قراءات

قراءة في كتاب “تكوين الملكة اللغوية” للبشير عصام المراكشي

اللغة العربية والعناية بها جزءٌ من هوية المسلم في شرق الأرض وغربها، وبدونها يتعذَّر على المسلم فهم القرآن الكريم، وفهم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. لكنَّ مكانتها تراجعت في النفوس بعد تراجُع المسلمين وتأخُّرهم عن طليعة الركب، فاتَّجه حرص أبناء المسلمين إلى تعلُّم لغات الدول المسيطرة، فكيف نعيد للغة العربية قوَّتها ومكانتها في النفوس؟ وكيف نقدمها للأجيال الناشئة؟

وصف الكتاب:

يقع الكتاب في 228 صفحة، وهو صادر عن مركز نماء للبحوث والدراسات في بيروت لبنان، والنسخة المعتمدة في القراءة من الطبعة الأولى الصادرة عام 2016م.

تعريف بالمؤلف:

د. البشير عصام المراكشي، كاتب وباحث من المغرب، تلقى العلم على جماعة من علماء المغرب، وحصل على الماجستير والدكتوراه في العلوم الشرعية، له إسهامات بحثية شرعية، وهو المشرف على قسم اللغة العربية في “ملتقى أهل الحديث”، كما أنّه حاصل على شهادة مهندس الدولة في الاتصالات.

تعريف بالكتاب وأقسامه:

يهدف الكتاب إلى تأطير مساقٍ عمليٍّ لاستعادة دور اللغة العربية في مجتمعاتنا وسيرورتنا الحضارية، حيث يرصد مَواطن العَطَب التي أصابت محاضن تعليم اللغة العربية، ثم يرسم مسارًا علميًا وعمليًا لتمكين ملكة اللغة عبر عدة مستويات.

يتكون الكتاب من مدخل تمهيدي وبابين رئيسيين، يندرج تحتها عدة فصول ومباحث.

يتحدث المؤلف في المدخل التمهيدي عن مرتبة اللغة العربية من الدين، ومفهوم الملكة الفكرية.

والباب الأول: يعرض فيه عقبات تكوين الملكة اللغوية، وهي في مجملها تتمحور حول البعد عن اللسان الأول، وعيوب تدريس اللغة العربية اليوم.

أما الباب الثاني: فيطرح المؤلف فيه خطة عملية لتكوين الملكة اللغوية، وهي تقوم على تقوية الزادين العلمي واللغوي، والدربة التطبيقية عليهما، بالإضافة إلى التمثيل ببعض الملكات اللغوية الفرعية.

اللغة العربية والدين مترابطان لا ينفكَّان، فلا تقوم معرفة الدين ومراد الله إلا على أساس العربية، ويظهر دورها الكبير في ثلاثة مجالات: العقيدة، حيث يؤثر الجهل بالعربية إلى التخليط فيها. والفقه حيث تعتبر اللغة ضرورةً للاجتهاد. والسلوك والتربية: لإدراك مواعظ القرآن والتأثر بقوارعه

مدخل تمهيدي:

ويضم مبحثين تمهيديين:

المبحث الأول: منزلة العربية من الدين:

اللغة العربية والدين مترابطان لا ينفكان، فالعربية أساس لا تقوم معرفة الدين ومراد الله إلا عليه، ويظهر دورها الكبير في ثلاثة مجالات شرعية:

  1. العقيدة: حيث نص العلماء على أن الجهل بالعربية يؤدي إلى التخليط في العقائد، وما أتي المتأخرون من هذا الباب إلا لجهلهم بالعربية.
  2. الفقه: فقد اتفقت كلمة الأصوليين على أن العلم بالعربية من أعظم ما على مريد الاجتهاد أن يتقنه.
  3. السلوك والتربية: فلا يتأثر بمواعظ القرآن ولا ينزجر بقوارعه مَن لا يحسن فهم مفرداته وتراكيبه.

المبحث الثاني: الملكة اللغوية:

الـمَلَكَة لغةً: أصل لفظ “مَلَكَة” مشتق من الميم واللام والكاف، ويدل -كما يقرره ابن فارس- على قوة في الشيء وصحة، يقال: أملَك عجينه: قوّى عجنه وشده، وملّكت الشيء: قويته. والاسم الملك: لأن يده فيه قوية صحيحة.

