في الآونة الأخيرة لا يكاد يمرُّ يوم إلا وتتناول فيه وسائل الإعلام مصطلح «التطبيع» وأخباره التي باتت حاضرة في المشهد العربي والإقليمي، ولمعرفة تاريخ التطبيع وبداياته ومجالاته وفوائده للمحتل، والسبل التي سلكها هذا الكيان لتنفيذه، والمراحل التي مرَّ بها، وموقف الشعوب العربية منه، نقدم لكم قراءة في هذا الكتاب
يُعد هذا الكتاب من أهم ما أُلف في رصد التطبيع وتأريخه، وعلى الرغم من مضي عقود على تأليفه إلا أن له مكانته في المكتبة العربية؛ لذا فقد وقع الاختيار عليه لعرضه في هذا المقال[1].
التعريف بالمؤلف: [2]
غسان سليم عبد الأمير حمدان واحد من أبرز المترجمين العرب، أديب وشاعر، وباحث في الشؤون الإيرانية.
ولد في بغداد سنة (١٩٧٣م)، درس علم الاجتماع في طهران، ثم انتقل إلى سوريا للعيش والعمل بها سنة (١٩٩٩م)، وبعد الثورة السورية عام (٢٠١١م) رجع إلى العراق وأقام في بغداد.
له أعمال عديدة في مجالات مختلفة أهمها «الترجمة» الأدبية من الفارسية إلى العربية والعكس، من ترجماته المتميزة رواية «بائع الأحلام» للروائي الإيراني محمد قاسم زاده. أصدر في العام (٢٠١٥م) رواية باسم «ريمورا» كما ترجم أكثر من ثمانية أعمال أدبية عربية إلى الفارسية.
عمل أكاديميًا ومدرسًا للغة الفارسية في سوريا، وأصدر أربع مجموعات شعرية باللغة الفارسية. كما أنه يعكف حاليًا على القيام بدراسات مكثّفة حول الفلسفة الإيرانية.
التعريف بالكتاب:
يقع الكتاب في (٢٥٦) صفحة من القطع المتوسط ويحمل عنوان: التطبيع استراتيجية الاختراق الصهيوني، وطبعت الطبعة الأولى عام (١٩٨٩م) في دار الأمان للطباعة والنشر، بيروت.
لمحة عن الكتاب:
يقدم الكتاب للقرّاء صورة متكاملة الجوانب ورؤية شاملة لمسيرة التطبيع التي يجري تنفيذها في منطقتنا، وقد امتاز الكتاب بغزارة المعلومات والإحصاءات، وهو مقسم إلى سبعة فصول رئيسية:
ابتدأها الكاتب بمقدمة أوضح فيها أن المسلمين ابتلوا في عصرنا بكارثتين كان لهما الأثر البالغ في حياة الذل والاستعباد التي تعيشها الشعوب الإسلامية اليوم.
- الأولى: إلغاء الخلافة التي شكلت البداية المؤلمة لفقد المسلمين هويتهم وانقسامهم على أنفسهم، واحتلال بلدانهم.
- والثانية: اغتصاب فلسطين وإقامة الكيان الصهيوني على أرضها، وما كشفه ذلك من حقائق ما يسمى بالثورية والوطنية الزائفة على يد الأحزاب المنحرفة التي أعلنت نفسها وصيةً على الشارع الإسلامي، وستار الصمود والتصدي والممانعة، فعرّت كل الأنظمة العربية بلا استثناء.
ظهرت البوادر الأولى لمصطلح «التطبيع» بعد موافقة الدول العربية على قرار الأمم المتحدة رقم (242) القاضي بالاعتراف بحدود آمنة «لإسرائيل» مقابل انسحابها من الأراضي التي احتلّتها عام (1967م)، في أوّل تراجع عربي عن الموقف الرافض للكيان المحتل
الفصل الأول – العلاقات العربية اليهودية بين المقاطعة والتطبيع:
حدث تغير كبير في العلاقات العربية الإسرائيلية، بدءًا بالإجماع على رفض الاعتراف بالعدو من (١٩٤٨م) حتى هزيمة (١٩٦٧م)، باستثناء موقف الرئيس التونسي بورقيبة، ومقاطعة عربية شاملة (لا صلح، لا اعتراف، لا مفاوضات)، ثم إنشاء جهاز المقاطعة العربية لإسرائيل بقرار الجامعة العربية (١٩٥١م)، وقد احتوى القانون في مواده وأنظمته على وقف التجارة مع الكيان من خلال الحصار، ومنع الاستيراد والتصدير، ونظام القوائم السوداء للشركات والمنشآت التي تتعامل مع الكيان، ووضعت مواد تفصيلية للقرار، وأدرجت أسماء الشركات والكيانات والمؤسسات التي يطبق عليها.
