يتناول كتاب “إيران وحماس” لفاطمة الصمادي العلاقة بين حركة حماس وإيران منذ مرج الزهور حتى عملية طوفان الأقصى، محللاً التطوُّرات التاريخية والسياسية التي ربطت الطرفين، ورغم محاولة الكتاب تقديم طرحٍ محايدٍ، إلا أنه يواجه انتقاداتٍ بالتحيُّز نحو تلميع دَور إيران وتبرير علاقتها بحماس، مع تجاهل قضايا مثل: إنكار الشيعة قدسية الأقصى، وتعاون إيران مع إسرائيل، ودورها في نشر التشيع بغزة، حيث يفتقر الكتاب إلى التجرُّد في قضايا جوهريةٍ وحساسة.
“إيران وحماس” عنوان كتاب جديد للأستاذة فاطمة الصمادي، يتناول موضوعًا مهمًا في مضمونه وهو العلاقة بين حماس وإيران، وحسّاسًا في توقيته في ظل العدوان الإجرامي اليهودي على غزة والضفة ثم لبنان عقب عملية طوفان الأقصى، وهذا الموضوع كثر الخوض فيه بالمقالات والمقابلات واللقاءات وصدرت فيه كتب عدة غالبها ناقم على حماس، ولكن هذا الكتاب جاء بدعوى الحياد والموضوعية وأنه سيقدم مقاربة جديدة!
لكن جاء تناول الكاتبة للموضوع تناولَ من يريد نصرة رأي مسبق، وهو تبرير العلاقة بأي شكل، بل وتلميع وتضخيم الدور الإيراني الشيعي، ومن أجل ذلك قامت بتجاوز بعض الأمور أو التهوين من شأنها أو تجزئة وتفتيت الأمر الحساس لعدة أجزاء في أماكن متباعدة حتى يسهل تمريره أو عدم فحص حجج وتبريرات الشيعة أو الأصوات المنافحة عن العلاقة بإيران على أي حال!
ورغم أن العنوان ينص على إطار زمني محدد “إيران وحماس من مرج الزهور إلى طوفان الأقصى”، إلا أن الكاتبة وسعت الإطار في الكتاب لتناول علاقة إيران بفلسطين من زمن القاجاريين إلى الخميني ليستغرق ذلك حوالي ١١٩ صفحة، أي ثلث الكتاب!
من أهم الملاحظات على الكتاب:
تجاهل / تجاوز المبادئ:
– تجاوزت الكاتبة الموقف المبدئي المناهض للشيعة والخميني وإيران لدى جماعة الإخوان المسلمين في غزة، والذي رسخه أحد المؤسسين المركزيين لحماس، وهو الشيخ عمر الأشقر، حيث قام بتحصين قيادات جماعة الإخوان في غزة من الدعاية الشيعية الخمينية لحظة ظهورها في ١٩٧٩م قبل تشكل حماس، حيث كان يدرس الدكتوراه في الأزهر وجمع قيادات غزة في دورات خاصة بنقد فكر الخميني وعقيدته، وألف في ذلك رسالة صغيرة باسم مستعار[1].
ومن أمثلة هذا الموقف المناهض للتشيع وإيران وأذرعها نقد إخوان غزة / حماس لجماعة الجهاد على تشيعها وعلاقتها بإيران قبل مرج الزهور، وهذا معروف للباحثين[2]، وكذلك تصريح الشيخ أحمد ياسين ضد حزب الله وأنه “حزب شيعي لا يلتزم بأحكام كتاب الله وسنة رسوله”، لجريدة النهار المقدسية سنة ١٩٨٩م[3]، وقد أوردت الكاتبة ما يؤكد ذلك من مواقف بعض قادة حماس الداخل المتوجسة من الشيعة في أول لقاءاتهم بالشيعة في مرج الزهور (ص١٦٥ مثلاً).
حقيقة قداسة الأقصى عند الشيعة:
– مرت الكاتبة مرورًا مريبًا على قضية إنكار الشيعة لقدسية المسجد الأقصى (ص١١٦)! وما يزال علماء الشيعة ينكرون هذه القدسية للأقصى في مؤلفاتهم ويحصلون على التكريم عليها، كتكريم الرئيس أحمدي نجاد لجعفر العاملي مؤلف كتاب “الصحيح من سيرة الرسول الأعظم” بجائزة إيران للكتاب! وقد نص في هذا الكتاب: “أنه حين دخل عمر بيت المقدس لم يكن هناك مسجد أصلاً، فضلاً أن يسمى أقصى”! وأن “المسجد الأقصى الذي حصل الإسراء إليه والذي بارك الله حوله، هو في السماء”! ولم يكتف بهذا، بل ألف كتابًا خاصًا بعنوان “المسجد الأقصى أين؟” خلص فيه إلى نفس الفرية: “لقد تبين لنا عدة حقائق بخصوص المسجد الأقصى والذي يحسم الأمر أنه ليس الذي بفلسطين”! وهي نفس المزاعم اليهودية المعاصرة[4]!
