تجول في النفس أفكار وخواطر حول هذه الدعوة المباركة، والسُّبل التي أسهمت في وصولها إلينا، والدور الملقى على عاتق كل منا في نشرها، والأولويات التي يحسن بنا أن نقدمها، والتحديات التي تواجه الدعوة في وقتنا الحاضر، والفرص السانحة والإمكانات المتاحة أمام الأمة، والبُشريات التي تحفز النفوس لمواصلة الطريق، وهذه الأفكار والخواطر وغيرها منثورة في ثنايا هذه المقالة.
كان محمّدٌ ﷺ آخرَ نبيٍّ لكنَّه أوَّل مَنْ ورَّثَ وظيفة النبوَّة لأمَّته، فكان هذا التوريث[1] تشريفًا وتكليفًا للمسلمين في آنٍ معًا، ومن هنا كان التميُّز الذي نالته الأمّة الإسلامية عن من سبقها من الأمم التي كانت مُطالَبةً بأن تُؤمن برسالات أنبيائها فحسب، في حين أنّ أمّة خاتم الأنبياء قد كُلّفت -إضافةً إلى الإيمان برسالة نبيّها عليه الصلاة والسلام- بنقل هذا الإيمان لباقي الأمم، وبهذا كان التّفضيل، وكانت الخيرية.
ومن هُنا ندرك أنَّ الدعوة إلى الله بطرقها المتنوّعة ليست عملاً خاصًّا، وليست تخصُّصًا مهنيًّا، إنّما هي ثقافة مجتمع، ووعيٌ شعبيّ بما يجب أن يكون عليه حالُ البشرية جمعاء من الرحمة بهم ودعوتهم للنجاة والفلاح، فالدعوة لابدّ من أن تبقى حالة ثقافية اجتماعية، تكون ركيزة أساسية ومنطلقًا فكريًا تُؤسس عليه مختلف شؤون الأمة السياسية والعسكرية والتعليمية والإعلامية، وكافة أنشطتها في التواصل والتعامل مع شعوب العالم.
الدعوة رسالة مجتمعية:
شكلت التوجيهات النبوية من قبيل (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً)[2]، و(لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً واحدًا، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ)[3] وقودًا دافعًا للمؤمنين لينسابوا في الأرض وينشروا دين الله، ويُشيِّدوا دعائم مجتمع حضاري ينتشر صداه في العالم أجمع، تتطلَّع شعوب الأرض إلى العدالة التي يحملها والرحمة التي يتَّصف بها.
ونظرًا للحاجة الكبيرة للدعوة ورعاية العلماء وطلبة العلم الذين هم حَمَلةُ الدعوة، ومرجعُ كلّ من رغب في تعليم دين الله؛ قامت أنظمة مجتمعية متقدمة لخدمة هذا الغرض، ومنها:
- نظام العمل الطوعي دون أجر دنيوي، ابتغاء مرضات الله تعالى؛ فكان العلماء يجلسون للناس في المساجد وأماكن التعليم لبث العلم ونشره بينهم تطوعًا لله تعالى، وألفوا الكتب والرسائل الكثيرة بالطريقة نفسها، فقامت حركة علمية نشطة في شتى نواحي العالم الإسلامي، وفتحت المدارس وأماكن التعليم أبوابها لطلبة العلم.
- نظام الوقف الإسلامي، فكان إضافةً جديدة للبشرية من حيث فكرته القائمة على حبس الأصول وتسبيل ثمرتها في صورة عملٍ تطوُّعيٍ مجتمعيٍ خارج تحكُّم الدولة، فكان وما زال الركيزة الأساسية والراعي الرئيس للكثير من الأعمال الدعوية والمجتمعية -التي لم تَخْلُ منها قرية أو حيّ في طول العالم الإسلامي وعرضه- كالتعليم في الكتاتيب والحِلَق والمساجد والمدارس، والصحّة، وأشكال التكافل الاجتماعي كافَّة، بل كانت الدولة تقترض من هذه الأوقاف عند الحاجة إلى بعض النفقات العسكرية في بعض العصور[4].
