قضايا معاصرة

بين جرائم الصهيونية والمحور الإيراني: قراءة حقوقية

ينطلق هذا المقال من منظور حقوقي عبر الاستناد إلى القانون الدولي العام لسبر أوجه الشبه في سلوكيات المشروعين الإيراني والصهيوني، بما يهدف لإزالة الالتباس حول السلوك الوحشي الإيراني وتوضيح الأسباب التي تجعل من الخطأ الترويج له أو التسامح معه بوصفه نكرانًا لحق الضحايا وذويهم في الإنصاف وإحياء الذاكرة والنضال من أجل العدالة بشتى السبل، بما يحفظ الذاكرة الحية للشعوب ويمنع من طي أو تنظيف سجلات المجرمين أيًا كانوا بسبب مقاربات سياسية تتجاهل تمامًا الارتكاز على مبادئ المشروعية.

تمهيد:

شهدت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا انعكاسًا للمواقف الشعبية والنخبوية على حد سواء على المنشورات والتفاعلات عبر طيف من الآراء والمواقف جراء كسر قواعد الاشتباك المعتادة -في السنوات الأخيرة على الأقل- بين المحور الإيراني والذي يتمثل بالحرس الثوري الإيراني والمليشيات العراقية وحزب الله اللبناني وجماعة الحوثي من جهة، وبين الكيان الصهيوني من جهة أخرى.

حيث ظهرت أصواتٌ عديدةٌ تنادي بالتضامن أو حتى وحدة الصف مع المحور الإيراني باعتباره يخوض مواجهةً “مشرِّفة” مع الكيان الصهيوني الذي يرتكب -وما يزال- أبشع الجرائم في غزة، وبأنَّ الوحدة الإسلامية ووحدة الشعوب في المنطقة على الأقل هي الكفيل بوقف الجرائم المستمرة والانتهاكات المروعة.

وعلى الرغم من أنَّ ظهور البعد العاطفي جراء الضغوط اليومية والمشاهد المؤلمة وحالة اليأس من الواقع المعاش وعجز أو تآمر “المجتمع الدولي” أمام الانتهاكات الصهيونية المستمرة للقيم الإنسانية يعد أمرًا مفهومًا من حيث المبدأ، إلا أن مزيدًا من التأمل والمراجعة لسلوك المحور الإيراني أصلاً في المنطقة وتحديدًا في الدول الأربع التي امتلك نفوذًا واسعًا فيها وهي: العراق وسوريا ولبنان واليمن، وبالانطلاق من مبادئ حقوقيةٍ واضحةٍ بمعزلٍ عن التكيُّفات السياسية، يمكن ضبط المنطلقات واستقراء المآلات وتحديد البوصلة؛ فالقراءة الحقوقية واستنادًا للقانون الدولي العام لسلوك كلٍ من الجانبين في المنطقة يسمح باختبار الفكرة السابقة التي تقوم في جوهرها على أساس الألم من وحشية الجرائم في غزة حاليًا ومن منطلق حُسن النيةِ بالأمل في انتهاء الجرائم بحق الشعوب.

بناء على ما سبق يغدو التساؤلُ المهم: ما مدى التشابه أو الاختلاف في سلوك المحور الإيراني أو الصهيوني بحق الشعوب في المنطقة؟ وما هي دلالات ما تكشفهُ هذه المقارنة في مشروعية الدعوات للتضامن مع المحور الإيراني من منظورٍ حقوقي؟

الجرائم والانتهاكات الجسيمة في القانون الدولي العام، قراءة مفاهيمية موجزة:

مع تطور القانون الدولي منذ الحرب العالمية الأولى تشكَّل وتطوَّر تدريجيًا مفهوم الجريمة الدولية، والتي يقوم منطقُها الأساس على فكرة تحدي النظام القانوني الدولي أو التمرُّد عليه، من خلال مساس أفعالٍ معينةٍ بمصالح وقيم يكفُلُها القانون الدولي ويحرصُ على حمايتها ومُعاقبة مرتكبيها[1]، ورغم عدم وجود تعريفٍ واحدٍ لهذه الجرائم يمكن القول بأنها: هي كل سلوك ينتهك مصلحةً دوليةً محميةً بالقانون الدولي ويخالف الالتزام بقواعده وأحكامه، صادرٌ عن شخصٍ من أشخاص القانون الدولي ومقرَّرٌ لها عقاب[2].

