دعوة

غرائز الطيور ألغاز تتحدى نظرية التطور

يومًا بعد يوم يثبت بالدليل القطعي والحسي عبودية هذا الكون لله تعالى، وبطلان ما ادعاه الملاحدة من نفي وجود إله للكون، ونسبة ما فيه من إبداع ونظام للطبيعة، كما قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53]. فالظواهر الطبيعية المتعلقة بالكائنات الحيّة – بشريةً أم حيوانيةً أم نباتية- تعجز نظرية التطوّر عن تفسيرها وتقف أمامها حائرة، وفي هذا المقال استعراض لبعض الظواهر المتعلّقة بنوع واحد من هذه الكائنات وهي الطيور التي توضح ذلك.

عندما يشعر التطوريون أنّهم محرجون وعاجزون عن تقديم الدليل العلمي على خرافتهم؛ يتهرّبون من الإتيان بالدليل إلى زعمهم المأثور المكرّر في معظم كتبهم وأبحاثهم وهو: أنّ نظرية التطوّر هي النظرية الأكثر قبولاً لتفسير عدد من الظواهر الطبيعية المتعلقة بالكائنات المختلفة.

وفي هذا المقال سنستعرض نقطة من بحر الظواهر الطبيعية المتعلّقة بالكائنات الحية، والتي تعجز نظرية التطوّر عن تفسيرها، وما سنستعرضه هو بعض الظواهر المتعلّقة بالطيور، علمًا بأنّ الظواهر التي تعجز النظرية عن تفسيرها عددها بعدد الكائنات، بل بعدد كلّ عضو ووظيفة وجهاز من أجهزة كلّ كائن حي، بل هي بعدد الخلايا الحية الموجودة في أرضنا من كلّ لون وجنس ونوع، بشرية كانت أو حيوانية أو نباتية.

كيف تعلّمت الطيور رعاية بيوضها؟

نعلم أنّ الطيور تتكاثر بالبيض، وأنّ نمو الأفراخ داخل بيوض الطيور لا يحدث ويكتمل إلا إذا مرّ بفترة حضانة، تجلس خلالها الطيور على بيضها، لمدّة تختلف باختلاف أنواع الطيور، وبعد انقضاء المدّة المعلومة تفقس البيوض وتخرج منها الفراخ خلقًا كاملاً سويًا.

ومن عجائب فترة الحضانة هذه أنّ الأمّ لا تكتفي بالجلوس على البيض فحسب، بل تقوم من فينة لأخرى بتقليبها، لتنال كلّ جوانب البيضة ما يكفي من الحرارة اللازمة من أجل تخلّق الفراخ وتحول السوائل والأغذية التي تحتويها البيضة إلى كائن حي، إلى طائر فرخ كامل الأعضاء.

ونسأل التطوريين: كيف يفسّر التطوّر ذلك التقليب والتحريك الذي تقوم به الأمّ لبيضها حتى يفقس؟ اشرحوا لنا كيف (تطوّرت) هذه المهارة الفطرية عند الطيور بواسطة آليات التطوّر؟

كيف عرف الطائر الأول الذي باض الدفعة الأولى من البيوض أنّ عليه أن يقلّبها؟ لأنّه لو لم يفعل لما فقست بيوضه ولما جاءت ذرّيته، ولكان الجيل الأول هو الأخير، فهلا فسّرتم لنا ذلك لو تكرّمتم؟

سؤالنا للتطوريين: كيف تفسّر آليات التطوّر تمتّع الطيور بالقدرة على الطيران بهذا الشكل المذهل؟ كيف اكتسبت الديناصورات (وهي أسلاف الطيور كما يجمع كلّ التطوريين) كلّ هذه التغيّرات الجذرية على أجسامها وأنظمتها الحيوية فأصبحت تحلّق في السماء برشاقة وروعة وخفّة واقتدار، بعد أن كانت تدبّ على الأرض ببطء وثقل؟