نظام الوقف الإسلامي بفكرته القائمة على حبس الأصول وتسبيل ثمرتها في صورة عملٍ تطوُّعيٍ مجتمعيٍ خارج تحكُّم الدولة كان وما زال الركيزة الأساسية والراعي الرئيس للكثير من الأعمال الدعوية والمجتمعية التي لم تَخْلُ منها قرية أو حيّ في طول العالم الإسلامي وعرضه
لماذا ندعو إلى الله.. أم كيف ندعو؟
ليس المطلوب اليوم البحث عن أسباب الدعوة ومحاولة إقناع الناس بها؛ فالأسباب قائمة، وما دام في المسلم عرق ينبض فالدعوة مهمةٌ وواجبة، بل يمكننا القول: إنَّ دواعي الدعوة قد زادت وتوسَّعت في هذا العصر عن العصور السابقة، لكنَّ ما ينبغي اليوم هو البحث عن الكيفيّة التي من خلالها يتمّ الوصول إلى الآخَر، مع تطوّر تقنيات التواصل والتنقّل، وتقدّم أدوات الترجمة، والتداخل الثقافي الهائل في الفضاء الإلكتروني، وتحوُّل العالم إلى ما يشبه القرية الواحدة.
هذا الأمر يجعلُنا نفكّر بثقافة الآخَر ودراستها، وفهم شرائح هذه المجتمعات والإلمام بكلّ ما يخصّ تُراثَها الفكريّ والعقائديّ والفلسفيّ؛ حتى نصل للُغَةِ خطابٍ متناسبةٍ مع ثقافة المجتمع المستهدَف بالدّعوة، فلا يمكن أن ندعو مجتمعًا مستغرقًا بالعقلانية بلغة خطابيّة إنشائيّة، ولا يَحْسُن الاقتصار في مخاطبة المجتمعات على اللغة العقلانية وحدها، وهذا ما يُستَشفّ من كتاب (الإسلام بين الشرق والغرب) للمفكر الإسلاميّ الكبير علي عزت بيجوفيتش -رحمه الله- الذي خاطب به الغرب بلغتهم العلمية الفلسفية التي تتَّخذ من العقل مرتكزًا ومنطلقًا لأيّ حوار مُفترض. وعندما تريد أن تقدّم الإسلام للشرق أو للغرب لا يمكن تجاهل التاريخ الفكري والإرث الحضاري الذي أدّى إلى تكوين هذه العقلية وهذه المعتقدات التي تتبنّاها أيّ أمّة اليوم، وكما أنَّه لا يُمكننا تجاوُز الشافعي والغزالي وابن تيمية ومالك بن نبي وسيّد قطب في الحديث عن النهضة العربية الإسلامية، فكذلك لا يمكننا تجاوز أثر هيغل وكانط وديكارت في حوارنا مع الغرب، ولا يمكننا إهمال تعاليم وثقافة كونفوشيوس وبوذا وكتب الفيدا والأوبانيشاد في حوارنا مع الصينيين والهنود… وهكذا، وذلك بهدف معرفة خلفياتهم الثقافية ومعتقداتهم الدينية وبالتالي مخاطبة كلّ أمّة بما يناسبها، وهذا ما فعله أيضًا بيجوفيتش في كتابه الموجَّه للمسلمين (الإعلان الإسلامي)، وكتاب (عوائق النهضة الإسلامية)، وفي هذا الصدد يُذكر أنَّ أحد الدعاة الماليزيين أراد الذهاب للصين للدعوة فقرأ مئتي (٢٠٠) كتابٍ عن الثقافة والمجتمع الصيني ليشكّل لنفسه أرضيّة صلبة ينطلق منها للوصول إلى ما يريده ولغايته التي يسعى إليها[5].
فهذه المهمّة التي كُلِّفْنا بها تناسبت معها طردًا صفةُ الخيرية على باقي الأمم، وتستحقّ منّا كلَّ هذا الجهد والبذل، وإلّا كانت النتائج عكسيّة ومخيّبة للآمال إذا لم يكن الداعية على مستوى الحدث وعلى مستوى المهمّة العظيمة.
