الافتتاحية

رمضانُ .. محطّةٌ للنهوض

مع هبوب نسمات الشهر المبارك وظهور تباشيره، يُشمِّر الصالحون عن ساعد الجدّ، عازمين على استثمار أيامه وساعاته في الطاعة والعبادة وسائر القُرُبات، بل إنَّ بعضهم يخطّط مبكّرًا لاستغلاله وجمع جوائزه الكثيرة العظيمة، وهذا ليس بمستغرَب؛ فقد كان صدر هذه الأمّة «يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يُبلِّغهم رمضان»[1]، وكان من دعائهم: «اللهم سلِّمني إلى رمضان، وسلِّم لي رمضان، وتسلَّمه مني مُتقبّلاً»[2].

لماذا رمضان؟

رمضان موسم مبارك اختصّ بفضائل لا تجتمع لغيره، فهو خير الشهور على الإطلاق؛ خصَّه الله بفريضة الصوم -الركن الرابع من أركان الإسلام- وجعل صيامه وقيامه إيمانًا واحتسابًا سببًا لمغفرة الذنوب، يغفر الله لمن اجتهد فيهما ما تقدم من ذنبه[3]، كما شرَّفه تعالى بليلة القدر، وشرَّف ليلةَ القدر بنزول القرآن الكريم، و(إذا جاء رمضان فُتِّحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب النار، وصُفِّدت الشياطين)[4]، (ورمضان إلى رمضان، مُكفِّرات ما بينهنَّ إذا اجتُنبت الكبائر)[5]، و(عمرة فيه تَعدِل حَجّة)[6]، ويسنُّ فيه الاعتكاف، وخصوصًا في عشره الأواخر.

وفي رمضان من الآداب والسنن والفضائل ما يجعله كفيلاً بتغيير حياة المسلم تغييرًا جذريًّا، حتى إنَّ المسلمين كافّةً يشعرون بهذا التغيير، فلا يخرج الشهر إلا وهم في شوق إلى عودته وعيش أيامه عامًا بعد عام.

كان رسول الله ﷺ يشمِّر عن ساعد الجدِّ، فيخصُّ رمضان من العبادة بما لا يخص به غيره من الشهور، فيكثر من القيام حتى تتفطّر قدماه، ويقوم الليل ويطيل الصلاة، ويعتني بالقرآن الكريم عنايةً فائقة

استقبال الرسول ﷺ لرمضان:

للنبي ﷺ عنايةٌ خاصةٌ برمضان، واستغلال أوقاته وفرصه، فكان يستعدّ لرمضان بإكثار الصيام قبيل قدومه، فيصوم في شعبان حتى يقولوا: لا يُفطر[7]، ويُعلِّم أصحابه كيف يعرفون قدوم الشهر الكريم، برؤية الهلال أو بإكمال عدة شعبان، ويبشّرهم عليه الصلاة والسلام بقدومه، فيقول: (إنّ هذا الشهر قد حَضَركم، وفيه ليلة خيرٌ من ألف شهر، من حُرمها فقد حُرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم)[8]، ثم يغمرهم بالمرغِّبات والمحفّزات إلى فعل الخير، فيبثُّ في أسماعهم نداء المنادي: (يا باغيَ الخير أقبل، ويا باغيَ الشر أقصِر)[9]، ولِتكتمل خيرية هذا الشهر يبالغ ﷺ في الحث على اغتنامه والتحذير من إهماله فيقول: (رَغِمَ أنفُ رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخَ قبل أن يُغفر له)[10]، حثًّا للناس على اغتنام الشهر والاجتهاد فيه.

اجتهاده ﷺ في رمضان:

كان رسول الله ﷺ يشمِّر عن ساعد الجدِّ، فيخصُّ رمضان من العبادة بما لا يخص به غيره من الشهور، وكان يواصل فيه أحيانًا فيَصِلُ الليلَ بالنهار صائمًا؛ ليقضي في العبادة وقتًا أطول[11]، ويكثر من القيام حتى تتفطّر قدماه[12]، وكان يقوم الليل ويطيل الصلاة؛ فلا تَسَل عن حُسن ركعاته وطولهن[13]، حتى خشي الصحابة رضي الله عنهم أنْ يفوتَهم السحور من طولها، ويعتني بالقرآن الكريم عنايةً فائقة، (كان جبريل يَلقاه كلَّ ليلة في رمضان حتى ينسَلخ، يَعرِض عليه ﷺ القرآن)[14].