لكن كل هذا الجهد لم يمنع تسرُّب بعض البضائع «الإسرائيلية» للدول العربية والعكس؛ حيث كان البترول يُسرَّب عبر ناقلات طرف ثالث في عرض البحر، وكانت البضائع «الإسرائيلية» تُسرَّب إلى بعض الدول العربية عبر مراكز إعادة تصدير إقليمية كاليونان وقبرص، أو عالمية مثل تايوان وهونك كونغ.
ثم ظهرت البوادر الأولى لمصطلح «التطبيع» بعد موافقة الدول العربية على قرار الأمم المتحدة رقم (٢٤٢) القاضي بالاعتراف بحدود آمنة «لإسرائيل» مقابل انسحابها من الأراضي التي احتلّتها عام (١٩٦٧م)، في أوّل تراجع عربي عن الموقف الرافض، وفي تلك الأجواء جاءت زيارة الخيانة للسادات للكيان الغاصب، معلنةً بداية حقبةٍ جديدةٍ من العلاقات والتي أطلق عليها تطبيع العلاقات، في مغالطة واضحة لمعنى التطبيع الذي أكثرت «دولة العدو» من استخدامه بمعنى عودة العلاقات إلى طبيعتها وسابق عهدها، ويعنون بذلك زوال العداوة وإحلال السلام مكانها، بينما العلاقة الطبيعية مع المعتدين هي الحرب!
تلا ذلك اتفاقية كامب ديفيد مع نظام السادات، التي جاء في الفقرة (ب) من مادتها الثالثة: «يُقرُّ الطرفان ويحترم كل منهما حقَّ الآخر في أن يعيش في سلام داخل حدوده الآمنة والمعترف بها».
وقد اجتهدت «دولة العدو» في نقل هذه الاتفاقية للواقع وتطبيقها ببرامج كثيرة.
ويمكن تلخيص نظرة «إسرائيل» للتطبيع بأنها مرحلة من مراحل السيطرة اليهودية على العالم العربي، في مختلف المجالات.
على الرغم من حالة المقاطعة المعلنة من الأنظمة العربية ل «الكيان الصهيوني» إلا أن هذه الأنظمة كانت تتسابق في الخفاء لمدِّ يد التواصل معه
الفصل الثاني – تاريخ الاتصالات الإسرائيلية العربية:
على الرغم من حالة المقاطعة المعلنة من الأنظمة العربية لـ «الكيان الصهيوني» إلا أن هذه الأنظمة كانت تتسابق في الخفاء لمدِّ يد التواصل معه، ويمكن تلخيص أهم تلك الاتصالات فيما يلي:
١. الاتصالات الإسرائيلية الأردنية:
بدأت في عهد الملك عبدالله بن الشريف حسين، أول ملوك الأردن، وتوقيع اتفاقية عدم اعتداء لخمس سنوات (١٩٥٠)، ضم بعده بشهر الضفة الغربية إلى مملكته مما ضَمِن لـ «دولة العدو» أمن حدودها الشرقية ووقوف قواته العسكرية حارس أمنٍ لها، وتابع هذه الاتصالات من بعده حفيده الملك حسين، بدأت في بريطانيا عام (١٩٦٣م) وتتابعت اللقاءات بين أعوام (١٩٦٧ – ١٩٧٠م) وعددها أكثر من ٢٣ لقاء، كانت تمهيدًا لجعل الوضع طبيعيًا بين البلدين، ولزيارات متبادلة وبعض الاتفاقيات الاقتصادية.
امتدت آثار هذه اللقاءات وما نتج عنها من اتفاقات للكثير من الأوضاع والأحداث، ولعل من أهمها: أحداث أيلول ١٩٧٠م ضد المنظمات الفلسطينية في الأردن، وتأمين مناطق غور الأردن من هجمات الفدائيين ضد الكيان.
٢. الاتصالات الإسرائيلية – المغربية:
لعب النظام المغربي دورًا خطيرًا لإقامة علاقات بين اليهود والعرب وتنسيقها، رغم كونه أبعد بلاد العرب عن الكيان، ورغم أنه ليس من دول المواجهة، فهو من أكثر الأنظمة العربية تواصلاً وتنسيقًا مع الكيان.