تحدّي الدعوة في ظلّ التأخر الحضاري للمسلمين:
يعيش العالم اليوم حالةً غير مسبوقةٍ من التردّي على المستوى الحضاريّ والفكريّ والقيميّ، وبلداننا ليست بمنأى عن هذا التردّي. وفي ظلّ هذا التدهور الحضاري حُقَّ لنا أن نسأل أنفسنا: كيف يمكن لبلادٍ تعيش في مؤخّرة الركب العالميّ أن تصدّر للعالَم الذي يسبقها بسنوات طِوال منظورَها ورؤيتَها ودينَها؟!
التأثير متبادلٌ بين العقائد والأفكار من جهةٍ وبين الأحداث والوقائع من جهةٍ أخرى، إلا أنّه ليس من السهل تحديد تأثير العقائد بالأحداث، ولكنّ تأثير الأحداث بالعقائد والأفكار يبدو واضحًا للعيان، خصوصًا إذا تعلَّق الأمر بما يحصل بين الغالب والمغلوب، ومن ثَمّ لا يصحّ عزو الأحداث إلى العقائد والأديان دائمًا، لكن الذي لا شكّ فيه أنّ الأحداث حين تتوالى على وتيرة واحدة فإنّها تؤثر في العقائد والأفكار، فالنجاح على أيِّ صعيد يُعزِّز من ثقة الأمّة بمنطلقاتها الفكرية وأصولها النظرية، كما أنَّ الانحطاط والتخلّف قد يعود على تلك الأصول بأعظم الضرر.
فإذا كانت الحالة الحضارية متردِّية كانت الدعوة أشقَّ، وكان طريقها أكثر وعورة؛ لأنَّ النفس البشرية تميل إلى تعظيم الغالب وامتهان المغلوب، وبمنطق ابن خلدون فالمغلوب يقلّد الغالب بكلّ الجوانب حتى العقائدية منها، ومع هذا لا بدّ لنا من التأسِّي بسيرة نبينا الكريم ﷺ عندما كان يدعو كبرى الإمبراطوريات في زمانه، وحالُ المسلمين في ذلك الوقت لا تقارَن بتلك الإمبراطوريات من حيث ميزان القوى العسكري والحضاري، ولكن كان لدى المسلمين عاملُ قوةٍ حقيقي يتمثَّل في تمسُّكهم بالعقيدة التي آمنوا بها، وعرفوا بها حقائق الأمور فهانت دنيا الروم والفرس في أعينهم، وذهبوا إليهم دعاةً مشفقين، غير مُنهزمين ولا منبهرين، فكان لهم ما عملوا لأجله.
كما أن حالة التردِّي الحضاري قد تكون سببًا إضافيًا لقبول الدعوة في بعض المجتمعات أو عند بعض الشخصيات؛ وذلك أنَّ حال اليأس من الواقع والضيق بما وصل إليه من حالٍ مزرية، كثيرًا ما يدفع للبحث عن حلول في ديانات وثقافات أخرى، أو يجعلها تعيد النظر فيها على الأقل، فتكون فرصة كبيرة لدعوة هؤلاء وعرض محاسن الإسلام وحلوله الناجعة لمشاكلهم.
إذا جئنا إلى ميزان الغالب والمغلوب، فنحن لسنا بصدد الاستغراب من عدم انتشار الإسلام بسبب تأخُّر المسلمين في الحضارة وأسباب القوّة المادية، بل ما يُثير الانتباه والدهشة هو كون الإسلام أسرع الأديان انتشارًا وهو في أضعف حالاته!
تباشير الأمل والفرص السانحة:
دين الله تعالى هو دين الفطرة الذي تقبله النفس البشرية وتجد فيه ما يلبِّي حاجاتها الروحية، ويجيب عن أسئلتها المصيرية، إضافةً إلى التماسك المجتمعي الذي يحدثه الإسلام إذا تشرَّبه المسلمون وحوَّلوه إلى منهج حياةٍ وواقعٍ مُعاش، وهذه نقاط قوَّةٍ لا تمتلكها أية عقيدةٍ اليوم على مستوى العالم أجمع، وحسبنا بها من قوّةٍ لا تُقهر.