وعلى العكس من القانون الداخلي فإنَّ القانون الدولي لا يتضمَّن قائمةً شاملةً ومحدَّدةً للجرائم الدولية وهو ما يرتبط بطبيعة القانون الدولي العام وتطوره ككل؛ حيث كانت القواعد والممارسات العرفية تمثل مصدره الأساس، ومن ثم بدأت عملية اعتماد قواعد مكتوبة عبر اتفاقات أو معاهدات أو غيرها من الصكوك الدولية[3]، إلا أنه ومع ولادة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية “نظام روما” عام 1998م ودخولها حيز النفاذ عام 2002م[4]، تم تحديد مجموعة من أشد الجرائم خطورةً، وهي ما يمكن تسميتها أيضًا بالانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي بصريح المادة رقم 5 من أحكامها، والتي تشتمل على أربعة جرائم رئيسية هي: جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجريمة العدوان[5].

بالتركيز على الجرائم الثلاث ذات الصلة بحالة المنطقة؛ فإنَّ الإبادة الجماعية تعني: أي فعل من الأفعال المحددة في الاتفاقية كإلحاق ضررٍ جسديٍّ أو عقليٍّ جسيمٍ بأفراد الجماعة… إلخ، وتُرتكب بقصد إهلاك جماعةٍ قوميةٍ أو إثنيةٍ أو عرقيةٍ أو دينيةٍ بصفتها هذه، إهلاكًا كليًا أو جزئيًا، في حين تشكل الجريمة ضد الإنسانية متى ارتكبت مجموعة أفعال كالقتل والنقل القسري والتعذيب… إلخ، في إطار هجومٍ واسع النطاق أو منهجيٍّ موجَّهٍ ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم، في حين يقصد بجرائم الحرب الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة 12 آب/ أغسطس 1949م[6]، كالقتل وتدمير الممتلكات ولا سيما عندما ترتكب في إطار خطةٍ أو سياسةٍ عامةٍ أو في إطار عملية ارتكابٍ واسعة النطاق لهذه الجرائم[7]، وبطبيعة الحال تقوم كل منها على أركان محددة[8].

ومن الجدير ذكره أنَّ هذه الجرائم الدولية شديدةَ الخطورة تتَّصف بأنها جرائم لا تسقط بالتقادم، وفقًا للمادة الأولى من اتفاقيّة عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضدّ الإنسانية والتي تبنتها الأمم المتحدة عام 1968م، وكذلك بموجب المادة 29 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية[9]، الأمر الذي يرتبط في أحد أبعاده بترسيخ حق الشعوب وواجبها بعدم النسيان عندما يتعلق الأمر بقضايا حقوقية كبرى، لأنها تمثل قضايا إنسانية لا يمكن تجاوزها[10].

 الجرائم الدولية شديدة الخطورة تتصف بأنها جرائم لا تسقط بالتقادم، وفقا للاتفاقيات الدولية، الأمر الذي يرتبط في أحد أبعاده في ترسيخ حق الشعوب وواجبها بعدم النسيان عندما يتعلق الأمر بقضايا حقوقية كبرى، لأنها تمثل قضايا إنسانية لا يمكن تجاوزها

الممارسات العملية للمحور الإيراني والصهيوني بحق الشعوب من منظور الجرائم الأشد خطورة:

منذ عام 2003م على الأقل بدأت ملامح المحور الإيراني تتضح في المنطقة بعد أن أدى الغزو الأمريكي للعراق لفتح الباب على مصراعيه لتطورٍ كبيرٍ في النفوذ الإيراني عبر أنموذج يمكن وصفه بـ “عسكرة السياسة الإيرانية” من خلال المليشيات الطائفية، ومع انطلاق ثورات الربيع العربي وانتقالها إلى سوريا واليمن؛ بدأ التوسع الكبير في النفوذ الإيراني ليصبح مشروعًا واضح المعالم في كل من العراق وسوريا واليمن ومن قبلهم لبنان، وارتُكبت في هذه الدول مجموعةٌ واسعةٌ من الجرائم لتحقيق مصالحها ومدِّ نفوذها، وعلى جانبٍ آخر فقد نشأ الكيان الصهيوني على أساس الجريمة المنظَّمة من مرحلة المليشيات اليهودية كعصابات الهاغانا إلى مرحلة الجيش المنظَّم إلى جانب مليشيات المستوطنين.