كيف اكتسبت الطيور القدرة على الطيران؟

هل شاهدت عزيزي القارئ صقرًا محلّقًا في السماء؟ لا يستطيع عالم أن يجادل في أنّ تصميم الصقر ككائن مؤهّل للطيران لا يمكن مقارنة دقّته وروعته وبراعته وكلّ ما يتعلّق به بأيّ تصميم لأيّ آلة طائرة اخترعها الإنسان؛ فصنع الإنسان متخلّف جدًا عن روعة الصقر، (وأيّ طير آخر)، ومجرّد المقارنة فيها إجحاف للكائن الحي، فكلّ شيء في الصقر من أصغر شعرة في ريشة جناحه إلى أكبر عظمة في جسمه مهيّأ لمنحه القدرة على الطيران والمناورة والإقلاع والهبوط تصل إلى حدّ يفوق الخيال، ولو أراد العلماء أن يشرحوا ما يملكه الصقر (أو أيّ طائر آخر) من أجهزة وميزات وخصائص تمكّنه من الطيران لاحتاج ما يعرفونه منها (وهناك الكثير مما لم يكتشفوه حتى الآن) إلى مجلّدات ورسومات تفوق حجمًا وتفصيلاً وكمّيةً كلّ ما أنتجه مهندسو الطيران من وثائق وتصاميم ورسوم حتى الآن.

والطيور أعزائي القرّاء لا تحتاج مطارات، ولا صيانة، ولا تحققًا من الجودة، ولا غير ذلك ممّا يتخذه البشر لضمان أمن طائراتهم، فلم نسمع بصقر يمكث في عشه صباحًا لساعات يراجع المئات من البنود التي تضمن سلامة طيرانه، كما يفعل قائد الطائرة المدنية قبل الإقلاع، ولا نعرف صقرًا يحتاج للإقلاع والهبوط إلى مطارات ومدرجات وأبراج مراقبة، فلديه نظام اتصال وطيران عجيب، وإنْ هي إلا ضربة بجناحه وإذا به يبدأ التحليق، ولا يحتاج إلى مساحة لهبوطه مهما بلغت سرعة انقضاضه إلى أكثر من موطئ قدميه، ولا يلزمه صيانة ولا قطع تبديل، ورغم كلّ ذلك لم نسمع بأنّ صقرًا ضلّ طريقه أو أخطأ هدفه أو هبط هبوطًا اضطراريًا أو أصاب جهاز اتصاله عطل فهوى على الأرض وتحطم!

وسؤالنا للتطوريين: كيف تفسّر آليات التطوّر تمتّع الطيور بالقدرة على الطيران بهذا الشكل المذهل؟ كيف اكتسبت الديناصورات (وهي أسلاف الطيور كما يُجمِع كلّ التطوريين) كلّ هذه التغيّرات الجذرية على أجسامها وأنظمتها الحيوية فأصبحت تحلّق في السماء برشاقة وروعة وخفّة واقتدار، بعد أن كانت تدبّ على الأرض ببطء وثقل؟

كيف تعلمت الطيور بناء أعشاشها؟

قد لا يعلم أكثرنا أنّ الطيور عباقرة في الهندسة والعمارة، فكلّ نوع منها له طريقته الخاصّة وأسلوبه المميّز في بناء العشّ الذي تضع فيه أُنثاه بيضها، وترقد عليها حتى تفقس، والأمثلة كثيرة، نذكر منها أمثلة ثلاثة:

1. الطائر ذو المنقار الضخم، Hornbill:

الطائر ذو المنقار الضخم Hornbill

ويسمى أيضًا (أبو قرن)، وموطنه في الهند ونيبال وبوتان، وقصة بناء عش هذا الطائر عجيبة، تبدأ بها الأنثى حين تبحث عن تجويف مناسب في إحدى الأشجار، ثم تأتي ببعض الطين وتسدّ فتحة التجويف إلا ثغرة تسمح بمرورها إلى داخله، فإذا استقرت داخله يأتي الذكر فيغلق بالطين أيضًا ما بقي من الفتحة إلا ثقبًا صغيرًا يكفي لإدخال الطعام إليها، تقوم الأنثى بحضن البيوض حتى تفقس، وخلال ذلك يأتيها الذكر بالطعام من خلال هذا الثقب، ويستمر في ذلك حتى تفقس البيوض، فيستمر الذكر في جلب الطعام للأنثى ولفراخها، وبعد أن تكبر الفراخ قليلاً تخرق الأم الفتحة وتخرج منها، ليحدث هنا أمر عجيب جدًا؛ وهو أنّ الفراخ نفسها تقوم بإصلاح الخرق الذي أحدثته الأم، وبعد ذلك يستمر الذكر والأنثى كلاهما بجلب الطعام للفراخ، حتى إذا اشتد عودها وأصبحت قادرة على الطيران، تقوم بخرق فتحة التجويف من جديد وتخرج من عشّها لتبدأ حياتها الجديدة[1].