وحدِّث ولا حرج عن اعتكافه في رمضان، وفي العشر الأواخر فيه على وجه الخصوص، فكان (إذا دخلَ العشرُ شدَّ مِئْزَره، وأحيا ليله، وأيقظَ أهلَه)[15].

وكان ﷺ يُسافر في رمضان للغزو وغيره، ويُجاهد في سبيل الله في رمضان، وقد يكون صائمًا، فلا يمنعه الصوم عن الغزو والجهاد.

اعتدال ورحمة:

من هديه ﷺ الرفق بالمسلمين، بالرغم من اجتهاده العظيم في رمضان، فكان مع اجتهاده في نفسه يراوح بين الرخصة والعزيمة، ويأمر أصحابه بالاعتدال في العبادة وأخذ التكاليف الشرعية، فيحثُّ على تأخير السحور وتعجيل الفطر، ويقول: (تسحَّروا، فإنّ في السُّحور بركة)[16]، وينهى أصحابَه عن الوصال، ويُبيِّن لهم أنه من خصوصياته، وكان في سَفَره يصوم ويفطر، ويخير الصَّحابة بين الأمرين، وكان يأمرهم بالفطر إذا دَنَوا من عدوهم؛ ليتقووا على قتاله، ولما رأى عليه الصلاة والسلام بعض الصحابة قد أُجهد من الصوم في إحدى الأسفار، قال: (ليسَ من البِرَ الصومُ في السفر)[17].

ولم يمنعه صومه ﷺ من التودُّد لنسائه فكان يقبّل وهو صائم، ويباشر وهو صائم[18]، وكان يأتي أهله من الليل، فيصبح جُنُبًا من جماع، فيغتسل بعد طلوع الفجر ويصوم.

وكان إذا جَهَده الحرُّ يصبُّ الماء على رأسه وهو صائم، وإذا توضّأ تمضمض واستنشق وهو صائم، لكن كان ينهى عن المبالغة في ذلك، ويتسوَّك وهو صائم، وكان ﷺ يَحثُّ ويرغِّب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة، بل إنَّه صلى بالناس ليلتين، ثم لما اجتمع الصحابة في الليلة الثالثة أو الرابعة؛ لم يخرجْ إليهم، فلما أصبح قال: (رأيت الذي صنعتم، فلم يَمنعني من الخروج إليكم إلَّا خشية أن تُفرض عليكم)[19]، فكان تركه للمداومة على أدائها جماعة خوفه أن تفرض على الأمة رحمةً ورفقًا بهم.

بِرٌّ وتكافل:

لم يكن هذا الشهر موسمَ عبادة فحسب، بل كان إلى جانب ذلك ميدان بذل وعطاء، فمن هديه ﷺ أنّه كان يكثر من العطاء، ويحثُّ أصحابه على البر والإحسان في هذا الشهر الكريم، وتأمّل هذا الأجر العظيم: (مَنْ فَطَّر صائمًا كان له مثل أجره، غيرَ أنه لا يَنقُص من أجر الصَّائم شيئًا)[20]، وقد يدعو أصحابه إلى السحور فيقول: (هلموا إلى الغداء المبارك)[21].

ويكتمل صوم الصائم بزكاة الفطر التي فرضها رسول الله ﷺ (طُهْرَةً للصائم من اللغو والرَّفَث، وطُعمةً للمساكين)[22]، تؤدّى إليهم قبل صلاة العيد؛ ليكون فرحهم بالعيد صافيًا وبالهم مرتاحًا، لا يعكّره الجوع، ولا همّ السعي لطلب الرزق.

لم يكن هذا الشهر موسمَ عبادة فحسب، بل كان إلى جانب ذلك ميدان بذل وعطاء، فمن هديه ﷺ أنّه كان يكثر من العطاء، ويحثُّ أصحابه على البر والإحسان في هذا الشهر الكريم

رمضان محطة للارتقاء والتزكية:

كان هذا الموسم السنوي للنبي ﷺ وأصحابه محطة للارتقاء الروحي وتزكية النفس، فإلى جانب تعبُّده واجتهاده ﷺ في الصيام والقيام والتلاوة، كان يحرص على تخصيص هذا الشهر بآداب وأخلاق ترافق العبادات، تسمو بالفرد والمجتمع لأعلى درجات الرقي، فإضافة إلى صور التكافل والإحسان، والاعتدال والرفق بالمسلمين التي سبق ذكرها، هناك درجة مزيدة في رمضان تتمثل في العيش بالكمالات من الأخلاق والسمات الراقية، (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفُث ولا يصخَب، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم)[23].