ورغم السرية التي فرضها المغرب على تحرُّكاته، إلا أنه يمكن بلورة دوره في التمهيد لعلاقات العرب مع الكيان الصهيوني بكونه ساحة مهمة للقاءات السرية الفلسطينية الأمريكية، إضافة إلى الدور الخفي في التهيئة لمعاهدة كامب ديفيد، وذلك بإشراف الملك الحسن الثاني شخصيًا والسبب:
- ارتباط الملك الحسن بأمريكا وحاجته لدعمها.
- حاجة المغرب إلى المساعدة من الدول الأوروبية.
- وجود أكبر تجمع لليهود فيها.
- نفوذ اليهود المغاربة في الكيان.
وقد مرَّت الاتصالات المغربية الإسرائيلية بمراحل ثلاث: (السرية، والعلنية، والرسمية)، وشملت هذه الاتصالات مختلف مناصب الدولة من المسؤولين «الإسرائيليين» والمغاربة، سواء كانت في المغرب أو «إسرائيل»، أو في بلدان أخرى.
وحظيت هذه الاتصالات باهتمام ورعاية الدول الغربية، ونتج عنها الكثير من الخطوات اللاحقة، كما أنها حظيت بموافقة ودعم الزعماء العرب.
٣. الاتصالات الإسرائيلية – اللبنانية:
ينبع الاهتمام الإسرائيلي بلبنان من أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الأقليات الطائفية في ضمان هيمنتهم على المنطقة، وكان أول اتصال مع الموارنة ممثلين برئيس لبنان إميل إده والبطريرك أنطوان عريضة، في اجتماع مع حاييم وايزمان (بيروت ١٩٣٤م)، وبرزت فكرة اعتراف الموارنة بفلسطين بلدًا قوميا لليهود، مقابل أن تعترف «إسرائيل» بلبنان وطنًا قوميًا للمسيحيين، وعملوا على تسريب أسلحة للكيان قبيل حرب عام ١٩٤٨م.
ثم تتابعت اللقاءات مع الموارنة وخاصة مع ذراعها العسكري (حزب الكتائب)، الذي لم ينكر هذه اللقاءات وعلى لسان كثير من مسؤوليه، ولعل ذلك ينبع من كون الطرفين يناصبان الإسلام العداء.
ووصل التنسيق ذروته بين عامي ١٩٧٥-١٩٧٦م والذي تمثل بدعم الكتائب في حربها التي أشعلتها بلبنان، وما نتج عنها من عمليات إبادة للوجود الفلسطيني خصوصًا والمسلم عمومًا، وتنصيب أمين الجميّل رئيسًا على الدولة.
٤. الاتصالات الإسرائيلية – الفلسطينية:
انتقلت عدوى اللقاءات مع الكيان الصهيوني إلى منظمة التحرير الفلسطينية منذ (١٩٧٧م)، فخرج الإعلان السياسي الصادر عن الدورة (١٣) للمجلس الوطني الفلسطيني، وسبقته لقاءات بين الكيان والجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين (١٩٦٩م).
وقبل ذلك لم تُطرح فكرة اللقاء مع العدو، حتى جاء المجلس الوطني (١٣)، فتحدَّث أبو مازن (محمود عباس) عضو اللجنة المركزية لفتح، وعضو اللجنة التنفيذية، مطوّلاً عن اللقاء مع العدو، وأصغى له الجميع بانتباهٍ شديد، تلاه اعترافٌ بوجود لجنة من فتح برئاسته بدأت بالفعل تلك الاتصالات.
- الاتصالات المباشرة السرية: وكانت تجري بسرية وتكتم، ولعب في تهيئة أجوائها شخصيات على مستوى ملوك ورؤساء ورؤساء وزارات، وكانت على نوعين:
- لقاءات الأفراد: أكثر من ٢٥ لقاء.
- لقاءات الوفود: ١٧ لقاء، استمر بعضها أيامًا.
قدمت المنظمة مشروع معاهدة (١٩٧٦م) تقترح فيه وقف حالة العداء بين الطرفين، وموافقة إسرائيل على إنشاء دولة فلسطينية فوق أراضي ١٩٦٧م، وتنظيم أوضاع اللاجئين وأمن الحدود. مع إدانة من المنظمة لعمليات خطف الطائرات، على الرغم من استمرار الاعتداءات الصهيونية.
- الاتصالات العلنية: انعقد المجلس الوطني الفلسطيني (١٧) عام (١٩٨٤م)، وسُمح بعقد الحوار مع أي جهة يهودية، بقرار يشرعن هذه المرحلة، وتولى ياسر عرفات المهمة بنفسه بعد الذهاب إلى تونس.
