قراءات

قراءةٌ في كتاب: (عطاء الإسلام الحضاري) لأنور الجندي

رضي الله الإسلام لبني الإنسان دينًا، ليكون سعادةً لهم في الدنيا ونجاةً لهم في الآخرة. والسعادةُ في الدنيا لا تتحقَّق إلا بانتهاج الإسلام في واقع الحياة المدنية والاجتماعية، وبذلك يمكن جني العطاء الحضاري للإسلام الذي يضمن للناس الهناء تحت ظلال الكرامة والعدل والرحمة، وهذا العطاء له صفاتٌ وملامح أوضحها الأستاذ أنور الجندي في كتابه المتميز

التَّعريف بالمؤلف:

المفكِّر والأديب المصريُّ أنور الجندي (١٩١٧-٢٠٠٢م)، نشأ نشأة علميَّة، إذ كان أبوه قاضيًا شرعيًّا ومحقِّقًا لكتب التراث الإسلاميِّ. تمكَّن من الاطِّلاع على ثقافة الغرب ومعرفة نظرتهم للثقافة الإسلاميَّة؛ فوجَّه اهتمامه ونقده لما قدَّمه المستشرقون حول الإسلام والثَّقافة الإسلاميَّة، كما صبَّ اهتمامه ونقده للكثير من الشَّخصيات العربية التي تأثَّرت بالفكر الغربيِّ، وكانت لهم مواقف معادية للإسلام وتهدف إلى تشويه تراثه الحضاريِّ.

صاحب أسلوب أدبي رفيع، استخدَمَ قلمَهُ لنشر الثقافة الإسلاميَّة بشكلها الصَّحيح، والمحافظة على الهويَّة الإسلاميَّة من التَّزييف والاندثار من خلال عدد كبير من الكتب والمقالات والمحاضرات والمؤتمرات.

نظرة على الكتاب:

يشمل الكتاب ستة أبواب، وفي كلِّ بابٍ يعرض الكاتب مجموعةً من الأفكار المترابطة فيما بينها؛ لتشكِّل في مجملها موضوعًا مستقلاً متكاملاً.

إنَّ وجود المشروع الحضاريِّ الإسلاميِّ أصبح ضرورةً لازمةً للكفِّ عن الانقياد والتَّبعية، وقد أثبت جدواه في أمور الدُّنيا والدِّين، فالمنهج الإسلاميُّ يحقِّق التوازن والانضباط الذي يقوِّم أخلاق الفرد؛ فيجعله قادرًا على تحمُّل المسؤولية وبناء أسرته ومجتمعه

مَدْخَلٌ إلى الكتاب:

يتمحور الكتاب حول فكرةٍ أساسيَّةٍ وهي: أنَّ المشروع الحضاريّ الإسلاميّ لا يُقام بنيانه ولا يترسخ إلا إذا استند في أسسه إلى النهج الربَّاني الذي نراه حاضرًا في كتابه الكريم، ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ٤١ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: ٤١-٤٢]، هذا الكتاب الخالد والصالح لكلٍّ زمانٍ ومكانٍ يقوم على «مخاطبة العقل والقلب والوجدان»، وتمتزج في تشريعاته الأصالة والمعاصرة.

إنَّ وجود المشروع الحضاريِّ الإسلاميِّ أصبح ضرورةً لازمةً للكفِّ عن الانقياد والتَّبعية، وقد أثبت جدواه في أمور الدُّنيا والدِّين، على عكس المناهج الوافدة التي سقطت بعد مدَّةٍ وجيزةٍ من تطبيقها، فالمنهج الإسلاميُّ يجمع بين الروح والمادة، والقلب والعقل، والمنهج والتطبيق، والوحي والنقل؛ ليحقِّق التوازن والانضباط الذي يقوِّم أخلاق الفرد؛ فيجعله قادرًا على تحمُّل المسؤولية وبناء أسرته ومجتمعه؛ وبالتالي حكومته، ويشير الكاتب بناءً على ذلك إلى جملةٍ من الحقائق التي يمكن أن نُجملها بالتالي:

  • الإسلام دينٌ ومنهجُ حياةٍ.
  • الإسلام يقبل المفاهيم العصريَّة ويصهَرُها في وجوده وكيانه، مع المحافظة على خصوصيَّته.
  • الإسلام يكرّم الإنسانَ، ويُقِيم حياته على مفهوم المسؤولية الفردية والجزاء الأخروي.
  • الإسلام يجعل الملكية الحقيقة للثروة والأموال لله تعالى، ويجعل الإنسان مستخلفًا فيها.
  • الإسلام يجمع بين الثوابت المتغيرات، كما يجمع بين الروح والمادة، والقلب العقل، والدنيا والآخرة.
  • يقرِّر الإسلام المساواة التكاملية بين المرأة والرجل، كل له وظيفته بما يناسب طبيعته.
  • استحالة انفصام الشخصية الإسلامية عن الدين والإيمان بالله مهما حاولت القوى التغريبية، فالإنسان بحاجةٍ للدين والتديُّن ليحقِّق الاستقرار النفسيَّ، والأمن والأمان.