والـمَلَكَة اصطلاحًا: يعرفها الجرجاني بأنها: “صفة راسخة في النفس” ثم يشرح ذلك بقوله: “وتحقيقه أنه تحصل للنفس هيئة بسبب فعل من الأفعال، ويقال لتلك الهيئة كيفية نفسانية، وتسمى حالة مادامت سريعة الزوال، فإذا تكررت ومارستها النفس حتى رسخت تلك الكيفية فيها فصارت بطيئة الزوال فتصير ملكة”.

وللملكة خصائص أربع لابد من التركيز عليها لفهم معناها:

  • الأولى: الملكة العلمية صفة في النفس وليست مجموعة من المعلومات، فالذي يحفظ الألفاظ الفقهية ومعانيها وترتيب أبوابها وأحكامها ومسائلها لا يكون بذلك صاحب ملكة فقهية؛ حتى يصبح الفقه له سجية وصفة.
  • الثالثة: لا تحصل الملكة لصاحبها إلا بعد تكرار كثير للفعل، فالعالم لا يكون عالمًا حقًا إلا بكثرة الاطلاع والممارسة والوقوف على الفروق ودقائق المسائل.
  • الرابعة: تبدأ الملكة صغيرة ضعيفة، ثم يشتد عودها وتنمو وترسخ في النفس، تقوى بمقدار ما يتوسع الطالب ويحصل من العلم.

الملَكَة اللغوية:

الملَكة اللغوية “هي سجية راسخة في النفس، تمكن صاحبها من قوة الفهم لدقائق الكلام العربي الفصيح، وحسن التعبير عن المعاني المختلفة بلسان عربي سالم من أوضار العجمة ومفاسد اللحن، مع القدرة على الجمع والتفريق والتصحيح والإعلال ونحو ذلك”.

وللملكة اللغوية أركان ثلاثة: أولها: راجع إلى الفهم العميق الذي يغوص في دقائق الكلام الفصيح. والثاني: راجع إلى التعبير الشفوي والكتابي، بلغة فصيحة سليمة من العجمة، بعيدة عن الركاكة. أما الثالث: فراجع إلى الصناعة اللغوية، التي تُدرَك بطول الممارسة، حتى يصير الممارس قادرًا على الجمع بين المتماثلات، والتفريق بين المختلفات، والحكم بالصحة أو الفساد على التراكيب والمفردات.

كانت اللغة العربية محصورة في الجزيرة العربية قرونًا، إلى أن جاء الإسلام فانتشرت في أصقاع الأرض مع حملة الرسالة من المسلمين، فاستعربت شعوب كثيرة من الأعاجم، وشاركوا في الثقافة العربية مشاركة مؤثرة.

الباب الأول

عقبات في طريق تكوين الملكة اللغوية

 وهي إما عقبات مرتبطة باللغة ذاتها وما لحقها من تطوُّراتٍ أبعدتها عن اللسان الأول. وإما عقباتٌ مرتبطة بوسائل تحصيل الملكة، في شِقّيها التقليدي والحديث.

  • الفصل الأول: البُعد عن اللسان الأول:

ويمكن بيانه في ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: أثر العلوم العقلية:

مع انفتاح الأمة الإسلامية على الحضارات الأخرى، وخصوصًا اليونانية والهندية، بدأ التأثير يظهر من خلال نشأة علوم الكلام والمنطق والفلسفة وغيرها. ونشأت مجموعة من المعاني المستحدثة والألفاظ الاصطلاحية وطرائق التعبير، وشمل تأثيرها جميع مفاصل المعرفة الإسلامية. وكان تأثيرها في اللغة العربية من وجهين: التعبير العربي، والدرس اللغوي.

