأ) الذي يريد أن يبقى الناس مشتتين أفرادًا، يسوقهم الإعلام حيث يريد، أما وجود مجتمعات مؤثرة فهو أمر يصنع تأثيرًا على أصحاب القرار السياسي والمالي؛ لأن الأفراد لا يخضعون بالضرورة لرغبات (الملأ)، بل هم في وحدة مِن أمرهم على الأقل في قطاع ما يتخصصون به.
يؤكد هذا ما قاله إميل دوركايم (Émile Durkheim): “المجتمعات تُبنى على أساس الوعي الجمعي الذي يُشكّل الرابط الاجتماعي بين الأفراد، ومِن خلال هذا الوعي يمكن تحقيق التغيير والإصلاح الاجتماعي”([1]).
تمثِّل المجتمعات الواعية قوة مؤثرة ضاغطة على (الملأ) مما ينعكس على قراراتهم السياسية والمالية، وهذا هو الحال الذي يُرعب (الملأ) الذي يريد أن يبقى الناس مشتتين أفرادًا، يسوقهم الإعلام حيث يريد
الحال المقلوب:
غياب المجتمعات سيكون له الأثر الذي وقع مع (الملأ) في قوم صالح، الذين أخافوا الأفراد فلم يجرؤ أحد منهم على الاعتراض على أن يقوم أشقاهم بقتل ناقة الله وولدها، جرأة غير مسبوقة في تحدي الله تعالى، ولكنه تجرأ لأن الأفراد متشرذمون لا تربطهم رابطة مجتمع قوي قادر على التأثير في قرارات (الملأ) مهما بلغت رعونة وسفاهة تلك القرارات، وما يحدث الآن مِن تكون مجتمعات متخصصة فيما يسميه الإعلام (التصنيفات) الذي جعل إعلام (الملأ) منه عيبًا وجرمًا لا يغتفر ليس هو إلا طبيعة بشرية خلقها الله في عباده.
لقد ضخ لنا الانحطاط الرأسمالي هيكليات للمجتمع تجعل الناس إما أصحاب مناصب وإما عمالاً، فأصبح الهرم الرأسمالي تصنيفًا للأفراد فقط، أما المجتمعات الطبيعية المؤثرة التي تحقق للمجتمع طموحه وتدافع عنه حق الدفاع وتنتصر لقضاياه فهذه خطر على (الملأ) الذي يرى ما لديه مِن مناصب استحقاقًا لا يمكن التنازل عنه.
ويمكن ذكر مثالٍ مشرق مِن تعاون المجتمعات مع صاحب القرار في الدولة الإسلامية في العصر الأول وهو رسولنا صلى الله عليه وسلم، فعندما تحدث سعد بن عبادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل غزوة بدر لم يكن يتحدث عن نفسه الفردية، بل كان يتحدث عن الأنصار باعتباره مجتمعًا مؤثرًا وقويًا، وظهر هذا التأثير عندما طلب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الرأي مِن الجميع، فسمع رأيًا تلو آخر مِن الصحابة مرات متكررة -وكانوا كلهم مِن المهاجرين- حتى قال زعيم الأنصار: “إيانا تريد يا رسول الله؟ فلو أمرتنا أن نُخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى بَرْك الغِماد لفعلنا”([2])، فتحدث بقوة مؤثرة فيها وعي بالمجتمع الذي ينتمي إليه، وهذا الموقف الذي رجح للرسول صلى الله عليه وسلم العزم على قرار الخروج لبدر لاعتراض قافلة قريش، وبعد فوات القافلة تكرر الأمر باستشارة الصحابة -وبخاصة الأنصار- فكان دعم سعد بن معاذ رضي الله عنه في خوض المعركة. فللمجتمعات الواعية قوتها في تعزيز الرأي الصائب لمتخذ القرار وبالتالي الأخذ على يد السفيه مِن (الملأ) في قراراته الحمقاء.
