تسلُّط المقالة الضوء على القضية الفلسطينية مستعرضةً مكانتها الدينية وأهميتها التاريخية كجزءٍ من أرض الشام المباركة وموطن المسجد الأقصى، كما تبرز طبيعة الاحتلال الصهيوني الذي يتجاوز كونه احتلالاً محليًا؛ ليصبح تهديدًا إقليميًا وعالميًا، وتؤكد المقالة على ضرورة الإعداد الشامل لمواجهة الاحتلال، مشددةً على دَور الأمة جمعاء في تحرير فلسطين، عبر توحيد الجهود وإعادة صياغة استراتيجية جهادية تتماشى مع السنن الكونية لتحقيق النصر المنشود.
كانت ولا تزال المسألة الفلسطينية من أهم المسائل التي تشغل الدنيا، وهي على رأس قضايا العرب والمسلمين، كما أنّها القضية الأشدّ تأثيرًا على دول المنطقة، والأكثر إشعاعًا وإلهامًا للشعوب ومشاريع التغيير والتحرير القائمة فيها منذ قرن وحتى الآن.
فما الذي جعل ويجعل القضية الفلسطينية هي أمّ قضايا الأمّة وأولويتها الشاغلة؟
وما المسارات المعاصرة التي حكمتها؟ وكيف تعامل القائمون عليها معها؟
وما السبيل المفضي لإنهاء الاحتلال الجاثم عليها وإقامة الحقّ والعدل المنشود فيها؟
مميزات القضية الفلسطينية ومرتكزاتها الأساسية:
رغم كثرة قضايا ومآسي العرب والمسلمين إلا أنّ القضية الفلسطينية ظلّت على رأس قضاياهم الشاغلة، وموطن تفاعلهم الكبير أكثر من قضاياهم الوطنية والمحلية، وهي أكثر القضايا التي كتب عنها السياسيون والعلماء في قضايا الشأن العام، والقضية التي احتلّت المساحة العريضة من منابر ومساجد المسلمين خلال القرن الحالي والمنصرم.
وليس عجبًا أن تحتلّ فلسطين تلك المكانة؛ فهي جزء لا يتجزّأ من أرض الشام المباركة، وهي حضن المسجد الأقصى، وموطن رحلتي الإسراء والمعراج، ومحلّ إمامة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بجميع الأنبياء والمرسلين، وعلى تلك المعاني الجليلة تشهد سِيَرُ وقبور خير الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة المعدّلين بنصّ القرآن الكريم، والذين وعوا قيمتها وأهميتها ودلالاتها الدينية وتأثيراتها السياسية؛ فهاجروا ليستقرّوا في أرض الشام ويُدفنوا في محيط أقصاها المبارك.
لقد اجتمعت في المسألة الفلسطينية ثلاث مميزات فريدة ومرتكزات أساسية جعلتها متقدّمة على غيرها في وجوب التناول ودقّة التعامل، وهي:
أولاً: المسجد الأقصى المبارك:
الذي جعله الله قبلة المسلمين الأولى ليصبح جزءًا من عقيدة المسلمين، يقول ربنا سبحانه وتعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1]، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أُتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرْفه، قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس، قال: فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء، قال: ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين) إلى نهاية الحديث الطويل الذي رواه مسلم[1].
إنّ رحلة معراج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء ولقاء ربه جلّ جلاله كان يمكن أن تحدث من مكة مباشرة، ولكن قضى الله أن تُسبق برحلة الإسراء إلى الأقصى المبارك، وفي ذلك رسالة ربّانية نبّهت الصحابة الكرام إلى أهمّية المسجد الأقصى؛ الأمر الذي جعلهم يسألون عنه، فعن أبي ذر الغفاري قال: قلتُ: (يا رسولَ اللهِ، أيُّ مسجدٍ وُضِع في الأرضِ أولَ؟ قال: المسجدُ الحرامُ. قال: قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: المسجدُ الأقصى. قلتُ: كم كان بينهما؟ قال: أربعونَ سنةً)[2]. وقد بقي عقل وقلب الصحابي الجليل أبي ذر معلّقًا بالمسجد الأقصى حتى شارك في جيش الفتح سنة 15 هجرية، فشدّ الرحال إليه عملاً بوصيّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتعبّد الله فيه ويسكن عنده.
ثانيًا: بركة الأرض:
اختصّ الله عموم أرض الشام وخصوص المحيط الجغرافي للمسجد الأقصى المبارك بالبركة دون جغرافيا الدنيا بأسرها؛ لذا فإنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم عندما استشاره حذيفة بن اليمانِ ومعاذ بن جبلٍ في البلد التي يسكنونها فأومأ إلى الشَّامِ، ثمَّ سألاه فأومأ إلى الشَّامِ، ثمّ قال: (عليكم بالشامِ، فإنها صفوةُ بلادِ اللهِ يُسكِنُها خيرتَه من خلقِه، فمن أبَى فليلحَقْ بيمنِه، وليسْقِ من غُدَرِه، فإن اللهَ تكفَّل لي بالشامِ وأهلِه)[3].