وبُغية التحقُّق من مدى التشابه في سلوكيات كلا الطرفين يمكن لنا استقراء النهج المعتمد خلال سنوات طويلة عبر تتبُّع كلٍ من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي العام.

جرائم الحرب المرتكبة بحق الشعوب العربية، النهج الدائم أثناء النزاعات المسلحة:

يقصد بجرائم الحرب: الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة 12 آب / أغسطس 1949م[11]، وبشكلٍ عام فإن هذه الجرائم تُرتكب في حالات النزاع المسلح، سواء أكانت نزاعاتٍ دوليةً أو نزاعاتٍ غيرَ دولية[12]، حيث تُرتكب في سياسة عامة واسعة النطاق للقضاء على الخصوم.

بالنظر إلى سلوكيات الكيان الصهيوني أثناء النزاعات المسلحة منذ إنشاء الكيان وصولاً لحرب غزة الحالية فقد ارتكب جميع الانتهاكات الجسمية، فعلى سبيل المثال وبالتركز على حرب غزة الأخيرة، تم ارتكاب مجازر يومية بحق المدنيين بما فيهم الأطفال والنساء، من آخرها مجزرة مخيم جباليا شمال القطاع في مدرسة أبو حسين التي تؤوي نازحين[13]، كما ركز الكيان على تدمير الأعيان المحمية وفي مقدمتها المراكز الصحية[14] عبر استهدافها بشكل مباشر، أو إيقافها عن العمل بالقوة[15] لزيادة معاناة المدنيين[16]، واستهداف الأطقم المحمية كالصحفيين لمنعهم من نقل الحقيقة وتوثيق الجرائم[17]، يضاف إلى ما سبق استخدام الأسلحة المحرمة دوليًا، والتدمير واسع النطاق للممتلكات[18].

بالانتقال إلى سلوك المحور الإيراني وميليشياته أثناء النزاعات المسلحة، ومع تنوع أنماط جرائمها وامتدادها الواسع جغرافيًا يمكن استعراض عينة منها في سوريا واليمن تباعًا من خلال التركيز على المجازر، واستهداف الأطقم والأعيان المحميَّة وتدمير الممتلكات.

في سوريا ومع تحول الثورة السورية إلى النضال المسلح واشتعال المعارك في مختلف المناطق السورية ارتكبت مليشيات الحرس الثوري الإيراني ولفيف المليشيات التي تنطوي تحتها كحزب الله اللبناني والمليشيات العراقية والأفغانية… إلخ[19]، مجموعة واسعة جدًا تشمل كل أصناف جرائم الحرب، على سبيل المثال: ارتكبت هذه الميليشيات مجازر جماعية ضخمة عبر القصف العشوائي كما حصل في القصير[20]، واستهدفت مخيمات المهجرين بالصواريخ البالستية المحملة بقنابل عنقودية كما حصل في مجزرة مخيم قاح عام 2019م[21]، وركّز المحور الإيراني بالشراكة مع مليشيات الأسد والروس على تدمير المراكز الصحية واستهداف كوادر الإنقاذ والإسعاف على مدار السنوات السابقة[22]، واستهداف واعتقال وتعذيب الصحفيين والإعلاميين وقتلهم بشتى الوسائل[23]، وممارسة أشكال التعذيب في سجونها السرية في مختلف المناطق[24].

على ذات المنوال في اليمن فقد ارتكبت جماعة الحوثي سلسلةً واسعةً من جرائم الحرب منذ انقلابها على السلطة الشرعية عام 2014م واندلاع المعارك بين الطرفين، حيث اعتمدت سياسة الاستهداف العشوائي للمدنيين بما فيهم الأطفال كمجزرة حي الروضة في مدينة تعز[25]، أو المجازر الجماعية خلال الاجتياحات كمجازر عدن عام 2015م[26]، كما مارست مليشيات الحوثي وبوسائل عديدة أعمالاً عدائيةً على القطاع الصحي اليمني مما أسهم في انهياره[27]، وهو ما طال الكوادر الطبية حيث تعرض العشرات من الأطباء والمسعفين لعمليات إخفاء قسري وقتل[28]، وعلى ذات النحو استهدفت جماعة الحوثي خلال معاركها ممتلكات المدنيين بشكل واسع عبر التخريب والنهب[29].

الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة بحق الشعوب العربية، وسائل الإحلال الصهيوني، وتصدير الثورة الخمينية:

على خلاف جرائم الحرب التي لا ترتكب إلا في حالةٍ واقعيةٍ هي النزاع المسلح، فإنَّ الجرائم ضد الإنسانية قد تُرتكب أيضًا في غير هذه الحالات؛ ضمن استهداف واسع النطاق أو هجوم منهجي ضد المدنيين تأييدًا للدولة أو اتباع سياسة تنظيمية بارتكاب هذا الهجوم[30]، وتشتمل بدورها على أفعال عديدة من أبرزها: التهجير القسري للسكان، الإخفاء القسري والتعذيب، الأفعال اللاإنسانية الأخرى: كالاضطهاد الشديد والإبادة عبر فرض ظروف تؤدي للهلاك.

بالنظر إلى سلوكيات الكيان الصهيوني، وبالتركيز على نمطين من الجرائم ضد الإنسانية وهما: التهجير القسري، وفرض ظروف الهلاك عبر الحصار والتجويع، فلا شك أن الكيان الصهيوني قام أصلاً على أساس اقتلاع أصحاب الأرض وإحلال مجاميع سكانية مكانهم، عبر المجازر والطرد والنقل القسري للسكان، إعمالاً للفلسفة الصهيونية التي تقول “فلسطين أرضٌ بلا شعب، سيقطنها شعبٌ بلا أرض”، والتي تُرجمت في سياسة استمرت في كل أنحاء فلسطين عبر المستوطنات والضغط على السكان للتخلي عن أراضيهم، وممارسة عمليات الفصل العنصري، فيما بدأ بممارسة أطوارٍ جديدة من التهجير والحصار المفضي إلى الهلاك في غزة حاليًا، على سبيل المثال بعد تهجير السكان عشرات المرّات داخل غزة بذريعة الأعمال العسكرية، بدأت ملامح الخطة الأكبر في تهجير السكان إلى سيناء قسرًا[31]، كما بدأت ممارسة خطة تسمى خطة “الجنرالات” عبر الحصار والتجويع ضد سكان شمال غزة بهدف تهجيرهم[32]، فضلاً عن حالة الظروف التي وصلت لحد المجاعة في كل أنحاء غزة[33].

بالانتقال إلى الجانب الإيراني ومليشياته ومع اعتماد إيران لمبدأ تصدير الثورة وتعميم نظرية الولي الفقيه[34]، كان مشروعُها الرئيس يرتبط بالتغيير الديمغرافي والتمدد عبر الأدوات الناعمة كالإعلام والثقافة أو الأدوات الخشنة عبر الأعمال العسكرية، وبالتركيز على الأخيرة ارتكبت سلسلةٌ واسعةٌ من جرائم الحرب في العراق وسوريا واليمن.

ففي العراق وتحت أعين الاحتلال الأمريكي بدأت إيران عبر ميليشياتها الطائفية بحملات قتلٍ وترهيبٍ ممنهجة بلغت حدَّ الذبح بالسكاكين لأهل السنة في مناطق عراقية عديدة والتي أدت لتهجير مليوني سني عراقي بين عامي 2003م و2006م[35]، لتنتشر فرق الموت الطائفية للقتل على الهوية على مدار السنوات التالية[36]، ويتم استخدام أنماط متعددة تهدف لتحقيق تغيير ديمغرافي عبر إرهاب السنة في العراق عبر وسائل عديدة[37]، واستغلالاً لأحداث مستجدة آخرها عمليات الحشد الشعبي ضد السنة في مرحلة محاربة تنظيم الدولة “داعش”[38].

بالانتقال إلى سوريا لم تتخلَّف المليشيات الإيرانية عن تنفيذ مذابح كبرى بهدف فرض التهجير القسري كمقدمةٍ للتغيير الديموغرافي في سوريا، منها على سبيل المثال مذبحة داريا الكبرى عام 2012، والتي أدت لمقتل 700 مدني جلهم من الأطفال والنساء[39]، ومجزرة القبير في ريف حماة عام 2012م التي مورس فيها الذبح بدوافع طائفية، وراح ضحيتها 56 مدنيًا غالبيتهم من الأطفال والنساء[40].