أما التعبير العربي فقد ظهرت آثارها عليه من خلال الأدب والعلوم الشرعية، ففي الأدب كثرت الحكم المنقولة عن فلاسفة اليونان في كتب العصر العباسي، كمؤلفات الجاحظ و”العقد الفريد” و”عيون الأخبار”، وهي وإن كانت معربة، إلا أنها لا تخلو من احتفاظ ببعض التعبيرات الأصلية. وفي مجال النقد الأدبي برز تأثر قدامة بن جعفر بعلوم اليونان في كتابه “نقد الشعر”. ومن ذلك: تكلفه وضع تعريف للشعر على طريقة الحدود المنطقية لأرسطو، وعنايته بالتقسيمات والمقابلات، واستعمال المقاييس المنطقية.

وأما تأثير العلوم العقلية في علوم الشريعة فواضحٌ جدًا من خلال أساليبها التعبيرية، والفرق بين أساليب الصحابة وعلماء الإسلام الأوائل وبين كتب المتأخِّرين كتفسير الرازي والنَّسَفي، وشروح الحديث للمتأخرين كفتح الباري، ومحصول الرازي في أصول الفقه، وغيرها.

وإذا انتقلنا إلى الدرس اللغوي نجد التأثير المنطقي ظاهرًا، خصوصًا في علم النحو، ومن أظهر مجالات التأثر: صناعة الحدود التي صارت منتشرة في المصنفات النحوية، يقول ابن جني: “اعلم أن علل النحويين أقرب إلى علل المتكلمين منها إلى علل المتفقهين”. كما ظهر تأثير تلك العلوم في البلاغة أيضًا، مثل: الكلام على الأسباب والمسببات في المجاز المرسل، وغلبة النزعة الجدلية الحجاجية على أغلب مباحث البلاغة.

المبحث الثاني: أثر التطور التاريخي:

كانت اللغة العربية محصورة في الجزيرة العربية قرونًا، إلى أن جاء الإسلام فانتشرت في أصقاع الأرض مع حملة الرسالة من المسلمين، فاستعربت شعوب كثيرة من الأعاجم، وشاركوا في الثقافة العربية مشاركة مؤثرة.

أسباب التطور اللغوي:
  • العامل الزمني: فطول الزمن وتعاقب الأجيال يؤدي إلى تكاثر التصرفات المختلفة في المادة اللغوية.
  • الأثر الإسلامي: حيث صار اللسان العربي يدور حول القرآن والحديث، ودخلت الألفاظ الشرعية إلى قلب اللغة، فتحولت العربية بفضل الإسلام من لغة شعرية خطابية إلى لغة علمية.
  • اختلاط العرب بغيرهم: ما أدى إلى ظهور اللهجات العامية، وانتشار اللحن وبعض التحريف في الفصحى.
  • أثر الحضارات الأخرى: وخصوصًا الحضارتين الفارسية واليونانية.
  • التساهل في الكلام بغير العربية: خصوصًا في المناطق التي توجد بها لغات أصلية أخرى، ما يؤدي إلى سيطرتها على العربية وتأثيرها فيها.

مظاهر التطور اللغوي:

الأول: تطور الألفاظ:

وذلك بأن يكون للفظ معنى معين في زمن ما، ثم يهجر ذلك المعنى بعد مدة، ويصبح للفظ معنى آخر، كالألفاظ الشرعية (الصلاة، الصوم، الزكاة..) فقد كانت تفيد معنى آخر قبل الإسلام. وقد يكون اللفظ مستعملاً فيهجر، فهناك الكثير من الألفاظ التي كانت مألوفة قديمًا، ثم الآن نحتاج إلى تقليب المعاجم لفهم معانيها.

الثاني: تطور التراكيب والأساليب:

بسبب سريان العامية إلى اللغة المكتوبة، أو بسبب تأثير العلوم المستحدثة.

سعى المستعمر لطمس الآداب العربية، وإحلال المناهج الأوروبية مكانها، وعمل أذنابه على التنكُّر للآداب القديمة، والطعن بعمود الشعر، والحطِّ من قدر شعراء قدماء كبار، وكثرت الدعوة إلى التجديد في كل شيء، لا لشيء إلا ليقال: إنهم مجددون!

المراحل الكبرى للتطور اللغوي:
المرحلة الأولى: الفتوة:

وتمتد من العصر الجاهلي وحتى بدايات العصر العباسي، واختصت اللغة خلالها بحفاظها على الخصائص اللغوية، والسلامة من الاختلاط بالألسن الأخرى، كما انتقلت من المحلية إلى العالمية.