وقد زاد الله سبحانه وتعالى بركتها بأن جعلها بركة للعالمين، ولم يقصر بركتها على أهلها وساكنيها فحسب، قال سبحانه: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71].
كما جعل مِن أشكال بركتها: وجود طائفة منصورة تقاتل على أمر الله فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس)[4] ، وأمّا الزيادة المذكورة في الحديث وهي (قالوا: يا رسولَ اللهِ، وأين هم؟ قال: ببَيتِ المَقدِسِ وأكنافِ بَيتِ المَقدِسِ) فقد وردت في مسند الإمام أحمد[5] وضعّفها عدد من أهل العلم، وعلى فرض صحّتها فالمقصود بها: أرض الشام عامّة، أو في بعض الأزمنة، كما سيكون ذلك في آخر الزمان. كما تزدادُ بركة الأرض في محيط الأقصى القريب واللصيق، وهو معنىً تشير إليه أحاديث كثيرة تجمع بين مسمّى أرض الشام والإشارة لبيت المقدس تحديدًا، والله أعلم.
ثالثًا: تقاطع المشروعين الصليبي والصهيوني:
إنّ المشروعين الصليبي والصهيوني معاديان للأمّة ودينها وهويتها الثقافية، ويتقاطع المشروعان في منطلقاتهما الدينية التي تستهدف رسالة الإسلام وعقائده بالإتلاف، وأهلَه بالاقتلاع، ودياره بالسلب والاحتلال، كما يتشابه المشروعان بسعيهما للتموضع في الأرض المباركة الجاذبة، والتي تشير لوحدة منطلقهما الديني من حيث التاريخ والروايات والنبوءات الدينية المؤسسة على قدسية أرض المسجد الأقصى المبارك.
إنّ عموم أرض فلسطين وخصوص القدس شكّلتا القاعدة المستهدفة للتموضع والتمركز من قِبَل المشروعين الصليبي والصهيوني كليهما، وذلك بغرض استهداف عموم البلاد الشامية والمصرية حيثُ الخزّان البشري والموارد العظيمة التي تُعين الاحتلال على تمكين مشروعه واستدامته عبر إخضاع شعوب المنطقة ودولها، فعندما سقطت القدس عام 1187م على أيدي الصليبيين، وعندما سقطت القدس في عام النكبة 1948م واستكمل سقوطها في عام النكسة 1967م على أيدي الصهاينة؛ لم يكن المقصود من احتلالها مجرّد سلب أرض فلسطين وحيازة خيراتها، بل إنّ التاريخ القديم في الحقبة الصليبية والتاريخ الحديث في حقبة الاحتلال الإسرائيلي يشهدان على أنّ كلا المشروعين انطلق من فلسطين مستهدفًا عموم البلاد الشامية والمصرية والعراقية والحجازية والمغاربية وغيرها، وذلك في مناحٍ عديدة سياسية وجغرافية وعسكرية واقتصادية وثقافية.
ومن اللافت أنّ هذه المميزات التي اجتمعت في المسألة الفلسطينية حتى جعلتها على رأس قضايا العرب والمسلمين؛ هي ذاتها التي تتشكّل منها مرتكزات العمل في مسار القضية الفلسطينية، وأوّلها: هويتها الدينية ودلالتها العقدية التي يشير لها الأقصى المبارك، وثانيها: بركة الأرض التي امتدت آثارها وتجاوزت أهلها وساكنيها لتشمل العالمين إنْ هم قاموا بواجبهم نحوها، وثالثها: المشروع الصهيوصليبي الذي تموضع على أرضها واحتلّها مستهدفًا هويّتها الثقافية وأمنها واقتصادها وعمرانها وتاريخها وإنسانها.
إنّ المشروعين الصليبي والصهيوني معاديان للأمّة ودينها وهويتها الثقافية، ويتقاطعان في منطلقاتهما الدينية التي تستهدف رسالة الإسلام وعقائده بالإتلاف، وأهلَه بالاقتلاع، ودياره بالسلب والاحتلال، كما يتشابه المشروعان بسعيهما للتموضع في الأرض المباركة الجاذبة
التيارات المعاصرة التي حكمت مسارات القضية الفلسطينية ورسمت واقعها الحالي:
منذ الاحتلال الإنجليزي لفلسطين بعد انفراط عقد دولة الخلافة التي كانت تدير أقاليم المنطقة العربية والإسلامية -ومنها إقليم الشام- وحتى يومنا هذا فقد مضى على الاحتلال الإنجليزي والإسرائيلي لفلسطين مائة عام؛ كانت فلسطين -كما عموم دول المنطقة الناشئة- تدور بين تيارين: وطني وإسلامي، يلتقيان في جوانب ويختلفان في جوانب، ويتناقضان في أخرى.