من جانب آخر عمدت المليشيات الإيرانية إلى ممارسة الحصار الشامل على مناطق عديدة في سوريا، وفرضت ظروفًا أدت لوقوع مجاعاتٍ ووفاة مدنيين بسبب نقص الإمدادات الأساسية، والتي انتهت عمليًا بنقل السكان قسريًا وإحلال مجموعات سكانية بديلة[41]، ومن الجدير ذكره أنَّ عمليات التهجير القسري لم تتوقَّف بعد سيطرة المليشيات الإيرانية وانتهاء العمليات العسكرية حيث استمرَّت نهجًا رديفًا لعملية التشييع والتجنيد الاقتصادي وهو ما ظهر بوضوح في مناطق حيوية في شرق سوريا[42].

في بعض المحطات التاريخية تواجه الشعوب محطات مفصلية وشديدة التعقيد معًا، ويغدو فيها المشهد حاملاً طيفًا من الأعداء، والذين قد يتواجهون مع بعضهم البعض سعيًا للتفرُّد في السيطرة وتغيير معادلات توازن القوى، كما قد يتحالفون بعد تلك المواجهات إذا ما نجحوا في فرض معادلات ترضي جميع الأطراف

جدول يقارن بين نماذج من الفظائع المرتكبة بحق الشعوب من قبل الجانبين الإيراني والصهيوني

نوع الجريمة المرتكبة النمط المحور الإيراني الكيان الصهيوني
جرائم حرب · القتل العشوائي

· استهداف الأعيان المحمية

· استهداف الأطقم المحمية

· استخدام أسلحة محظورة

· تدمير الممتلكات ونهبها

· آلاف الضحايا المدنيين جراء القصف والقتل المباشر

· سياسة ممنهجة في سوريا واليمن

· عبر القصف أو الاعتقال

· كلما اقتضت الحاجة وخاصة في سوريا

· الاستيلاء والنهب

· آلاف الضحايا المدنيين جراء القصف والقتل المباشر

· سياسة ممنهجة عبر القصف باستمرار في غزة ولبنان

· التدمير الواسع

الجرائم ضد الإنسانية · التهجير القسري

· الاضطهاد والظروف المفضية للهلاك

· مناطق السنة في العراق وسوريا

· الحصار والتجويع في مدن عديدة في سوريا واليمن

· تاريخيًا كامل فلسطين

· الممارسة الحالية في غزة والضفة

· حصار غزة وخطة الجنرالات شمال غزة

خاتمة

في بعض المحطات التاريخية تواجه الشعوب محطات مفصلية وشديدة التعقيد معًا، ويغدو فيها المشهد حاملاً طيفًا من الأعداء، والذين قد يتواجهون مع بعضهم البعض سعيًا للتفرُّد في السيطرة وتغيير معادلات توازن القوى، كما قد يتحالفون بعد تلك المواجهات إذا ما نجحوا في فرض معادلات ترضي جميع الأطراف.

ومع التعقيدات الحالية في المنطقة ومواجهة شعوبها لمشروعين يسعيان ليكونا القوة المهيمنة والمسيطرة على المعادلات الأمنية والقرارات الاستراتيجية وعلى حاضر ومستقبل الشعوب، يمكن من المنظور السياسي التكتيكي الحديث بمرونة كبيرة عن تغير التحالفات والتموضع، إلا أن ذلك إذا ما جاء في مرحلة ما تزال فيها الأطراف تمارس شتى الجرائم، وبالطريقة التي تسعى لتبييض سجلات الماضي القريب والعبث بذاكرة الشعوب التي تمثل مداد حيويتها وأساس تغيير واقعها ورسم مستقبلها، فإنها تصبح في صدام مباشر مع الأخلاق من جهة والمنطق من جهة ثانية.

فليس من كفيلٍ قادرٍ على ضمان توقُّف جرائم المشروع الإيراني وميليشياته، ومن ثم عدم تكرارها بحق الشعوب، فيما إذا هرعت نفس الشعوب لدعمه في مواجهة العدو الآخر، بل لربما حملت هذه الدعوات في طياتها مزيدًا من الخطر بوصفها -حال تطبيقها- قادرة على التطبيع مع جرائم الإيراني التي نهلت من دماء أبنائها لمواجهة جرائم الكيان الأخرى، وفتح الباب على مصراعيه مع كل عدو لنسيان الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها.. هو ما لا يمكن مستقبلاً إنكاره -بنفس المنطق- على من يدعو لتحالف تكتيكي مع الصهيونية نفسها أمام خطر مستجد، وخاصة مع عطالة النظام الدولي، بل ازدواجية معاييره وتسامحه مع كل المجرمين والتصفيق لهم ودعمهم بدلاً من السعي لإعمال قواعد القانون الدولي.