الطائر الخيّاط، Tailor bird:

الطائر الخيّاط Tailor bird

واسم هذا الطائر الذي يعيش في جنوب آسيا مشتقّ من طريقة بنائه لعشّه، فهو يقوم حرفيًا بخياطة عشّه؛ إذ يعمد إلى ورقتين كبيرتين من أوراق الشجر فيثقب أطرافها بمنقاره، ثم يقوم بصنع خيوط مما تيسّر له من مواد الطبيعة حوله، من قطن أو لحاء أو حتى من بعض بيوت العنكبوت، ثم يستخدم منقاره كإبرة ويقوم بخياطة الورقتين بواسطة تلك الخيوط، حتى يصنع من ورقتي الشجر الكبيرتين عشًّا على شكل فنجان، أليس هذا أمرًا عجيبًا؟[2].

3. طائر الغرّة Horned coot:

طائر الغرّة Horned coot

وهذا الطائر لا شبيه لطريقة بناء عشّه من حيث المكان الذي يختاره؛ فهو طائر مائي يبني عشّه على جزيرته الخاصة! نعم، صدّق عزيزي القارئ أو لا تصدّق، فبعد أن يحدّد المكان الذي يريد فيه بناء الجزيرة، ويكون عادة على شاطئ البحر في مكان يتراوح عمقه ما بين متر إلى متر ونصف، يبدأ بجمع الأحجار بمنقاره ويلقيها في المكان المطلوب، ويستمر في ذلك حتى تظهر الجزيرة فوق الماء، ويعلم المهندسون أنّ الجزيرة يجب أن تبدأ بقاعدة واسعة في قاع الماء ثم تضيق صعودًا حتى تبلغ مساحتها مساحة العش المطلوب فوق سطح الماء، وهذا ما يحدث بالضبط، إذ قد تبلغ مساحة القاعدة أربعة أمتار مربعة، وقد يبلغ وزن الأحجار التي يستخدمها هذا الطائر لبناء عشه أكثر من طن، حتى إذا ظهرت الجزيرة واستوت يبدأ بجمع المواد المطلوبة من قشّ وأغصان وغيرها ويبني عشّه في جزيرته الخاصة[3].

وبعد استعراض هذه الأمثلة الثلاثة يحقّ لنا أن نسأل: كيف يفسّر التطوّر وجود هذه القدرة الهندسية الفائقة لدى الطيور على بناء أعشاشها؟ هل يمكن تفسير ذلك بآليات التطوّر: الطفرات والاصطفاء الطبيعي؟ هل كانت أسلافها لا تملك هذه القدرة، فحصلت طفرة جينيّة لبعضها فأصبحت بسببها قادرة على ذلك، ثم جاء الاصطفاء الطبيعي فأبقى على سعيد الحظ فحصل على تلك الطفرة، وانقرض الباقون؟ إنّ حصول هذا الأمر مستحيل لسبب سنذكره لاحقًا، بعد أن نذكر أعجوبة أخرى من أعاجيب الطيور، وهي هجرة بعض أنواعها بطرق ما تزال تحيّر العلماء.

قد لا يعلم أكثرنا أنّ الطيور عباقرة في الهندسة والعمارة، فكلّ نوع منها له طريقته الخاصّة وأسلوبه المميّز في بناء العش الذي تضع فيه أُنثاه بيضها، وترقد عليها حتى تفقس.. فكيف يفسّر التطوّر وجود هذه القدرة الهندسية الفائقة لدى الطيور على بناء أعشاشها؟ هل يمكن تفسير ذلك بآليات التطوّر: الطفرات والاصطفاء الطبيعي؟

هجرات الطيور، ألغاز حيرت العلماء[4]:

عندما تهاجر الطيور وغيرها من الكائنات فإنّها تتصرّف بشكل غريزي بحت ترك العلماء مشدوهين متحيّرين، ولم يستطيعوا تفسير هذه الظاهرة، وكما في حالة بناء الأعشاش فإنّ الأمثلة على هجرات الطيور المدهشة كثيرة، وسنكتفي منها بثلاثة أمثلة مدهشة:

1. طائر الخرشنة القطبي Arctic tern:

طائر الخرشنة القطبي Arctic tern

فهذا الطائر العجيب يقطع سنويًا ما يعادل 33000 كيلومترًا، فهو يمضي الصيف في القطب الشمالي، حتى إذا اقترب الشتاء عبَرَ الأرض من أقصاها لأقصاها ليمضي الشتاء قرب القطب الجنوبي، (فشتاء الشمال هو صيف الجنوب)؛ وذلك لأنّ المناطق القطبية وحدها هي التي تحتوي على مصادر وفيرة من الطعام المناسب لهذا الطير، وكذلك المناخ المناسب، ولكن يتساءل العلماء: كيف يعلم هذا الطير بوجود الغذاء المناسب له وبكميات وفيرة على هذا البعد الشاسع؟ وكيف يفسّر التطوريون هذا السلوك المدهش وتلك الهجرة العجيبة؟ هنا يصمت التطوريون؛ فلا جواب عندهم.