واليوم يتطلَّع الكثيرُ من الغربيين للإسلام على أنه المنقذ من هذه الأزمة والضياع، والمسلمون يؤمنون بأن بلادهم مستهدفةٌ ينبغي حمايتُها، وضرورة أسلمة المناهج والمعارف والعلوم وتقديم البدائل الأصيلة للبشرية، فالإسلام هو الوحيد القادر على تحرِّيها من عوامل القلق والاضطراب.

وهذه جولة في فروع المشروع الحضاري الإسلامي، أو عطاء الإسلام الحضاري.

جاءت رسالة الإسلام بنظامٍ اجتماعيٍّ عامٍّ يمكن تطبيقه على كلِّ الناس وفي كلِّ العصور، خلافًا للرسالات السابقة التي كانت خاصَّة بأقوامٍ محدَّدين وفي عصورٍ معيَّنةٍ

الباب الأول

الإسلام الدين الخاتم لرسالات السَّماء:

حاول أعداء الإسلام الطعن فيه، فادَّعوا أنَّه مستوحى من الديانات السابقة، وحاولوا إيجاد الشبه بينه وبينها؛ ليشكِّكوا في حقيقته ومصداقيَّته، ومن أهمِّ ما يمكن الردُّ به على تلك الشبهة: هو أنَّ الإسلام وما سبقه من الديانات السماوية مصدرها من الله تعالى، ودعوة هذه الأديان واحدة، لكنَّ ما ميَّز رسالة الإسلام هو أنَّ الله قد ختم بها الرسالات السابقة، كما جاءت رسالة الإسلام بنظامٍ اجتماعيٍّ عامٍّ يمكن تطبيقه على كلِّ الناس وفي كلِّ العصور، خلافًا للرسالات السابقة التي كانت خاصَّة بأقوامٍ محدَّدين وفي عصورٍ معيَّنةٍ.

وقد عمل دعاة التبشير والمستشرقون على صد الناس عن الإيمان بالدين الخاتم، وألَّفوا في ذلك مئات الكتب والموسوعات، لكنَّ طلاب الحق لم تَحجُبهم هذه الأباطيل، واستطاعوا الوصول إلى حقيقة الإسلام وتبيَّنوا منهجه، حتى أنصفه عدد كبير منهم واعترفوا بمعطيات الإسلام في العلوم التجريبية.

المسلمون أمَّة متميزة:

ظهرت في بلاد المسلمين دعواتٌ متعدِّدة ممَّن تشرَّبوا الثقافة الغربية تطالب بفصل الدِّين عن الدولة أو تُنكر وجود الدِّين، وتطالب بتطبيق الديموقراطية، وهذه الدعوات تقوم على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان؛ لأنَّ العدل في تلك المناهج الديمقراطية المزعومة لا يتحقَّق، والمساواة بين طبقات المجتمع معدومةٌ، بل إنّها تنتصر للقوي، في حين أنَّ الإسلام يقوم في نهجه على المساواة بين الناس وبين طبقات المجتمع، فلا يميِّزهم منصبٌ سياسيٌ أو مكانةٌ اجتماعيةٌ أو عرقٌ أو لونٌ.

الإسلام عقيدةٌ ومنهج حياة:

الإسلام ليس دينًا يختصّ بالشعائر التعبّدية والأخلاقية فحسب، بل هو بتكامله اشتمل على كلِّ قواعد الحياة وإدارة المجتمع وإقامة الدولة، بخلاف الأديان التي تعرَّضت للتحريف والتبديل. وقد اعترف بعض المستشرقين -بعد مواجهتهم مشاكل معقَّدة في المعاملات كمشكلة الربا، ومشاكل في التربية الأخلاقية- أنّ منهج الإسلام هو وحده القادر على قيادة العالم. لقد استطاع المسلمون بهذا المنهج الربَّاني أن ينشروا الإسلام في أقاصي الأرض، ثمَّ تراجعوا وانحسروا حين ضعف تمسّكهم به لكنَّ هذا لا يغيِّر حقيقة أنَّ الإسلام دينٌ عالميٌ يخاطب فطرة الإنسان، ويدعو إلى التقدُّم الحضاريِّ.

