شوال 1441 هـ – يونيو/ حزيران 2020م
أنت على خيرٍ إذا نجوت من خطرين يتنازعانك بعد رمضان: أن تكون مزهوًّا باجتهادك فتبطله، أو أن لا تجد أثرًا لرمضان في حياتك بعده.
ومما يُديم الخير بعد رمضان دون عُجب أو فتور:
- أولاً: العناية بتثبيت عبادة واحدة بعد رمضان، من تغيير عادة، أو إصلاح علاقة، أو أداء حق، أو تحسين عبادة، أو تهذيب خلق، أو محاسبة نفس، أو قرب من القرآن، أو كثرة ذكر. وبهذا ترتفع بكل رمضان درجة في التزكية والمداومة، بدل التذبذب والتحسر.
- ثانيًا: استشعار نعمة التوفيق والخوف من ردّ العمل، فذلك يُورث التواضع ويجلب العون والمزيد. وقد ذكر الله سبحانه من صفات المجتهدين في الطاعات أنّهم يعملونها وهم خائفون فقال: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ 60 أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون: 60-61]. يقول مالك بن دينار: «الخوف على العمل أن لا يُتقبَّل .. أشدُّ من العمل»([1]).
- ثالثا: تقوية القلوب وتطهيرها بالتفكُّر وحسن الظنّ. والتفكّر يكون في خمسة: عظمة الله وتدبيره، وفي تدبر كتابه، وفي النعم المادية والمعنوية، وفي عيوب النفس، وفي واجب الوقت والتوبة. ومثل هذا التفكّر يقول فيه أبو الدرداء رضي الله عنه: «التفكُّر ساعة خيرٌ من قيام ليلة»([2])، وهذا التفكر ينبغي أن ينقله إلى حسن الظن بالله تعالى والمؤمنين، و«المؤمن أحسن الظنّ فأحسن العمل» كما يقول الحسن([3]).
- رابعًا: تعويد النفس على تلاوة القرآن في الصلاة، لحديث: (… فثلاثُ آياتٍ يقرأ بهنَّ أحدُكم في صلاته، خيرٌ له من ثلاث خَلِفاتٍ عِظامٍ سِمان)([4]). وقال النووي: «أفضل القراءة ما كان في الصلاة»([5]). وهو يُعين على خشوع الصلاة، وزيادة الفهم والحفظ، والتبكير للفرائض، وتثبيت الرواتب، والاستزادة من النوافل وصلاة الليل.
- خامسًا: اجتناب احتقار ما قَدِر عليه العبد أو تعيّن عليه فعله، وإن رآه أقلّ فضلاً مما تطمح إليه نفسه. قال ابن عبد البر: «لا ينبغي للعاقل المؤمن أن يحتقر شيئًا من أعمال البر، فربما غُفِرَ له بأقلِّها»([6]). ومن عجيب الفقه في مراتب الأعمال قول محمد بن المنكدر: «بِتُّ أغمِزُ رِجل أمي، وبات عمر يصلي، وما يسرني أنَّ ليلتي بليلته»([7]). وفي ظروف الحياة المختلفة قد يقترن بحال العبد ما يجعل اليسير الذي يقدّمه يسبق الكثير الذي يقدّمه غيره (سبقَ دِرهمٌ مائةَ ألفِ درهمٍ)([8]).
- سادسًا: سياسة النفوس بالتدرّج معها مما تحب إلى ما يثقل عليها من نوافل العبادات، قال طاووس: «أفضل العبادة أخفُّها»، قال ابن عبد البر: «يريد أخفها على القلوب وأحبها إلى النفوس؛ فإنَّ ذلك أحرى أن يدوم عليه صاحبه حتى يصير له عادةً وخُلُقًا»([9]). وهو مفيد في رفع همة النفس وفي تربية الآخرين.
تلك إشارات ليدوم الخير بعد رمضان، نحتاجها لأنفسنا وغيرنا.
[1] حلية الأولياء، لأبي نعيم (2/ 377).
[2] الزهد، لأبي داود (199).
[3] الزهد لأحمد، (1/ 482).
[4] أخرجه مسلم (802)، والخلفات: الحوامل من النوق.
[5] الأذكار (1/ 103).
[6] التمهيد (22 / 12).
[7] الزهد لأحمد بن حنبل، (1/ 72). والغمز هو التدليك باليد.
[8] أخرجه النسائي في سننه (2527).
[9] التمهيد (1/ 196).