تشكّلت نواة التيار الوطني على يد الحاج أمين الحسيني المقدسي مفتي الديار الفلسطينية (1895-1974م)، كما تشكّلت نواة التيار الإسلامي على يد الشيخ عزّ الدين القسّام السوري (1883-1935م)، وقد قام الرجلان بجهد كبير زمن الانتداب البريطاني على أرض فلسطين زمن اتفاقية سايكس-بيكو الظالمة، والتي أنهت الإطار السياسي المعبّر عن الأمّة في جانب وحدتها السياسية، فلم يبق من مكوّن الأمّة الحضاري إلا العلم والعلماء كمعبرَيْن عن هوية الأمّة ووحدتها الثقافية.
ومن المفيد ذكره أنّ الحاج أمين الحسيني ولد في القدس ومات ودفن في بيروت بعد خوضه تاريخًا نضاليًا سياسيًا كبيرًا في دول المشرق والمغرب والغرب الأوروبي لصالح القضية الفلسطينية، بينما ولد الشيخ عزّ الدين القسّام في جبلة من أعمال مدينة اللاذقية واستشهد في أحراش يعبد في جنين وهو يقاتل الإنجليز وخلفه مجاهدو فلسطين، وكان القسّام قد أسس جمعية الشبان المسلمين في حيفا في عشرينيات القرن العشرين بهدف تعميق القيم الإسلامية ومقاتلة الإنجليز، وجعل منها وسيلة تنظيمية لتأطير الشباب في مواجهة الاحتلال.
من الملاحظ أنّ المسألة الفلسطينية كانت في بداياتها غير محصورة على العقول والسواعد الفلسطينية، لا سيّما أن تشكّل الدول الوطنية كان حديث العهد، ومما يروى آنذاك أنّ إمام المسجد الأقصى طاهر الحسيني -وهو والد الحاج أمين الحسيني- طالب بضمّ أرض فلسطين إلى سورية الكبرى في زمن الانتداب البريطاني؛ إيمانًا منه بأنّ إقليم الشام وحدة لا تتجزأ، وأنّ مجموع دوله وأراضيه تشكّل موطن الأرض المباركة، الأمر الذي لم توافق عليه الحكومة السورية التي كانت في بدايات نشوئها وتشكّلها.
ولقد شهد التياران الوطني والإسلامي في فلسطين تطوّرات كثيرة ومنعرجات مهمّة على المستويين التنظيري والسياسي، وما بني عليهما من أعمال قتالية وجهادية في حقب وجغرافيا متفرّقة، إلى أن تبلور وانتهى التيار الوطني بمدرسة حركة فتح -وعميدها ياسر عرفات- وذلك رغم اختلافها في جوانب عدّة عن تجربة الحاج أمين الحسيني وإن كانت امتدادًا لها، كما تبلور التيار الإسلامي في مدرستي حركة الجهاد وحركة حماس -وعميداهما الشيخان أحمد ياسين وفتحي الشقاقي رحمها الله- وذلك رغم اختلافهما عن تجربة الشيخ عزّ الدين القسّام في عدة جوانب وإن كانتا امتدادًا لها.
ليس المقام هنا لبحث أشكال التطوّرات التي حدثت في التيارين الوطني والإسلامي في فلسطين رغم أهمية ذلك لفرز جوانب الصواب من الخطأ، وفهم أسباب التحوّلات في التجربتين والاتجاهين، لكنّ المقام هنا لطرح سؤال الوقت وهو: كيف تعامل التيار الوطني والتيار الإسلامي مع القضية الفلسطينية وما المسار الذي خطّه كلّ منهما؟
إنّ الجواب الدقيق الذي سيشير إلى المسارات التي جسّدتها التجربتان يعتبر ترجمةً لشكل تعامل كلّ منهما مع المرتكزات الثلاثة في المسألة الفلسطينية والتي تم عرضها فيما تقدّم من المقال.
كانت المسألة الفلسطينية في بداياتها غير محصورة على العقول والسواعد الفلسطينية، فقد كان القسام (مواليد اللاذقية) من مؤسسي الجهاد في فلسطين، ويروى أنّ إمام المسجد الأقصى طاهر الحسيني طالب بضمّ أرض فلسطين إلى سورية الكبرى في زمن الانتداب البريطاني؛ إيمانًا منه بأنّ إقليم الشام وحدة لا تتجزأ، وأنّ مجموع دوله وأراضيه تشكّل موطن الأرض المباركة
التيار الوطني والإسلامي الفلسطيني.. سويّة البدايات وتيه النهايات أمر تقرّره مسطرة المرتكزات:
أولاً: التيّار الوطني:
كان الحاج أمين الحسيني مفتيًا للقدس والديار الفلسطينية زمن الحرب العالمية الثانية، كما كان والده الحاج طاهر الحسيني أحد أئمة المسجد الأقصى المبارك، ورغم ذلك فإنّ تجربة ياسر عرفات -الذي أسّس ورفاق دربه أكبر حركات التحرّر الفلسطيني الوطني- رفضت منذ التأسيس اعتبار المرجعية الإسلامية في العمل السياسي والقتالي، متبنّيةً المنهج العلماني الذي يحصر دور الدين في المسجد والعبادات الفردية وقضايا المجتمع العامّة، ولا يعترف بسلطة الدين وأحكامه على الممارسات السياسية والقتالية، وعليه فقد غاب مفهوم الحلال والحرام والجائز والمنكر في مشروع الوطني سياسيًا منذ لحظة تبلوره المعاصر، وهو بهذا يكون قد ناقض أولى المرتكزات في القضية الفلسطينية والتي تعكس عقائديتها، ويشير إليها المسجد الأقصى المبارك وما يتعلّق به كما تقدّم ذكره.