فما الدافع الحقيقي لإيران إذن في معاداة اليهود ونصرة الأقصى وهم لا يعترفون بقدسيته؟
التعاون مع الأعداء:
– قزَّمت الكاتبة جريمة إيران الخميني بالتعاون مع إسرائيل، فذكرت (ص77) أن إيران استوردت خلال الحرب مع العراق 1980-1988 أسلحة من إسرائيل بقيمة ملياري دولار! وأن إسرائيل أمدتها بصور مواقع عراقية فقصفتها إيران، وبالمقابل قدمت لإسرائيل صورًا عن مفاعل العراق النووي فقصفته إسرائيل!
هذا ما ذكرته المؤلفة، لكن هناك تقديرات لأكبر من ملياري دولار بكثير لقيمة الأسلحة التي حصل عليها الملالي من اليهود! وقد ذكرت بعض المصادر الأخرى أن بعض هذه الأسلحة التي أرسلتها إسرائيل للملالي كانت أسلحة مصادرة من قوات الثورة الفلسطينية في حرب بيروت سنة 1982م.
وقد مررت الكاتبة هذه الجريمة بشكل غريب وكأنه حدث عرضي! والعجيب أن علاقة التعاون الإيراني الإسرائيلي لم تتوقَّف بعد ذلك، بل بقيت مستمرةً في مجالاتٍ متعددة[5]، ولكن الكاتبة أعرضت عن ذلك ولم تتناوله، ولم يشكل هذا عندها أي علامة استفهام على حقيقة أيديولوجية نظام الملالي أو استراتيجيتهم!
هناك تقديرات لقيمة الأسلحة التي حصل عليها الملالي من اليهود بأكثر من ملياري دولار بكثير! وقد ذكرت بعض المصادر أن بعض هذه الأسلحة التي أرسلتها إسرائيل للملالي كانت أسلحة مُصادَرةً من قوات الثورة الفلسطينية في حرب بيروت سنة 1982م
هل المقاومة استراتيجية عند إيران أم ورقة في يدها؟
– تقدم الكاتبة (ص97) العرض الإيراني سنة 2003م عقب احتلال أمريكا للعراق للتخلي عن دعم الفصائل الفلسطينية وحزب الله وكشف برنامجها النووي، مقابل وقف سلوك أمريكا العدواني من إيران وإصدار بيان أن إيران ليست جزءًا من محور الشر، على كونه تجاوزًا من التيار الإصلاحي بقيادة الرئيس خاتمي، ولم يقبل به المرشد والحرس الثوري[6]!
وهذه لعبة معروفة ومكشوفة من تبادل الأدوار بين أجنحة النظام الإيراني ليسهل التنصل من تبعية أي تصريح أو قرار لاحقًا، إذ لو وافقت الولايات المتحدة على العرض لكانت إيران مستعدة لتنفيذ ما قدمته في عرضها، لكن الولايات المتحدة تجاهلت العرض تمامًا، والعجيب أن الكاتبة لا ترى في هذه الفضائح والانتهازية والخيانات المتكررة أي مأخذ على جدية وصدق دعم إيران للقضية الفلسطينية وحركة حماس!
والاتفاق الإسرائيلي اللبناني/ حزب الله الأخير (27/11/2024) بإيقاف الحرب بينهم تكرار لخياناتهم السابقة، فبعد التصريحات العرمرمية بعدم إيقاف الحرب في جنوب لبنان حتى تقف في غزة، ها هي إيران توقف الحزب في صفقة شاملة ستظهر تفاصيلها لاحقًا.
نصرة الفلسطينيين بذبحهم!
– تجاوزت الكاتبة خلاف حماس وإيران عقب سقوط صدام بناء على طلب حركة حماس كما قالت الكاتبة (ص173)، حيث تعرض الفلسطينيون لمجازر بشعة على يد المليشيات الشيعية تحت بصر وسمع إيران وقد وثقها كِتاب “فلسطينيو العراق بين الشتات والموت”[7]!
وسبق للكاتبة أيضًا تجاوز الموقف المخزي لإيران والخميني من المذابح بحق المخيمات الفلسطينية التي قامت بها حركة أمل سنة 1985م، وقد سطر هذه الفضيحة الكاتب المعروف فهمي هويدي في كتابه: “إيران من الداخل” (ص 404)، ولم تكتف بتجاوز هذه الفضيحة، بل مرَّرت فرية أن الإيرانيين حموا المخيمات الفلسطينية (ص166)!