وزاد عدد اللقاءات على (٢٨) لقاءً، على مختلف المستويات من الجانبين، بين أعوام (١٩٧٣ – ١٩٨٧م) مع تمسك الجانب الإسرائيلي بحق قيام إسرائيل وعاصمتها القدس.
٥. الاتصالات الإسرائيلية – المصرية:
رغم تفاخر السادات بزيارته الخيانية وتحديه، إلا أن عبدالناصر سبقه لعقد لقاءات مع العدو لكنه كان أجبن من السادات، فكانت علاقاته مع العدو طيَّ الكتمان رغم تعددها منذ (١٩٥٣م) وقبوله بالقرار (٢٤٢) ومشروع روجرز، ولعل ذلك بسبب اغتيال ملك الأردن عبدالله بن الشريف حسين، وخشية الحكام من كشف علاقاتهم السرية مع الكيان.
استكمل السادات المشروع، وبدأ بعمليات غسيل دماغ إعلامي لترويض الشعب المصري، منها: تقطيع علاقاتهم بالعرب، وإيهامهم بالتحسُّن الاقتصادي حال السلام.
ثم طرَح مبادرته المفاجئة في مجلس الشعب عام (١٩٧٧م)، حيث أعلن فيها رغبته بزيارة القدس رغم محاولاته منذ (١٩٧٢م) بوساطة رومانية، واستمرت اللقاءات حتى خلال حرب عام (١٩٧٣م).
يتلخص التصور «الإسرائيلي» لتطبيع العلاقات مع الدول العربية في اعتبار التطبيع ثمنًا للانسحاب من الأراضي المحتلة وربط ذلك بالحصول على معاملة تفضيلية، وتثبيت السلام معها، وخدمة المصالح
الفصل الثالث – مظاهر ومجالات التطبيع:
يدور التصور «الإسرائيلي» لتطبيع العلاقات مع الدول العربية حول الآتي:
- التطبيع ثمن الانسحاب من الأراضي المحتلة.
- بناء علاقات مع العرب تتمكن من تثبيت السلام، وخلق قاعدة من المصالح المشتركة تحميها قاعدة اجتماعية.
- ربط الانسحاب بالحصول على معاملة تفضيلية (سياحة، نفط، تجارة … إلخ).
- نتائج التطبيع يجب أن تلتقي مع مصالح «إسرائيل» الحيوية.
أبرز مظاهر التطبيع مع مصر:
يُعدُّ التطبيع مع مصر صورة مصغرة لما سيتم في المستقبل في حالة توقيع اتفاقيات، لذا لابد من وقفات مع أبرز مظاهر التطبيع معها:
- التطبيع السياسي:
تعتبر عملية التفاوض السياسي جزءًا أساسيًا من التطبيع، وبعد زيارة السادات والانسحاب المرحلي إلى خط العريش تبادل الطرفان الزيارات الرسمية والتمثيل الدبلوماسي.
- أجهزة التطبيع السياسي:
- التمثيل الدبلوماسي: وتوِّج برفع علم «إسرائيل» على سفارتها في القاهرة (١٩٨٠م).
- التمثيل القنصلي: الاتفاق على فتح قنصليتين في الإسكندرية وشرم الشيخ.
- اللجنة العليا للتطبيع: ولديها مهمتان، الأولى توجيه مفاوضات التطبيع، والثانية مراقبة الانسحاب النهائي «لإسرائيل».
- تنظيمات شعبية للتطبيع: فشلت معظم محاولات تأسيسها، بسبب رفض الشعب المصري المسلم، لكن نجح النظام في إنشاء منظمتين.
- لقاءات القمة: بين رئيس مصر ورئيس وزراء إسرائيل، عددها (١٤) لقاءً، (٢) في عهد مبارك والباقي في عهد السادات.
- العلاقات البرلمانية والحزبية: أصرَّت «إسرائيل» على زيارة وفود برلمانية للكنيست ومكتب رئيس الوزراء لإعطاء اعتراف عملي بوضع القدس تحت سيادتها، وقد بدأت بوفد برلماني مصري (١٩٨١م).
- العلاقات العسكرية: حرص الجانبان على تطبيع العلاقات بين القوات المسلحة، ومن ذلك: عقد لقاءات بين الجرحى، وزيارات متبادلة لقطع من الأسطول البحري وبين القادة العسكريين للمصانع والكليات العسكرية.
