شحذ الهِمّة وإذكاء المنافسة والحثّ على الطموح له بين الناس أساليب متنوّعة، منها: أسلوب المقارنة بالآخرين، وهذا الأسلوب له مساوئ كثيرة على المستويين الفردي والمجتمعي، فما الأسباب التي تجعله كذلك؟ وما أثره في نطاق الأسرة على وجه الخصوص؟ وما البديل عنه من الهدي النبوي؟ هذا ما سيجيب عنه هذا المقال
مدخل:
الطموح لغة هو شدّة التوق والرغبة لتحقيق شيء[1]، والشخص الطَّموح هو: السَّاعي برَغبةٍ للحصول على ما هو أعلى ومحمودٌ ونبيلٌ[2]. ومع أنّه مرتبط بالأساس ببواعث الفرد الداخلية كما يتّضح من التعريف، إلا أنّ الثقافة السائدة أكثرت من الربط بين الطموح والمقارنة بالآخرين، فبدل التطلّع للمعالي نفسها صار التطلّع لما عند الغير ومنافستهم في مختلف المجالات، باعتبار هذه المقارنات وسيلة شحذ للهمم وبعث للعزائم!
والحقّ أنّ الطموح مرهون أولاً بحِسّ مسؤولية الفرد عن حياته وجدّيته في استثمارها وتعظيمه لشأن قيامه لربّه يوم الحساب، ومرهون ثانيًا بطاقات المرء وسياقه وظروفه، ومرهون ثالثًا بتطلّع الذات للمعالي، لا التطلّع لذات الآخرين ولا لذات مطامحهم بعينها. والمعالي في هذا السياق وصفٌ ينطبق على كلّ موصِل لمرضاة الله وامتثال أمره في كونه، فأبوابها أكثر من أن تُحصى على أساس ثُلَّة مجالات مشهورة، وآفاقها أرحب من أن تُقصَر على بضعة قوالب عرفية.
المنافسة والمسابقة والمسارعة:
وردت لفظة التنافس في القرآن مرّة واحدة، في قوله تعالى: {خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26]، وسوى ذلك استُعملت ألفاظ “المسابقة” و”المسارعة”، وسياقاتها جميعًا في القرآن والسنّة تدعو دعوة عامّة للمسارعة في الخيرات إجمالاً، والمسابقة لرضوان الله تعالى بمختلف الصور، حيثما تبدّى لكلّ أحد بما يستطيع، وعليه سيتفاضل الناس بالضرورة بحسب استطاعة كلّ منهم وقوة أدائه في كلّ مجال بحسبه، لكنّ العبرة أن يظل الكلّ مسارعًا مسابقًا منافسًا بأحسن ما يستطيع هو.
ولا تدعو تلك المفاهيم أبدًا لعقد المقارنات المحمومة والسباقات المستميتة مع الآخرين على نحو ما يجري اليوم، بل جُلُّ ما تدعو إليه -وهو ما لا نطبّقه حقيقة- أن تبذل من نفسك لنفسك، وتكون جادًّا في مسؤوليتك عن حياتك، نافعًا ومنتفعًا فيها. هذا هو تصوّر التفوّق المطلوب، سواء تجلّى بعد ذلك في ريادة قوم أو خدمتهم، وفي كثرة عَرَض أو زُهد حال، زُمَرًا أو فُرَادَى… إلخ.
وقد جاءت لفظة التنافس بمعنى مذموم في قوله صلى الله عليه وسلم: (فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكنّي أخشى أن تُبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على مَن قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتُهلككم كما أهلكتهم)[3]. وفي حديث آخر: (لا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا تنافسوا، وكونوا عباد الله إخوانًا)[4].
وهي في كلا السياقين بمعنى مدّ العينين للغير حسدًا وحقدًا، فهي داخلة في معنى المقارنة المذمومة التي تدفع المرء لمقايسة ما عند غيره بما ليس عنده، فلا يملأ عينه وقتها ما عنده ولا تهدأ نفسه لما حاز غيره. جاء في فتح الباري لابن حجر: “والتنافس من المنافسة وهي الرغبة في الشيء ومحبّة الانفراد به والمغالبة عليه، وأصلها من الشيء النفيس في نوعه… قال ابن بطال: فيه أنّ زهرة الدنيا ينبغي لمن فُتحت عليه أن يحذَرَ مِن سوء عاقبتها وشرّ فتنتها؛ فلا يطمئن إلى زخرفها ولا ينافس غيره فيها”[5].
المنافسة المحمودة هي المسابقة والمسارعة في الخيرات والصالحات وفق الطاعة والاستطاعة، دون مقارنات تُفضي إلى غلّ وحقد وحسد بين المتنافسين.
