حضارة وفكر

الاجتهاد الجماعي مجلس الإفتاء السوري نموذجًا

بالرغم من حالة الفُرقة التي تعصف بالأمة في الآونة الأخيرة، إلا أن الصفحات المشرقة لاجتماع الكلمة لم تغب عن حاضر الأمة، كما كانت كذلك في ماضيها؛ فقد ظهرت مؤسسات وكيانات شرعية متخصصة حملت على عاتقها جمع كلمة علماء الأمة وتوحيد جهودهم في مواجهة النوازل والمستجدات، مما نتج عنه خير كثير، والمقال الذي بين يدينا يلقي الضوء على صفحة من صفحاته البيضاء في الساحة السورية.

مقدمة:

برزت في العصر الحالي محاولات عدة لإحياء الاجتهاد الجماعي، وتطورت إلى أن ظهرت المجامع الفقهية الكبرى التي كان لها فوائد كبيرة على كافة المستويات: العبادات، والاقتصاد، والاجتماع، والسياسية، وغير ذلك.

وبعد قيام الثورة السورية برزت الحاجة الماسة لاجتماع أهل العلم في مؤسسة جامعة، فتـأسس المجلس الإسلامي السوري يوم الاثنين ١٤ جمادى الآخرة ١٤٣٥هـ، الموافق ١٤ نيسان/إبريل ٢٠١٤م، وبعدها أنشأ المجلسُ الإسلامي السوري عدةَ مجالس مختصة كان منها مجلس للإفتاء أسموه: (مجلس الإفتاء السوري) والذي تأسس بتاريخ: ٢٠ شعبان ١٤٣٨ه، الموافق ١٦ أيار٢٠١٧م، ويضم قرابة ثلاثين رجلًا من أهل العلم والفضل.

تصدى هذا المجلس للنوازل في الشأن العام وأصدر بضعًا وثلاثين فتوى وسبعة بيانات.

فكان لا بد من دراسة هذه التجربة الرائدة في الاجتهاد الجماعي، والوقوف عند منهجها في الإفتاء، والنظر في صدى الفتاوى التي أصدرها مجلس الإفتاء وما دار حولها في المناطق المحررة وفي الداخل التركي وفي بلدان المهجر، مع التقديم بالحديث عن الاجتهاد الجماعي وأهميته وتاريخه وأهم ما يتعلق به.

تعريف الاجتهاد الجماعي:

  • الاجتهاد في اللغة هو: بذل ما في الوسع من قول أو فعل[1].
  • والاجتهاد اصطلاحًا: بذل الوُسع في تحصيل غلبة الظن في تعرُّف حكم شرعي عملي[2].

تأسس المجلس الإسلامي السوري بعد قيام الثورة السورية لجمع كلمة أهل العلم في عمل مؤسسي منظم، والذي أطلق بدوره مجلس الإفتاء مؤسسة متخصصة بالفتيا والنظر في نوازل الشأن العام.

  • تعريف «الاجتهاد الجماعي»: بذْلُ جمْعٍ من الفقهاء وُسعهم مجتمعين لتحصيل حكم شرعي عملي[3].

تاريخ الاجتهاد الجماعي:

مرَّ الاجتهاد الجماعي عبر التاريخ بعدّة محطات، يمكن إجمالها فيما يأتي:

١- عصر الصحابة:

فقد سجّل تاريخ التشريع الإسلامي أنَّ الاجتهاد الجماعي كان منهجًا متّبعًا في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولم ينكره أحد من الصحابة، فكان ذلك موافقة منهم على فعلهما[4].