هيكلية المجتمع في الفكر الرأسمالي تجعل الناس إما أصحاب مناصب وإما عمالاً، فيصبح الهرم الرأسمالي تصنيفًا للأفراد فقط، أما المجتمعات الطبيعية المؤثرة التي تحقق للمجتمع طموحه وتدافع عنه حق الدفاع وتنتصر لقضاياه فهذه خطر على (الملأ) الذي يرى ما لديه مِن مناصب استحقاقًا لا يمكن التنازل عنه
دور المجتمعات:
يظهر هنا السؤال، في العصر الحالي، ما هو دور هذه المجتمعات، وكيف لها أن تتحرك؟
يجب أن تكون هذه المجتمعات ملاذًا للأفراد وسبيلاً لهم لإظهار ما لديهم مِن قدرات ومهارات وملكات منَّ الله بها عليهم، كما يجب أن تكون هذه المجتمعات متخصصة ومتنوعة لكي تكون قادرة على أن تشمل جميع المهارات والتخصصات التي لدى الأفراد، فالنقابات على سبيل المثال أحد أشكال المجتمعات التي يمكن أن يكون لها تأثير، ففي الدول الواعية، النقابات هي مَن تصوغ المعايير المعتمدة في الدولة لأنها جهة تخصصية مستقلة تسعى لخدمة المجتمع الكبير الذي يحتويها.
ولكي نحقق هذا الملاذ المذكور، علينا أن نستوعب أن كل فرد خلقه الله ووهبه قدراتٍ ومَلَكاتٍ ومهارات تميزه عن غيره وتجعله مؤثرًا فيما يبدع، ولكن المشكلة المنتشرة هي أن المشتِّتات في هذا العصر والسياق الرأسمالي الذي تحدثنا عنه كلها حوّلت الناس إلى عمال يسعى جميعهم إلى تلبية قوانين (الملأ) دون أن ينظر كل منهم إلى نفسه واكتشافها ووضعها في المكان الصحيح الذي يُحدث التأثير القوي. فتجد الكثير ممن وصل إلى عمر الستين أو السبعين بدأ يفكر بعد تقاعده وتوفر الوقت لديه فيما يحب ويرغب في القيام به، بعد أن ضعفت الهمة وخارت القوة.
لهذا فنحن بحاجة إلى اكتشاف هذه المواهب والقدرات لدى الفتية والشباب والكبار أيضًا مِن رجال ونساء وحثهم على وضعها في مكانها الصحيح المؤثر على المجتمع والأمة وصناع القرار. إن كان هناك مجتمعات متنوعة في الفن والعمارة والهندسة والصحة والحياة البرية والسياسة والقانون والتربية والتأليف والعلاقات والتعليم وغيرها الكثير الجم مِن التخصصات، فهذه ستكون وسيلة ليكتشف المرء نفسه، ويضعها في المكان الصحيح الذي يحدث تأثيرًا قويًا ملموسًا يخرجه مِن دائرة الإنتاج ثم الاستهلاك ولو جزئيًا. وإن تحقق في هذه المجتمعات الوعي الاستراتيجي القادر على استيعاب السياق المحيط بها وتحديد الثغر الذي سيقوم هؤلاء المتخصصون بسده في الأمة وكيفية الضغط والتأثير على صناع القرار، فسيكون للأمة شأن آخر، ولن يكون المنصب الإداري أو السياسي ميزة يحبها ويرغبها كل غث وسمين، بل سيكون مسؤولية تلقى على عاتق مَن يستحق حملها أأعجبه ذلك أم لم يعجبه، لأن المجتمع هو مَن يرى أنه أهل لحمل المسؤولية([3]).