لذلك فإن المقاربة الحقوقية التي تقوم على المطالبة باستمرار بمحاسبة المجرمين، وقبل ذلك توصيفهم بشكل دقيق، والاستمرار في تعريتهم، ومناصرة حقوق ضحاياهم، واستغلال كل منصة ومحطة في سبيل ذلك.. هو الكفيل بتحديد المواقف والآراء على أساس صلب وقواعد متينة.

ولا بد من القول ختامًا بأنه في الوقت الذي يرتكب الكيان الصهيوني عملية إبادة جماعية بحق سكان غزة بلغ عدد ضحاياه خلال السنة الأولى من الحرب على غزة: (42.438) شهيدًا و(99.246) مصابًا[43]، فإن ضحايا الحرس الثوري الإيراني ومليشياته وذويهم في العراق وسوريا واليمن -وهم بالملايين- ما يزالون يأملون العدالة والمساءلة واستعادة الأوطان السليبة وهم يناصرون قضيتهم الفلسطينية ومقاومتها الباسلة، ويرون أن سلسلة الانتهاكات تكبر، وأن المجرمين يزدادون جرأة في كل مكان في العالم مع استمرار طي الملفات الحقوقية بذرائع واقعية.


نورس العبد الله

باحث في مركز الحوار السوري، ماجستير في القانون العام


[1] الجريمة الدولية، الموسوعة القانونية المتخصصة، لإبراهيم دراجي، المجلد الثالث، ص (33).

[2] تعريف ومفهوم الانتهاكات الجنائية الدولية، لبشرى العبيدي، 5/1/2018م.

[3] يذكر أنه في عام 1947م، قامت الجمعية العامة بتأسيس لجنة القانون الدولي، وذلك بهدف تعزيز التطوير التدريجي للقانون الدولي وتدوينه. ينظر: القانون الدولي والعدالة، الأمم المتحدة، الموقع الرسمي.

[4] ينظر: نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

[5] ينظر: الباب الثاني – الاختصاص والمقبولية والقانون الواجب التطبيق: المــادة (5) الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة:

  • يقتصر اختصاص المحكمة على أشد الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره، وللمحكمة بموجب هذا النظام الأساسي اختصاص النظر في الجرائم التالية: أ) جريمة الإبادة الجماعية، ب) الجرائم ضد الإنسانية، ج) جرائم الحرب، د) جريمة العدوان.
  • تمارس المحكمة الاختصاص على جريمة العدوان متى اعتمد حكمٌ بهذا الشأن وفقًا للمادتين 121 و123 يعرّف جريمة العدوان ويضع الشروط التي بموجبها تمارس المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بهذه الجريمة، ويجب أن يكون هذا الحكم متسقًا مع الأحكام ذات الصلة من ميثاق الأمم المتحدة.

[6] تشكل اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949م جوهر القانون الدولي الإنساني والذي يعرّف بأنه: مجموعة من القواعد التي ترمي إلى الحد من آثار النزاعات المسلحة لدوافع إنسانية. ويحمي هذا القانون الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة أو بشكل فعال في الأعمال العدائية أو الذين كفوا عن المشاركة فيها مباشرة أو بشكل فعال، كما أنه يفرض قيودًا على وسائل الحرب وأساليبها. ويُعرَف القانون الدولي الإنساني أيضًا “بقانون الحرب” أو “قانون النزاعات المسلحة”. ينظر: ما هو القانون الدولي الإنساني؟، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الموقع الرسمي، 5/7/2022م.

[7] للتوسع ينظر في المواد 6-7-8 من نظام روما الأساسي.

[8] للتوسع في أركان الجرائم ينظر: أركان الجرائم، المحكمة الجنائية الدولية، قسم الإعلام والتوثيق، 2011م.

[9] ينظر: اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، صكوك حقوق الإنسان، الأمم المتحدة، مكتب المفوض السامي.

[10] للتوسع ينظر: مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية حقوق الإنسان وتعزيزها من خلال اتخاذ إجراءات لمكافحة الإفلات من العقاب، الأمم المتحدة، مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، 2005م.