يقول الجويني رحمه الله: «إنَّ أصحاب المصطفى ﷺ استقصَوا النظر في الوقائع والفتاوى والأقضية، فكانوا يعرضونها على كتاب الله تعالى، فإن لم يجدوا فيه متعلقًا راجعوا سنن المصطفى ﷺ، فإن لم يجدوا فيها شفاء اشتورُوا واجتهدوا، وعلى ذلك درجوا في تمادي دهرهم إلى انقراض عصرهم، ثم استن بسنتهم مَن بعدهم»[5].‏

٢- مرحلة الاجتهاد الفردي:

بعد عصر الصحابة انتشر الاجتهاد الفردي، وساعَدَ على هذا تفرّق المجتهدين في الأقطار مما يصعُب معه اجتماعُهم وتشاوُرهم، فاستمرَّ الاجتهاد الفردي، وتبارى المجتهدون في استنباط القواعد وتأسيس أصول بعض النظريات، فازدهر الفقه وأثرى، وكانت مجالس العلماء أشبهَ بحالة اجتهادٍ جماعي حيث يناقش الشيخ وتلاميذه الفتوى والنوازل، أو يناظرون ويناقشون غيرهم، وكانت هناك حالةٌ أقرب للاجتهاد الجماعي كما فعل القائمون على الفتاوى الهندية[6]، وبقي الحال هكذا حتى وصلنا إلى المرحلة الثالثة.

٣- محاولات إحياء الاجتهاد الجماعي في العصر الحديث.

لعلَّ من أوائل عمليات الإحياء للاجتهاد الجماعي كانت مع مجلة الأحكام العدلية، حيث صيغت المواد الفقهية بصورة مواد قانونية، عن طريق جهدٍ جماعيٍّ من العلماء.

وبعد قيام مجامع اللغة العربية شهدت بدايات القرن الرابع عشر الهجري دعواتِ عددٍ من العلماء والباحثين إلى إحياء الاجتهاد الجماعي بطريقةٍ مؤسَّسية مقنَّنة، ومن أبرز الداعين إلى ذلك: العلامة الطاهر بن عاشور، والدكتور محمد يوسف موسى، والأستاذ مصطفى الزرقا.

ثم ظهرت مجموعة من المجامع الفقهية كثمرة لهذه الدعوة، بعد أن أدرك عُلماء الإسلام التآمر المحدق بالشريعة الإسلامية، وإقصاءها عن التشريع، كما أدركوا كثرة الحوادث والمستجدَّات التي ليس فيها رأيٌ للعلماء السابقين، وما تحمله في طيّاتها من التعقيد والتداخل، مما يوجب أن يجتمع العديد من العلماء المجتهدين، ومعهم فريق من الباحثين المتخصصين والمفكرين المبدعين في شتى العلوم والمعارف الإنسانية، بحسب ما تتطلبه القضية المنظورة، وينتظموا في مؤسسة أو هيئة اجتهادية واحدة، ليقوموا بمَهمَّتهم على أكمل وجه[7].

وساعد على ذلك سهولة التواصل والتنقل بين أطراف العالم.

ظهر الاجتهاد الجماعي المعاصر مع صدور مجلة الأحكام العدلية، التي صاغت المواد الفقهية بصورة مواد قانونية، عن طريق جهدٍ جماعيٍّ من العلماء، ثم بتأسيس عدد من المجامع الفقهية التي تضم المختصين في الفقه وسائر العلوم.

أهمية الاجتهاد الجماعي وضرورته:

للاجتهاد الجماعي أهمية كبيرة، ويحقق مصالح عديدة، يمكن أن توجز في الفوائد التالية[8]:

  1. تحقيق مبدأ الشورى.
  2. أنه أكثر دقة وإصابة وأبعد عن الخطأ.
  3. التعويض عن توقف الإجماع.
  4. تنظيم الاجتهاد ومنع توقفه.
  5. وقاية الاجتهاد من الأخطار.
  6. بيان الفتوى والحكم الشرعي في المستجدات والنوازل.
  7. خطوة في سبيل توحيد الأمة.
  8. إيجاد التكامل بين مختلف المتخصصين في العلوم الشرعية.

ومن أهم هذه الفوائد ما ذكره أستاذنا الدكتور وهبة الزحيلي رحمه الله:

  1. وحدة الحكم الشرعي.
  2. تأصيل الحكم الشرعي.
  3. ضبط الفتوى.
  4. التزام المصدر الشرعي لكلِّ قول[9].