كل فرد خلقه الله ووهبه قدراتٍ ومَلَكاتٍ ومهارات تميزه عن غيره وتجعله مؤثرًا فيما يبدع، ولكن المشكلة اليوم هي أن المشتِّتات والرأسمالية حوّلت الناس إلى عمال يسعى جميعهم إلى تلبية قوانين (الملأ) دون أن ينظر كل منهم إلى نفسه واكتشافها ووضعها في المكان الصحيح الذي يُحدث التأثير
العلاج:
يقول ابن خلدون في مقدمته: الإنسان مدني بطبعه([4])، ولا يمكن للأمم أن تنهض إلا بتضافر الجهود الفردية والجماعية والتفاعل بينها لتحقيق الأهداف المشتركة.
ويقول محمد عابد الجابري في نقد العقل العربي: “المجتمعات القادرة على بناء الوعي الجماعي والنقدي هي وحدها التي تستطيع أن تتجاوز أزماتها وتحقيق التحول الديمقراطي والتنمية المستدامة”.
إن قدرة قيادات المجتمعات على استيعاب السياق العام الاستراتيجي المحيط بها والمقاصد التي خلقنا الله مِن أجلها؛ هي عماد الوعي، وأساس القوة، وأدوات التحرك تجاه إيصال الأمة إلى العز الذي ذهب منها، وإحكام دين الله في الأرض، ولن يكون ذلك سهلاً أبدًا بعد عقود مِن الضياع والغوص في الحياة الدنيا والركون إليها. فنقابات الأطباء والمهندسين والمعلمين والعمال، وجمعيات رجال الأعمال، ومراكز الأبحاث والدراسات، والجامعات والمعاهد العلمية، والأسر الكبيرة الممتدة، والجمعيات الخيرية وغير الربحية، ومجموعات الضغط المتخصصة كالحركات البيئية والحقوقية، وحتى الشركات والمؤسسات، كلها مجتمعات تحتاج لأن تكون واعية وقادرة على أن تضع نفسها في السياق الصحيح، وأن تعلم ما الذي يمكنها أن تؤثر به وأن تخطط له وتسعى إليه.
وأعجبني ما قاله حليم بركات: “تكوين المجتمعات المؤثرة في الأمة يعتمد على قدرة الأفراد على المشاركة الفعالة في الحياة الاجتماعية والسياسية، وتطوير مؤسسات مدنية قوية ومستقلة”([5]).
وأقتبس كلامًا لمانويل كاستليز: “في عصر المعلومات تزداد قوة المجتمعات الواعية التي تمتلك القدرة على تنظيم نفسها بشكل فعّال واستخدام وسائل التواصل الحديثة لتحقيق أهدافها وإحداث تغييرات جذرية في بنية السلطة”([6]).
مِن أجل ما سبق فإن تكون المجتمعات يجب أن يكون طبيعيًا سهلاً سلسًا تغمر الأفراد فيها سعادة غامرة؛ لأن كل واحد منهم يشعر بأنه ينجز فيما يحسن مِن أعمال، وأنه ليس مجرد آلة للإنتاج في النهار والاستهلاك في الليل، فيمتلئ فراغ القلب والروح لديه، وبالتالي يزيد وعي المجتمع فيما يحيط به ويقوى ويزيد تأثيره على (الملأ) وبالتالي تصبح الأمة كلها في وعي واستيعاب للغاية التي خلقها الله مِن أجلها.
إن استيعاب قيادات المجتمعات للسياق العام المحيط بها والمقاصد التي خُلقنا مِن أجلها؛ هو عماد الوعي، وأساس القوة، وأدوات التحرك نحو إيصال الأمة إلى العز الذي ذهب منها، ولن يكون ذلك سهلاً أبدًا بعد عقود مِن الضياع والغوص في الحياة الدنيا والركون إليها
توصيات عملية:
إن الجميع قادر على أن يقدم شيئًا لأمة الإسلام، والتخلص مِن سيطرة (الملأ) القابعة على صدر الأمة بأسرها بقرارات رعناء وسفاهة لم يشهدها التاريخ سابقًا. ولكن كل فرد يعمل باتجاه وغيره يعمل باتجاه آخر دون وعي أو توحيد للجهود، فذلك هدر للجهد وضياع للوقت، ولهذا فإنني أضع بين يدي القارئ بعض التوصيات:
- إلى رجل الأعمال: جد المجتمع الذي يلبي شغفك وادعمه بالمال والتحفيز وبالعلاقات التي لديك دون التحكم في قراراته، وانظر إلى عدوك الذي يدعم تجمعات لم تؤت أكلها إلا بعد قرون مِن العمل جيلاً بعد جيل، فلا تستعجل الثمرة وليكن هذا التجمع الذي تدعم مثل ابنك الذي تربي وتضعه في وصيتك لكي تكون قد ساهمت في سد ثغر في أمة الإسلام وما أكثرها في هذا الزمن.
