الإسلام دين وثقافة وحضارة، وهو شامل لكل ما يهم المسلم في حياته من عقيدة وعبادة وسلوك ومعاملة واهتمامات، ونظرته للحياة كافة؛ مما يجعل شخصية المسلم متميَّزة عن أتباع بقية الديانات والملل والثقافات بمميِّزات وملامح وردت تفاصيلها في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية. وفي هذا المقال جملة من هذه الملامح، جمعها الكاتب من خلال تتبُّع الأحاديث النبوية التي وردت فيها لفظة (ليس منّا).
كان من عادة أحد المعلِّمين أن يدخل علينا فيقول: صباح الخير، فقيل له مرةً: يا أستاذ لماذا لا تُحِّيينا بتحية الإسلام (السلام عليكم) مع أننا نراكَ محبَّاً للدين؟ فسكت ولم يُعطِ جواباً، بل ظهر على وجهه الخجل. فلماذا نخجلُ من تحية الإسلام وقد ميَّزنا الله بها، ورسولنا الكريم ﷺ قال: (ليسَ مِنَّا مَن عمِل بِسُنَّة غيرنا)[2].
لقد حرص رسول الله ﷺ على أنْ تكون للمسلم شخصية متميزة، تُعبِّر عن انتمائه الحقيقي للإسلام. فلم يرضَ رسول الله ﷺ أن تكون شخصية المسلم شخصيةً تابعة للشرق أو الغرب، ولا شخصيةً تعتزُّ بالشعارات الجاهلية وتنتمي لها، ولا شخصيةً باهتةَ الملامحِ غيرَ واضحةِ المعالم، بل أرادها شخصية متميزةً بإسلامها فكرًا وسلوكًا، تتمثَّل دينَها ظاهرًا وباطنًا، قلبًا وقالبًا.
والسؤال: كيف تظهر هذه الشخصية الإسلامية؟ وماهي سماتها وملامحها؟
حفلت النصوص الشرعية ببيان ملامح هذه الشخصية بطرق عديدة، ومن هذه الطرق: بيان الحدود الفاصلة بين شخصية المسلم وغيرها من الشخصيات، بنحو قوله ﷺ (ليسَ مِنَّا) في عدد من الأحاديث. فإذا سمع المسلم قول (ليسَ مِنَّا) فيعلم أنه ثمة حدودٌ ينبغي أن يبتعد عنها، وأمورٌ محظورة يجبُ الحذر منها، وأن التلبُّس بهذه الأمور هو اتِّصافٌ بالصفات المذمومة الممنوعة، مما يوقع في المخالفة التي تستوجب التوبة وإلا فالعقوبة.
وهذه المحاذير والمنهيات التي نهى الرسول ﷺ عنها، وحذَّر منها، ترسُمُ بعمومها ملامح للشخصية المسلمة التي تتميَّز عن غيرها، وتنفرد بصفات وخصائص أصيلة.
إذا سمع المسلم قول (ليسَ مِنَّا) فيعلم أنه ثمة حدودٌ ينبغي أن يبتعد عنها، وأمورٌ محظورة يجبُ الحذر منها، وأن التلبُّس بهذه الأمور هو اتِّصافٌ بالصفات المذمومة الممنوعة
وفيما يأتي بعض هذه الملامح:
أولاً: الاعتزاز بالإسلام والانتماء إليه:
من أهم ملامح شخصية المسلم: الانتماءُ للإسلام، والولاءُ لجماعة المسلمين، ومحبتهم ونصرتهم، وعدم تقديم شيء من أنواع الانتماءات الأخرى على الانتماء للإسلام والاعتزاز به، كالتَّعصب لحزب أو عشيرة أو قبيلة وتقديم الاعتزاز بها والانتماء لها على الإسلام؛ فهو مما يقدح في هذا الانتماء، وفي هذا يقول ﷺ: (مَن خرج مِن الطّاعة، وفارق الجماعةَ فمات، مات مِيتةً جاهليّةً، ومَن قاتل تحت رايةٍ عُمّيةٍ يغضب لعَصبةٍ، أو يدعو إلى عصبةٍ، أو ينصر عصبةً، فقُتل، فقِتلةٌ جاهليّةٌ، ومَن خرج على أمّتي، يضرب بَرَّها وفاجرَها، ولا يتحاشى مِن مؤمنِها، ولا يفي لذي عهدٍ عهده، فليس منّي ولستُ منه)[3].
ثانيًا: العقيدة الصافية التي لا شوائب فيها:
ففي الحديث: (ليس مِنَّا من تطيّر أو تُطيّر له، أو تكهَّن أو تُكهِّن له، أو سَحَر أو سُحر له)[4]. فالطيرة والكهانة والسحر من أفعال الجاهلية المنافية لعقيدة الإيمان بالله وإرادته وقدرته. وفي الحديث: (ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية)[5]، وهذه من أفعال الجاهلية عند وفاة قريب أو حبيب. وفي الحديث: (ليس مِنَّا من حَلق وسَلَق وخَرَق)[6]، أي حلق الشعر، ورفع الصوت بالندب، وخرق الثوب اعتراضًا على قضاء الله تعالى وقدره، وشرخ في إيمان المسلم بتدبير الله وحكمته.
ثالثًا: الأخلاق الراقية:
فالمسلم تظهر أخلاقه في تعاملاته الاجتماعية، ففي الحديث: (ليس مِنَّا من لم يرحم صغيرنا ويُوقِّر كبيرنا)[7]، وفي الحديث: (ليس مِنَّا من خَبَّبَ امرأة على زوجها)[8]. كما تظهر أخلاقه في تعاملاته المالية ومصالحه المادية ففي الحديث: (من غشَّنا فليس مِنَّا)[9]، وفي الحديث: (ليس مِنَّا من انتَهَبَ أو سَلَبَ أو أشار بالسَّلب)[10]، أي: انتهاب الغنائم أو المكاسب المادية، وأيضًا: (ليس مِنَّا من أَجلَب على الخيل يوم الرهان)[11] أي: صاح بها واستحثَّها، بهدف دعم ومساندة أحد المتسابقَين على الآخر.