كما انطلقت حركة فتح وعموم حركات التيار الوطني الفلسطيني من مفهوم مركزية القضية الفلسطينية، وهو ما يتصادم مع مركزية الأمّة والدين، وقد أخذ هذا المفهوم عن القومية العربية والتي حكمت دول المنطقة نصف قرن، فجعلت هذه الحركات قضيةَ فلسطين هي القضية المركزية الوحيدة التي تهتمّ بها، قاصرةً قراءتها لكلّ خطواتها وتحالفاتها السياسية انطلاقًا من ذلك واعتبار انعكاسات أيّ خطوة عليها دون النظر لقضايا الأمّة الأخرى بالمسؤولية والاعتبار والأهمية نفسها، ولعلّ مواقف حركة فتح وعموم القيادات الفلسطينية تشير إلى هذا الخلل، وفي هذا الصدد يمكن فهم موقف ياسر عرفات في تأييده لصدام حسين في خطوة اجتياح الكويت من منطلق عقيدته السياسية القائمة على مركزية القضية الفلسطينية ومصالحها، كما يمكن فهم خطوة ياسر عرفات ومحمود عبّاس بعقد اتفاق أوسلو مع الإسرائيليين كاجتهاد ينطلق من تصوّر موهوم لخدمة القضية الفلسطينية وشعبها ضمن ظروف الواقع والمحيط والتوازنات آنذاك، وليس انطلاقًا من رغبة بالخيانة كما يصوّرها البعض فيضعف بذلك النظر الواجب لحجم وعمق الخلل.
إنّ السلوك السياسي الذي سلكه ياسر عرفات وصبغ به التيار الوطني الفلسطيني يتصادم مع المرتكزات المعتبرة في القضية الفلسطينية، فلا هو توقّف عند مفهوم الحلال والحرام في البعد السياسي انطلاقًا من رفضه المرجعية الإسلامية في الأعمال السياسية، ولا هو اعتبر قيمة بركة الأرض والتي تعود على العالمين ولا تنحصر بساكنيها، ولا هو بنى خطّته بناء على طبيعة المشروع الصهيوني الذي جاء مستهدفًا عموم المنطقة وشعوبها، حتى باتت القضية الفلسطينية قضية الفلسطينيين وحدهم، فهم المقرّرون والمتصرّفون دون سواهم، الأمر الذي انعكس غيابًا مطّردًا للفاعلية الحقيقية للعرب والمسلمين نتيجة عدم وجود تصوّر وخطة لإشراكهم في الأعمال السياسية والقتالية من حيث التفكير والتنظير والسلوك، وذلك بالأصالة عن أنفسهم جنبًا إلى جنب مع الفلسطينيين.
إنّ مفهوم مركزية القضية الفلسطينية قد وقع -في واقع الحال دون المقال- بإنكار دلالات وانعكاسات المشروع الصهيوني -الذي يحتلّ أرض فلسطين- على عموم المنطقة وشعوبها ودولها، وهو ما شكّل الأرضية الخصبة لاتفاق أوسلو كحلّ مناسب ظرفيًا للحالة الفلسطينية من منطلق الرؤية المركزية، وهو اجتهاد ضالّ شرعن في منهجه حالةَ التطبيع العربي الرسمي مع إسرائيل.
كما ناقض مفهوم القضية المركزية معنى بركة الأرض ودلالاتها الشرعية في جانبين، أولهما: حين غفل عن مفهوم البركة والنّماء، وغاب عن خياراته السياسية قيمة ودلالات بركة الأرض للعالمين كما نصّ عليها قول ووصف ربّنا في القرآن الكريم، وثانيهما: أنّه خالفها ونقضها عمليًا حين قدّم ياسر عرفات في اتفاق أوسلو تنازلات عن 79% من أرض فلسطين التاريخية، والتي هي جزء من الأرض التي بارك الله فيها للعالمين أرض الشآم، ولم يقصر بركتها -وبالتالي حرية التصرّف بها- على الفلسطينيين، لا سيّما وهي في غالبها أرض وقف إسلامية بإجماع المسلمين.
إنّ مفهوم مركزية القضية الفلسطينية قد وقع -في واقع الحال دون المقال- بإنكار دلالات وانعكاسات المشروع الصهيوني على عموم المنطقة وشعوبها ودولها، وهو ما شكّل الأرضية الخصبة لاتفاق أوسلو كحلّ مناسب ظرفيًا للحالة الفلسطينية من منطلق الرؤية المركزية، وهو اجتهاد ضالّ شرعن في منهجه حالةَ التطبيع العربي الرسمي مع إسرائيل.
ثانيًا: التيار الإسلامي:
بدأ التيّار الإسلامي محاولاته الأولى باتجاه تصويب المسار الفلسطيني الوطني ومعالجة أخطائه، وكان أوّل هذه المحاولات اعتباره للمرجعية الإسلامية وأحكام الدين في سياساته وخططه وأحلافه، عداك عن نظرياته وتنظيره وتصوّراته التي تؤمن بمركزية الدين ومفهوم الأمّة ودورها في تحرير فلسطين، وهو في ذلك قد أصاب؛ الأمر الذي جعله يحوز على تأييد منقطع النظير على مستوى الشعوب العربية والإسلامية، وعلى مستوى الداخل والخارج الفلسطيني، للدّرجة التي جعلت أبرز حركات التيار الإسلامي “حماس” ومؤسسيها الأوائل يتربّعون على عرش القضية ويأسرون مشاعر وعواطف وقلوب المسلمين -بمن فيهم الكثيرين من أنصار حركة فتح وأبناء التيار الوطني والقومي وحتى اليساري- حتى باتت كثيرٌ من أسماء مواليد العرب والمسلمين تتسمى بالياسين وعياش والرنتيسي وحماس والقسام تيمّنًا، فرحمهم الله أجمعين وأجزل لهم العطاء على ما قدّموا وبذلوا، وجمعنا بهم في جنات النعيم مع النبيين والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.
لكن ما إن بدأت حركة المقاومة الإسلامية حماس تعمل في الساحة الفلسطينية وتعيد تصحيح التصوّرات القاصرة التي سمحت للتيار الوطني باجتهاداته الخاطئة، حتى دخلت في متاهات ثلاث مدفوعة بالوصول للسلطة والعلاقة مع الدول، وهي:
أولاً: قبولها باتفاق أوسلو في واقع الحال رغم رفضه بالمقال، وذلك من خلال مشاركتها بالعملية السياسية في ظلّ المحتل، حيث شاركت في الانتخابات التشريعية عام 2006م على أرضية اتفاق أوسلو وفي ظلّ المحتلّ الذي يمسك بأطراف العملية السياسية يضيقها ويوسعها ويجيزها كما ينهيها، الأمر الذي جمع بين الشيء ونقيضه في سياسات الحركة ومواقفها، فمن جهة تعتبر حركة حماس حركة مقاومة تحررية تمارس سلوكًا قتاليًا يستهدف التحرير من خلال وسيلة الجهاد الشرعي، ومن جهة أخرى تقف على أرضية اتفاق أوسلو مع الإسرائيليين المحتلّين لبلادها وتستلم سلطة سياسية في غزة برضا الأمريكان وقبول إسرائيل، متجاوزة لتلك الحقائق غافلة عن مقاصد العدو في منح حماس حق المشاركة بالانتخابات التشريعية –حتى في القدس- لأجل إغراقها في السياسات التي يمسك المحتل بكل أطرافها ولأجل تمزيق القضية الفلسطينية من الناحية السياسية والمجتمعية.
ثانيًا: الحسم العسكري في غزة والانقسام الفلسطيني الذي دفع إليه دحلان وقواته، واستكملته حركة حماس باستئثارها بالسلطة السياسية في غزة عام 2007، علمًا أنّ الحسم العسكري كان يدور خلال أسبوع كامل من القتال في شوارع غزة وعلى مقربة من المعابر الإسرائيلية وتحت أنظار المحتلّ الذي كان يشاهد ويراقب حركة السلاح والحسم ولم يطلق رصاصة! ومع تجذّر الانقسام السياسي فقد تمّ تقسيم الشعب الفلسطيني ظلمًا إلى ملائكة وشياطين، وذلك بحسب لون الرايات الخضراء والصفراء والسوداء والحمراء!
ثالثًا: الحلف السياسي مع العدوّ الإيراني، والذي أسس لمشروع “وحدة الساحات” مع الأذرع الإيرانية في دول المنطقة، مما استدعى عودة حركة حماس لنظام بشار الأسد واعتباره ركيزة في مشروع تحرير الأقصى وكلّ فلسطين، جنبًا إلى جنب مع الوليّ الفقيه الإيراني وأذرعه الخاضعة له في الساحات الخمس!
كيف يجوز أن تتبنّى حركة إسلامية مشروعًا إسلاميًا للتغيير والتحرير وإقامة العدل، معلنة انتماءها وامتدادها نحو شعوب الأمة العربية والإسلامية، باعتبار الوحدة الثقافية والهوية الدينية المشتركة، وباعتبار أنّ مخاطر المشروع الصهيوني واقعٌ على مجموع الأمّة ومستهدفٌ لجميع مكوّناتها، ثم هي في الآن نفسه تتحالف مع أخطر المشاريع التي تستهدف شعوب الأمّة ودولها ودينها وهويتها الثقافية بكل مفرداتها، وذلك انطلاقًا من مصلحة قطرية محلّية جهوية تتناقض بالكلّية مع مصالح كلّ شعوب الأمّة التي تدّعي الانحياز لها واعتبار مكانتها في مشروع التحرير؟ وهل هي بسياساتها وتحالفاتها التي لا تزال قائمة مع العدوّ قد قدّمت مصلحة عموم الأمّة ورعت مقصد حفظ الدين، أم اختلّ ميزانها، دون توقّف ولا مراجعة من أحدٍ من كبارها أو مشايخها أو روابط علمائها المتنفّذة؟
كما أنّ القرار الذي اتخذته القيادة السياسية بأغلبية ساحقة –سوى الشيخ خالد مشعل وبعض رفاقه- للعودة والحلف والتعاون مع النّظام السوري الطائفي ممثّلاً ببشار الأسد، لم يكن ليحصل كاجتهاد خاطئ وشاذّ إلا على أرضية تصوّرٍ فاسدٍ لمشروع التحرير باتَ معتمدًا ومعتبرًا لدى الحركة بسياسييها وقادتها العسكريين الذين أكّدوا مرّة تلو مرّة على هذا الحلف والاعتزاز به، وأعطوه أوصافًا وترويجًا لا يعبّر بالمطلق عن منطلق الضرورة الشرعية وضوابطها المعروفة.
إنّ حماس عندما امتشقت السلاح وشقّت طريق الجهاد بأشكال متطوّرة ابتداء من نشأتها في بدايات انتفاضة الحجارة عام 1987م ومرورًا بكلّ الانتفاضات والمعارك؛ حقّقت تحوّلاً نوعيًّا باتجاه تصحيح المسار الفلسطيني الوطني الذي ضلّ البوصلة، وما إن ارتبطت بإيران، ودخلت المعترك السياسي وحصلت الفرقة -التي وصلت للنزاع العسكري- بينها وبين فتح؛ حتى وقعت في تيهٍ جديد، وانحرفت خيارات قيادة حماس كما انحرفت قيادات حركة فتح وضلّتا طريقهما سياسيًّا، وما ذلك إلا بسبب استبدال مفهوم السلطة بمشروع التحرير، ورغم تلك التحوّلات فقد حافظت حركة حماس على نشاطاتها الأساسية كالدعوة والإصلاح والإعداد للجهاد قائمة بفضل جهود الدعاة الصادقين وتماهيًا مع النسيج الشعبي الفلسطيني الذي كان دومًا متعطّشًا للدين.
السبيل المفضي لإنهاء الاحتلال الجاثم على الأرض المباركة وإقامة الحق والعدل المنشود فيها:
لقد بُذلت تضحيات عظيمة لا يستهان بها لأجل استرداد أقصى المسلمين وتحرير فلسطين، وهي تضحيات ليس من العدل قصرها على الفلسطينيين، وليس من الإنصاف تحديد زمانها في حقبة حماس ولا غيرها؛ فالتاريخ وتجاربه تشهد. ورغم كلّ تلك التضحيات إلّا أنّ القضية الفلسطينية تتراجع للوراء حيث العدو يتمدد للأمام، فما هي الأسباب وكيف السبيل لإنقاذها؟
من نافلة القول أنّ المسلم ينطلق في تحدّيه لأشكال الباطل من إيمانه بالله، ذلك الإيمان الذي تجتمع فيه ثلاثة عناصر هي: عالم الغيب وعالم الشهادة والوعي المرتبط بهما، وكما أن الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي ومحرّكه هو الإيمان بعالم الغيب، فإنّ كمال الإيمان يحدّده مستوى الوعي بعالم الشهادة وتغيراته وتطوراته الدائمة، ويشهد على ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يلدغ المؤمن من جحر واحدٍ مرتين)[6].
إنّ حالتي المدّ والجزر المرتبطتين بالمسألة الفلسطينية هما انعكاس لواقع الأمّة عمومًا، ففلسطين ليست مبتورة عن امتدادها الجغرافي والسياسي الطبيعي، كما أنّ الأخوّة العقائدية تجعلها في موقف واحد وواجب تجاه التحدّيات القائمة والمحيطة بفلسطين.
وإذا كنّا نؤمن بأنّ الله سبحانه وتعالى مدبر هذا الكون وشؤونه ولا يعجزه شيء، فإنّ الله قد بيّن لنا أنّ سننه سبحانه وتعالى لا مبدّل لها، وتخضع لها كلّ التجارب البشرية بما فيها تجارب الأنبياء والرسل والمصلحين، الأمر الذي يوجب علينا الإعداد بشكله الواجب والصحيح ليتحقّق وعد الله بالنصر الأكيد.
إنّ حالتي المدّ والجزر المرتبطتين بالمسألة الفلسطينية هما انعكاس لواقع الأمّة عمومًا، ففلسطين ليست مبتورة عن امتدادها الجغرافي والسياسي الطبيعي، كما أنّ الأخوّة العقائدية تجعلها في موقف واحد وواجب تجاه التحدّيات القائمة والمحيطة بفلسطين.
الإعداد الواجب للقيام بفريضة جهاد المحتلّين:
يقول تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60]، وإنّ الضابط لهذا الإعداد أمران: أولهما مراعاة طبيعة القضية من حيث ماهيّتها وكلّ ما يميّز مشاريع الخصوم المعتدين، وثانيهما مراعاة تطورات واقع الدنيا من حيث وسائل القوة والأدوات.
وإذا كان احتلال فلسطين ليس كأي احتلال، بدليل أنّه حرب عقائدية تستهدف أقصى الموحّدِين من جهة، ومن جهة ثانية يستهدف أرضًا مباركة تتعدّى بركتها للعالمين، ومن جهة ثالثة فإنّ هذا الاحتلال لم يأت ليستهدفها فحسب، ولكنّه اتخذ منها قاعدة عسكرية لاستهداف دول الأمّة اللصيقة بها والمحيطة والبعيدة، وهذا ما يظهر جليًّا من خلال تصريحات العدو تجاه المسجد الأقصى المبارك، سواء من الشخصيات الإسرائيلية أو الشخصيات المسيحية الإنجيلية المهووسة بمعركة هرمجدون واعتلاء أحد أبناء داوود عرش القدس، إضافة إلى الأثر العميق للحروب التي قامت بها إسرائيل على كلّ من مصر والعراق وسورية ولبنان وتركيا والسودان والخليج وتونس والمغرب والجزائر ومالي وغيرها من الدول العربية والإسلامية، وفي جميع المجالات: العسكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية والأمنية؛ فإذا كان احتلال فلسطين يتميّز بكلّ هذا فإنّ وعي ماهيّة وطبيعة مشاريع الخصوم وتحالفاتها وأهدافها شرطٌ في صياغة وبلورة شكل الإعداد الواجب، كما أنّ مواكبة وسائل القوة في كلّ عصر شرط في تحقيق الترهيب المقصود والمقترن بالإعداد.
لقد أخفقت جميع الحروب الفلسطينية الشاملة بتحقيق أهدافها، وذلك بسببٍ رئيسٍ، متعلّق بخللٍ وقصورٍ في معنى وشكل الإعداد الواجب، حيث أخطأ وقَصُرَ نظرُ وضَعُفَ تدبيرُ كلّ مَن تصوّر أنّ الإعداد الواجب في المسألة الفلسطينية متحقّق في حدودها الجغرافية ومحصور بالسواعد الفلسطينية!
إنّ أيّ إعداد لا يعكس دلالات ومميزات ومرتكزات القضية الفلسطينية الثلاثة يعتبر إعدادًا قاصرًا، فكما أنّ الكيان الإسرائيلي يستهدف الأرض والإنسان مدعومًا بشكل كامل من المنظومة العالمية الغربية، وكما أنّ الكيان الإسرائيلي يستهدف -انطلاقًا من أرض فلسطين- كاملَ المناطق والدول العربية والإسلامية؛ فإنّ الإعداد بمعناه ووصفه المطلوب الذي يرهب العدو ويردعه يجب أن يكون إعدادًا على مستوى الأمّة جميعها، وعلى وجه الخصوص: اللصيقة بفلسطين منها؛ حينها يمكن أن نسمّي هذا الشكل من الإعداد بالإعداد الشرعي الصحيح، والعقلي الصريح، ليكون مناسبًا لإطلاق معركة شاملة.
وإنّ أيّ إعداد فلسطيني للقيام بمعركة شاملة في وجه المشروع الإسرائيلي الغربي يكون محصورًا بأرض فلسطين وشعبها؛ فهو إعداد قاصر، ولا يكون معتبرًا عقلاً ولا شرعًا، ويُعدّ افتئاتًا على الأمة في قرار الحرب، وسببًا في هدر واستهلاك جزء مهمّ من رصيد الخير فيها، ودخولاً في معركة فاشلة محسومة الإخفاق في تحقيق أهدافها منذ لحظة انطلاقها، وسيكون بمثابة الثقب الأسود الذي يبتلع ما تبقّى من أرض فلسطين، وما ذلك إلا نتيجةً لتصوّر قاصر عند قيادات الجهاد والمقاومة حول مفهوم الإعداد وفق السنن الكونية المعتبرة لتوازنات القوى وماهية مشاريع الخصوم ووسائل القوّة المتاحة، ونتيجة لتصوّر فاسد –لدى القيادات السياسية والعسكرية النافذة- حين اعتقدت أنّ الإعداد الموجب للنصر هو من خلال الارتباط بحلف مع أشرس أعداء الأمّة والذي برهن على عدائه لها مِن خلال قتل المجاهدين في كلّ محيط فلسطين وتهجير مَن بقي منهم حيًّا، وإحباط مشاريعهم في الإعداد الواجب والذي بدى واضحًا في العراق ومصر والشام في حقبة الثورات الأخيرة!
إنّ حالة الهزائم والتراجع والتردّي الحاصلة في كامل فلسطين ابتداء من غزة مرورًا بالقدس وصولاً للضفّة وبلدات الخط الأخضر هي فتنة في الدين عند ضعفاء الإيمان، وضعف الإيمان هنا ليس محصورًا في ضعف في القلب بل وكذلك ضعف في العقل والوعي، ولذلك وجب التبيين للناس أنّ ما نشاهده ونعيشه من هزائم وقتل وتشريد وتجويع على أيدي مجرمي العصر من الصهاينة -الإسرائيليين منهم والأمريكان وغيرهم- هو نتيجة طبيعية وفق سنن الله؛ بسبب غياب الإعداد الصحيح الذي يشكّل منطلقَ الجهاد وقاعدته التي تسوّغه، وإنّ كلّ تغييب للتفسير الصحيح سيفتن الناس عن دينهم ويدفع بعضهم للشكّ وطرح السؤال التالي: هل تخلّى الله عنّا؟ ولماذا نُقتل ونُستشهد على الدوام ولا يتحقق النصر والوعد رغم كثرة تضحياتنا وروعة مجاهدينا وصبر آبائنا وأمهاتنا؟ علمًا بأن الجواب مبثوث في كتاب الله وأحاديث نبيّه صلى الله عليه وسلم.
الخاتمة:
إنّ الجهاد الشامل الذي سيقتلع الكيان الصهيوني ويأخذ صورة الحرب الشاملة لن يكون إلا على مستوى شعوب المنطقة من العرب والمسلمين؛ الأمر الذي يتطلّب وعيًا وإعدادًا على مستوى شعوب المنطقة، وإدراكًا لخطط الخصوم ووسائل القوة والأدوات التي لديهم لتحقيق ما يردعهم ويرهبهم.
أمّا نحن في فلسطين فسيبقى الجهاد فرضًا عينيًّا علينا لا يسقط حتى يزول الاحتلال، وتتراجع المشاريع التي تستهدف عرقلة إقامة وتمكين الدين، ولكن جهادنا يجب أن ينضبط بدورين، أولهما: مقارعة المحتل وعرقلة توسّعه ضمن الممكن والمستطاع والمشروع، بحيث لا يهنأ بالأمن والاستقرار، وثانيهما: تحريض الأمّة على الجهاد ومدّ الجسور معها لاستكمال الإعداد على مستوىً يليق ويناسب المشروع الذي نواجهه، ونعدّ له المعركة الواجبة على مستوى شعوب المنطقة.
إن فلسطين -كما الكون كلّه- خاضع لله ولا يخرج عن تدبيره، وإن أولى وأكبر أمارات الإيمان بأن النصر من عند الله هو بالتزام أمره والانحياز لعباده واستكمال الإيمان به عبر رفع مستوى الوعي اللازم وفق سنن الله في التغيير، ولنا في قصة فتية أصحاب الكهف خير دلالة؛ فقد فهموا أنّ إيمانهم بالله ومفاصلتهم للباطل واعتزالهم الكفر بكلّ أشكاله وإيواؤهم للكهف لن يمنع إمكانية هلاكهم وفنائهم بالقتل، أو رجوعهم للكفر من شدّة التعذيب والتجويع والتشريد وبالتالي انتفاء فلاحهم؛ إن هم خالفوا تدبيرًا لازمًا في عالم الشهادة وفق سنن الله، يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف: 20].
سيبقى الجهاد فرضًا عينيًّا علينا في فلسطين لا يسقط حتى يزول الاحتلال، لكن جهادنا يجب أن ينضبط بدورين، أولهما: مقارعة المحتل وعرقلة توسّعه ضمن الممكن والمستطاع والمشروع، وثانيهما: تحريض الأمّة على الجهاد ومدّ الجسور معها لاستكمال الإعداد على مستوىً يليق ويناسب المشروع الذي نواجهه، ونعدّ له المعركة الواجبة على مستوى شعوب المنطقة
مضر أبو الهيجاء
باحث وكاتب فلسطيني، مهتم بالشأن الإسلامي العام والشأن الفلسطيني الخاص
[1] أخرجه مسلم (162).
[2] أخرجه البخاري (3366) ومسلم (520).
[3] أخرجه الطبراني في الكبير (22/58).
[4] أخرجه مسلم (1037).
[5] من زيادات عبد الله بن أحمد على المسند (22320)، وفي الإسناد راوٍ مجهول.
[6] أخرجه البخاري (6133) ومسلم (2998).