محاذير في طريق الاجتهاد الجماعي:

يمكن تلخيص مخاطر ومحاذير الاجتهاد الجماعي بأربعة نقاط:

  1. تسلط المتنفذين: خصوصًا من ناحية الأمور السياسية وكون الاجتماع في البلد المضيف.
  2. تسلط السياسيين: بإنشاء مجامع مصطنعة لتنفيذ أهداف خاصة.
  3. تسلق المنتفعين: وتصدير بعض المنتفعين للهيئات الشرعية ممّن ليس أهلًا لها.
  4. وجود غير المتمكنين: بقبول ترشيح الدولة العضو لمن تختاره في هذه المجالس.

مجلس الإفتاء السوري:

التعريف بمجلس الإفتاء السوري:

هو: هيئة علمية شرعية سورية تتبع المجلس الإسلامي السوري تعنى بإصدار الفتاوى الشرعية في النوازل في الساحة السورية في قضايا الشأن العام[10].

مجلس الإفتاء السوري هو: هيئة علمية شرعية سورية تتبع المجلس الإسلامي السوري تعنى بإصدار الفتاوى الشرعية في النوازل في الساحة السورية في قضايا الشأن العام.

آلية عمل مجلس الإفتاء السوري:

  • تُستقبل الفتاوى عن طريق قنوات التواصل الرسمية كالبريد الإلكتروني، والحسابات على منصات التواصل الاجتماعي، وما يصله من اتصالات عبر المكتب التنفيذي أو بعض الأعضاء الكرام.
  • تُصنف الفتاوى إلى قسمين:

  1. ما كان فتوى لحالةٍ خاصةٍ لا تتعلَّق بالشأن العام، فيكلَّف أحد الأعضاء بالردِّ عليه، وقد يُحال إلى الهيئات العلمية والمراكز المتخصصة ومواقع الإفتاء من مكونات المجلس.
  2. ما كان من فتاوى الشأن العام أو ما شابَه ذلك أو قاربه أو مما عمَّت به البلوى أو من النوازل، يحوَّل إلى إدارة المجلس للنظر فيه.

أما ما ليس بفتوى وما لا علاقة بالإفتاء فيه، فيكون التوجيه بالإجابة عنه بما يناسب.

  • عند إقرار إدارة مجلس الإفتاء إصدار فتوى في المسألة المحالة إلى المجلس، تطرح للنقاش لدى الأعضاء، وتحال بعد ذلك إلى لجنة كتابة الفتوى، ومن ثمّ تحال إلى لجنة تقرير الفتوى لكتابتها بصيغتها النهائية.
  • ثمَّ يبحثها أعضاء اللجنة، ويخلُصون إلى نتيجة علمية متوافق عليها، وتستعين أثناء عملها بمن تراهم من الخبراء الشرعيين، أو القانونيين، أو الاقتصاديين.
  • ثم تُحال إلى لجنة صياغة الفتوى المكوَّنة من ثلاثة أعضاء لتُخرجها في ثوبها النهائي.
  • بعد صياغة الفتوى بشكلها النهائي تعرض على جميع أعضاء المجلس البالغ عددهم (٢٨) عضوًا لأخذ ملاحظاتهم عليها من الناحية العلمية والصياغة اللغوية حتى تقر، ثم تنشر بعد أخذ موافقات الأعضاء على نشرها مع الإقرار بذكر أسماء الموافقين.
  • في حال وجود ملاحظات كبرى أو عدم التوافق على الفتوى المعروضة تعاد الفتوى مرةً أُخرى للجنة تقرير الفتوى وتؤخذ الملاحظات بعين الاعتبار، ثم يعاد طرحها من جديد على أعضاء المجلس حتى إقرارها.
  • يقوم أحد أعضاء المجلس بتوضيح ما يتعلق بالفتوى عند الحاجة إلى ذلك، أو كان الجدل حولها كبيرًا، ومن ذلك ما حصل عندما قدَّم الشيخ أحمد حوى توضيحاً حول فتوى الزواج من الكتابية في دار غير المسلمين.
  • وقد يكون هناك تحفّظ على الفتوى من بعض الأعضاء على عبارة أو على ذكر الاسم فيسجل ذلك في محاضر الفتاوى، وعمليًا كانت حالات التحفظ قليلة الحدوث مقتصرة على بضع فتاوى.
  • بعد موافقة أعضاء المجلس على إصدار الفتوى، يتم إصدار الفتوى ونشرها مع أسماء الموقعين عليها في المواقع الرسمية والصفحات الرسمية التابعة للمجلس الإسلامي السوري[11].
  • طبعت هذه الفتاوى في كتيب مستقل، وتمّ توزيعه على جميع الهيئة العمومية، وهو موجود في المكتب التنفيذي لمن أراد أن يحصل على نسخة من الفتاوى التي صدرت عن المجلس في دورته الأولى.
  • يُراعى موضوعُ الفتوى وعنوانها بدقة متناهية بحيث يستطيع الباحث أن يفهم مضمون الفتوى بمجرد قراءة العنوان.