المرحلة الثانية: التحضر:

وتواكب مراحل ازدهار الدولة العباسية، خالطت اللغة خلال هذه المرحلة لغات أخرى، فداخلتها العجمة، ولم تعد لغة الأدباء حجة في علوم اللغة، كما أنها سايرت النهضة الحضارية، فرقت وعذبت، كما كثرت ترجمة آثار الفرس واليونان.

المرحلة الثالثة: الجمود:

وتبدأ مع ضعف الدولة العباسية وما تلاه من انحدار حضاري، حيث جمدت العلوم الإسلامية، وغاب الإبداع والتجديد، ولحق ذلك اللغة في طرائق تدرسيها، وفي فنونها الأدبية وأساليبها التعبيرية، ولكنها مع ذلك تصدت -وما تزال- للكثير من الحملات التي حاولت هدمها أو تشويهها، بدءًا بحملات التتار والمغول، مرورًا بمحاولة تتريك اللغة زمن العثمانيين، ثم الاستعمار الغربي.

المبحث الثالث: التغريب اللغوي والأدبي في العصر الحديث:

المقصود بالتغريب: التغيير لموافقة ما عند الغرب، من لغة أو ثقافة أو حضارة. وبدأ التغريب بالحملة الفرنسية على مصر، وما تبعها من حملات استعمارية على البلاد العربية التي كانت منهكة أصلاً، وظل جاثمًا على صدرها ولم يدعها حتى تركها غربية الهوى حتى النخاع. ومظاهر التغريب كثيرة، أهمها:

  • التغريب اللغوي:

وذلك بتشجيع اللهجات المحلية، بغية قتل اللسان العربي، والطعن في اللغة العربية، واتهامها بالقصور عن اللحاق بركب الحضارة، واتهام حروفها ونحوها وإملائها وشعرها بالتعقيد، بهدف إحلال اللهجة العامية، واستخدام الحروف اللاتينية في الكتابة.

  • التغريب الأدبي:

سعى المستعمر لطمس الآداب العربية، وإحلال المناهج الأوروبية مكانها، وعمل أذنابه على التنكر للآداب القديمة، والطعن بعمود الشعر، والحط من قدر شعراء قدماء كبار، وكثرت الدعوة إلى التجديد في كل شيء، لا لشيء إلا ليقال: إنهم مجددون!

يعاني تعليم العربية من إشكالاتٍ وعقبات، بعضُها عائدٌ للتدريس التقليدي، كالجمود على بعض المتون، والانشغال بالألفاظ عن المضامين والتطبيق، وبعضها عائد للتدريس الأكاديمي كالمناهج والانشغال بها عن المراجع التراثية، وفصل العربية عن العلوم الشرعية، وضعف التمكُّن عند بعض الأساتذة وغيرها

  • الفصل الثاني: نقائص تدريس العربية:

المبحث الأول: التدريس التقليدي وتضخم المعلومات:

أبدع علماء الإسلام في مجال تدريس العلوم، وظهر ذلك بشكل واضح من خلال ابتكار “المتون العلمية”، وكان الهدف منها تيسير حفظ المسائل في أذهان الطلبة بعد تشعب العلوم وتوسعها، وكانت تنظم شعرًا لأنه أعلق بالذهن، وطال العهد فأصبح فهم تلك المتون يحتاج إلى فك الرموز والطلاسم، وصارت هناك شروح للمتن، وتعليقات على الشروح…الخ. ورغم الفائدة الكبيرة للمتون، إلا أن فيها عيبًا من ناحيتين: إشكالات المضمون المدرَّس، ووسائل التدريس.

أما إشكالات المضمون المدرس: فسببها الجمود على متون معينة في كل فن، وعدم التوسع إلى غيرها، إما لأسباب ذاتية ناتجة عن كسل المدرسين عن استحداث مضامين جديدة، أو موضوعية عائدة إلى اشتهار بعض المتون المخدومة بالكثير من الشروح والحواشي فيسهل على المدرس حلها، وعلى الطالب فهمها.