فيعيش الصائم متحفِّظًا مُتحرزًا ليس من الطعام والشراب فحسب، بل من الأخلاق الرديئة والكلام البذيء، ويتَّضح هذا المعنى أكثر مع قوله ﷺ: (من لم يَدَع قولَ الزّور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه)[24]، وفي هذا التوجيه أبلغ بيان أن الغاية من هذا الشهر الكريم ليست العبادة وحدها، بل إلى جانب ذلك التربية والتزكية والسمو الأخلاقي والتحضر المجتمعي.

ماذا فعل هذا الشهر بالنبيِّ الكريم الذي يتربَّع على عرش الكمال البشري؟ يجيب عن هذا السؤال ابن عباس رضي الله عنهما فيقول: «كان رسول الله ﷺ أجودَ الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيُدارسه القرآن، فلَرَسُولُ الله ﷺ حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الرّيح المرسلة»[25]. وسبب زيادة جوده ﷺ في رمضان: «أنَّ مدارسة القرآن تجدِّد له العهد بمزيد غنى النفس، والغنى سبب الجود»[26]، وإذا كان هذا فعل رمضان بالنبي الذي غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، ووصفه الله بأنه على خلق عظيم، فما أحوجنا نحن لهذا الزاد الإيماني والروحي المتدفق!!

الروح تصحُّ بالطاعة وتعتلُّ بالمعصية، فالصيام والقيام يغفر الله بهما للمرء ما تقدم من ذنبه، والقرآن حياة للقلب، والصدقة تطفئ غضب الرب، وفي كل ليلة من رمضان لله عتقاء من النار، وهكذا لا ينقضي رمضان إلا وقد تنقى المؤمن من ذنوبه، وعاد إلى طهارة روحه وزكاوة قلبه

العبادة قوة للروح:

الإنسان مركب من جسد وروح، وكما أنَّ الجسد مبدؤه من الأرض ﴿مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ [المؤمنون: ١٢]، ويحتاج للطعام والشراب، وللغذاء السليم والرياضة الصحيحة، فكذلك الروح مبدؤها من السماء ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ [الحجر: ٦٩]، وتحتاج لتنقيتها وترقيتها وتغذيتها بغذائها الذي تحتاجه، وإلى ما يقويها بالرياضات الروحية الصحيحة.

ولو تأملنا بهذا المفهوم لوجدنا رمضان -بعبادته وذكره وصومه وقيامه وصدقاته وتلاوته وتدبره- محطة لتغذية الروح بغذائها الذي تحتاجه، والذي تمرض بدونه وتصيبها الأسقام والعلل، بل قد تموت فلا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرًا، ويقبح عندها الحسن، ويحسن عندها القبيح، ففي الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (مَثَل الذي يذكر ربَّه والذي لا يذكر ربه: مَثَل الحي والميت)[27].

والروح تصحُّ بالطاعة وتعتلُّ بالمعصية، فصوم رمضان يغفر الله به للمرء ما تقدم من ذنبه، وقيامه كذلك، وقيام ليلة القدر، والقرآن حياة للقلب، والصدقة تطفئ غضب الرب، وفي كل ليلة من رمضان لله عتقاء من النار، وهكذا لا ينقضي رمضان إلا وقد تنقى المؤمن من ذنوبه، وعاد إلى طهارة روحه وزكاوة قلبه، قال ابن القيم رحمه الله: «ولا ريب أنَّ القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، وجلاؤه بالذكر، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء، فإذا تُرك الذكر صَدِئ، فإذا ذُكر جلاه، وصدأ القلب بأمرين: بالغفلة والذنب. وجلاؤه بشيئين: بالاستغفار والذكر. فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته؛ كان الصدأ متراكبًا على قلبه، وصداؤه بحسب غفلته … فإذا تراكم عليه [أي: على القلب] الصَّدَأ واسْوَدَّ، وركبه الرَّانُّ: فسد تصوُّره وإدراكه، فلا يقبل حقًا، ولا ينكر باطلاً، وهذا أعظم عقوبات القلب»[28].