جَمَع الإسلامُ البشرية تحت رايته، فاندثرت عادات الجاهليَّة العصبيَّة، وتحرَّر الإنسان من عبوديَّة الإنسان وعبوديَّة الأوثان ليكون عبدًا لله تعالى وحده، كما دعا القرآن إلى إعمال العقل والتفكُّر في خلق الله؛ ممَّا أعطى قيمةً متقدِّمةً للعقل

الباب الثاني

القرآن الكريم عطاءٌ لا يتوقَّف:

أنصَفَ بعض المستشرقين الإسلامَ حيث عرفوا حقيقته، وتمعَّنوا في نهجه الكامل المتكامل، وقد اعترفوا على الملأ بأنَّ القرآن الكريم هو معجزةٌ إلهيةٌ لا يمكن لبشر أن ينال ممَّا جاء فيها، كما أكَّدت المؤتمرات العلمية والطِّبية المنصفة المقامة في الغرب إعجازَ القرآن، لكنَّ ذلك أثار حفيظة بعض أعداء الإسلام والمستغربين، فراحوا يُهاجمون تلك الحقائق ويُخفونها عن العالم ليضلِّلوا أمَّة الإسلام.

مصداقيَّة القرآن في العلوم التجريبية:

جَمَع الإسلامُ البشرية تحت رايته، فاندثرت عادات الجاهليَّة العصبيَّة، وتحرَّر الإنسان من عبوديَّة الإنسان وعبوديَّة الأوثان ليكون عبدًا لله تعالى وحده، كما دعا القرآن إلى إعمال العقل والتفكُّر في خلق الله؛ ممَّا أعطى قيمةً متقدِّمةً للعقل، فكان هذا المنهج سببًا في دخول الكثير من علماء الغرب إلى الإسلام، وقد اعترف كثير منهم بالأسباب التي جعلت الغرب يُضمر العداء للإسلام والمسلمين، فأشاروا إلى حالة النُّكران التي أصابت الغرب حين رأوا تفوّق حضارة المسلمين وتأخّرهم، فحاولوا تشويه صورة الإسلام، وسلبوا من المسلمين علومهم أثناء الحروب الصليبية، واستلهموا منها ما أقاموا به صرح حضارتهم، ونسبوا ذلك المجد لهم.

محمد ﷺ خاتم الأنبياء والمرسلين:

أرسى محمد ﷺ قواعد الإسلام ونشر رسالته على أكمل وجه، وقد أشاد المنصفون من الغرب بشخصيّته، وعدَّه مايكل هارت في كتابه (الخالدون المائة) أعظمهم، وجعله في أوَّل القائمة؛ لأنّه –حسب قوله- الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحًا مطلقًا على المستوى الديني والدنيوي، وكان قائدًا عسكريًا وسياسيًا ودينيًا، ولا يزال تأثيره القوي متجدِّدًا في نفوس الناس رغم مرور ثلاثة عشر قرنًا على رحيله.

اللغة العربية الفصحى لغة القرآن:

بينما كان الأعداء يبحثون عمَّا يشوِّهون به الإسلام، كان الطعن في اللغة العربية منفذًا لبثِّ سمومهم، فقد عمل المستعمرون على فرض لغتهم؛ حتى تتراجع اللغة العربية، وسعى المستشرقون إلى تقديم منحٍ للدارسين العرب والمسلمين في جامعاتٍ غربيةٍ شهيرةٍ ليتشَرّبوا ثقافة الغرب، ولم يكتفوا بذلك، بل افتتحوا مدارس الإرساليات داخل البلاد الإسلامية، وكان من نتيجة ذلك كلّه ظهور جيل يتّهم اللغة العربية بأنَّها قاصرةٌ عن استيعاب العلوم الحديثة، وينادي بالتنوير والحداثة والعلمانية، وإلى تطوير الإسلام ونبذ الشريعة.

