نظرات نقدية

قاعدة «المنار» في التعاون والإعذار

يقع الخلاف بدرجاته وأنواعه بين الناس، وهم منه على مواقف مختلفة: فمنهم من يتوسع في إعذار المخالف، ومنهم من يضيق، وقاعدة «المنار» مما حاولت ضبط التعامل مع هذه الخلافات، وأنواعها.

العدد الثاني

شعبان 1441 هـ – نيسان/أبريل 2020 م

منذ قرنٍ من الزمان أطلق الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله – صاحب مجلة المنار – قاعدةً في فضاء الحركة والدعوة، وسَمَها بـ «قاعدة المنار الذهبية»، والتي تنص على أننا: «نتعاون على ما نتَّفق عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما نختلف فيه»[1]، أو «نتعاون على ما نشترك فيه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما نختلف فيه»[2].

خاطب الشيخ محمد رشيد رضا بهذه القاعدة جميع رعايا الدولة العثمانية في عصره، من المسلمين واليهود والنصارى والصابئين وغيرهم من أهل الملل والنحل في الدولة؛ لتحقيق المصالح المشتركة فيما بينهم. وقال: «إنَّ لنا في هذه الأيام أفضل فرصة لإقناع أبناء جنسنا ووطننا، بما نتحدّث به دائمًا فيما بيننا من حسن نيتنا، ورغبتنا في الاتفاق معهم على كل ما فيه مصلحتنا المشتركة بيننا وبينهم على قاعدة المنار الذهبية: (نتعاون فيما نشترك فيه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما نختلف فيه)»[3].

خاطب الشيخ رضا بهذه القاعدة جميع رعايا الدولة العثمانية من المسلمين واليهود والنصارى والصابئيـن وغيرهم؛ لتحقيق المصالح المشتركة فيما بينهم

ودعا إلى استعمالها مع الشيعة، فقال: «… بيد أنني أرى أن ما نسعى إليه من جمع الكلمة، ووحدة الأمة، لا يُرجى نجاحه من طريق الدين إلا بسعي علماء الطائفتين له على القاعدتين اللتين رفعنا بنيانهما في المنار.

الأولى: (نتعاون على ما نتفق عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما نختلف فيه).

والثانية: (من اقترف سيئة من التفريق والعداء أو غير ذلك من إحدى الطائفتين بقول أو كتابة فالواجب أن يتولى الرد عليه العلماء والكتاب من طائفته)»[4].

فما مفهوم الشيخ محمد رشيد رضا لهذه القاعدة، وكيف طبَّقها؟

أما الجزء الأول من القاعدة، فقد شرح المراد منها بكل جلاء بقوله: «إن المسلمين واليهود والنصارى والصابئين وغيرهم من أهل الملل والنحل الذين تضمُّهم العثمانية على اختلاف المذاهب في الملة الواحدة منهم، كلهم عثمانيون لا يكونون سعداء في معيشتهم أعزاء في وطنهم، إلا بعمران المملكة، وعزّة الدولة وشرفها، فيجب أن يتَّحدوا ويتعاونوا على عمران هذه البلاد بالأعمال الزراعية والصناعية والتجارية المشتركة بينهم»[5].

وأما الجزء الثاني فيشرح المرادَ من الإعذار بقوله: «أن لا يتعادوا فيما يختلفون فيه، بل يجب أن يتحرَّوا مع ذلك حسن المعاشرة، وآداب المجاملة»[6]

ويُسمي الشيخ شقَّ التعاون في قاعدته بـ «المرتبة العليا»، أو القسم الإيجابي (الفعل)، والإعذار بالقسم السلبي (أو الترك) فيقول:

«تلك (أي التعاون) هي المرتبة العليا للجامعة العثمانية بينَّاها لترغيب المستعدين لها فيها، وتنبيه محبي الإصلاح للدعوة إليها، فإذا تعذر العروج إليها في هذا العصر والتمكن من قسميها السلبي والإيجابي معًا (السلبي هو ترك التعادي والتباغض والتدابر، والإيجابي هو الائتلاف والاشتراك في المواقف والمنافع الدنيوية والتربية الفنية والعلمية) فإننا نكتفي منها بالقسم السلبي لأنه ترك، والترك ميسور في كل وقت» ومن هنا يُعلم أن الشيخ محمد رشيد رضا لم يقصد بالإعذار أن يُقرّ أهل الباطل على باطلهم، ولا أن يسكت عنه. وكيف يُظن به ذلك وجهوده في الرد على أباطيل النصارى[7]، وسخافات الشيعة[8] معلومة منتشرة؟

لم يقصد الشيخ محمد رشيد رضا بالإعذار في قاعدة «المنار» أن يُقرّ  أهل الباطل على باطلهم، ولا أن يسكت عنه

وقد أضاف الشيخ رشيد رضا في أحد المواضع التي شرح فيها القاعدة عبارة ثالثة، فقال: «أن يتعاضدوا ويتعاونوا على ما يشتركون فيه ويتفقون عليه، ويعذر بعضهم بعضًا فيما يفترقون فيه، ويحكِّموا الشرع والميزان فيما يتنازعون عليه»[9]، وهذه الإضافة ظاهرة بأنه لم يقصد مطلقاً إقرار الباطل أو الرضا به.  ثم أخذ هذه القاعدة عنه العديد من أهل العلم والدعوة حتى شاعت وانتشرت.

تنزيل القاعدة واستعمالها في غير ما وضعت له:

لكن كثر في زماننا تنزيل القاعدة -وخاصة في شقها الثاني- على ما هو أبعد مما وضعت له، فأريد من «العذر» البحث عن تبرير للمخالف بما يهوّن من مخالفته مهما كانت، بل وربما التماس وجه لصحة قوله، وأقلّ ذلك التثريب على من يتصدى لبيان المخالفة وحكمها في الشرع، فوقع الخلل في تطبيقها.

نُزِّلت القاعدة بعد ذلك على غير مراد قائلها، فصارت وسيلة للبحث عن تبرير للمخالف بما يهوّن من مخالفته مهما كانت، وربما التماس وجه لصحة قوله

ولعل من أسباب هذا الخلل استصحابهم للمعنى اللغوي العام الذي تذكره معاجم اللغة، وإغفال السياق الذي جاء فيه هذا اللفظ في القاعدة الذهبية: إذ تذكر المعاجم في معنى «عَذَرَه»: «رفَع عنه اللَّومَ والذَّنبَ، ولم يؤاخذْه، سَامَحَهُ، وَجَدَ له حُجَّة فيما فعل»[10].

ولا شكَّ أن هذا الإطلاق لم يُرده منشئ القاعدة كما رأينا من كلامه. فلما استخدم القاعدة من استخدمها بهذا الإطلاق حصل الخلاف فيها بين قابل لها ورادّ، ونقدها العديد من العلماء المعاصرين المحقِّقين ولم يرضوها.

والسبب في ذلك أنَّ في هذه القاعدة إجمال، فكان لا بد من الاستفصال، وهذه هي طريقة أهل السنة والجماعة في الألفاظ المجملة المشتبِهة المحتملة للحق والباطل.

إذ أن منهجهم في ذلك: أن اللفظ المجمل المحتمِل للمعنى الحق والباطل لا يجوز إثباته مطلقًا، ولا نفيه مطلقاً؛ لأنَّ في إثباته إثباتٌ للمعنى الباطل، وفي نفيه نفيٌ للمعنى الحقِّ، ومن ثَمَّ فلا يجوز استعماله إلا بنوعٍ من التقييد، أو يُنحَّى جانبًا ويستبدل به الألفاظ الواضحة البينة الصريحة غير المشتبهة.

ولما استعمل اليهود كلمة «راعِنا» في معنى خبيث، نُهيَ الصحابةُ عن استعمالها مطلقًا، مع أنهم لا يريدون بها إلا المعنى الحق، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: 104].