وإذا جئنا إلى ميزان الغالب والمغلوب، فنحن لسنا بصدد الاستغراب من عدم انتشار الإسلام بسبب تأخُّر المسلمين في الحضارة وأسباب القوّة المادية، بل ما يُثير الانتباه والدهشة هو كون الإسلام أسرع الأديان انتشارًا وهو في أضعف حالاته! وسرعة الانتشار هذه ليست في أطراف العالم فحسب، بل في عُقر دار الدول الغربية المهيمنة على مقاليد السياسة والاقتصاد والقوّة العلمية والعسكرية، فكيف يحصل هذا والمسلمون اليوم في أسوأ مراحلهم الحضارية منذ أن أشرقت شمس النبوّة من مكة المكرمة؟! لا شكَّ أنَّ هذه الظاهرة هي معجزةٌ بحدِّ ذاتها، وهي باعثٌ عظيم على الأمل[6].
الشباب حملة الدعوة ومصابيح الأمل:
والناظر في حال الأمّة اليوم يلمسُ شيئًا من بوادر اليأس واستطالة الطريق، بسبب قوّة الأعداء، وفُرقة الأمّة، وفي ذات الوقت لا يمكننا القول بفقدان الأمل بشباب الأمّة، بل على العكس.. فالشباب اليوم يضرب أروع الأمثلة في حمل همَّ هذا الدين بكلِّ صدقٍ وإخلاصٍ، ويعمل جاهدًا على نشره وتمكينه وجعل كلمة الله هي العليا، نعم قد يفتقدون للمنهجية الواعية لهذا العمل، لكنّ تضحياتهم وبطولاتهم لا تخفى، فهذه ثورات الربيع العربي التي قادها الشباب وسطّروا فيها صفحات ناصعةً من الهمّة والبذل والوعي تعطينا أملاً في عودة الأمّة إلى سابق مجدها بسواعد الشباب الطامح لتغيير هذا الواقع.
تقنيات التواصل المتقدمة وانتشار المعلومة بشكل كبير سلاح ذو حدّين: فهو من جهة يسهل علينا إيصال ما نريده بأقل جهد ممكن، ومن جهة أخرى يعرض شباب الأمة لسيل من الأفكار والشبهات والشهوات التي لا بد من مقاومتها وصدِّها
التقنيات المعاصرة لك وعليك:
العمل الدعوي اليوم يتطلب منّا جهودًا كبيرة أكثر من أيّ وقت مضى، لأنّنا نعيش في عالم مفتوح لا حواجز فيه في ظل تقنيات التواصل المتقدمة وانتشار المعلومة بشكل جنوني، وهذا الوضع الذي نعيشه سلاح ذو حدّين:
الحدُّ الأول: هو سهولة إيصال ما نريده بأقلِّ جُهدٍ ممكن وبالسرعة الخارقة إلى كلّ بقاع الأرض، وهي فرصةٌ استثمرها كثيرون أفرادًا ومؤسسات، فعملوا على تقريب الدين وتحرير إجاباتٍ وافيةٍ عن الأسئلة الشائعة عن الإسلام بلغات كثيرة، وبيان الفروقات بينه وبين العقائد والأيديولوجيات الأخرى، وكيف أنَّ الإسلام هو الدين الوحيد الذي يجيب عن الأسئلة الوجودية والغائية إجاباتٍ وافيةً عادلةً يقبلُها العقل ويطمئنُّ لها.
والحدُّ الثاني: هو هذا الكمُّ الهائل من العواصف والتيّارات التي يتعرَّض لها شباب الأمّة في عقيدتهم وقيمهم وأخلاقهم وثقافتهم، وهذه العواصف قادمةٌ إلينا من الباب ذاته، وهذا يضعُنا أمام تحدِّيات كُبرى على المستوى الحضاري الذي من خلاله نحاول الثبات في وجه تلك التيارات، وتحقيق التقدّم بقدر الإمكان.
مصعب بن عمير الداعية النموذج:
لا يمكن الحديث عن الدعوة والدعاة دون ذكر الداعية النموذج في صدر الإسلام «مصعب بن عمير» الصحابيّ الجليل رضي الله عنه؛ فهو خيرُ مَن يُورَد مثالاً عمليًا يُحتذى به، فكثيرًا ما نغفل عن نقطة مهمّة في سيرة النبيّ ﷺ، والتي تفسِّر كيف خرج أهل المدينة عن بكرة أبيهم لاستقبال رسول الله عندما هاجر إليهم؟ وهم الذين لم يقابله منهم قبل هجرته إلى المدينة أحد باستثناء فئةٍ قليلةٍ منهم بايعوه في بيعتي العقبة الأولى والثانية؟! فمن الذي أوصل لهم هذا الدين حتى آمنوا وبايعوا؟! إنّه الداعية الشاب مصعب بن عمير رضي الله عنه .