المدُّ الإسلامي:

بعد مرور قرونٍ طويلةٍ على ظهور الإسلام بدأ صوت الإسلام يرتفع من جديد، رافعًا رايته على الرغم من الهجمات المتكررة التي يسعى بواسطتها الغرب للهجوم على الدين الإسلامي وتشويه صورته، وتقديمه على أنَّه خطرٌ جديدٌ يدقُّ أبوابهم، وهذا لم يمنع بعضَ المنصفين من إظهار إعجابهم بالشريعة الإسلامية القائمة على الإخاء والمساواة والتي تجعل الإسلام دينًا موحِّدًا للبشرية جمعاء.

الفرد في الإسلام يتسامى من الأنانية إلى الغيرية التي تتقدَّم فيها مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد؛ لأنَّ الرابطة بينه وبين الجماعة هي رابطة التكافل والتعاون، فالمجتمع الإسلاميُّ يقوم على التوازن بين الروح والمادة عند الفرد، والتوازن بين الفرد والمجتمع

الباب الثالث

التَّأصيل الإسلاميُّ والمجتمع المعاصر:

بُني المجتمع الإسلاميُّ على أسس العقيدة الإسلامية، وقد ارتبط دور الفرد بالمجتمع الذي يعيش فيه من غير أن يفقد ذاتيته، فهو في دينه يتسامى من الأنانية إلى الغيرية التي تتقدَّم فيها مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد؛ لأنَّ الرابطة بينه وبين الجماعة هي رابطة التكافل والتعاون، فالمجتمع الإسلاميُّ يقوم على أمرين أساسيين: أوَّلهما التوازن بين الروح والمادة عند الفرد، وثانيهما التوازن بين الفرد والمجتمع.

المجتمع المسلم والحضارة الغربية:

المجتمع المسلم موضع تآمُرٍ من قوىً كبرى من أجل هدمه وتدميره بعدّة طرق من أهمّها: تدمير الشباب وإفساده وتحطيم قوّته ومقاومته من خلال إغرائه بالشهوات والمُفسدات، وتدمير المجتمع ثقافيًا وفكريًا ببث نظريات تتعارض مع مفاهيمه الإسلامية، ودعوته للتخلِّي عن ثوابته؛ بحجّة أنَّها سبب تأخُّره وتخلُّفه وجموده، إضافة إلى محاولة القضاء على قيمه وجعله يفقد خصوصيته بدعوى الأمميَّة؛ وإثارة النعرات الإقليمية والقومية والعرقية، وتشويِه الكثير من المفاهيم الإسلامية واستبدال المفاهيم الغربية بها، كمفهوم الديمقراطية الذي يعطي السلطة للإنسان بعيدًا عن المرجعية الإلهية.

حماية المجتمع الإسلامي من العبودية لغير الله:

محاولات تدمير الإسلام واحتوائه لم تتوقّف طيلة أربعة عشر قرنًا، والقرآن يذكِّر المسلمين في مُحكم آياته بأن يأخذوا حِذرهم من أعدائهم الذين يتربَّصون بهم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ [النساء: ٧١]؛ لذلك كان المجتمع الإسلاميُّ يعيش دائمًا حالات من مدٍّ وجزرٍ، ينتصر تارةً، ثمَّ يغفل فينهزم تارةً، ولم يكن العيب في المنهج الإسلاميِّ، إنَّما في الغفلة عن غايات الأعداء التي تستهدف وحدة الأمة، وتحاول فرض مفاهيم التحلُّل لهدم الأسرة المسلمة، وفي العزوف عن تحقيق الموازنة بين المحافظة على ديننا والاستفادة ممَّا يأتينا من الحضارة العالمية لنبني شخصيتنا المتفرِّدة كما أمرنا الله تعالى.

حقوق الإنسان في الإسلام:

كان الإسلام سبَّاقًا في رعاية حقوق الإنسان التي يدَّعي الغرب استحداثها، وقد شهد بعض علماء الغرب المنصفين بذلك، فالحقوق التي يدَّعيها الغرب للإنسان سبق التشريع الإسلاميُّ إلى اعتبارها واجباتٍ لا يمكن للإنسان العيش بدونها، كالنهي عن الإكراه وتحقيق العدل ورفع الظلم وحفظ الحياة دون تمييز باللون والجنس والعِرْق.

الشورى والديمقراطية:

ثمّة مقولاتٌ تجري على ألسنة العلمانيين مثل (إنَّ الديمقراطية المعاصرة هي الشورى) و(إنَّ العدل الاجتماعي الإسلامي هو الاشتراكية)، والحقيقة أنَّ هذا الجدل يدور في دائرة تزييف المصطلحات، فالشورى أقدم من الديمقراطية، وهي منهج ربَّاني بينما الديمقراطيَّة منهجٌ بشري تكون فيه السلطة العليا للإنسان، أمَّا في الإسلام فالسلطة للمشرِّع (الله تعالى) والإنسان خليفة على الأرض.