رابعًا: التلذُّذ بالعبادة:
فقد حذَّرنا نبينا ﷺ بقوله: (ليس منَّا من لم يتغنَّ بالقرآن)[12]، زاد أحد الرواة: (يَجْهَرُ بِهِ)، أي يترنَّم بقِراءته، ويستعذِب سماعه من القراء المجودين. قال ابن رجب: «يجعله عوضًا عن الغناء فيطرب به ويلتذ، ويجد فيه راحة قلبه وغذاء روحه، كما يجد غيره ذلك في الغناء بالشعر»[13].
لم يرضَ رسول الله ﷺ أن تكون شخصية المسلم شخصيةً تابعة للشرق أو الغرب، ولا شخصيةً تعتزُّ بالشعارات الجاهلية وتنتمي لها، ولا شخصيةً باهتةَ الملامحِ غيرَ واضحةِ المعالم، بل أرادها شخصية متميزةً بإسلامها فكرًا وسلوكًا، تتمثَّل دينها ظاهرًا وباطنًا، قلبًا وقالبًا
خامسًا: المظهر الخارجي:
ففي الحديث: (ليس منَّا من تشبَّه بالرجال من النساء، ولا من تشبَّه بالنساء من الرجال)[14]؛ سواءً في اللباس أو المشية أو الصفات الخاصة، وفي الحديث: (ليس مِنَّا من تشبَّه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى)[15]، فنهانا عن التشبُّه بهم في اللباس، والتشبُّه بهم في السلام والتحية، والتشبُّه بهم في أسمائهم. وفي الحديث: (قُصُّوا الشَّوارب، واعفوا اللِّحى، ولا تمشوا في الأسواق إلا وعليكم الأُزُر، إنَّه ليس مِنَّا من عَمِل بسُنّة غيرنا)[16]، وفي الحديث: (من لبس الحرير وشرب في الفضة فليس مِنَّا)[17].
سادسًا: العادات والأعراف:
ففي الحديث: (ليس منَّا من عَمِلَ بسنَّة غيرنا)؛ أي: من اقتدى بغير المسلمين في أعيادهم ومناسباتهم وعاداتهم الخاصة بهم. وفي الحديث: (لا تُساكنوا المشركين ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم أو جامعهم فليس منَّا)[18]، فالمسلم الحقُّ متميِّز عنهم في سهراته وجلساته، ولا يرضى أن تميع شخصيته مع هؤلاء.
سابعًا: الإيجابية في النشاطات الإنسانية والعامة:
المسلم الحق نشاطاته خيِّرةٌ نافعةٌ للمسلمين وللإنسانية، فلا يؤذي أحدًا؛ ففي الحديث: (من حَمِل علينا السلاح فليس منَّا)[19]، كما أنَّه لا يكون عونًا على ظلم أحدٍ من الناس؛ ففي الحديث: (إنَّها ستكون أمراء يَكذبون ويَظلمون، فمن صدَّقهم بكذِبهم وأعانهم على ظُلمهم فليس منّا ولستُ منهم، ولا يَرِدُ عليَّ الحوض، ومن لم يُصدِّقهم بكذبهم ولم يُعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه، وسيرد عليَّ الحوض)[20].
هذه بعضُ الملامح العامة التي تُسهم في رسم شخصية المسلم، ومناراتٌ مضيئة على الطريق، فتارةً تؤكد له سلامة الطريق الذي يسير عليه، وأنَّه يبقيه (مِنَّا)، وتارةً تحذِّره من الابتعاد عن الطريق حتى لا يدخل في وعيد (ليس منّا).
[1] طبيب، وحاصل على دبلوم دراسات عليا في الحديث.
[2] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (١١٣٣٥).
[3] أخرجه مسلم (١٨٤٨)، وفي هذا المجال يُروى الحديث الذي أخرجه أبو داود (٥١٢١): (ليسَ مِنَّا من دعا إلى عَصَبيَّة، وليس مِنَّا من قاتل على عَصَبيَّة، وليس منا من مات على عَصَبيَّة)، لكنه ضعيف، قال أبو داود: هذا مرسلٌ، عبد الله بن أبي سليمان لم يسمع من جبير.
[4] أخرجه البزار (٣٥٧٨).
[5] أخرجه البخاري (١٢٩٤)، ومسلم (١٠٣) واللفظ له.
[6] أخرجه مسلم (١٠٤).
[7] أخرجه أبو داود (٤٩٤٣).
[8] أخرجه أبو داود (٢١٧٥). ومعنى خَبَّب: أفسد.
[9] أخرجه مسلم (١٠١).
[10] أخرجه الحاكم في المستدرك (٢٦٠٥).
[11] أخرجه أبو يعلى (٢٤١٣).
[12] أخرجه البخاري (٧٥٢٧).
[13] فتح الباري، لابن رجب (٨/٤٣٥).
[14] أخرجه أحمد (٦٨٧٥).
[15] أخرجه الترمذي (٢٦٩٥).
[16] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (١١٣٣٥).
[17] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (١٣٩٥٩).
[18] أخرجه الحاكم في المستدرك (٢٦٢٧)، والمقصود بمجامعة المشركين: لا تخالطوهم مخالطةً توقعكم في الإثم.
[19] أخرجه البخاري (٦٨٧٤)، ومسلم (٩٨).
[20] أخرجه أحمد (٢٣٢٦٠).