وأما إشكالات وسائل التدريس: فمن أهمها: الانشغال بدراسة الألفاظ على حساب المضامين المقصودة بالأصالة، وفقر التمثيل؛ حتى إنك لتجد “ضرب زيد عمرًا” مكررة في مجمل كتب النحو، بالإضافة إلى ندرة التطبيق؛ حيث يكون همّ المدرس منصبًا على فهم الطالب المتن، دون التأكد من قدرته على تطبيقه، فضلاً عن ضعف تعليم المهارات اللغوية كالخطابة والنظم والنثر، وندرة القراءات الأدبية التي تعد أساسًا لفهم قواعد اللغة وتطبيقها.

المبحث الثاني: التدريس الأكاديمي وتضخم المنهجية:

يتركز العيب فيه أيضًا في جانبين: إشكالات المضمون المدرَّس، ووسائل التدريس.

أما إشكالات المضمون المدرس: فأولها المناهج وانشغال المدرسين والطلبة بها على حساب المضمون، وضمور المادة اللغوية بالمقارنة مع العلوم الأخرى، بالإضافة للانقطاع عن الكتب والتراث واعتماد الطلاب على الكراسات والكتب الحديثة.

وأما إشكالات أساليب التدريس: فمن أهمها فصل العربية عن العلوم الشرعية، وغياب التدرج العلمي، وقلة الحفظ، وضعف التمكُّن العلمي عند بعض الأساتذة الجامعيين، بالإضافة إلى دعوات التجديد التي تطرح من قبل أناس غير متمكِّنين.

لابد لتكوين الملكة اللغوية من تحصيل زاد لغوي غزير، ومن أهم روافده: النصوص الدينية، فهي الأساس الذي تستخرج منه أعلى قواعد العربية وتعبيرات البلاغة، وأول تلك النصوص القرآن الكريم، ثم السنة النبوية، ثم كلام السلف الذين هم أئمة الدين، وآخرها كتب السيرة والتاريخ

الباب الثاني

خطة عملية لتكوين الملكة اللغوية

يقدم المؤلف ضمن هذا الباب مقترحات لتكوين الملكة اللغوية، تجمع بين التمكن من المعرفة العلمية واللغوية النظرية، والتدريب العملي التطبيقي، ولكنه يشدد قبل ذلك على أنه قبل الإقدام على تلك الخطوات لابد أن يتوفر لدى الراغب في ذلك شيء من الموهبة الفطرية، وكثير من الجهد والعمل.

  • الفصل الأول: الزاد العلمي:

ويضم خمسة علوم: النحو والصرف والبلاغة والعَروض والإملاء.

  • النحو والصرف:

وتبدأ الخطة بإزالة الصدأ، من خلال قراءة عدد من الكتب للمبتدئين، مثل: كتاب “النحو الواضح” لعلي الجارم ومصطفى أمين، وسلسلة “اقرأ” لأحمد بوكماخ، و”متن الآجرومية”. بعد ذلك تبدأ مرحلة التعرف إلى قواعد واصطلاحات علمي النحو والصرف، من خلال الكتب التالية: “شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب” و”قطر الندى وبل الصدى” لجمال الدين ابن هشام، و”شذا العَرف في فن الصرف” للشيخ أحمد الحملاوي، و”التطبيق الصرفي” لعبده الراجحي، وتختم هذه المرحلة بكتاب “جامع الدروس العربية” لمصطفى الغلاييني. ثم تأتي مرحلة التمكن والرسوخ، بدراسة ألفية ابن مالك، و”مغني اللبيب” لابن هشام، بالإضافة إلى “لامية الأفعال” للحضرمي و”المغني في تصريف الأفعال” لمحمد عبد الخالق عضيمة و”تصريف الأسماء والأفعال” لفخر الدين قباوة. بعد ذلك تأتي مرحلة التوسع، بالاطلاع على مجموعة من الكتب، منها: “الخصائص” لابن جني، و”الإنصاف في مسائل الخلاف” للأنباري، و”الممتع في التصريف” لابن عصفور، و”شرح المفصل” لابن يعيش.