الانتماء والهوية:

يعدُّ الإسلام مصدر هوية الإنسان وانتمائه، فهو يجمع بين الروح والمادة، العروبة والإسلام، الثوابت والمتغيرات، أمَّا المناهج الوافدة من الغرب كالماركسية والليبرالية والقومية التي يسعى الغرب عن طريقها إلى تدمير وحدة الإسلام والمسلمين فقد أعلنت فشلها عند الغرب ذاتهم وهذا ما دفع المسلمين إلى العودة إلى منهجهم الأصيل والتمسُّك به.

العروبة والإسلام:

سعى الغرب سعيًا حثيثًا لتشويه العلاقة القائمة بين العروبة والإسلام، من خلال دفع العرب إلى التعصُّب لعروبتهم، مدَّعين بأنَّ العروبة قد سبقت الإسلام، متناسين أنَّ الإسلام أقام الوحدة العربية بعد أن كان العرب قبائل متفرقة لا يجمعهم شيء، فمزقوا المسلمين إلى عناصر وأعراقٍ وانتماءات لتدمير وجودهم الحقيقي.

حقوق المرأة في الإسلام:

أعطى الإسلام للمرأة حقوقًا تحفظ لها إنسانيَّتها، وواجباتٍ تتناسب مع طبيعتها، ولم يفرِّق بينها وبين الرجل إلا في القِوامة، أمَّا دعوات تحرير المرأة التي جاء بها الغرب ما هي إلا هدمٌ للأسرة وإفسادٌ للأجيال؛ لأنَّها تتعارض مع مسؤوليتها الأساسية في التربية وبناء الأسرة، كما تتعارض مع طبيعتها الفسيولوجية والعقلية والروحية والاجتماعية.

دعوات تحرير المرأة التي جاء بها الغرب ما هي إلا هدمٌ للأسرة وإفسادٌ للأجيال؛ لأنَّها تتعارض مع مسؤوليتها الأساسية في التربية وبناء الأسرة، كما تتعارض مع طبيعتها الفسيولوجية والعقلية والروحية والاجتماعية

الباب الرابع

الصَّحوة الإسلاميَّة:

جذبت الصَّحوة الإسلامية عددًا من المثقَّفين الغربيين الذين كانوا يبحثون عن دينٍ ينقذ أرواحهم من الضياع بعد فشل دعواتهم العلمانية ومناهجهم الفلسفية المادية، وقد كشفت الصحوة مجموعة حقائق أساسية تصادم ثلاث معتقدات سياسية غربية لطالما حاول الغرب غرسها في نفوس المسلمين، وهي:

  • الفصل بين السياسة والدِّين.
  • نشر الفكر القوميِّ والعلمانيِّ.
  • محاربة التوحيد القائم على عبادة الله وحده.

التغريب والعلمانية:

يبدو أنَّ الصحوة شغلت القوى المعارضة للإسلام، فراحوا يبحثون عن أسباب هذه العودة، وعرفوا أنَّه لا يمكن أن ينهض المسلمون إلا بالعودة إلى شريعة الإسلام وتطبيقها فعملوا على تدمير سعي المسلمين إلى دينهم عن طريق نشر فكرة عالمية الحضارة، هذه المقولة الخادعة التي تعمل على تجريد الإسلام من قوَّته الذَّاتية التي تحميه من أعدائه، كما دعوا إلى أيديولوجياتٍ متعدِّدةٍ؛ كالعلمانية والقومية والماركسية والديمقراطية، والتي ثبت مع مرور الأيام أنَّ هذه الأيديولوجيات هي وجهاتُ نظرٍ عقليةٌ معرَّضةٌ للخطأ والصَّواب، كما أنَّه لا يصحُّ تطبيقها في كلِّ مكان وزمان، لذلك سقطت عندما تمَّ تطبيقها في غير مجتمعاتها.

الاستشراق والتنصير:

إنَّ الحرب ضدَّ الإسلام لم تتوقَّف عند هذا الحدِّ فقد ظهر الاستشراق الذي يعدُّ معملاً لإنتاج الشُبهات التي تستهدف الإسلام، وظهر معه التنصير الذي يعمل على نشر هذه الشبهات عن طريق الإرساليات، وقد كانت الغاية منه هي الانتقاص من قيمة الإسلام والتشكيك في ثوابته عند المسلمين وغيرهم على حدّ سواء، فكان الاستشراق والتنصير نوعًا من الغزو الثقافيِّ الذي يدلُّ على كمية الحقد التي يحملها أعداء الإسلام لديننا وعقيدتنا.