- التطبيع الاقتصادي:
تنظر إسرائيل بطمع إلى خيرات العالم العربي وموارده الهائلة، وترى فيه حلاً لمشاكلها الاقتصادية، وسوقًا ضخمةً للتصدير، وقد وُقِّع بذلك بروتوكول اقتصادي ملحق باتفاقية كامب ديفيد، وأصبحت «إسرائيل» الدولة الأولى بالرعاية.
- التبادل التجاري:
عقدت اتفاقية مع مصر (١٩٨٠م) من (١١) مادة، كانت إسرائيل الرابح الأكبر فيها، فتنشر إعلاناتها التجارية في الإعلام المصري، وتحصل على التسهيلات (لرجال أعمالها، الاستيراد والتصدير)، والمشاركة في المناقصات والمعارض الزراعية.
- قطاع الطاقة والنفط:
كان الاهتمام الإسرائيلي واضحًا بالنفط، كونه أهم موارد العرب، فتأخر الانسحاب من سيناء الغنية بالنفط، لتنال إسرائيل ربع احتياجها السنوي بسعر مخفض.
- النقل والمواصلات:
نصت المعاهدة على حرية التنقل للأشخاص والآليات، وعقدت الاتفاقيات في مجالات النقل البري والبحري والجوي والاتصالات.
- السياحة:
وعليها يعلق الطرفان آمالهما بالفائدة، فقُدمت كل التسهيلات للسياح، فتدفق آلاف السياح اليهود، مقابل (١٥٠٠) مصري معظمهم من الرسميين والصحفيين.
- المشروعات الزراعية:
طمع اليهود بمياه النيل مقابل خبرتهم الزراعية، وطرحوا عدة مشاريع لنقل مياه النيل إلى أرضهم.
أدرك قادة الاحتلال أهمية التأثير الثقافي على الشعوب، فاشترطوا إزالة كل ما يُظهر الصهيونية عدوةً للأمة العربية والإسلامية، ونزع العداء «لإسرائيل» من العقل العربي
- التطبيع الثقافي:
أدرك قادة الاحتلال أهمية التأثير الثقافي على الشعوب، فاشترطوا إزالة كل ما يُظهر الصهيونية عدوةً للأمة العربية والإسلامية، ونزع العداء لإسرائيل من العقل العربي. ولتمكين ذلك جرت الخطوات الآتية:
- إنشاء المركز الأكاديمي الإسرائيلي بالقاهرة.
- تبادل الزيارات بين أساتذة الجامعات.
- إقامة المؤتمرات العلمية.
- الاهتمام الكبير بالمجال التعليمي والتربوي: كمنح للطلاب المصريين والإسرائيليين، والاستعانة بمدرِّسين مصريين في اللغة العربية، ودورات مشتركة للمعلمين، وزيارات لمسؤولي التعليم، وتُوِّج ذلك بمراجعة مناهج التعليم المصرية لتعكس «عصر السلام».
- توقيع اتفاقية في مجال الرياضة والشباب (١٩٨١م)، وتبادل الزيارات واللقاءات.
- ترويج الفكر الصهيوني، من خلال الفكر والأدب، ومعارض الكتب.
- الاهتمام بالموسيقى والغناء والسينما والتلفزيون.
الفصل الرابع – أهمية التطبيع للكيان الصهيوني:
منذ التوقيع على معاهدة الاستسلام، والعدو الإسرائيلي يركِّز جهوده ومساعيه على تسريع عملية التطبيع بينه وبين الأنظمة العربية. ورغم إخراج مصر الدولة الكبيرة من ساحة المواجهة الحربية، فقد حرصت إسرائيل على الاستعداد للحرب رغم مناداتها بالتطبيع والتقارب مع العرب، وكانت تستغل أيَّ فرصةٍ للتوسُّع والحرب لما له من فوائد اقتصادية للكيان، بسبب تدفُّق المساعدات الخارجية عليه، ويمكن القول إن أحد أهم أهداف الحروب الإسرائيلية هو إرغام الدول العربية بقبول الكيان وفرض ذلك أمرًا واقعًا.
ويلاحظ أن الإسراع في التطبيع يعود لفوائده التي يدرها على الكيان الغاصب ومن ذلك:
- كسر الحاجز النفسي بين المسلمين واليهود، بحيث يتقبل المسلمون وجود دولة اليهود في فلسطين كأي دولة أخرى في المنطقة.