امتازت جهود المجلس الإسلامي السوري ومجلس الإفتاء من بعده باستقلال القرار وعدم الخضوع أو الارتهان للمؤسسات السياسية، أو الدولية، أو نحوها.

أهمية مجلس الإفتاء السوري:

سبق تأسيسَ المجلس الإسلامي السوري عدةُ مراحل في التنسيق بين المؤسسات العلمية السورية، كان منها مكتب التنسيق، والملتقى الإسلامي السوري، كما صدرت بيانات ومواقف شرعية مشتركة بين الروابط والهيئات العلمية السورية، حتى تداعى القائمون على هذا المؤسسات والهيئات والروابط إلى تأسيس المجلس الإسلامي السوري، وبتضافر الجهود تأسس من غالب المؤسسات الشرعية في سوريا، ومثَّل مختلف مدارسها الفكرية، وكان من أهم مميزات هذا المجلس: استقلال قراره وعدم خضوعه أو ارتهانه لمؤسسة سياسية، أو دولية ونحو ذلك[12].

ولا شك أن وظيفة الفتوى هي عمادُ تحقيق المرجعية للمجلس الإسلامي السوري.

وقد نصت المادة الخامسة من النظام الداخلي لمجلس الإفتاء على الأهداف والمهام له، وهي:

  1. توضيح الحكم الشرعي في المستجدات والنوازل في قضايا الشأن العام.
  2. العمل على إيجاد رؤية فقهية مشتركة للعلماء في سورية.
  3. تحقيق الاجتهاد الجماعي القائم على الشورى والتداول العلمي، مما يتيح النظر إلى الأمور من زوايا مختلفة.
  4. نشر الفتاوى والدراسات التي تساعد الناس على حل مشكلاتهم، وتبصُّرهم بأمور دينهم، وإصدار بيانات تبيِّن الحكم الشرعي من القضايا الهامة والمصيرية في الشأن السوري.
  5. الرد على الفتاوى التي تخالف ثوابت الدين وقواعد الاجتهاد المعتبرة، وما استقر من مذاهب الأئمة.
  6. الحد من فوضى الفتوى التي أسهمت في الفوضى في الساحة السورية.

أثر فتاوى المجلس الإسلامي السوري في الشأن العام:

نهض المجلس الإسلامي السوري منذ نشأته بالتصدِّي لنوازل الثورة السورية، إفتاء، وتوجيهًا، إلى حين إنشاء مجلس الإفتاء السوري.

وقد صدرت عن المجلس عدد من الفتاوى المتعلقة بالشأن العام في عدد من الموضوعات، من أبرزها: أحكام إثبات دخول شهر رمضان والأعياد، وعدد من الأحكام المتعلقة بالزكاة وصدقة الفطر والحج، وعدد من نوازل الثورة السورية، كالتكييف الفقهي للمعركة القائمة مع النظام، وأحكام التغلب بين الفصائل، وبيع الأراضي والعقارات للشيعة في سوريا، وغيرها.

أما أهم الموضوعات التي واجهت المجلس الإسلامي حين نشأته فهي التعامل مع الغلاة، حيث كانوا في أوج ظهورهم وحركتهم، وقد تمثل إنجاز المجلس في النقاط التالية:

  1. الوعي التام بفكر الغلاة ومشاريعهم، وخطورة ذلك على المجتمع السوري خصوصًا والإسلامي عمومًا: شرعيًا، واجتماعيًا، ومستقبل البلاد، ووضوح الرؤية في الموقف منها، ومن ذلك: الورشة التي عقدها مركز الدراسات في المجلس بعنوان (مناهضة الغلو)، والتي أقرت عدة توصيات لمكافحة فكر الغلو، ومثلت اتفاق المجلس على الوعي بهذا الخطر وضرورة مكافحته.
  2. المفاصلة التامة مع هذه المشاريع، مع الحكمة والتدرج في التعامل معها.
  3. إصدار الفتاوى والبيانات في أحكام التعامل مع هذه الجماعات، وما ينتج عنها من مستجدات.
  4. عقد الندوات العلمية، واللقاءات مع مختلف قوى الثورة، والتوعية بخطر هذه الجماعات وحقيقتها.

وقد بلغت مجموع فتاواه في مختلف المسائل المتعلقة بجماعات الغلو (٧) فتاوى من أصل (٤١) فتوى، شملت أحكام التعامل مع هذه الجماعات وآثارها، كما أصدر حوالي (٣٠) بيانًا من أصل (١٧٠) بيانًا في التعليق على تصرفات الغلاة وما يتعلق بها من أحداث الثورة.

وقد لقيت هذه الفتاوى والبيانات القَبول مِن مختلف قوى الثورة، بصفتها الجامعة لمختلف المؤسسات العلمية السورية ومشايخها، والمؤتمنة على تمثيل الثورة شرعيًا.

كان لاجتماع كلمة المؤسسة الدينية على الموقف من الغلاة أثر في عدم استفادة الغلاة من وجود بعض المؤيدين لهم أو الصامتين عنهم، في شق صف المؤسسة أو غموض أو ضعف موقفها، كما حصل في أماكن أخرى من بلاد العالم الإسلامي.

ومن ذلك:

  1. كانت أولى فتاواه (فتوى حول تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام)، وبيان (حول بطلان إعلان الخلافة مِن قِبل تنظيم دولة العراق والشام) والتي نزعت الشرعية عن التنظيم، ووصفته بالخروج، وأفتت بقتالهم لردع عدوانهم، وقد كان لها صدى كبير في الإعلام الداخلي والخارجي.
  2. وهناك (فتوى أحكام الزواج من مجهول الاسم والنسب) في التحذير من تزويج مجهولي الاسم والنسب وخطر ذلك على المكون الاجتماعي، وغالب هؤلاء من الغلاة.

وقد كان لاجتماع المؤسسات الشرعية في المجلس أبلغ الأثر في عدم خروج أحد من أهل العلم الموثوقين بما يخالف المجلس في موقفه من الغلاة، مما أفقد الغلاة أي دعم شرعي من مرجع علمي معروف.

ويلحظ في الحالة السورية: أثر اجتماع كلمة المؤسسة الدينية على الموقف من الغلاة، وعدم استفادة الغلاة من وجود بعض المؤيدين لهم أو الصامتين عنهم، في شق صف المؤسسة أو غموض أو ضعف موقفها، كما حصل في أماكن أخرى من بلاد العالم الإسلامي[13].