الصراع بين الخير والشر يبدأ من داخل النفس بميلها للشهوات وتلبّسها بالشبهات، فمتى انتصر المرء على شهواته ورغبات نفسه، كان جديرًا بالنصر على الأعداء وقهر جنود الشيطان، ورمضان خير مدرسة لتربية النفس على التخلص من نوازع النفس ورغباتها

البناء الروحي أساس القوة الحضارية:

التزكية والبناء الروحي ليست أعمالاً مجردةً من التطبيقات العملية، بل هي الأساس الذي يمنح النفسَ القوَّةَ والقدرة على مواجهة ابتلاءات الحياة وصعوباتها، وهنا يتَّضح أثر الإيمان بالله على أمة من الأمم؛ فالحياة صراعٌ بين الحق والباطل منذ بدء الخليقة، يوم أن تعهد إبليس بإغواء بني آدم، وجرِّهم معه إلى نار جهنم، ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٨٢﴾ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِين﴾ [ص: ٨٢-٨٣]، فكيف يكون المسلمُ من عباد الله المخلَصين إن لم يستثمر مواسم الطاعات ويعتني بتزكية نفسه وتحصينها في وجه الشيطان ووساوسه وفتنه؟!

والصراع بين الخير والشر يبدأ من داخل النفس بميلها للشهوات وتلبّسها بالشبهات، فمتى انتصر المرء على شهواته ورغبات نفسه، كان جديرًا بالنصر على الأعداء وقهر جنود الشيطان، ورمضان خير مدرسة لتربية النفس على التخلص من نوازع النفس ورغباتها، وصقل جوهرها الثمين، ومن ذلك:

  • يربي الصوم في الذات القدرةَ على الوقوف أمام الرغبات والشهوات وقفة العزة والأنفة والإباء، ويقوي في النفس قوةَ الامتناع ورفض الشهوات مع القدرة عليها ووفرتها.
  • وتدبر القرآن الكريم ينير القلب على الأسرار المودعة في رسالة الله تعالى إلينا، ويجعل الفرد أقدر على فهم دوره في الحياة، ويلهمه الواجبات الحضارية المنوطة به على هذه الأرض.
  • والقيام في هذا الشهر وفي ليلة القدر بفيضها المتدفّق يفتح للعبد صلته الخاصة بربه، فلا ينتهي إلا وقد اطمأنت نفسه، وغشيته السكينة من أثر الخشوع والسجود والدعاء.
  • وإطعام الطعام وتفطير الصائم وبذل الصدقات بأنواعها تكبت في النفس دوافع الشح والبخل، وتنسج في المجتمع أواصر الأخوة ووشائج الصلة.

ولو تأملنا في حال المسلمين الأوائل في بداية أمرهم لوجدنا أنّهم لم يمتلكوا من مقومات قيادة الأمم والإطاحة بأعتى العروش في عصرهم شيئًا يُذكر، لكنّ هذه المرحلة كانت مدرسة روحية تربوية مركزة، بنيت فيها العقيدة على أساس متين، ولم تزدها الابتلاءات إلا صلابة، ولما نجح الرعيل الأول في اختبار الروح، وخرّج رجالاً ﴿صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب: ٢٣]، ﴿لَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾ [المائدة: ٥٤]، و﴿لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ﴾ [النور: ٣٧]؛ فاستحقوا بهذه الصفات بشائر الجنان، وخُلِّد ذكرهم في القرآن، و﴿رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [المائدة: ١١٩]، ونالوا شرف قيادة دفَّة العالم في الدنيا، وتشييد حضارة كانت خيرًا على العالم أجمع، لم يعرف التاريخ مثلها في تكريم الإنسان وإقامة العدل ونشر العلم.

الصراع الذي نخوضه لم يتغيّر كثيرًا، فما زالت شهوة الرياسة والزعامة تقف حائلاً أمام وحدة الصفّ، والتفرّق هو السبب الرئيس في ضعف الأمّة أمام أعدائها، وما زالت الشهوات مزالق تودي إلى دركات التبعية والهزيمة، ولا زلنا بحاجة لتعزيز قوة الامتناع في نفوسنا.

هذه القوة الروحية هي التي فتحت الطريق أمامهم لتسجيل الانتصار وراء الانتصار، فأقبل أصحاب القلوب الصادقة على هذا الدين، وزال سلطان الكفر عن الناس، وتأسست بقعة مباركة انطلقت منها الدعوة بشقيها المعنوي والمادي.

ولو نظرنا في حالنا سنجد أنَّ الصراع الذي نخوضه لم يتغيّر كثيرًا، فما زالت شهوة الرياسة والزعامة تقف حائلاً أمام وحدة الصفّ، وهذا التفرّق ما زال السبب الرئيس في ضعف الأمّة أمام أعدائها، وما زالت شهوة المال والجنس مزالق تودي بالكثيرين إلى دركات الضعف والفشل والتبعية والهزيمة، وما زلنا بحاجة لتعزيز قوة الامتناع عن هذه الشهوات وغيرها في نفوسنا.