- إلى القيادات المؤثرة التي لها صوت مسموع: أنشئوا التجمعات الواعية، وليكن عملكم تجاه أهداف واضحة كالشمس وقوية راسخة كالجبال واجعلوها قادرة على الصعود في سلم التأثير على (الملأ) الحالي لنصل إلى صناع قرار يريدون تحقيق مصلحة أمة الإسلام لا ذواتهم الناقصة، ولا تستعجلوا الثمرة، فنحن في زمن نؤسس فيه إلى قرن قادم وليس إلى يوم تالٍ، واللهُ سائلنا عما فعلنا وليس عما أنجزنا.
- إلى الأفراد المبدعين (وكلنا مبدع): قوِّ صلتك بالله لكي تزيد وتتحسن كل يوم، بل كل ساعة، وحقق التوكل عليه كما يريد هو سبحانه لا كما تريد أنت. ابحث عن المجتمع الذي يلبي طموحك وإن لم تجد فساهم في صناعته. استمر دون توقف في تنمية ذاتك واستثمر بها، قوِّ علاقاتك واجعل لك إنتاجًا علميًا أو كتابة أو أي عمل يكون لك ذخرًا أمام الله تعالى كي تكون أفضل نسخة ممكنة مِن نفسك.
- إلى مَن لديه حضور على وسائل التواصل الاجتماعي: اعلم أن مجرد وجود متابعين لك هو مسؤولية كبيرة على عاتقك، وكل معلومة تنشرها ستكون لك أو عليك، فاستوعب ما أنت عليه مِن قدرات وافهم السياق الذي يحيط بك، ولا تكن غافلاً عما تمر به الأمة الإسلامية مهما كان صغيرًا، فأنت لست وحدك، أنت مجتمع بذاتك، فحافظ عليه وليكن عملك خالصًا لوجه الله، ولتكن غايتك المزيد مِن الوعي والتأثير فيما يرضي الله وليس المزيد مِن المتابعين أو الأرباح، فتلك نتائج الله أعلم بها. واستمر في زيادة ثقافة نفسك ومَن حولك، ولا تكن جاهلاً تنشر الجهل والسفاهة والسخافة، فأمتنا تريد المزيد مِن الرجال والنساء الواعين، وليس التافهين.
م. جهاد بوابيجي
خبير إدارة تقنية معلومات، استشاري تحليل أعمال وإدارة مشاريع.
([1]) التقسيم الاجتماعي للعمل، لإميل دوركايم، ترجمة: محمد يوسف موسى.
([3]) مثال ذلك من كولومبيا، التي قامت نقابة عمال الفحم فيها بالضغط على رئيس الدولة ومطالبته بإيقاف التعامل مع الكيان الصهيوني خلال هذا العام 2024، وقام الرئيس بذلك فورًا، على الرغم من أن كولومبيا تعتبر من أكبر مصدري الفحم في العالم إلا أن قرار (العمال) كان له أثر واضح على متخذ القرار في البلاد.
([4]) ينظر: مقدمة ابن خلدون، ص (54).
([5]) حليم بركات: بحث بعنوان: (المجتمع العربي في القرن العشرين: بحث في تغيير الأحوال والعلاقات).
([6]) عصر المعلومات: الاقتصاد والمجتمع والثقافة، لمانويل كاستيلز، ترجمة: محمد عناني.