قال ابن تيمية رحمه الله: «وأما الألفاظ التي ليست في الكتاب والسنة، ولا اتفق السلف على نفيها أو إثباتها، فهذه ليس على أحد أن يوافق من نفاها أو أثبتها حتى يستفسر عن مراده، فإن أراد بها معنىً يُوافق خبر الرسول أقر به، وإن أراد بها معنىً يخالف خبر الرسول أنكره. ثم التعبير عن تلك المعاني إن كان في ألفاظه اشتباه أو إجمال عبر بغيرها، أو بيّن مراده بها؛ بحيث يحصل تعريف الحق بالوجه الشرعي؛ فإنَّ كثيرًا من نزاع الناس سببه ألفاظ مجملة مبتدعة ومعان مشتبهة، حتى تجد الرجلين يتخاصمان ويتعاديان على إطلاق ألفاظ ونفيها، ولو سئل كل منهما عن معنى ما قاله لم يتصوره فضلًا عن أن يعرف دليله، ولو عرف دليله لم يلزم أن من خالفه يكون مخطئًا، بل يكون في قوله نوع من الصواب، وقد يكون هذا مصيبًا من وجه وهذا مصيبًا من وجه، وقد يكون الصواب في قول ثالث»[11].

وحيث إن «القاعدة الذهبية» أَجملت ذكر التعاون والإعذار، فحصل ما حصل من اللغظ والردِّ والقبول لها، وجب تقييدها لتحرير المعنى الذي تُصبح به مُوافِقة للحق الذي تدلُّ عليه النصوص، وتنفي عنها الباطل الذي قد يتمسك به أهل الجهل والهوى.

«القاعدة الذهبية» أَجملت ذكر التعاون والإعذار، فحصل فيها اللغط، ووجب تقييدها لتحرير المعنى الذي تُصبح به مُوافِقة للحق الذي تدلُّ عليه النصوص

ضوابط قاعدة التعاون والإعذار:

هذه القاعدة تشتمل على شقين: التعاون والإعذار.

فلا بد من التفصيل في حقيقة التعاون، متى يكون مصلحة ومتى يكون مفسدة، وكذلك العذر ماذا يراد به ومتى يسوغ ومتى لا يسوغ.

أما التعاون، فالأصل في ذلك قوله تعالى :﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[المائدة: 2].

والتعاونُ لا يشترط له الاتفاق في المنهج فضلاً عن الدين، بل يجوز التعاون حتى مع الكافر والمبتدع الضالِّ إذا كان ذلك يُحقق مصلحة شرعية راجحة، ولم يكن هناك مفسدة، أو كانت المفسدة يسيرةً محتملةً في مقابل المصلحة، كما قرّر ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله، ففي معرض كلامه عن الفوائد الفقهية من صلح الحديبية تعليقًا على قول النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسِي بيده لا يسألوني خُطَّة يعظّمون فيها حُرُماتِ الله إلا أعطيتُهم إِياها) [12]، قال رحمه الله: «ومنها: أن المشركين وأهل البدع والفجور والبغاة والظلمة إذا طلبوا أمراً يُعظمون فيه حرمة من حرمات الله تعالى، أُجيبوا إليه وأعطوه وأُعينوا عليه وإن مُنعوا غيره، فيُعاوَنون على ما فيه تعظيم حرمات الله تعالى، لا على كفرهم وبغيهم، ويمنعون مما سوى ذلك، فكل من التمس المعاونة على محبوبٍ لله تعالى مُرضٍ له، أُجيب إلى ذلك كائنًا من كان، ما لم يترتّب على إعانته على ذلك المحبوب مبغوض لله أعظم منه، وهذا من أدقّ المواضع وأصعبها وأشقها على النفوس»[13].

وقال ابن تيمية: «فإذا تعذر إقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك إلا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ترك ذلك الواجب، كان تحصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خيرًا من العكس»[14].

وأما الإعذار: فهو مبني على نوع الاختلاف:

فإن كان الخلاف سائغًا، وهو اختلاف أهل السنة والجماعة فيما بينهم ضمن دائرة الخطأ والصواب، أو الصواب المتنوع، وهو الاختلاف الناتج عن أنظار الفقهاء المجتهدين في المسائل العلمية والعملية التي ليست من أصول الدين. فإذا استفرغ العالم وُسعه في تحري الحق، وحَسُن قصدُهُ في ذلك، واتَّبع سبيل المؤمنين في طلب الحق من الكتاب والسنة، وكان جامعًا لآلة العلم التي تُمكنه من معرفة الحق، وأخطأ في إدراك الصواب وحُكم الله في نفس الأمر؛ فهذا خطؤه مغفور، بل هو مُثاب على اجتهاده وتقواه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حكم الحاكمُ فاجتهدَ فأصاب فله أجرانِ وإذا حكم فاجتهدَ فأخطأ فله أجرٌ واحدٌ)[15].

ومن ثَمَّ فلا يجوز في هذا الاختلاف التضليل ولا التبديع، فضلاً عن التكفير، ولا يجوز الولاء والبراء والتعصُّب لأحدٍ هذه الأقوال، وإنما النقاش والجدال بالتي هي أحسن؛ لبيان الخطأ من الصواب بالدليل البيِّن الواضح، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وإن كان المخطئ المجتهد مغفورًا له خطؤه وهو مأجور على اجتهاده، فبيان القول والعمل الذي دلَّ عليه الكتاب والسنة واجب؛ وإنْ كان في ذلك مخالفة لقوله وعمله، ومن عُلم منه الاجتهاد السائغ فلا يجوز أن يُذكر على وجه الذم والتأثيم له؛ فإنَّ الله غفر له خطأه؛ بل يجب -لما فيه من الإيمان والتقوى- موالاته ومحبته والقيام بما أوجب الله من حقوقه، من ثناء ودعاء وغير ذلك»[16]. وفي مثل هذه المسائل والحالات نقول: على كل صاحب اجتهاد أن يعذر صاحبه في اجتهاده المخالف له.

وأمّا الاختلاف غير السائغ، كالخلاف مع الكفار ، والخلاف في الكليات كالخلاف مع أهل البدع من الخوارج والرافضة والمعتزلة وغيرهم، فهذا اختلافٌ يُحمد فيه أهل الحق، ويُذمُّ فيه أهل الباطل ولا يُعذرون في شيء؛ إذ فيه من المحاذير: السكوت على الباطل، وتصحيح السبل الشيطانية، فما ثّمَّ إلا صراط واحد مستقيم، أو سبل مُعوجَّة، قال تعالى:﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 153]، فإعذار المختلفين هو إقرارٌ ورضًى بهذه السبل المعوجّة، وتضييع للصراط المستقيم، قال ابن القيم رحمه الله: «وهذا لأن الطريق الموصل إلى الله واحدٌ، وهو ما بعث به رسله وأنزل به كتبه، لا يصل إليه أحد إلا من هذه الطريق، ولو أتى الناس من كل طريق، واستفتحوا من كل باب، فالطرق عليهم مسدودة، والأبواب عليهم مغلقة، إلا من هذا الطريق الواحد، فإنَّه متصل بالله، موصل إلى الله»[17].

 كما أنَّ في الإعذار تلبيسٌ على الناس، وتضييعٌ لعقيدة البراء من الكفار وأهل البدع، وتضييع للفرقان بين الحقِّ والباطل.

ثم إنَّ في إعذار المخالفين في الكليات وعدم الإنكار عليهم تثبيت للتفرق، وزيادة في الاختلاف. والشريعة إنما بعثت لحسم مادة الخلاف، وليكون الناس أمة واحدة، قال الخطابي رحمه الله: «فأما الافتراق في الآراء والأديان؛ فإنه محظورٌ في العقول، محرَّمٌ في قضايا الأصول؛ لأنَّه داعية الضلال، وسبب التعطيل والإهمال، ولو تُرك الناس متفرقين؛ لتفرَّقت الآراء والنحل، ولكثُرت الأديان والملل، ولم تكن فائدة في بعثة الرسول، وهذا هو الذي عابه الله عز وجل من التفرق في كتابه»[18].

ولا يكون ذلك إلا بترك البدعة والعمل بالسنة، والاجتماع على الحق وترك الباطل، ففي حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: (وعَظَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا بعد صلاة الغَداة موعظة بليغة، ذَرفت منها العيون، ووَجِلت منها القلوب، فقال رجل: إنَّ هذه موعظة مودِّع فماذا تعهدُ إلينا يا رسول الله؟ قال: أُوصيكم بتقوى اللهِ والسمعِ والطاعة، وإنْ عبدٌ حَبَشي، فإنَّه من يَعِش منكم يرى اختلافًا كثيرًا، وإياكم ومُحدثاتِ الأمور؛ فإنَّها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بِسُنَّتي وسنَّة الخلفاءِ الراشدين المهديينَ، عَضُّوا عليها بالنواجِذ)[19].