وسنجد أنَّ حالة من ضياع البوصلة وغياب الأهداف تخيِّم على الأجواء، فما أكثر من ينشغل بالفاضل عن المفضول، وبالتافه عن السامي، وبالمضر عن النافع.

وسنجد أنَّ صلاتنا وصيامنا وتلاوتنا للقرآن صارت شعائرَ تعبدية فارغة من تغذيتها الروحية، وتأثيرها المجتمعي، وهدايتها الحضارية.

رمضان محطة للنهوض:

شهر رمضان لهذا العام هو العاشر في عمر الربيع العربي الزاهر والثورة السورية المباركة، وهو محطّة جديرة بالالتفات لفكّ أسراره، واستخراج كنوزه، والتزوّد بقوته المعنوية، لإعادة بناء نفوسنا أفرادًا، ونسج أواصر التوادِّ والتراحُم والتعاطُف جماعاتٍ ومجتمعاتٍ.

وما أجدرنا أن يلتفت كلّ منّا إلى خاصّة نفسه، فيصحح خطأها، ويجدّد توبتها، ويعزم على إصلاح ما بقي من العمر، وتدارك ما فات من الفرص والسوانح.

عسانا إن أحسنّا التوجّه والالتفات أن يُصلح الله من حالنا فيهدينا إلى أسباب النهوض، ثم يوفقنا إلى بلوغ الغايات.

شهر رمضان لهذا العام هو العاشر في عمر الربيع العربي الزاهر والثورة السورية المباركة، وهو محطّة جديرة بالالتفات لفكّ أسراره، واستخراج كنوزه، والتزوّد بقوته المعنوية، لإعادة بناء نفوسنا أفرادًا، ونسج أواصر التواد والتراحم والتعاطف جماعاتٍ ومجتمعاتٍ


[1]  أخرجه قوَّام السنة (١٧٦١) عن المعلى بن الفضل البصري، وهو من أهل القرن الثالث.

[2]  أخرجه الطبراني في كتاب الدعاء (913) عن مكحول الشامي التابعي بإسناد حسن.

[3]  أخرج البخاري (٣٨) ومسلم (٧٦٠) حديث: (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه)، وأخرج البخاري (٣٧) ومسلم (٧٥٩) حديث: (من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه).

[4]  أخرجه مسلم (1079).

[5]  أخرجه مسلم (٢٣٣).

[6]  أخرجه مسلم (١٢٥٦).

[7]  ينظر: البخاري (١٩٦٩) ومسلم (١١٥٦).

[8]  أخرجه ابن ماجه (١٦٤٤).

[9]  أخرجه الترمذي (٦٨٢).

[10]  أخرجه الترمذي (٣٥٤٥).

[11]  وهذا من خصوصياته عليه الصلاة والسلام، فقد كان يواصل وينهى أصحابَه عن الوصال، فيقولون له: إنك تواصل، فيقول: (إنِّي لستُ كهيئتكم؛ إنِّي يُطعمني ربي ويسقين) (البخاري: ١٩٦٤).

[12]  أخرجه البخاري (٤٨٣٧).

[13]  أخرجه البخاري (١١٤٧) ومسلم (٧٣٨) عن عائشة رضي الله عنها في وصف ركعات قيامه ﷺ (فلا تسل عن حسنهن وطولهن).

[14]  أخرجه البخاري (١٩٠٢).

[15]  أخرجه البخاري (٢٠٢٤).

[16]  أخرجه البخاري (١٩٢٣) ومسلم (١٠٥٩).

[17]  أخرجه البخاري (١٩٤٦).

[18]  أخرجه البخاري (١٩٢٧)، وأصل المباشرة: التقاء البشرتين، والمراد به هنا: الاستمتاع بالزوجة بما دون الجماع كالمداعبة والمعانقة، وتُعلل عائشة رضي الله عنها فعله فتقول: (وكان أملككم لإربه) أي: أقوى منكم في ضبط نفسه والأمن من الوقوع فيما يتولد عن المباشرة من الإنزال أو ما تجر إليه من الجماع.

[19]  أخرجه البخاري (١١٢٩).

[20]  أخرجه الترمذي (٨٠٧).

[21]  أخرجه النسائي (٢١٦٣).

[22]  أخرجه أبو داود (١٦٠٩).

[23]  أخرجه البخاري (١٩٠٤).

[24]  أخرجه البخاري (١٩٠٣).

[25]  أخرجه البخاري (٣٢٢٠).

[26]  فتح الباري، لابن حجر (١/٣١).

[27]  أخرجه البخاري (٦٤٠٧).

[28]  الوابل الصيَّب (ص٩٢-٩٣).

X