2. طائر القرقف الأسود Blackpoll Warbler:

طائر القرقف الأسود Blackpoll Warbler

هو أحد أنواع طائر السنونو في أمريكا الشمالية، وهجرته لا تقلّ غرابة عن هجرة طائر الخرشنة القطبي، فهذا السنونو الصغير الذي لا يصل وزنه إلى ثلاثة أرباع الأونصة، يهاجر كلّ خريف من ألاسكا في أمريكا الشمالية قاطعًا القارة الأمريكية عرضيًا حتى يصل إلى الشواطئ الشرقية من كندا، وهناك يمكث فترة يتزوّد فيها بالطعام فيزداد وزنه قليلاً، وينتظر وصول جبهة هوائية باردة، ليطير معها في الطريق إلى محطّته النهائية في أمريكا الجنوبية، ولكن ليس بخط مستقيم، وهنا يكمن الأمر المدهش والمذهل، حيث يطير أولاً باتجاه الجنوب الشرقي وكأنّه مهاجر إلى أفريقيا، ثم في نقطة ما من المحيط الأطلسي، وعلى ارتفاع ثلاثين كيلومترًا فوق سطح البحر يلتقي بتيارات هوائية متّجهة إلى أمريكا الجنوبية، فيطير في اتجاه هبوبها لتجعل طيرانه سهلاً سريعًا ميسرًا إلى أن يصل إلى محطّته النهائية، حيث تكون أمريكا الجنوبية تتمتع آنذاك بفصل الصيف.

إنّ هذه الهجرة العجيبة تطرح أسئلة محيّرة يعجز التطوريون عن تفسيرها: كيف يعرف السنونو أنّ عليه أن ينتظر في كندا حتى وصول الجبهة الهوائية الباردة؟ لماذا يطير على ارتفاع ثلاثين كيلومترًا حيث الأوكسجين يقل بنسبة 50% عن سطح الأرض؟ لماذا يتّجه نحو أفريقيا ليلتقي بالرياح المواتية مع أنّ وجهته النهائية مختلفة؟ وكيف يعلم أنّه على هذا الارتفاع بالذات وفي ذلك المكان بالذات وفي ذلك التوقيت من العام ستكون هناك رياح مواتية لإكمال رحلته بسهولة إلى أمريكا الجنوبية؟ وكيف يعلم الاتجاهات بشكل عام؟

3. طائر الوقواق long-tailed cuckoo:

طائر الوقواق Long-tailed cuckoo

الذي يستوطن نيوزيلاندا، فهذا الطائر يهاجر من جزر تقع في وسط المحيط الهادي ليضع بيضه في نيوزيلاندا، ثم يعود إلى الجزر التي جاء منها، وبعد أن تفقس البيوض وتخرج الفراخ وتقوى على الطيران، تهاجر مسافة 6000 كيلومتر إلى الجزر التي جاء منها آباؤها، فتلتقي بهم، نعم، صدّقوا أو لا تصدّقوا، تهاجر خلف آبائها إلى أماكن لم تسافر إليها من قبل، وعبر مسافات شاسعة وفوق بحر خال ليس فيه أيّ علامة يمكن أن تتّبعها، فكيف يفسّر التطوريون هذه الهجرة العجيبة؟ وأعجب ما في هذه الهجرة أنّ فراخ الوقواق تعود إلى حيث جاء آباؤها من طريق لم تسلكه من قبل، لأنّ الأنثى تضع بيضها ثم تعود قبل أن تفقس، وبعد أن يفقس البيض وتنمو الفراخ بحيث تصبح قادرة على الطيران تطير عائدة إلى الجزر التي جاء منها آباؤها، فكيف تعرف الطريق؟

عندما تهاجر الطيور فإنّها تتصرّف بشكل غريزي بحت بحثًا عن الطعام الوفير والمناخ المناسب، والتساؤل: كيف يعلم هذا الطير بوجود الغذاء والطقس المناسبين على هذا البعد الشاسع؟ وكيف يفسّر التطوريون هذا السلوك المدهش وتلك الهجرة العجيبة؟ إن هذا السلوك قد ترك العلماء مشدوهين متحيّرين، لم يستطيعوا تفسير هذه الظاهرة