[11] ظهر مفهوم “جريمة الحرب” مع ظهور هذه المعاهدات، كمصطلحٍ لوصف أخطرِ انتهاكات قوانين الحرب هذه. أرستْ محاكمُ نورمبرغ وطوكيو في أعقاب الحرب العالمية الثانية، قواعدَ هذه المحاكمات الدّولية لجرائم الحرب، وكذلك الأمر في تسعينات القرن العشرين مع المحاكم الدوليّة التي أقامتها الأمم المتحدة في يوغوسلافيا السّابقة ورواندا.

[12] تنقسم النزاعات المسلحة إلى نوعين رئيسيين هما: النزاعات المسلحة الدولية (IAC) التي تحدث بين دولتين أو أكثر؛ والنزاعات المسلحة غير الدولية (NIAC) التي تحدث بين الدولة والجماعات المسلحة غير الحكومية أو بين الجماعات المسلحة فقط.

للتوسع ينظر: تصنيف النزاع المسلح، مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، الموقع الرسمي.

[13] عشرات الشهداء والجرحى بمجزرة للاحتلال في جباليا، الجزيرة، 17/10/2024م.

[14] جاء في بيان الاتحاد الدولي بشأن خروج مستشفى الأمل في غزة عن الخدمة: إن مستشفى الأمل، الذي يحمل شارة الهلال الأحمر بوضوح، محمي بموجب القانون الدولي الإنساني. وتمثل الشارة الحياد والمساعدة الإنسانية غير المتحيزة، وتعد بالحماية في أوقات النزاع والكوارث.

[15] الهلال الأحمر: خروج جميع نقاطنا الطبية عن الخدمة بمدينة غزة، حسني نديم، وكالة الأناضول، 9/7/2024م.

[16] وزارة الصحة الفلسطينية تعلن خروج أكثر من 80 بالمئة من مستشفيات قطاع غزة عن الخدمة، وكالة الأنباء القطرية، 14/5/2024م.

[17] تتحول غزة منذ قرابة عام إلى مقبرة للصحفيين مع مقتل ما لا يقل عن 130 صحفي وصحفية.

ينظر: غزة: مراسلون بلا حدود ترفع رابع شكوى خلال عام واحد أمام المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل بحق الصحفيين في القطاع، مراسلون بلا حدود، 24/9/2024م.

[18] ينظر على سبيل المثال: إسرائيل/الأرض الفلسطينية المحتلة: يجب التحقيق في ارتكاب الجيش الإسرائيلي جريمة الحرب المتمثلة في التدمير غير المبرر في قطاع غزة – تحقيق جديد، منظمة العفو الدولية، 5/9/2024م.

[19] للتوسع ينظر: التقرير التمهيدي “مليشيات المشروع الإيراني في سوريا… التصنيف والتبعية وعوامل الحشد”، مركز الحوار السوري، 1/11/2019م، الورقة التحليلية “مليشيات المشروع الإيراني في سوريا… الأدوار ومجالات التأثير”، مركز الحوار السوري، 22/11/2019م.

[20] هيئة سورية معارضة: 30 قتيلاً في مجزة لحزب الله بالقصير، وكالة الأناضول، 8/5/2013م.

[21] مجزرة مروعة ترتكبها الميليشيات الإيرانية في مخيم قاح، تلفزيون سوريا، 20/11/2019م.

[22] على سبيل المثال: تقدّر منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان أن الحكومة السورية وحلفاءها مسؤولون عن 90 بالمئة من الوفيات في الكوادر الصحية طوال النزاع، وأن 923 عاملاً طبيًا قتل بين 2011 و2021م. ينظر: استهداف الكوادر الطبية في سوريا، أطباء من أجل حقوق الإنسان، الموقع الرسمي.

[23] في اليوم العالمي لحرية الصحافة: توثيق مقتل 717 من الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام منذ آذار 2011م بينهم 53 بسبب التعذيب على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

[24] ينظر على سبيل المثال: تضم معتقلين مدنيين وقيادات وعناصر.. المرصد السوري يكشف خفايا سجون الميليشيات الإيرانية في دير الزور، المرصد السوري لحقوق الإنسان، 27/11/2023م.

[25] مجزرة الحوثيين بحق أطفال تعز تثير غضب الحقوقيين والأحزاب اليمنية، الشرق الأوسط، 24/7/2022م.