فرويد والنفس الإنسانية:

إنَّ المنهج الذي ادَّعاه فرويد في التحليل النفسي والذي يقوم على العلاج من خلال تداعي الأفكار من دون ترتيب أو تسلسل منطقي، ويرتبط بالغرائز الجنسية عند الإنسان، هو منهج ينبع من مشكلة خاصة عند فرويد، كما ترتبط تجاربه بحالات مَرَضيَّة خاصة تمَّ تعميمها على الجنس البشري، وهذا بحدِّ ذاته يعبِّر عن نظرة ضيقة في التعامل مع النفس البشرية التي خلقها الله تعالى.

أسلمة الثقافة:

إنَّ إدراك المسلمين لهذه المخاطر يدفعهم للاعتزاز بدينهم وانتمائهم له، كما يدفعهم للمحافظة على ثقافتهم الإسلامية العربية في ضوء هذه التحديات من خلال جعل الفكر الإسلاميِّ مادةً تُدرَّس في جامعاتنا وعلى أيدي علماء الإسلام الغيورين على دينهم؛ وذلك لأنَّ وحدة الثقافة تقوم على وحدة الدِّين ووحدة التراث ووحدة اللغة، وهو الدرع الذي يمكن أن يحفظ لهم ثقافتهم من الضياع، ويبشِّر باستمرار الصَّحوة الإسلامية، وينبِّه لما يُحاك لهم من قِبَل أعداء الأمة الإسلامية.

التنوير «مصطلح مسموم»:

ويعني ربط النهضة الإسلامية المعاصرة بعصر التنوير في أوروبا الذي رفع أعلام التحلُّل والإلحاد والإباحية، وبذلك الربط يتم التشويش على أصالتنا وثقافتنا وعقيدتنا، وقد بدأ عصر التنوير الإسلامي كما يدَّعي الغرب منذ حملة نابليون على مصر، والحقيقة هي أنَّ هذه الحملة جاءت لهدم النهضة والقضاء على نوابغ المسلمين، وتثبيت قواعد التغريب والغزو الثقافي والتشكيك في عطاء الشريعة الإسلامية.

إدراك المسلمين للمخاطر المحدقة بدينهم يدفعهم للاعتزاز بدينهم وانتمائهم له، كما يدفعهم للمحافظة على ثقافتهم الإسلامية العربية في ضوء هذه التحديات من خلال جعل الفكر الإسلاميِّ مادةً تُدرَّس في الجامعات؛ لأنَّ وحدة الثقافة تقوم على وحدة الدِّين ووحدة التراث ووحدة اللغة

الباب الخامس

تقديم الإسلام كونه بديلاً للمنهج الماديِّ:

أشار المفكّر الألمانيُّ مراد هوفمان[1] في كتابه (الإسلام كبديل) إلى فساد المجتمع الغربيِّ، وتدهور المجتمع الإسلاميِّ، ورأى أنَّ أوَّل أسباب هذا التدهور يعود إلى هجمات المسيحيين على بلاد المسلمين من الغرب، وهجمات المغول عليهم من الشرق، والتي أدَّت إلى سقوط مركز الحضارة الإسلامية في قرطبة وبغداد، أمَّا ثانيهما فيعود إلى ركون المسلمين لنتائج العلوم التي قدَّمها سلفُهم، وعدم إعمال عقولهم في اكتشاف الجديد، ويرى هوفمان أنَّ جميع العلل النفسية والفكرية والاجتماعية التي تعاني منها الشعوب في الدول الصناعية لا يمكن أن تُعالَج إلَّا عن طريق الإسلام.

عطاء التاريخ الإسلاميِّ:

لا ريب أنَّ التاريخ له حضورٌ مهمٌّ في حياة المسلمين حيث يستمدُّون قوَّتهم وشخصيَّتهم وثقتهم بأنفسهم من أحداث هذا التاريخ المليء بالانتصارات والمجد والعزة، لكنَّ أعداء الإسلام أشاعوا الأباطيل ودسُّوها في قصص التاريخ الإسلاميِّ ومسيرة أبطاله، وركَّزوا على الخلافات بين الأمراء والحكَّام ليُثبتوا أنَّه غير قادرٍ على جمع المسلمين تحت رايةٍ واحدةٍ، واختلقوا قصصًا عن قادة مسلمين كان لهم بصمةٌ في التاريخ الإسلاميِّ كمعاوية بن أبي سفيان t وهارون الرشيد والسلطان عبد الحميد، ليُدمِّروا الحقائق التاريخية، ويُحدثوا اضطرابًا واسعًا في فهم التاريخ الإسلاميِّ فهمًا صحيحًا.