مصادر وفيرة من الطعام المناسب لهذا الطير، وكذلك المناخ المناسب، ولكن يتساءل العلماء: كيف يعلم هذا الطير بوجود الغذاء المناسب له وبكميات وفيرة على هذا البعد الشاسع؟ وكيف يفسّر التطوريون هذا السلوك المدهش وتلك الهجرة العجيبة؟

هل من تبرير تطوّري لهذه الغرائز؟

رأينا في الفقرات السابقة عددًا من الأنماط الغريزية التي تعجز آليات التطوّر عن تفسيرها، وفيها ردّ حاسم على زعم التطوريين أنّ التطوّر هو التفسير المقبول الوحيد لتنوّع الكائنات ولما تتمتّع به من صفات وخصائص وقدرات، فها نحن لدينا ثلاث غرائز يستحيل تفسيرها، لأنّها ليست شيئًا يمكن أن يكتسبه الكائن بتطوّر أو طفرات أو تجربة، ولا يمكن إلّا أن تكون موجودة في الكائن منذ بداية وجوده.

لو أنّ الطيور الأولى لم تكن تعلم أنّ عليها تقليب بيضها لانقرضت، ولو أنّها لم تعلم كيف تبني أعشاشها لانقرضت، ولو أنّها لم تكن تعرف كيف تهاجر قاطعة القارات والبحار لتصل إلى أماكن تستطيع فيها الحياة لانقرضت، ونعود ونكرّر فنسأل: كيف يفسّر التطوّر والتطوريون وجود هذه الغرائز في الطيور؟

هذا لا بدّ من التنويه أنّه لا يوجد كائن حيّ واحد لا يتمتّع بغرائز ما كان ليعيش بدونها، وكان لينقرض لو لم تكن موجودة منذ وجد، وما ذكرناه عن غرائز الطيور هي مجرّد أمثلة واضحة، وإلا فكيف تعلّمت العنكبوت كيف تبني بيتها؟ وكيف تعلّمت النحلة كيف تبني الخلايا وتصنع العسل، وكيف تعلّمت النملة كيف تخبئ طعامها في الصيف لتأكله في الشتاء، وكيف وكيف وكيف؟ كيف تفسّر نظريّة التطوّر وآلياتها تلك الغرائز التي يعجز العادُّ عن إحصائها؟

إنّ الذكاء الغريزي الموجود الذي يتمثّل في أنماط سلوك حكيمة مدروسة في الطيور والأسماك والحشرات وغيرها شكّلت معضلة لا حلّ لها حيّرت دارون نفسه، والذي كتب في كتابه (أصل الأنواع) يقول: “إنّ في كثير من الغرائز ما يبعث على العجب، حتى إنّ نشوءها وتطوّرها قد يكون من الصعوبة بحيث يدفع القارئ إلى رفض نظريّتي جملة، ومن أجل أن أتابع الكلام فيها يجب أن أنبِّه على أنّـي لست بمَسوق إلى البحث في أصل القوى العقلية أكثر مما أجد نفسي في حاجة إلى الكلام في أصل الحياة ذاتها”[5].

أما بالنسبة لنا نحن المسلمين فإن تفسير هذه الظواهر وأمثالها، مما لا يعد ولا يحصى، ليس لغزًا ولا معضلة؛ لأنّنا قرأنا في الآية 50 من سورة طه قوله تعالى: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}.

غرائزُ الطيور وعجائبُ أحوالها وتصرّفاتها ليست بالنسبة لنا نحن المسلمين لغزًا ولا معضلة؛ لأنّنا نعلمُ أنّ الله خلقها وألهمها وهداها إلى ما تصلح معه معيشتها


فداء ياسر الجندي

كاتب من سورية


[1] المرجع: https://royalafricansafaris.com/newsletter/did-you-know/

[2] المرجع: https://www.youtube.com/watch?v=zGqCxZMb6_M&ab_channel=LifeOnPlanetEarth

[3] المرجع: https://www.youtube.com/watch?v=OIram0uU4_4&ab_channel=BasicInfoTales

[4] المرجع: كتاب خرافة التطور، تأليف: (روبرت جيمس غالغي)، ترجمة: فداء ياسر الجندي.

[5] أصل الأنواع، لتشارلز دارون، ترجمة: إسماعيل مظهر، ص (419).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *