الافتتاحية

الانخداع بالمجرمين: الأسباب والعلاج

مدخل:

فُطر الناس على كراهية المجرمين والنفور منهم، ومع ذلك فكثيرًا ما نرى انخداع الناس عمومًا بأهل الشرّ والفساد أشخاصًا وجماعات، وهي ظاهرة متكرّرة عبر العصور، وفي سائر جوانب الحياة: الدينية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وهي جديرة بإلقاء الضوء عليها ودراستها.

ولتستبينَ سبيلُ المجرمين:

حرص الإسلام على ترسيخ قاعدة مهمّة؛ ألا وهي: التعرّف على سبيل المجرمين وأساليبهم لاجتنابها وعدم الوقوع فيها، وهي مكمّلة لجانب بيان الحق وتوضيحه، «فإنّ بيان مبادئ أهل الضلال والبدع، وطرقِهم في إضلال الناس والتلبيس عليهم؛ لَهُو من دين الله عز وجل، ومن مقاصد القرآن الكريم»[1]، قال تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام: ٥٥].

قال ابن القيم رحمه الله: «واللهُ تعالى قد بيّن في كتابه سبيلَ المؤمنين مفصَّلة، وسبيلَ المجرمين مفصَّلة، وعاقبةَ هؤلاء وخِذلانَه لهؤلاء وتوفيقَه لهؤلاء، والأسبابَ التي وفَّق بها هؤلاء، والأسبابَ التي خذل بها هؤلاء، وجلَّى سبحانه الأمرين في كتابه، وكشفهما، وأوضحهما، وبيّنهما غايةَ البيان، حتى شاهَدَتْهما البصائر كمشاهدة الأبصار للضياء والظلام»[2].

وقال سيد قطب رحمه الله: «إنّ هذا المنهج لا يُعْنَى ببيان الحقّ وإظهاره حتى تستبين سبيل المؤمنين الصالحين فحسب، إنّما يُعنَي كذلك ببيان الباطل وكشفه حتى تستبين سبيل الضالّين المجرمين أيضًا.

إنّ استبانة سبيل المجرمين ضرورية لاستبانة سبيل المؤمنين، وذلك كالخطّ الفاصل يرسم عند مفرق الطريق.

إنّ هذا المنهج هو المنهج الذي قرّره الله سبحانه ليتعامل مع النفوس البشرية.. ذلك أنّ الله سبحانه يعلم أنّ إنشاء اليقين الاعتقادي بالحقّ والخير يقتضي رؤية الجانب المضادّ من الباطل والشرّ…

إنّ سفور الكفر والشرّ والإجرام ضروري لوضوح الإيمان والخير والصلاح، واستبانة سبيل المجرمين هدف من أهداف التفصيل الرباني للآيات، ذلك أنّ أيَّ غَبَشٍ أو شبهة في موقف المجرمين وفي سبيلهم ترتدُّ غبشًا في موقف المؤمنين وفي سبيلهم؛ فهما صفحتان متقابلتان، وطريقان مفترقتان.. ولابد من وضوح الألوان والخطوط»[3].

النفاق هو أحد السلالم التي يستخدمها المجرمون للتسلُّق إلى المواقع المؤثرة في عالمنا الإسلامي، فيظهرون صلاحًا واستقامةً حينًا من الدهر، حتى إذا حانت الفرصة تقدَّموا إلى غايتهم وحقَّقوا مرادهم

صور من التاريخ:

حفلت صفحات التاريخ بصور كثيرة من انخداع الناس بالمجرمين، وثقتهم بهم، يشترك في ذلك سائر شعوب العالم مسلمها وكافرها، ومن ذلك على سبيل المثال:

1. المنافقون: فالنفاق هو أحد السلالم التي يستخدمها المجرمون للتسلُّق إلى المواقع المؤثرة في عالمنا الإسلامي، فيظهرون صلاحًا واستقامةً حينًا من الدهر، حتى إذا حانت الفرصة تقدَّموا إلى غايتهم وحقَّقوا مرادهم.

وعند تأمُّل السيرة النبوية نجد أنَّ وجود المنافقين في المدينة في فترة تشكُّل المجتمع المسلم كان قَدَرًا من الله تعالى؛ ليكون التحذير منهم ومن مكائدهم درسًا للمسلمين إلى قيام الساعة؛ حيث كانت مكائدهم ومؤامراتهم سببًا في نزول آياتٍ كثيرة، بل سورٍ بأكملها؛ تكشفُهم وتبيِّن صفاتهم وتحذِّر منهم، كما حفلت سنّة وسيرة النبي ﷺ بالكثير من المواقف في كيفية التعامل معهم، وكشف زيفهم، والتنبُّه لخطرهم.

2. مدّعو النبوة والمهدية: فعلى مرّ العصور ظهر مَن يُظهر الصلاح مدّعيًا النبوّة أو المهدية، والإصلاح الديني، بل الخلافة! داعيًا الناس للإيمان به وتصديق دعوته، على الرغم من تهافت دعواتهم، ووضوح كذبهم، إلا أنّهم ينجحون في كلّ مرّة في تجنيد آلاف الأتباع، بدءًا من مسيلمة الكذاب، مرورًا بالمختار الثقفي، إلى ابن تومرت، وليس آخرهم: «ديفيد كوريش» وغيرهم كثير.

3. الزعماءُ السياسيون: الذين حكموا بالطغيان والاستبداد، وارتكبوا الكثير من الجرائم بحقّ شعوبهم والعالم، ومع ذلك فقد كانت لهم شعبية بالملايين. وحتى بعد مرور عقود على زوال حكمهم وانكشاف أحوالهم لا زالت فئات من الناس تستهويهم شخصياتهم وتاريخهم، من أمثال هتلر، وستالين، وجمال عبد الناصر، وبورقيبة، وحافظ الأسد، ومعمر القذافي، وغيرهم كثير.

4. الشخصيات المتسلقة: نجح الكثير منهم في اختراق المجتمعات والتسلل إلى صفوفها الأولى بغفلة من الناس، سواء كانت مُعدّة للاختراق من جهات معيّنة، أو كانت تسعى لأمجاد شخصية، ومن أشهر الأمثلة التاريخية: عبد الله بن سبأ الذي تظاهر بالإسلام وأسهم في تأجيج الفتنة على الخليفة الراشد عمان بن عفان رضي الله عنه، ووضع البذور الأولى للتشيُّع، ومن أشهرهم في التاريخ المعاصر: إيلي كوهين، الذي كاد أن يصل لرئاسة الجمهورية في سورية، وهو الجاسوس الإسرائيلي المدّرب! ومن الأمثلة كذلك: مَن انضم لجماعات الغلو مدّعيًا الجهاد ورفع راية الإسلام.

من أسباب الانخداع بالمجرمين: الغفلة عن سابق أقوالهم وأفعالهم، والاستغراق في حاضر الشخص وواقعه الحالي؛ فحَسَبُ الشخص ونسبه، وتاريخه، وخلفيته الفكرية، وسيرة حياته؛ كلّها مفاتيح لفهمه والتنبّؤ بشخصيته، والحكم عليه، وكثيرًا ما يعمد المجرمون إلى محو تاريخهم أو تزييفه أو ادِّعاء التوبة والتراجع

أسباب الانخداع بالمجرمين:

لهذا الانخداع أسباب عديدة بعضها يعود للمجرمين أنفسهم، وبعضها يعود لعموم الناس:

  • الشخصية الجاذبة والمؤثرة:

يمتاز العديد من الفاسدين والمجرمين -وبخاصّة القادة منهم- بشخصيات جاذبة لعموم الناس، وقدرات عالية في الإقناع والتأثير: فشخصياتهم جذّابة ساحرة، يجمعون إليها الكذب والخداع؛ مما يوقع الناس في الانجذاب إليهم.

وقد حذّر تعالى من اتصاف الكثير من المنافقين بتلك الصفات، كقوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ٢٠٤ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: ٢٠٤-٢٠٥]، وقوله: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ [المنافقون: ٤].

كما حذر النبي ﷺ ممن كانت هذه صفاته: (إِنَّ أَخْوَفَ ما أَخافُ على أُمَّتِي كُلُّ مُنافقٍ عَليمِ اللسانِ)[4]. بالإضافة لصفات أخرى، كالظهور بالشخصية الحريصة الناصحة المحبّة (الأبوية) في مواقف، والشخصية القويّة الآسرة التي يمكن الاعتماد عليها في الشدائد في مواقف أخرى؛ مما يوقع الناس بالافتتان أو الاقتناع بها.

  • ادِّعاء الصلاح وإظهاره:

على مرّ التاريخ كان الطغاة والمجرمون مدّعين للصلاح والإصلاح، مظهرين التديّن، ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ [البقرة: ١١]، حريصين على بعض مظاهر الدين؛ بهدف التغرير بالعوام، بل إنّهم حين يحاربون المصلحين الصادقين يتّهمونهم بالإفساد في الأرض؛ إمعانًا في التضليل والخداع، ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ [غافر: ٢٦]، وقالت حاشيته: ﴿أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾ [الأعراف: ١٢٧].

ومَن كان منهم معروفًا بالفساد والبعد عن الدين فإنّه لا يلبث -لاسيما عند الحاجة- أن يغيّر مظهره ويلبِس مسوح الزاهدين العابدين، والقرب من الشعائر الدينية، كحالِ الطغاة الذين يفتتحون المساجد الضخمة، ويرعون بعض حلقات تحفيظ القرآن، أو يقصدون بيت الله الحرام للحج أو العمرة، وزيارة بعض مشاهير العابدين والتذلّل لهم، ونحو ذلك.

  • حسن الظنّ في غير موضعه، والغفلة عن مكر المجرمين وخبثهم:

وهذا من عدم الوعي، كحسن الظنّ بالمجاهيل، أو مَن في سيرتهم إجرام أو بُعد عن الدين، أو الانخداع بالمجرمين بمجرّد تظاهرهم بالتوبة.. فالمسلم الحقّ لا بدّ أن يكون واعيًا متنبهًا لا ينخدع بكل من يحاول خداعه، يروى عن عمر رضي الله عنه قوله: «لست بخبٍ ولا الخب يخدعني»[5].

  • نسيان أو غياب التاريخ المظلم:

ومن ذلك الغفلة عن سابق الأقوال والأفعال، والاستغراق في حاضر الشخص وواقعه الحالي؛ فحَسَبُ الشخص ونسبه، وتاريخه، وخلفيته الفكرية، وسيرة حياته؛ كلّها مفاتيح لفهمه والتنبّؤ بشخصيته، والحكم عليه.

لذا فإنّ من أهم ما يعمل عليه المجرمون هو تغيير هذا التاريخ ومحاولة محوه من أذهان الناس، إمّا بادعاء تاريخ مختلف، أو تزوير التاريخ، أو ادعاء التوبة والتراجع عن الأخطاء.. والله يحب التوّابين! فضلاً عمّن يظهر من بيئة مجهولة ولا يعرف له تاريخ.

  • اتّباع هوى النفس وتحقيق رغباتها:

فكثيرًا ما يكون للأتباع مصالح أو مطامح شخصية، أو رغبات ومكاسب ذاتية؛ ثم يجدون في هذا المجرم أو الطاغية ما يحقّق لهم مطلوبهم ومرادهم، فيقدّمون هواهم ومصالحهم على مصلحة الأمّة أو مصلحة الدين، كحال مَن يتحالف مع بعض الأحزاب العلمانية المعادية للدين بحجج واهية كالحصول على فرصة لتمكين حزبهم، أو إتاحة الدعوة لجماعتهم! ولن يعدم هؤلاء من إيجاد المبرّرات والمغالطات لإظهار أنّهم لم يخطئوا.

وتقديم هوى النفس ورغباتها يكاد يصل بالمرء إلى الوقوع في مناقضة الدين والمروق منه، قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: ٢٣].

  • اختلال المعايير في التقويم والحكم:

للحكم على الأشخاص والجماعات أصولٌ وقواعد ليس هذا مجالُ بسطِها، لكنّ اختلالَ هذه المعايير وبعدَها عن الصواب يؤدِّي لنتائج خاطئة، ومن ذلك:

  • التركيز على المظهر دون الجوهر.
  • الانخداع بالادعاءات والشعارات دون البحث عن الحقيقة.
  • الغفلة عن حجم السيئات وخطورتها مقابل الحسنات المزعومة.

لذا فكثيرًا ما تنخدع الشعوب باليسير من إنجازات الطغاة كبعض الخدمات الدنيوية، أو المواقف العاطفية، ويجعلونها دلالة على صلاحيته للحكم، ويغفرون له في مقابلها الكمّ الهائل من الإجرام والإفساد.

ومثله الانخداع بشعارات الغلاة من تحكيم الشرع والجهاد في سبيل الله، أو ببعض عباداتهم وإنجازاتهم، مع أنّ الرسول ﷺ أوضح أنّ الخلل الأساس فيهم ليس لأنّهم لا يطيعون الله، أو لا يقاتلون أعداء الله، بل لأنّهم يغلون في فهمهم للدين، وفي الاعتداء على المسلمين: (يَخرُج قوم من أمتي يقرؤون القرآنَ، ليس قراءتُكم إلى قراءتِهم بشيء، ولا صلاتُكم إلى صلاتِهم بشيء، ولا صيامُكم إلى صيامِهم بشيء، يقرؤون القرآنَ يحسبونَ أنه لهُم وهو عليهم، لا تُجاوزُ صلاتُهم تراقِيَهُم، يَمرُقون من الإسلام كما يمرق السهم مِن الرَّمِيَّةِ)[6].

  • التحزُّب الأعمى:

للجماعة، أو القومية، أو البلد، وغيرها، مما يدفع البعض لتأييد الطغاة أو المجرمين ولو كان يعرف باطلهم؛ لمجرّد أنّهم من حزبه أو جماعته أو أهل بلده، أو نكايةً بالطرف الآخر.

قال طلحة النمري لمسيلمة الكذاب: «أشهد أنّك كذاب وأنّ محمدًا صادق، ولكن كذّاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر»[7]. وكثير من التجارب الديمقراطية اليوم ترينا كيف أنَّ كثيرًا من الناس يصوتون لمن ينتمي إلى قوميتهم أو منطقتهم أو عقيدتهم، بغضّ النظر عن صلاحيته للمهمة التي ترشّح إليها من عدمها.

  • الخطاب الإسلامي الفضفاض:

فيكون الخطاب عامًا دون تسمية الأمور بمسمياتها أشخاصًا ووقائع؛ فتجد التحذير من الظلم لكنه لا يسمي الظالمين، وتسمع التحذير من المعاصي لكنّك لا تجد من يتطرّق إلى نهب المال العام، وإذا وقعت كارثة أو مصيبة نسبها بعض المتحدّثين إلى معاصي عامة الناس وتجاهل معاصي علية القوم وخاصّتهم.

  • المبالغة في خطاب التسامح والتعايش:

كثيرًا ما يرتبط الخطاب الأخلاقي للجماهير العامّة في المجتمعات المسلمة وغير المسلمة ويعتمد على المعاني المعزّزة للتسامح والطيبة وإحسان الظنّ والتعايش، ويتجنّب معاني الحيطة والحذر والتنبّه من الأفخاخ الأخلاقية والاجتماعية، مما يمهّد الأرضية للاستغلال والاستغفال.

  • ضعف الوعي والتشوّه الفكري العام:

ومن ذلك غياب المحاكمة العقلية الصحيحة لدى غالب الناس؛ والذي هو نتاج أسباب عدّة منها: الاستغراق في لقمة العيش، والإعلام الفاسد، والتعليم الهزيل، والهزيمة النفسية، والانبهار بالقوي. ويتشابه ذلك مع التشوه الفكري عند الشعوب منذ عقود، والذي عزّز مفهوم ارتباط القوّة بالمكر؛ وأنّ الصلاح مرتبط بالدروشة؛ مما مهّد «نفسيًا» لحالة من القابلية للانخداع مع طرفٍ وللمانعة من الاستجابة للطرف الآخر.

من أهم الواجبات اليوم: الحضور الفاعل للخطاب الإسلامي وأصحابه في الأحداث المتتالية؛ تعليقًا وتقييمًا وتصحيحًا؛ فالغياب الطويل والظهور المتقطّع لا يمكن من خلاله بناء أرضية جيدة من الوعي الآني في عقول الناس؛ وهو ما يجعل ذلك الخطاب يبدو غريبًا ومنبتًّا عمّا أصبح من البدهيات عندهم بسبب تراكم تفسير الأحداث بصورة ما

العلاج:

مسارات العلاج تنقسم إلى مسارين:

أولاً: مسار طويل المدى يعتمد على:

  1. تصحيح المفاهيم والثوابت الكلّية الدينية والأخلاقية، فهي بمثابة «المسطرة» التي يقاس من خلالها اقتراب أو ابتعاد الآخرين من الحقّ.
  2. بناء الوعي التراكمي للأمّة؛ والاعتناء بالتربية العقلية في المحاضن التربوية المختلفة؛ وحضور المحاكمة العقلية المنضبطة في الخطاب الإسلامي، ومنها المعايير العقلانية والأخلاقية في تقييم الأشخاص والأحداث والأفكار.
  3. الاهتمام بالتاريخ اهتمامًا خاصًّا، القديم منه والحديث كذلك، واستحضار تفاصيله ووقائعه، وربطها بالأفكار والمناهج والسنن الكونية.
  4. الاهتمام بتشكيل الهوية ومفاهيمها والتي غالبًا ما يكون غيابها سببًا في عدم معرفة الشخص بخصومه وأعدائه لكونه لم يعرف نفسه ابتداءً.
  5. تزكية النفوس لتخليصها من الشوائب والشهوات والرغبات.

ثانيًا: مسار عاجل؛ ويتلخّص في:

الحضور الفاعل للخطاب الإسلامي وأصحابه في الأحداث المتتالية؛ تعليقًا وتقييمًا وتصحيحًا؛ فالغياب الطويل والظهور المتقطّع لا يمكن من خلاله بناء أرضية جيدة من الوعي الآني في عقول الناس؛ وهو ما يجعل ذلك الخطاب يبدو غريبًا ومنبتًّا عمّا أصبح من البدهيات عندهم بسبب تراكم تفسير الأحداث بصورة ما.

  • طبيعة التفكير الجماهيري (ذاكرة الشعوب)

مع جميع ما سبق لا بدّ من إدراك أنّ للشعوب والجماهير طبائع في التفكير والتحرّك، ليس بالضرورة أن تكون منبثقة من إدراك المصالح والمفاسد، أو الوعي الفكري الصحيح؛ فهناك الكثير من العوامل والمؤثرات التي يمكن أن تطبع المزاج الشعبي العام، أو تؤثّر فيه، فينبغي على الدعاة والمصلحين والمؤثرين التنبّه لهذا الأمر، والأخذ بالأسباب المؤثرة فيه، وعدم الركون إلى التوعية الفكرية والمحاجة العقلية فحسب[8].


[1] جهود علماء الأزهر في بيان حقيقة دين الشيعة، شحاتة صقر (١/٥).

[2] الفوائد، ص (١٠٨).

[3] في ظلال القرآن (٢/١١٠٥-١١٠٦).

[4] أخرجه أحمد (١٤٣).

[5] أخرج أحمد في فضائل الصحابة (٤٦٢) عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال في عمر رضي الله عنه: «كانَ واللهِ أَفضَلَ مِن أَن يَخْدَعَ، وأَعقَلَ مِن أَنْ يُخْدَعَ».

[6] أخرجه مسلم (١٠٦٦).

[7] تاريخ الطبري (٣/٢٨٦).

[8] ينظر مقال: حركة الجماهير، أ. وليد الرفاعي، العدد الثالث من مجلة رواء، يونيو ۲۰۲۰م.

X