– وتكرر ذلك في تناول الثورة السورية، حيث ركزت على تجنب حماس التورط ضد الشعب السوري ولذلك غادرت، ثم تبرؤ حماس من بعض أفرادها الذين تصرفوا بشكل غير رسمي وكونوا فصيلاً قاتل النظام!
لكن الكاتبة تغافلت عن جرائم النظام بحق المخيمات الفلسطينية وكوادر حماس التي تعرضت للتعذيب والقتل برغم أنها نقلت (ص213) عن موقع إيراني أن الجيش السوري قتل 1200 عضو من حماس بعضهم قادة في القسام، ولم تعلق بكلمة!
تغافلت الكاتبة عن جرائم النظام السوري بحق المخيمات الفلسطينية وكوادر حماس التي تعرضت للتعذيب والقتل برغم أنها نقلت عن موقع إيراني أن الجيش السوري قتل (1200) عضو من حماس بعضهم قادة في القسام، ولم تعلق بكلمة!
دعم متواصل أم متقطع؟
– نقلت الكاتبة عددًا من الانتقادات من حركة حماس للدعم الإيراني لها، وكذلك هي وصفت هذا الدعم بأوصاف سلبية، لكنها جعلت ذلك مجزأً مفتتًا بحيث لا يُظهر الخلل بحجمه الحقيقي، واستخدمت في ذلك ألفاظًا ملطفةً نوعًا ما، فالدعم العسكري في موضع: “قليلٌ وتراجَع”، ومرةً: “تقلَّص الدعم المالي”، ومرة: “توقَّف الدعم لسنوات”، ومرة: “انقطع الاتصال السياسي ولكن بقي الدعم العسكري للداخل”، ومرةً: “كنا ننتظر منكم أكثر من ذلك”، و”موقف خجول في نصرة طوفان الأقصى”، وكذلك كلام أبو مرزوق عن انقطاع الأسلحة لعدة سنوات، كل هذه الأوصاف حين تجزَّأ عبر (200) صفحة تضيع معالم الحقيقة، وهل فعلاً إيران تدعم حماس بشكلٍ كبيرٍ ومتواصل؟ أم هو دعم متقطِّع ومشروطٌ بالإعلان عنه وشكر إيران عليه علنًا؟ وهل هو دعم غير مشروط -كما يقال- لا يتدخل في تشكيل قيادة حماس وتوجهاتها؟
وذكرت الكاتبة في مواضع متعددة حرص إيران على تواصل دعم الجناح العسكري بالداخل مع توتر علاقتها بالقيادة السياسية بالخارج، بل رفضت استقبال بعض قادة حماس كخالد مشعل في طهران وبيروت حتى تم استبداله واستبدال غالب قيادة الخارج بشخصيات من الداخل كانت راغبة بدوام العلاقة مع إيران وبشار الأسد بغض النظر عما جرى من جرائم بحق الثورة السورية خصوصًا.
الموقف من حركة التشيع في غزة:
– تجاهلت الكاتبة التشيع في غزة وفلسطين من بعض أتباع حركة الجهاد، ثم ظهور حركة الصابرين، وسعت كذلك لترسيخ دعاية إيران أنها لا تسعى لنشر التشيع والتبشير به، وهو تضليل واضح![8] وأغفلت عن عمد جهود محاربة التشيع في غزة والتي قام بها عدد من العلماء والنشطاء من اتجاهات متعددة، منها “جمعية أهل السنة والصحابة” والتي أسسها الدكتور صالح الرقب أحد علماء حماس نفسها سنة 2008م![9].
من الأشياء العجيبة التي أوردتها الكاتبة ولم تفصل فيها (ص160)، أن حماس في أول زيارة رسمية لها لطهران للمشاركة في مؤتمر دعم الانتفاضة مطلع سنة 1992م عُقد على هامش المؤتمر اجتماعٌ للفصائل العشر كان منهم ممثل عن “حزب الله الفلسطيني”! لكن فتحي الشقاقي زعيم حركة الجهاد اعترض على ذلك، فتم حل الأمر عبر مشاركة عباس الموسوي زعيم حزب الله اللبناني بدلاً عن الممثل الفلسطيني! لكن ما هو حزب الله الفلسطيني؟ وما علاقة ذلك بنشر التشيع؟ ولماذا اعترض الشقاقي عليه؟ لا تُجيب الكاتبة عن ذلك.
السلاح الإيراني موجَّه لقتال اليهود فقط!