[26] تقرير حقوقي يوثق.. شهادات مروعة عن مجازر حوثية في 2015، أوسان سالم، العربية، 19/11/2019م.

[27] الحوثي يصادر المستشفيات ويدمر قطاع الصحة اليمني، أحمد شعبان، مركز الاتحاد للأخبار، 2/2/2023م.

[28] ينظر على سبيل المثال: وفاة استشاري تحت التعذيب تُذّكر بجرائم الحوثي ضد الأطباء، العاصمة أون لاين، 30/1/2024م، أكثر من 4100 انتهاك حوثي في القطاع الصحي خلال 4 سنوات، العربية، 25/7/2021م، بسبب احتجاجهم ورفعهم الشارات الحمراء.. جريمة حوثية بحق 6 أطباء وموظفين في أكبر مستشفيات العاصمة بصنعاء، الحكمة، 31/3/2021م.

[29] تقرير يكشف الحقيقة.. الحوثيون يدمرون اليمن، الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، 22/2/2022م.

[30] في خصوصية الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في نظام المحكمة الجنائية الدولية نظام روما، ترتيل درويش، المجلة الدولية للفقه والقضاء والتشريع، المجلد 3، العدد 1، 2022، ص (60).

[31] من 10 صفحات.. وثيقة إسرائيلية مسربة تكشف مخطط تل أبيب لتهجير سكان غزة إلى مصر، روسيا اليوم، 3/7/2024م.

[32] 4 منظمات إسرائيلية تحذر العالم من المشاركة بجريمة تهجير سكان شمال غزة، وكالة الأناضول، 14/10/2024م.

[33] تقرير دولي: المجاعة وشيكة في شمال غزة وجميع السكان يواجهون أزمة جوع كارثية، الأمم المتحدة، 18/3/2024م، خبراء من الأمم المتحدة يعلنون تفشّي المجاعة في جميع أنحاء قطاع غزة، الأمم المتحدة، 9/7/2004م.

[34] مثّلت نظرية “تصدير الثورة” على الدوام مصدر احتكاك سلبي مع الجوار العربي بعد سعي إيران الخميني للوصول إلى قيادة العالم الإسلامي، من خلال تبنّيها نموذجها الخاص للتشيع السياسي عبر اعتمادها “الخطاب الثوري المظلومي”، ومحاولتها تقويض الأنظمة العربية التي تعارض الطموحات الإيرانية الإقليمية التوسعية. للتوسع ينظر: تصدير الثورة والتحولات في السياسة الإيرانية، تقرير تحليلي، مركز الحوار السوري، 10/1/2021م.

[35] ينظر على سبيل المثال: أُفول أهل السُّنَّة: التهجير الطائفي وميليشيات الموت وحياة المنفى بعد الغزو الأمريكي للعراق، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2019م.

[36] التايمز: فرق الموت في بغداد تقتل على الهوية، عربي بي بي سي، تموز 2015م.

[37] تفريغ السكان: كيف توظف إيران استراتيجية الإرهاب لتغيير ديموغرافيا العراق؟، للدكتور فريد خان، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، 2021م.

[38] نينوى العراقية.. تغيير ديموغرافي تقوده إيران عبر “الحشد”، إيران إنسايدر، 2019م.

[39] تقرير استقصائي يكشف تفاصيل مجزرة داريا منارة الحراك السلمي، الشرق الأوسط، 25/8/2022م.

[40] مجزرة القبير بريف حماة 2012 التي ارتكبتها قوات الأسد والميليشيات الطائفية التابعة لها في ذكراها الحادية عشرة، اللجنة السورية لحقوق الإنسان، 6/6/2023م.

[41] ينظر على سبيل المثال: حصار مضايا والزبداني والمعضمية ذروة الكارثة الإنسانية السورية، يوسف دياب، الشرق الأوسط، 8/1/2016م.

[42] الميليشيات التابعة لإيران تضغط لإخراج السكان من المنطقة الحدودية بين سوريا والعراق، سماح عبد الفتاح، الفاصل، 7/3/2024م.

[43] صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 42 ألفًا و438 منذ أكتوبر 2023، وكالة الأناضول، 17/10/2024م.

اجستير في القانون العام، باحث سياسي وناشط في العمل المدني والمجتمعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

X