لا شكَّ أنّ النبي ﷺ لم يخترْ مصعبًا عشوائيًا، بل لأنَّه اجتمعت فيه صفات الداعية الناجح: من العلمِ بما جاء به النبي ﷺ، والحكمةِ في التعامل مع المواقف الصعبة، ومن الأمثلة: على ذلك حسن تصرُّفه مع أُسيد بن حضير الذي جاء لقتله فخرج من مجلسه مسلمًا[7]، وخبرتِهِ في التعامل مع الأقوام الأُخرى فقد هاجر مرّتين إلى الحبشة، فضلاً عن أنّه كان من أشراف مكة وأغنيائها، وهذا سهَّل له مهمّة التعامل مع أشراف المدينة وساداتها وهم الذين يملكون القبول عند الناس بجميع فئاتهم؛ فاستهدفهم بدعوته حتى تبعهم الناس، وبذلك كان إسلام الأنصار في صحيفة أعماله رضي الله عنه، واستمرّ في دعوته وجهاده حتّى استُشهد وهو لا يملك كفنًا، بعدما كان من أغنياء مكة، فكان النموذج الأمثل لما يمكن أن يكون عليه الداعية في كلّ زمان ومكان.
خلاصة القول:
بعد تبيان وتمحيص ما يجب أن نكون عليه وما يجب أن نَعِيَه لكي نصل للهدف المنشود من دعوتنا، علينا أن نعلم أنَّ كلاً منّا داعيةٌ إلى الله من موقعه، والدعوة تبدأ من النفس، ثم بالأقرب فالأقرب، ممن في محيطِنا من الأسرة والطلاب والعمال والجيران، … وهكذا، والله لا يكلّف نفسًا إلا وُسعها.
إنّ كلَّ مسلمٍ يمكنه أن يدعو إلى الله بقوله وفعله وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبأن يجعل من نفسه قدوة للآخرين بالتزامه بشعائر الإسلام وأخلاقه، في البيت والحي والقرية والمدرسة والوظيفية والمعمل والمزرعة، وهذه الإمكانية تجعل الدعوة (واجبًا شخصيًا) علينا القيام بها على أكمل وجه، وأن نعمل على استكمال جميع العناصر المطلوبة لإنجاح هذا الواجب من علم ومعرفة وعمل وهمّة وصدق وإخلاص، وبالمقابل فلسنا مطالبين بالنتائج، والله تعالى يقول لنبيه الذي بلغ الغاية في الكمال البشري: ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾ [الشورى: ٤٨] وهذه الفكرة مهمةٌ جدًا لمواصلة الطريق وتحمُّل تبعاته، فنتاج العمل ليس من مسؤوليتنا بعد بذل الوسع واستفراغ الجهد في أداء المهمة على أكمل وجه، ومن أهمّ الأمور في العمل الدعوي: إخلاص النيّة لله، فصدق النيّة يفتح الله به القلوب التي هي بين أصابع الرحمن يقلبها كيفما شاء ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: ٥٦].
[1] (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، ورثوا العلم) أخرجه أبو داود (٣٦٤١).
[2] أخرجه البخاري (٣٤٦١).
[3] أخرجه البخاري (٣٠٠٩) ومسلم (٢٤٠٦).
[4] حصل ذلك زمن الخليفة العباسي الموفق أثناء التصدِّي لحركة الزنج جنوب العراق، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي (١٢/ ٣٣٧)، وحصل في زمن نور الدين زنكي لمواجهة الحملات الصليبية، الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، لابن أبي شامة (١/٧٦-٧٧).
[5] ينظر كتاب (مقدّمات للنهوض بالعمل الدعويّ) للدكتور عبد الكريم بكّار.
[6] ينظر: مقال (هل ستنتصر أمة الإسلام حقًا؟) للدكتور عمر النشيواتي في العدد الثالث عشر من المجلة.
[7] سيرة ابن هشام (١/٤٣٦).
أ. محمّد ياسين نعسان
كاتب سوري