- إلغاء المقاطعة الاقتصادية العربية، وبالتالي زيادة ناتجها القومي، وفتح الباب أمام الشركات التي تحسب حساب المقاطعة.
- زيادة أعداد المهاجرين اليهود، بعد أن كانت منخفضة بسبب الحروب وانعدام الأمن.
- استثمار النفط العربي، وخاصة بعد عودة سيناء.
- استثمار الثروة المائية العربية، والتخطيط للاستفادة من مياه النيل واليرموك والليطاني.
الفصل الخامس – مخاطر التطبيع على المنطقة:
تميزت مشاريع التسوية مع «إسرائيل» بميزتين هما:
- الإيقاع السريع والاهتمام العالمي، لحل «مشكلة الشرق الأوسط» كما يسمونها.
- التنازلات الدائمة والمستمرة من العرب والفلسطينيين.
وحتى يتم تحقيق التطبيع مع اليهود وتتقبل الشعوب العربية وجودهم لا بد من ثلاث خطوات:
- إلغاء مبدأ العداوة مع اليهود.
- تجريد الشعب من إرادة القتال، ليكون فريسة سهلة عند الحرب.
- تكريس الانفصال بين الدول العربية.
ووضع اليهود شروطًا للتعايش مع العرب، أهمها:
- استغلال الدين وتطبيعه:
عن طريق الكتّاب والصحفيين، الذين يسوقون الأدلة والبراهين دفاعًا عن المغتصبين، والزعماء المطبّعين، فالدين الإسلامي هو الأخطر على مشروع «دولة العدو»؛ لذا طالبت الدولَ المطبّعة بتعديل المناهج الدراسية، وملاحقة الجماعات الإسلامية، ومراقبة البرامج الدينية التلفزيونية، ونشر فكرة وحدة الأديان.
حتى يتحقق التطبيع مع اليهود وتتقبل الشعوب العربية وجودهم لا بد من ثلاث خطوات:
1. إلغاء مبدأ العداوة مع اليهود
2. تجريد الشعب من إرادة القتال، ليكون فريسة سهلة عند الحرب.
3. تكريس الانفصال بين الدول العربية.
- الاختراق الثقافي والفكري:
عبر الاتفاقيات الثقافية، التي كانت أول البنود تطبيقًا في أي معاهدة، من خلال:
- إعادة النظر في البرامج الدراسية: فجعلت الأنظمة حارسًا للصهيونية وأفكارها الخبيثة.
- نشر الثقافة والآداب اليهودية: بإنشاء المراكز الثقافية والعلمية والأكاديمية، ومخرجاتها من برامج وخدمات وتسهيلات للباحثين الصهاينة.
- حرية النشاط التجسسي:
والذي استغلته مخابرات العدو عبر ستار التطبيع، فنشرت أنشطتها التخريبية بالاعتماد على عملائها من عرب ويهود، وخاصة: السفارات والقنصليات، والدبلوماسيين، والمعهد الأكاديمي الإسرائيلي، والشركات والوكالات (سياحية، استشارية، نقل)، والسياح والقوات الأمريكية.
- إغفال حقوق الشعب الفلسطيني:
بالتركيز على المكاسب المصرية من معاهدة السلام، والتنازلات المستمرة، وإغفال الفلسطينيين والقدس بالكلية.
- تقييد قدرة العرب الدفاعية:
بالاتفاقيات المقيدة لحريتهم في ممارسة السيادة الكاملة على المناطق بعد الانسحاب الإسرائيلي (مصر ولبنان مثالاً)، وتوفير مزيد من الأمن لإسرائيل، وإضعاف العرب، ومراعاة سلامة وأمن مستوطناتها.
- ضمان أمن وسلامة اليهود:
نصت معاهدة كامب ديفيد على أنه «تنتهي حالة الحرب بين الطرفين، ويقام السلام بينهما عند تبادل التصديق على هذه المعاهدة». عبر سلسلة إجراءات تبدأ بالطفل وتنتهي بكبار المثقفين والاقتصاديين والسياسيين.
- تمزيق الجبهة العربية:
عن طريق حظر الدخول في أي معاهدة تتعارض مع المعاهدة، وهيمنتها على المعاهدات والتفاهمات السابقة وخصوصًا العربية، وبالتالي تحطيم التزامات مصر العربية والدولية.
- إشاعة الفساد:
حرصت دولة العدو من خلال منافذ الاتصال والتواصل على نشر الرذيلة في البلدان العربية من خلال (الكتب، والإذاعة، والتلفزيون، والأفلام الساقطة، ونشر الأمراض، والمخدرات، والجنس)؛ لإلهاء الشعوب، وإضعاف الأجيال.
- تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين:
يذكر المفكرون اليهود أنَّ الهجرة اليهودية إلى فلسطين هي المشكلة الثانية للكيان بعد الأمن، فمستقبل الدولة «الإسرائيلية» قائم على استمرار الهجرة، فنشط اليهود في تشجيع وترتيب الهجرة وتقديم المغريات للمهاجرين.
كما عملوا على مكافحة ظاهرة الهجرة المعاكسة التي تهدد الكيان، ووضعوا القيود على اليهود العائدين إلى الدول المطبّعة.
الفصل السادس – ملامح الموقف الشعبي من التطبيع:
مع كل الجهود الرسمية المبذولة للتطبيع، فقد واجهت مقاومة شعبية عامة، هذه ملامحها:
- المقاطعة الشعبية الشاملة: وهذا ما أكَّده وأجمع عليه كبار المسؤولين والدبلوماسيين اليهود، واستطلاعات الرأي، والبعثات السياحية؛ الذين أكدوا على الرفض الشعبي الكامل لأي مظهر من مظاهر التطبيع، على عكس ما يروِّج له إعلام الذل والهوان (إعلام السادات).
- معارضة النقابات المهنية: التي طالبت بمقاطعة شاملة، من نقابات واتحادات (المحامين، والصحفيين، واتحاد العمال، وأعضاء تدريس الجامعات، والهندسية والمعدنية، والمثقفين المصريين، والجمباز واليد والسباحة …).
- المظاهرات والمسيرات: في كل مناسبة شاركت فيها إسرائيل، ومن كل الفئات المصرية، ووصل بعضها لآلاف المشاركين.
- إحراق العلم الإسرائيلي: والذي عمَّ كل مدن وبلدات مصر، ومن كل فئات المجتمع.
- الإرهاب النفسي: عبر مكالمات وخطابات تهديد، وصلت للسفير الإسرائيلي نفسه.
- الاحتجاج الفردي المسلح: عبر عشرات الحوادث من شبابٍ عرب، والذين تعرَّضوا للمحاكمة في بلدانهم وأُعدم بعضهم.
- المقاومة العسكرية المنظمة: والتي أدخلت الرعب في قلوب الدبلوماسيين اليهود، وذلك عبر: (عمليات اغتيال نجح بعضها، وتفجير القنصلية والسفارة الإسرائيلية، وغير ذلك).
- تصفية رأس التطبيع: وذلك باغتيال السادات، فكان أقوى ردٍّ على رفض التطبيع، ودليلاً قاطعًا لرفض الشعب المصري لأي مظهر من مظاهر التطبيع، وقد تمت محاكمة أبطال العملية وأعدموا، لكن العملية ألقت الرعب في قلوب المطبعين ومن سار على نهجهم.
الفصل السابع – مستقبل التطبيع:
لا يخفى على عاقل أن هدف اليهود هو إنشاء دولتهم المزعومة، من الفرات إلى النيل، ولم يتوقف هذا الهدف نتيجة لقوة الأنظمة العربية، بل بسبب مشاكل اليهود (الأمنية، الهجرة، الاقتصادية، السكانية)، وقد وجد اليهود مكاسب كبيرة من اتفاقهم مع مصر، فشجَّعهم ذلك على إبرام اتفاقات وتفاهمات مع بقية الدول العربية، وذلك مقابل فتات يجنيه المطبّعون.
العلاقات المصرية الإسرائيلية:
شهدت هذه العلاقات ثلاث مراحل:
- مرحلة الازدهار والنمو: من ٢٦/٠٣/١٩٧٩م حتى تاريخ ٢١/٠٩/١٩٨٢م:
شهدت العلاقات فيها توسعًا ملحوظًا، توج بتبادل السفراء بين البلدين (٢٦/٠١/١٩٨٠م)، ومن ملامح هذه الفترة:
- العلاقات الاقتصادية: أنهيت المقاطعة الاقتصادية ووقعت الاتفاقيات الاقتصادية، وغزت البضائع الإسرائيلية والوفود السياحية مصر.
- العلاقات الثقافية: وقعت اتفاقية نصت على التعاون في المجالات الثقافية والعلمية والفنية وتبادل البرامج التلفزيونية والإذاعية والأفلام، وأنشئ المركز الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة.
- العلاقات الدبلوماسية: افتتحت السفارات في كل من البلدين وتم تبادل السفراء.