التراث الإسلامي:

القرآن والسنة النبوية عقيدةٌ إسلاميةٌ ثابتةٌ لا تدخل في مجال التراث الإسلاميِّ الذي يقتصر على ما قدَّمه العلماء والفقهاء والمؤرخون ضمن إطار الثوابت الدِّينية الإسلامية، وقد اشتملت هذه العقيدة على الدِّين والمعاملات التي تناولت أدقَّ تفاصيل حياة الإنسان والمجتمعات بشكلٍ منظَّمٍ، خلافًا لما جاءت به الفلسفات التي أثبت علماء الإسلام سقوط أفكارهم؛ كفلاسفة اليونان ومن سار على نهجهم من الفلاسفة العرب.

سقوط الحضارة الغربية:

لم تلبث رسالة الإسلام أن انتشرت في مشارق الأرض ومغاربها، لكنَّ المسلمين الذين سيطروا على العالم أكثر من ألف سنة غفلوا عن مسؤوليتهم؛ فانتهز أعداء الإسلام الفرصة وبدأ الاستعمار الغربيُّ يغزو بلاد الإسلام، وتقاسموا دُوَله، وأقاموا لليهود وطنًا في قلب فلسطين، وهكذا أصبح المسلمون في موقع الدفاع بعد أن كانوا في طلائع المهاجمين: لذلك عليهم أن يكونوا على وعي دائم أنَّ حضارة الغرب الواهنة لن تسقط إلا بعودة ثقتهم بنفسهم ودينهم وثباتهم في وجه عاصفة الحضارة الغربية.

لم تلبث رسالة الإسلام أن انتشرت في مشارق الأرض ومغاربها، لكنَّ المسلمين بعد أكثر من ألف سنة غفلوا عن مسؤوليتهم؛ فانتهز الأعداء الفرصة وبدأ الاستعمار الغربيُّ يغزو بلاد الإسلام، وتقاسموا دُوَله، وأقاموا لليهود وطنًا في قلب فلسطين وهكذا أصبح المسلمون في موقع الدفاع

الباب السادس

عطاء الإسلام الحضاريُّ للبشريَّة:

تجاوزت الحضارة الإسلامية الحضاراتِ السابقة، وحرَّرت الإنسان من عبوديته. وكان التجريب من أعظم معطيات تلك الحضارة، متمثّلاً في عمل عديد من الأعلام الكبار كالبيروني وابن الهيثم وجابر بن حيان، فقد ارتقوا بالعلم إلى مجال الإبداع، وأخضعوا المعلومات السابقة للتدقيق والتمحيص، فعلى سبيل المثال: دحض ابن الهيثم ما توصَّل إليه اليونان من أنَّ الرؤية تتمُّ عن طريق أشعةٍ تصدُر من العين حين قال: إنَّ عدسة العين ترى الأشياء من خلال انعكاس الأشعة عليها. ولا ينسى تاريخ العلوم الإسلاميَّة ما قدَّمه المسعوديُّ في كتابه (مروج الذهب) من الحديث عن ظاهرة المدِّ والجزر والتي وصل إليها من خلال التجريب والملاحظة، وابن النفيس الذي اكتشف الدورة الدموية الصغرى، وغيرهم من العلماء المسلمين الذين كان لهم فضلٌ كبيرٌ على البشرية جمعاء.

الفقه والقانون:

أمَّا ما قام به علماء الإسلام في استنباط الفقه من مصادر التشريع، ومن ذلك وضع الشافعي لأسس علم أصول الفقه من خلال كتاب الرسالة، فقد كان بالغ الأهمية، وقد استفاد الغرب من هذه المصادر والقوانين من خلال اتصالهم بعلماء المسلمين في الأندلس ونهلهم من معارف الإسلام. ومن صور استفادة الغرب من المسلمين: قيام بعض الأوروبيين بترجمة كتاب (إكسير) للإمام الشيباني الذي يعدُّ الرائد الأوَّل للفكر القانونيِّ الدوليِّ في العالم، وقد تبيَّن أنَّ فقهاء القانون الدوليِّ لم يأتوا بجديدٍ عمَّا ورد في كتابه، فقد كان قانونًا شاملاً لعلاقات المسلمين مع غيرهم في وقت السِّلم والحرب، والحديث عن حماية السفراء والمهادنات والمعاهدات، وحكم مجرمي الحرب وأحكام الغنائم. وهذا يدحض الادِّعاء الذي يقول بأنَّ الإسلام لا يحتوي على نظامٍ سياسيٍّ، وأنَّه استمدَّ نظامه من الرومان وغيرهم.