– مررت الكاتبة كثيرًا من الأكاذيب والافتراءات الشيعية والإيرانية، ومن أطرفها: أن الدعم الإيراني بالسلاح لحماس كان موجهًا لمقاتلة اليهود! ولكن ماذا عن سلاح حزب الله والمليشيات الشيعية في العراق وسوريا والحوثيين هل كان سلاحها الإيراني مصوبًا لليهود أيضًا؟ أم أنه فتك بالفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين والسوريين واليمنيين، فضلاً عن التفجيرات قديمًا في مكة ضد الحجاج وفي الكويت ضد أميرها وبين رواد المقاهي الشعبية!؟ وطبعًا قَتلُ الشعب الإيراني بالسلاح الإيراني فضيحةٌ لوحده.
تجاهلت الكاتبة التشيُّع في غزة وفلسطين من بعض أتباع حركة الجهاد، ثم ظهور حركة الصابرين، وسَعَت كذلك لترسيخ دعاية إيران أنها لا تسعى لنشر التشيع والتبشير به، وهو تضليل واضح! وأغفلت عن عمد جهود محاربة التشيُّع في غزة والتي قام بها عددٌ من العلماء والنشطاء من اتجاهاتٍ متعددة، منها “جمعية أهل السنة والصحابة” والتي أسسها الدكتور صالح الرقب أحد علماء حماس نفسها سنة 2008م!
الخاتمة:
الكتاب على غزارة صفحاته وعظم الجهد المبذول في تأليفه إلا أنه متحيِّزٌ لنتيجة محددة مسبقًا، ويفتقر للتجرد في مسائل مهمة وجوهرية، وكان حريًا بمثل هذا الكتاب أن يجيب عنها أو أن يُثبتها ويسلِّط الضوء عليها ويترك الحكمَ للقارئ.
ولذلك فإن الكتاب لا يصح الاعتماد عليه في تقييم صحة أو بطلان علاقة حماس بإيران، ولا يعتمد عليه في تلميع صورة إيران ونظام الملالي بكونهم أنصار القضية الفلسطينية!
أ. أسامة شحادة
كاتب وباحث في شؤون الفرق والجماعات الإسلامية
[1] ينظر: رموز الإصلاح السلفي، لأسامة شحادة، ص 299. ومقال د. علي العتور في رثاء الأشقر “أخي عمر الأشقر.. أستودعك الله” جريدة السبيل 23/8/2012.
[2] قال رمضان شلح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في مقابلة مع موقع “الإسلام اليوم” 20/10/2007م: “إن أول من اتهمنا في علاقتنا بإيران والشيعة هم الإخوة في حركة الإخوان المسلمين بقطاع غزة، وأقول: الإخوان، لأن الاتهام كان مبكرًا قبل إنشاء حماس”.
[3] أحمد ياسين الظاهرة المعجزة وأسطورة التحدي، لأحمد بن يوسف، ص (118).
[4] يراجع كتاب: “الشيعة والمسجد الأقصى”، لطارق أحمد حجازي، للتوسع حول موقف الشيعة من نفي قدسية المسجد الأقصى.
[5] ينظر مقال: التعاون الإسرائيلي الإيراني، والذي رصد هذا التعاون حتى سنة 2009م!
https://www.alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=4380
وقد شمل هذا التعاون مجالات: التسليح والغازات السامة، تجارة النفط، ترميم البنية التحتية، وتطوير الزراعة، وأجهزة حماية لسيارات موكب الرئيس أحمدي نجاد! وغيرها من المجالات.
[6] يمكن الاطلاع على تفاصيل العرض في كتاب “حلف المصالح المشتركة” لتريتا بارزي، ص (339).
[7] جمع وإعداد: أحمد اليوسف، وهناك موقع على شبكة الإنترنت بعنوان: فلسطينيو العراق، يرصد أحوالهم المأساوية على يد الشيعة.
[8] لمزيد من التوسع حول نشاط التشيع في حركة الجهاد خصوصًا وغزة عمومًا، ينظر: الموسوعة الشاملة للفرق المعاصرة، التجمعات الشيعية في بلاد الشام، لأسامة شحادة وهيثم الكسواني، ص (202).
[9] أصدر د. صالح الرقب سنة 2003م كتابه “الوشيعة في كشف شنائع وضلالات الشيعة”، وبين سبب تأليفه للكتاب في المقدمة بقوله: «مـا لـوحظ من زيادة نشاط الدعوة للشيعة الاثني عشرية في الآونـة الأخـيرة عـلى مسـتوى قطـاع غـزة خاصــة» (ص٣)، وكتب في (ص٦٣): «وممــا يؤســف لــه أنــه تــولى طباعة الصحيفة السجادية وتوزيعها في قطاع غزة بعض الجهلة المغرر بهم! وأطلقوا عليها: (الطبعة الفلسطينية)، وكتب أحدهم مقدمة لها؛ غالى في مدحها وتعظيمها!».