- مرحلة تجميد التطبيع (٢١/٠٩/١٩٨٢- ١١/٠٩/١٩٨٦م):
أحرجت مجازر (صبرا وشاتيلا) الرئيس المصري حسني مبارك، فسحب سفيره، وأطلق يد الصحافة في نقد الاحتلال، واشترط عودة طابا، وسحب القوات الإسرائيلية من لبنان، ووقف الاستيطان في الضفة الغربية وغزة، مقابل عودة التطبيع.
- مرحلة الانفراج بتاريخ: (١١/٠٩/١٩٨٦م):
وذلك بعد فوز بيريز بالانتخابات (١٩٨٤م)، فبدأ بالتقارب مع مصر، والتقى مبارك (١٩٨٦م)، فعادت الأمور لمجاريها ونال اليهود مكاسب أكبر مما نالوه قبل تجميد التطبيع.
العلاقات الأردنية – الإسرائيلية:
أبدى الملك حسين استعداده لتوقيع معاهدة سلام مع الكيان الصهيوني فور انسحاب الأخير من الضفة، ورغم رفض اليهود، استمر الملك في إرساء دعائم نفوذه في الضفة، من خلال إجراءات (في الاقتصاد، والزراعة، والنقل، والاتصالات الدبلوماسية، وإنشاء محطات الهاتف).
العلاقات المغربية – الإسرائيلية:
أعلن الملك المغربي الحسن الثاني لقاءه رئيس وزراء العدو (بيريز) لتخفيف عزلة الرئيس المصري، وتشجيع ملك الأردن على مبادرته، وبالرغم من رفض اليهود الانسحاب من أراضي ١٩٦٧م، استمرت محاولات التقرب من إسرائيل، للحصول على مساعدات أمريكية، فوجّه باستمرار الزيارات المتبادلة بين الطرفين وعلى مستوى عدة قطاعات في (الزراعة، التجارة، السياحة، النقل، رجال الأعمال، الثقافة).
برهنت الشعوب المسلمة على أنها شعوب ترفض الذل والهوان والظلم، رغم المحاولات العديدة لتدجينها وإبعادها عن دينها، فأفشلت كل المخططات التي حاكها العدو مع أذنابه ممن يسعون للتطبيع معه والترويج لديمقراطيته الكاذبة
استمرار الرفض الشعبي للتطبيع:
رغم مرور ٨ سنوات على توقيع معاهدة السلام التاريخية بين مصر والكيان الصهيوني (وقت تأليف الكتاب)، فلا تزال العلاقات هشة بين البلدين، وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة التي بذلتها إسرائيل للتخفيف من الضغط الشعبي المصري، ورغم تهديدات مبارك عبر أبواقه الإعلامية أنه سيقمع هذه المشاعر بشكل «مخيف وخطير»، فقد وقف الشعب المصري المسلم حجر عثرة في وجه كل أشكال التطبيع، وبرهنت الشعوب العربية والإسلامية في كل مكان على رفضها القاطع للتطبيع، وأنها لن ترضخ للمحتل، ولن تصافح القاتل، مهما بلغ إرهاب الأنظمة الحاكمة.
لقد برهنت الشعوب المسلمة على أنها شعوب حية، ترفض الذل والهوان والظلم، رغم المحاولات العديدة لتدجينها والعمليات المتكررة لإبعادها عن دينها ومبادئها، فأفشلت كل المخططات التي حاكها العدو الصهيوني مع أذنابه ممن يسعون للتطبيع معه، والترويج لديمقراطيته الكاذبة، وظلت فلسطين وعاصمتها القدس إحدى أهم القضايا لدى الشعوب المسلمة إن لم تكن الأولى.
أ. محمود نادر المصري
مشرف تربوي في جمعية لتعليم القرآن.
[1] على الرغم مما تسرَّب من معلومات ومؤشرات عن علاقات إيران و«حزب الله» «بالكيان الصهيوني»، ودورهما في القضاء على المقاومة الفلسطينية وتحجيم المقاومة في جنوب لبنان، إلا أنَّ الكتاب يُعدُّ مادّة توثيقية مهمة، وهو جيدٌ في بابه، فاخترنا تقديمه مع معرفتنا بما يمكن أن يثيره انتماء الكاتب من تساؤلات.
[2] ينظر: مقابلة مع الكاتب في مجلة المونيتور (AL-MONITOR) بعنوان: كاتب عراقي يعرف العالم العربي إلى الأدب الفارسي، بتاريخ ١٦-٧-٢٠١٥م.