إنَّ في إعذار المخالفين في الكليات وعدم الإنكار عليهم تثبيت للتفرق، وزيادة في الاختلاف. والشريعة إنما بعثت لحسم مادة الخلاف، وليكون الناس أمة واحدة

والخلاصة:

إنَّ هذه القاعدة: «نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه»، لا يمكن فهمها على مراد صاحبها إلا بتفصيل، فيقال: نتعاون فيما اتفقنا عليه مما لا يترتب عليه مفسدة، ويعذر بعضنا بعضًا فيما يسوغ فيه الخلاف.

أما في الخلاف غير السائغ فيجبُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتبيينُ الحقِّ وكشفُ الباطل.


أ. فايز الصلاح

 ماجستير في الشريعة، باحث متخصص في الدراسات الشرعية، عضو مجلس الإفتاء في المجلس الإسلامي السوري.


[1] ينظر: مجلة المنار (31/ 290)، (32/ 232)، (32/ 284)، (33/ 73)، (34/ 451).

[2] ينظر: مجلة المنار (17/ 317)، (17/ 955)، (22/ 617).

[3] مجلة المنار (17/ 955).

[4] مجلة المنار (32/ 232).

[5 مجلة المنار (15/833).

[6] المرجع السابق…………………………………………………………

[7] من آثار الشيخ محمد رشيد رضا كتاب (شبهات النصارى وحجج الإسلام)، وينظر أيضا: جهود الشيخ محمد رشيد رضا في الرد على عقائد النصارى، لعبد الرحمن العواجي، وكتاب: الرد على النصارى في مجلة المنار، كتاب إلكتروني.

[8] من الرسائل التي تركها الشيخ رضا رسالة “الشيعة والسنة”، ويكفي قراءة هذه الرسالة من محمد الحسين كاشف الغطاء لمعرفة شدة تأذِّيهم من ردود الشيخ عليهم: “فرجائي إلى الأستاذ صاحب المنار أن لا يعود إلى ما فرط منه كثيرًا من التحريش بالشيعة، ونشر الأبحاث والمجادلات مع بعض علماء الإمامية، والطعن المر على مذهبهم الذي لا يثمر سوى تأجيج نار الشحناء والبغضاء بين الأخوين، ولا يعود إلا ببلاء الضعف والتفرقة بين الفريقين، ونحن في أمس الحاجة اليوم إلى جمع الكلمة، وتوحيد إرادة الأمة، وإصلاح ذات البين والأستاذ الرشيد – أرشد الله أمره – ممن يعد في طليعة المصلحين، وكبار رجال الدين، فبالحري أن يقصر (مناره الإسلامي) على الدعوة إلى الوفاق والوئام، وجمع كلمة الإسلام، ويتجافى في كل مؤلفاته – سيما في تفسيره الخطير-عن كل ما يمس كرامة، أو يثير عصبية أو حمية، أو يهيج عاطفة، وأن يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة؛ فإن ذلك أنجع وأنفع، وأعلى درجة عند الله وأرفع. حرره في زاوية النجف الأشرف المقدسة يوم النصف من شهر رمضان المبارك سنة 1350 ه محمد الحسين آل كاشف الغطاء”. كما ألف المرجع الشيعي اللبناني محسن الأمين العاملي رسالة سماها “الحصون المنيعة في الرد على ما أورده صاحب المنار في حق الشيعة”.

[9]  مجلة المنار (15/833).

[10] معجم اللغة العربية المعاصرة (2/1474).

[11]  مجموع الفتاوى (12/ 114).

[12]  أخرجه البخاري (2731).

[13]   زاد المعاد في هدي خير العباد (3/ 269).

[14]  مجموع الفتاوى” (28/ 212).

[15]  أخرجه البخاري (6919)، ومسلم (1716).

[16]  مجموع الفتاوى (28/234).

[17]  مدارج السالكين (1/ 38).

[18] “العزلة” للخطابي (ص 57-58).

[19]  أخرجه أبو داود (4607) ، والترمذي (2676) وقال: حسن صحيح.

X