ابن خلدون وعلم الاجتماع:

وفي مجال علم الاجتماع يبرز ابن خلدون الذي أفاد ممَّا قدَّمه علماء الإسلام والمؤرخين وكان بحقٍّ رائد علم الاجتماع، وظلَّ ابن خلدون إلى اليوم في نظر علماء الغرب أنفسهم عَلَمًا ومَعْلَمًا، وبذلك حاز قصب السَّبق في مجالي علم الاجتماع والاقتصاد متجاوزًا علماء العصر الحديث شرقًا وغربًا، وتقوم فلسلفته على عددٍ من الأصول وهي:

  • أنَّ الاجتماع البشريَّ لا يخلو من بداوة وحضارة وأنَّ البداوة أصلٌ لكلِّ حضارة.
  • أنَّ نشوء الحضارة واضمحلالها لا يكون طفرةً، وإنَّ تأسيس الدُّول لا يكون إلا بدافعٍ دينيٍّ أو سياسيٍّ، وإنَّ سقوط الدُّول تابعٌ لعاملَيْن اثنين: إمَّا الترف وإمَّا الطغيان.
  • أنَّ الأمم المغلوبة مولعةٌ بالاقتداء بالأمم الغالبة، وإنَّ الأمَّة إذا غُلبت أسرع إليها الفناء.

لقد استمدَّ ابن خلدون مفاهيمه في التاريخ وعلم الاجتماع والاقتصاد من القرآن الكريم، وقد كان في عمله ملتزمًا بمفهوم الإسلام القائم على الموازنة بين الروح والمادة والدِّين والعلم والعقل والنقل؛ لذلك فإنَّ كتبه لا تزال حتَّى اليوم مرجعًا في التاريخ العربي والإسلاميِّ.

مناهج علماء المسلمين في البحث العلمي:

لم يكن منهج العلماء المسلمين في البحث العلميِّ يعتمد على الذاكرة، بل كانوا يعتمدون على الوثائق المدوَّنة؛ فكانوا إذا أخذوا من كتابٍ راعَوا الأمانة العلمية، فيذكرون اسم المصدر المأخوذ منه، ويتحقَّقون من نسبة النصِّ إلى مصدره، ويذكرون جهود العلماء السابقين في العلم الذي يُكتب فيه. وفي الحقيقة فإنَّ علماء الحديث كانوا السبَّاقين في الالتزام بمنهج البحث العلميِّ وتوثيق الروايات وإسنادها ونقلها. هذا ولم يتعارض عند علماء الإسلام الدِّينُ مع العلم كما حدث في الفكر الغربي، فالعقل لا يمكن أن يصل إلى اليقين ما لم يمدُّه الله سبحان وتعالى بهدايته وعونه.


 

د. فاطمة علي عبُّود

دكتوراه في اللُّغة العربيَّة وآدابها، عضوة في الجمعيَّة السُّورية للعلوم الاجتماعيَّة.

 


[1] كان سفيرًا لألمانيا لدى كلّ من المغرب والجزائر، أسلم عام ١٩٨٠م بعد أن شاهد صبر المسلمين في حرب التحرير الجزائرية، فراح يبحث عن مصدر هذا الصبر والثبات، فقرأ القرآن، واطَّلع على كتب التراث، ووجد فيها إجاباتٍ شافيةً لتساؤلاتٍ كانت قد أوقعته في حيرة، ووجد فيها أيضًا حلولاً ناجعةً لكثير من المشكلات التي يعاني منها الغرب سواء على مستوى الفرد أو المجتمع أو الحكومة. له عدد من الكتب: (الإسلام كبديل)، و(رحلة إلى مكة)، و(الإسلام في الألفية الثالثة: ديانة في صعود)، و(الإسلام عام ٢٠٠٠)، و(خواء الذات والأدمغة المستعمرة)، و(الإسلام كما يراه ألماني مسلم)، توفي عام ٢٠٢٠م.

X