عناوين فتاوى المجلس:

وبعد نشأة مجلس الإفتاء السوري تولى إصدارَ الفتاوى في النوازل وقضايا الشأن العام، فأصدر إلى حين كتابة هذا المقال سبعة بيانات تتعلق بإثبات هلال رمضان وهلال شوال، وأصدر بضعًا وثلاثين فتوى في قضايا الشأن العام ونوازل الساحة السورية، وهي:

  1. حول أحكام البيع عن طريق النت.
  2. في حكم إثبات وفاة المعتقلين من خلال صور قيصر المسربة.
  3. في حكم صلاة العيد في البيوت بسبب الوباء.
  4. بشأن تقدير صدقة الفطر وفدية العاجز.
  5. حول أحكام الصيام والقيام في زمن الوباء.
  6. حول أحكام التعامل مع مرضى وموتى الأمراض الوبائية.
  7. حكم ترك الجمعة والجماعة خشية الوباء.
  8. حكم إسكان النازحين في المساجد.
  9. أحكام الحوالات المالية.
  10. دفن الموتى عند شح الأراضي المخصصة للدفن.
  11. حكم التعامل بالعملات الإلكترونية المشفرة.
  12. حكم التسويق الشبكي الهرمي.
  13. حول حكم الانضمام لصفوف جيش النظام وفيالق الاحتلال.
  14. حول صدقة الفطر وفدية العاجز عن الصوم.
  15. في حكم القتل بدافع الشرف.
  16. في حكم عقد الزواج بوسائل الاتصال الحديثة.
  17. حكم الزواج من أهل الكتاب في بلاد غير المسلمين.
  18. حكم الاستيلاء على الممتلكات في منطقة غصن الزيتون.
  19. حكم الأموال التي تصرف للميت بعد موته.
  20. حكم التصرف بعينيات تخص أهل الغوطة.
  21. حول قوانين التهجير والتغيير السكاني.
  22. حكم شراء المسروقات.
  23. حكم بناء المساجد فوق محلات تجارية.
  24. حكم قتال قسد.
  25. حول التقاضي لمحاكم غير إسلامية في قضايا الطلاق.
  26. حول حكم فرض الضرائب في المناطق المحررة.
  27. حول أحكام الزواج من مجهول الاسم والنسب.
  28. حول أحكام زوجة الغائب والمفقود.
  29. حول اجتماع صلاة العيد مع الجمعة.
  30. حول أثر تغير قيمة العملة على أداء الحقوق.
  31. حول حكم بيع الأراضي والعقارات للشيعة في سوريا.
  32. حول التعامل مع الخوارج الفارين من أرض المعركة.

وسيتوقف هذا المقال عند فتويين كان لهما أثر واضح في الداخل السوري وفي المهجر، وتسببتا بحالة نقاش كبيرة على وسائل التواصل، وهما: حكم القتل بدافع الشرف، وحكم زواج المسلم من الكتابية في بلاد غير المسلمين.

الفتوى رقم: ٢٢ حكم القتل بدافع الشرف[14]:

وقد صدرت بتاريخ الخميس ٣٠ جمادى الآخرة ١٤٤٠هـ الموافق ٧ آذار/مارس ٢٠١٩م

ويمكن عرض ملخصها في النقاط التالية:

  • التأكيد على أن الزنا كبيرة مِن كبائر الذنوب، ورذيلة من رذائل الأفعال.
  • التشديد على حرمة قتل المسلم بغير حق من أعظم الجرائم بعد الشرك بالله.
  • الغيرة على العرض صفةٌ محمودةٌ، والدفاع عن الشرف ممدوح ويدل على كمال النفس.
  • التأكيد على أن المسلم يخضع لشرع الله لا للعادات والتقاليد.
  • تفصيل حكم القتل بدافع الحفاظ على الشرف، وبيان مراتبه، وأحكام كل مرتبة.

أهم ما تميزت به فتوى القتل بدافع الشرف:

  • الاستيعاب لجميع الحالات التي تكتنفها هذه الفتوى.
  • الجرأة في بيان الحكم الشرعي في مجتمع ينتشر فيه السلاح مع الحكمة في ضبط استعماله.
  • مدح دافع الغيرة والحفاظ على الشرف الذي هو أصل في المجتمع المسلم والأصل الطبيعي له.

وغير ذلك مما نجده قد حقق ما ذكره الزحيلي والشرفي.

الفتوى رقم ٢٠: فتوى زواج المسلم من الكتابية في بلاد الكفار[15]:

وقد صدرت بتاريخ الإثنين ١٩ صفر ١٤٤٠هــ الموافق ٢٩ تشرين الأول / أكتوبر ٢٠١٨م

ويمكن عرض ملخصها في النقاط التالية:

  • منع زواج المسلم من الكتابيات الآن حتى تتوفر الشروط وتنتفي الموانع والتي بينتها الفتوى.
  • أما المرأة المسلمة فلا يجوز لها أن تتزوج بغير مسلمٍ بالإجماع.

أهم ما تميزت به الفتوى:

  • دراسة الموضوع وسؤال الخبراء من السوريين الذين يعيشون الحالة وبشكل متوسع.
  • اعتمدت أصالة على الأمر الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم حقيقة.
  • النظر إلى مآل هذا الزواج مع مراعاة للواقع.
  • راعت المستفتي حيث نظرت إلى أماكن وجودهم في عدد من الدول، واستشارت عددًا من المراكز في تلك البلاد.
  • كان للفتوى أثر طيب عند الجمهور، ولا شك أن هذه الفتوى أثارت بعض الجلبة إذ بعض الناس يستسلم للواقع المُزري ولا يحسب المآل، فوظيفة المفتي أن يرشد الناس إلى الله عزّ وجل ويرشدهم إلى أحسن أحوالهم، ومن أجل ذلك وبعد مجموعة من الردود والاستفسارات على هذه الفتوى قام أحد أعضاء مجلس الفتوى وهو الدكتور أحمد سعيد حوى ببيان بعض الملابسات حتى تكون الحُجة أبلغ وأظهر في هذه الفتوى[16].
  • حققت الفتوى الفوائد التي ذكرها الزحيلي والشرفي التي سبقت الإشارة لها.

وفي الختام:

بعد هذه الجولة المختصرة بالتطواف على الاجتهاد الجماعي والتعريج على مجلس الإفتاء السوري ألقي اليراع لافتًا الانتباه إلى عدد من المقترحات والتوصيات التي تكمل جوانب البحث وتضيء السبيل لإتمام أهداف المجلس المبتغاة، فيما يأتي:

  1. توسعة المجلس ليشمل من تبقى من أهل العلم والفتيا من العلماء السوريين، من داخل سورية وخارجها.
  2. تواصل مجلس الإفتاء السوري مع المجامع الأخرى؛ ليتابع من حيث انتهوا، وينسق معهم، ويتم تبادل الخبرات.
  3. إصدار مجلة تحوي الفتاوى مع المناقشات مثل مجلة مجمع الفقه الإسلامي.
  4. تطوير المجلس في بنيته المؤسسية ولجانه وأعماله.
  5. النظر في زيادة عدد أعضاء المجلس من أهل العلم مع تفريغ عدد منهم؛ ليتوافق مع حجم المهمة المناطة به، ويتم التجاوب الأسرع مع الفتاوى.
  6. زيادة الظهور الإعلامي بأشكاله كافة، لرئيس المجلس وأعضائه للتهيئة والتوطئة قبيل إصدار الفتاوى التي يتوقع حصول جدل حولها.
  7. أن يقوم المجلس بدورات تعليمية وإعدادية من أجل إعداد المفتين في الداخل السوري وخارجه، ومن ذلك دورات كيفية إعداد المفتين، وكيفية إصدار الفتوى وما إلى ذلك.
  8. رصد صدى الفتاوى ومتابعتها والعمل على قياس أثرها، واتخاذ ما يلزم حيال تلك النتائج.