  • البلاغة:

وهي ثلاثة فنون: البيان والمعاني والبديع، وأول ما يبدأ الطالب بدراسته كتاب “البلاغة الواضحة” لعلي الجارم وأحمد أمين، ثم كتاب “جواهر البلاغة” للسيد الهاشمي، ثم كتاب “البلاغة تطور وتاريخ” لشوقي ضيف. وفي مرحلة التوسط يعتني الطالب بحفظ متن “الجوهر المكنون” للأخضري، ثم يقرأ كتاب “المنهاج الواضح في البلاغة” لعوني حامد، ثم كتابي “دلائل الإعجاز” و”أسرار البلاغة” لعبد القاهر الجرجاني.

ثم في مرحلة التوسع يقرأ الطالب “متن التلخيص” للقزويني، و”متن عقود الجمان” للسيوطي، ويتوسع في كتب: “ديوان المعاني” لأبي هلال العسكري، و”الوساطة بين المتنبي وخصومه” للقاضي الجرجاني، و”الموازنة بين أبي تمام والبحتري” للآمدي، وليستعن بكتب التفسير التي فيها نفائس البلاغة مثل: “الكشاف” للزمخشري، و”التحرير والتنوير” لابن عاشور.

  • العَروض:

يعمد الطالب في المرحلة الأولى إلى دراسة كتابي “ميزان الذهب في صناعة شعر العرب” للسيد الهاشمي، و”شرح كتاب أهدى سبيل إلى علمي الخليل” لمحمود مصطفى. وفي المرحلة الثانية يحفظ منظومة “مجدد العوافي من رسمي العروض والقوافي” للشنقيطي، كما يمكنه الاستزادة من كتب أخرى، مثل: “العيون الغامزة” للدماميني، و”الوافي في العروض والقوافي” للخطيب التبريزي.

  • الإملاء:

يحتاج التمكن في هذا الفن إلى التمكن من قواعد النحو والصرف، لأنها تعتمد عليها اعتمادًا كبيرًا، ومن الممكن -قبل الغوص في قواعد النحو والصرف- قراءة كتاب “قواعد الإملاء” لعبد السلام هارون. والعمدة في النهاية ليس على كثرة الحفظ وإنما على الممارسة العملية.

  • الفصل الثاني: الزاد اللغوي:

يتم تحصيل الزاد اللغوي من ثلاثة أبواب: من كتب اللغة، ومن النصوص الدينية، ومن كتب الأدب.

  • كتب اللغة:

تحصيل الزاد اللغوي من كتب اللغة يتم بأن يبدأ الطالب بتمهيد في علم اللغة وفقهها، وذلك بالاطلاع على الكتب التالية: “دراسات في فقه اللغة” لصبحي الصالح، و”علم اللغة” و”فقه اللغة” لعلي عبد الواحد وافي، و”فصول في فقه اللغة” لرمضان عبد التواب، و”المزهر في علوم اللغة” للسيوطي. ثم إلمام الطالب بالألفاظ والتراكيب النافعة في الكتابة والخطابة، ويتأتى ذلك بقراءة كتب الأدب والشريعة وحفظ المتون، مثل: “نظم موطأة الفصيح” لمالك بن المرحل، وكتاب “الألفاظ الكتابية” للهمداني. ثم الإلمام بالمعاجم اللغوية، فتكون للطالب قراءة دورية فيها، وليست فقط وقت الحاجة، ويبدأ بمعجم مختصر مثل “مختار الصحاح” للرازي، ثم يطالع بعدها المعاجم الموسعة مثل “القاموس المحيط” للفيروز أبادي، و”لسان العرب” لابن منظور.

  • النصوص الدينية الأولى:

فهي الأساس الذي تستخرج منه أعلى قواعد العربية وتعبيرات البلاغة، وأول تلك النصوص القرآن الكريم، فهو كلام الله وأساس الفصاحة ولب البلاغة. ثم السنة النبوية، وهي كلام أفصح من نطق بالضاد محمد r. يأتي بعد ذلك كلام السلف الذين هم أئمة الدين. وآخرها كتب السيرة والتاريخ، ففيها العجائب من فصيح الكلام التي لا يتفطن لها كثير من الأنام، كسير أعلام النبلاء للذهبي، والبداية والنهاية لابن كثير، والسيرة النبوية لابن هشام.

  • كتب الأدب:

حيث إن لها دورًا مهمًا في تصحيح الذوق اللغوي وإصلاح أحوال النفوس، وتحصيل ذلك في المرحلة الأولى يكون بالاستئناس بالقراءة الأدبية، وذلك بمطالعة مجموعة من الكتب، كـ”المنتخب من أدب العرب” لعلي الجارم وزمرة من المؤلفين، و”جمهرة خطب العرب” و”جمهرة رسائل العرب” لأحمد زكي صفوت، ثم ينتقل الطالب إلى حفظ الأشعار كالمعلقات، وقراءة كتب الأدب الأصيلة، مثل: “أدب الكاتب” لابن قتيبة، و”الكامل” للمبرد، و”البيان والتبيين” للجاحظ. ثم ينتقل إلى القراءة الأدبية الموسعة، فيطلع على أشعار فحول الشعراء في عصور الاحتجاج كحسان بن ثابت والحطيئة والفرزدق وجرير والمتنبي وأبي تمام، ويتفحص كتب الأدب فينهل منها، مثل: “الإمتاع والمؤانسة” للتوحيدي، و”نفح الطيب” للمقري، ومقامات الهمذاني والحريري، وكتب الأمثال، ولا بأس في مطالعة كتب الأدباء المعاصرين، كشوقي ضيف والرافعي والزيات والعقاد ومحمود شاكر.

يبدأ التدرُّب على التعبير الكتابي بالتقليد، وذلك بأن يقلِّد كبارَ الكتاب ويحاكيهم في أساليبهم وطرقِهم وتصرفاتهم في الكتابة، ثم يجتهد في نفسه بالتدرُّب والممارسة، كأن يأخذ معنًى من آية قرآنية أو حديث نبوي أو بيت شعري ثم يعيد سبكه بأسلوبه وصياغته من الكلام العربي الفصيح

  • الفصل الثالث: الدربة التطبيقية:

حتى تتكون لدى الطالب الدربة اللازمة لتكوين الملكة اللغوية، عليه أن يتدرب وفق ما يلي:

  • التعبير الشفوي:

ويمكن تحقيقه بالتدرب على القراءة بصوت عالٍ لترويض اللسان على القراءة بشكل فصيح، ثم تقليد حديث الفصحاء سواء بحفظ بعض الخطب العصماء أو التحدث أمام المرآة أو أمام صديق، ومما يساعد على ذلك أيضًا تعود الحديث بالفصحى في الحياة العامة، ويكمل ذلك تعلم محسنات الخطابة والدراية بأركانها وقواعدها وخصائصها وعيوبها.

  • التعبير الكتابي:

يبدأ التدرُّب على التعبير الكتابي بالتقليد، وذلك بأن يقلد كبار الكتاب ويحاكيهم في أساليبهم وطرقهم وتصرفاتهم في الكتابة، ثم يحاول بعد ذلك أن يجتهد في نفسه بالتدرب والممارسة، كأن يأخذ معنى من آية قرآنية أو حديث نبوي أو بيت شعري ثم يعيد سبكه بأسلوبه وصياغته من الكلام العربي الفصيح. ومما يساعد في ذلك أيضًا إعادة إحياء بعض الطرق البلاغية المهجورة، كالإخبار عن الماضي بصيغة المستقبل، والالتفات، يضاف إليها تعلم محسنات الكتابة من قبيل تحسين المطلع والخاتمة وأساليب الانتقال، والحرص على المعاني الراقية غير المبتذلة.

  • البحث والتحرير اللغوي:

وتحرير معاني الألفاظ وبيان الصحيح من الغلط منها، سواء ما يشتمل على معاني المفردات أو التراكيب، وما تشتمله كل واحدة منها من تغيرات وتحويرات وأخطاء.

لكتب الأدب دورٌ مهمٌ في تصحيح الذوق اللغوي وإصلاح أحوال النفوس، وتحصيل ذلك في المرحلة الأولى يكون بمطالعة الكتب التي تجمع نصوصًا أدبية منتقاة، ثم ينتقل الطالب إلى حفظ الأشعار كالمعلقات، وقراءة كتب الأدب الأصيلة، ثم ينتقل إلى القراءة الأدبية الموسعة، فيطلع على أشعار فحول الشعراء في عصور الاحتجاج، ويتفحص كتب الأدب فينهل منها

  • الفصل الرابع: التمثيل ببعض الملكات اللغوية الفرعية:

  • ملكة الفهم الاستنباطي المستند إلى اللغة:

وهي أقرب إلى علم “أصول الفقه”، والمقصود بها: القدرة على استنباط الحكم الشرعي من نص القرآن أو السنة، بقطع النظر عن الأدلة الأخرى. وتحصيلها يكون بدراسة المباحث اللغوية من علم أصول الفقه، كحروف المعاني والحقيقة والمجاز والمنطوق والمفهوم…الخ. ثم التدرب على ذلك، بأن يعمد الطالب إلى نص من القرآن أو الحديث النبوي فيفهم ألفاظه ومعانيه الإجمالية استنادًا إلى التفاسير، ثم يشرع في التحليل اللغوي الاستنباطي للنص لفظًا لفظًا وجملة جملة، بما يشبه صنيع المعربين إذا قصدوا إلى إعراب جملة ما.

  • ملكة تحديد السياق الزماني للنص اللغوي:

وتفيد في دفع نسبة بعض النصوص إلى مَن تعزى إليه على سبيل الغلط، وهذه الملكة تتحقق بأمور، منها: تمييز الخصائص الأسلوبية، ووجود الألفاظ الشرعية التي لم تكن في الجاهلية، ووجود شواهد الحضارة المختلفة، والمصطلحات العلمية الحادثة، والأحداث التاريخية المشهورة.

  • ملكة الربط بين المعنى والإعراب النحوي:

والمراد بها القدرة على أمرين اثنين:

الأول: فهم المعنى المراد من الكلام انطلاقًا من إعراب بعض شراحه، فحين تقرأ قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ ‌بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا﴾ [يوسف: 65]، تقرأ للمفسرين اختلافًا في إعراب “ما” بين قائل إنها استفهامية، وقائل إنها نافية، وما ينبني على ذلك من النظر في معنى ﴿نَبْغِي﴾، فتفهم ذلك كله حق الفهم.

الثاني: القدرة على التعبير عن المعاني المختلفة باستعمال اصطلاحات صناعة الإعراب، فهي أيسر وأوضح وأكثر اختصارًا، فلو قال قائل: “إن قراءة المؤلفات النافعةَ للطالب القراءة التدبرية”، فسُئل عن سبب نصب “النافعةَ”، أي الجوابين التاليين أقصر وأدق: أن يقول: لأن مقصودي أن القراءة هي الموصوفة بكونها نافعة، وليس مرادي أن أصف المؤلفات بكونها نافعة. أم أن يقول: “النافعةَ” نعت لـ “قراءة”؟

  • ملكة تحليل المادة اللغوية باعتماد قواعد البلاغة:

ويقصد بها القدرة على فهم كلام المفسرين وشراح الحديث والأدب دون الحاجة للرجوع إلى الكتب لفهم المراد. والقدرة على تحليل أي نص لغوي باستعمال مصطلحات البلاغيين. كأن تقرأ قول المتنبي:

 ألا أيها السيف الذي ليس مغمدًا

           ولا فيه مرتاب ولا منه عاصم

فتقول: هذه استعارة تصريحية أصلية في “السيف”، والقرينة “النداء”، و”ليس مغمدًا” ترشيح. فأنت بهذا تستغني بالمصطلحات البلاغية عن كثرة الشرح والتحليل لكلام الشاعر.

  • ملكة التعبير اللغوي السليم عن المعاني الحادثة:

والمقصود بها القدرة على التعبير عن المعاني الجديدة بلسان عربي فصيح، بعيد عن عجمة العصر الحديث، وهذا يشمل التراكيب التي دخلتها الكثير من التعبيرات الجديدة الركيكة نتيجة سوء الترجمة، والألفاظ التي وفدت إلينا من الحضارة الغربية، وفيها الغث والسمين.


محمود كريم


 

X