والحمد لله رب العالمين


أ. موفق العمر

أكاديمي، عضو أمناء المجلس الإسلامي السوري، ومجلس الإفتاء.


[1] للاستزادة ينظر مادة (ج هـ د) في: لسان العرب، لابن منظور، معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، المصباح المنير، للفيومي، تيسير التحرير لأمير بادشاه (٤/١٧٨-١٧٩).

[2] للاستزادة ينظر: التحرير في أصول الفقه، لابن الهمام، ص (٥٢٣). وشرح تنقيح الفصول، للقرافي، ص (٤٢٩). والإحكام في أصول الأحكام، للآمدي، (٤/٣٩٦). وشرح مختصر الروضة للطوفي، (٣/٥٧٦).

[3] للاستزادة ينظر: الاجتهاد الجماعي ودور المجامع الفقهية في تطبيقه، للدكتور شعبان محمد إسماعيل ص (٢١)، والاجتهاد الجماعي في التشريع الإسلامي، للأستاذ الدكتور عبد المجيد الشرفي، ص (٤٦)، وغيرهما مما سيأتي.

[4] تاريخ التشريع، للخضري، ص (١٢٨).

[5] غياث الأمم، للإمام الجويني، ص (٤٢١).

[6] وتسمى الفتاوى العالمكيرية.

[7] ينظر كتاب: الاجتهاد الجماعي في التشريع الإسلامي، للشرفي، ص (٤٨)، وينظر كذلك بحث: الاجتهاد الجماعي وأهميته في مواجهة مشكلات العصر، لأستاذنا الدكتور وهبة الزحيلي رحمه الله، ص (٧)، وهو بحث قدمه إلى مؤتمر الفتوى وضوابطها الذي نظمه المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.

[8] الاجتهاد الجماعي في التشريع الإسلامي، للشرفي، ص (٧٧)، وقريبًا منه ما ذكره الدكتور سعيد شبار في بحثه: الاجتهاد والتجديد وأصول الفقه في فكرنا المعاصر – الاجتهاد الجماعي نموذجًا- ، وبحثه سابق على بحث الدكتور الشرفي.

[9] للاستزادة ينظر: بحث أستاذنا الزحيلي الاجتهاد الجماعي وأهميته في مواجهة مشكلات العصر، ص (١١).

[10] ينظر موقع المجلس الإسلامي السوري، وقد حدد النظام الداخلي للمجلس أهداف المجلس ومهامه، وتقسيم لجانه، وأعضائه.

[11] بالتواصل مع الأستاذ: محمود نعيم المدني المسؤول التنفيذي لمجلس الإفتاء السوري، مع تعديلات من فضيلة الدكتور محمد معاذ الخن رئيس مجلس الإفتاء السوري، وفضيلة الدكتور عماد الدين خيتي نائب رئيس مجلس الإفتاء السوري حفظهم الله جميعًا.

[12] ينظر بحث: دور المرجعية العلمية في مكافحة الغلو، للدكتور عماد الدين خيتي نائب رئيس مجلس الإفتاء حاليًا: ورقة تقدم بها إلى ندوة (نحو مقاربة نموذجية لمواجهة خطاب الغلو والتطرف في السياق السوري، من خلال التجارب والدروس المستفادة) التي أقامها مركز الحوار السوري في إسطنبول بالشراكة مع مؤسسة قرطبة في جنيف، في ٢٢ ربيع الآخرة ١٤٤٠هـ، الموافق ٢٩-١٢-٢٠١٨م.

[13] المرجع السابق، (ص ١٠).

[14] ينظر: الموقع الرسمي للمجلس السوري، قسم الفتاوى.

[15] ينظر: الموقع الرسمي للمجلس السوري، قسم الفتاوى.

[16] ينظر: التسجيل المصور للكلمة على موقع اليوتيوب بعنوان (توضيح الالتباس الحاصل بخصوص فتوى حكم الزواج من أهل الكتاب في بلاد غير المسلمين).

لتحميل المقال اضغط [هنا]

X