آفات اتخاذ الآخرين مقياسًا:
أمّا اتخاذ أحوال الآخرين حولنا مقياسًا لتحديد نجاحنا أو فشلنا نحن، واتخاذ مسابقتهم للاستعلاء عليهم غاية؛ فتلك وجهة أخرى تمامًا، وفي غالب الأحيان لا تثمر الأثر المزعوم من التحفيز للترقّي والدفع للمعالي، بل تُورث الغَيْرة والغِلّ والحسد، والحسرة والقعود، والتشتّت والتذبذب، وغيرها من الآفات القلبية النفسية التي لا تنتمي للمعالي بحال، مهما حصَّل صاحبها عَرَضًا من جاه مؤقّت ووجاهة ظاهرة. وأظهرُ نتائج ذلك النهج المُعوَجّ: اكتفاءُ الناشئ بعُلوّه على مَن حوله وظنّه بذلك أنّه بلغ المُنتهى، فلا تكون له أدنى عناية حقيقية، ولا أيّ دافع داخليّ لصقل مهاراته وتَوسِعة علومه وعمران ذاته؛ إذ طالما الأعور في بلد العُميَان مَلِك، فلماذا سيجازف بالخروج لأهل الإبصار فيَظهر عَوَره؟
وتأمّل كيف يكون طالبٌ متفوّقًا دراسيًّا طوال الموسم المدرسي، ثم لا يكاد ينفصل عن الكنبة في الإجازة الصيفية ولا يتزحزح من أمام التلفاز، أَوَليسَ قد حصّل ختم تفوقه “مقارنة” بغيره؟ فما أهمية أن يكون هو في نفسه جادًّا أو يجتهد حيث لا مُصفّقين ولا مقارنات؟ بل إنّ ذلك المتفوّق لعلّه يسأم من ممارسة القراءة أو طلب العلم، ويتلكّأ في الفراش ساعات فوق نوم الحاجة خمولاً وفراغًا، ويتحيّن الفرص لتضييع الأوقات… فعن أيّ تفوّق نتحدث؟ وأيّ طموح للمعالي يُرتجى من نفسٍ انطبعت على ذلك النهج؟ صار “الرسوخ العلمي” مفهومًا تراثيًّا غابرًا، حظّنا منه اليوم تنشئة الأطفال على “تكويم” الدرجات و”تجميع” الشهادات، وحصد الثناءات، وارتفاع الترتيب مقارنة بالأقران، فإذا تمّ ذلك اعتُبر هذا التفوّق العلمي المنشود، ولو لم يتطلّب إلا حفظًا أصمّ قُبيل الامتحانات، وتفريغًا أعمى في ورقاته. فهل من عجب بعد ذلك أنّ غالب المتفوّقين على مدى سنوات الدراسة هم أوّل مَن يتعثّرون على أعتاب المتطلّبات الجامعية أو المسار المهني؟ إذ يكتشفون أنّ طاقاتهم الخارقة في الحفظ الأصمّ والتفريغ السريع في الامتحان لا تكفي لإنشاء مقالة سليمة اللغة جيدة الأسلوب، ولا لفهم متطلّبات البحث العلمي، ولا لاستيعاب تداخلات العلوم وتطبيقاتها، ناهيك عن القدرة على التأصيل والتجديد فيها.
والأدهى من كلّ ذلك أن اتُّخذ الاشتغال بالتنافس والسباق المحموم وسيلة هروبية من مواجهة المرء لنفسه ودراسة ظروفه وتعيين الأصلح في نهج حياته ومعاشه ولو خالف السائد حوله، والـمُجمَع عليه من أقرانه! وأسهل ما تهرب إليه النفوس عند مواجهة الأسئلة المصيريّة حول جدوى الوجود وجودة أهداف الحياة وطموحاتها ومدى الجدية فيها: الانغماس التلقائي في القوالب الحياتية الجاهزي، والتشتّت وسط فوضى تعقيد متطلبات العيش وتضييع متطلبات الحياة، وفرض معايير نجاح وإنجاز في الدنيا غير التي تراد لها الدنيا وعلى أساسها الحساب الأبديّ، وشحن الأوقات بإنجازات طنّانة المظهر هزيلة الجوهر، ثم هزّ الكتفين في نهاية اليوم باستسلام، واعتقاد أنّ هذا أفضل ما يمكن، لأنّ محاولة أيّ شيء غير ذلك الممكن سيتطلب جهدًا صادقًا وبَذلاً جادًّا ومسؤولية فرديّة.
ونحن نخشى الصدق، ونفزع من المسؤولية، ونهرب من قدر الحرّية الممنوح لنا؛ لأنّها ليست الانفلات بلا عَنان حقيقة، بل قرار جادّ بشأن ما ستفعله بهذه الحرّية، ثم هذا القرار مسؤولية، والمسؤولية من بعد التزام بما اخترت. ونحن لا نريد أن “نلتزم” حقيقة بما اخترنا، بل نريد أن نختار اختيارات لا نتحمل كُلفَتها، ونتلذّذ بثمار لم نستجلبها بعرقنا. ومن هنا يطمئننا زَيف تصدّر الأعور وسط العميان، ويُخَدِّر ضمائرنا تصنّع بذل المجهود في غير جهد حقيقي، ويُخفِت نداء المسؤولية الفطريّ فينا أن نتبع القطيع والقوالب الجاهزة، وننفق أعمارنا في ركاب الآخرين واقتفاء آثارهم؛ لأنّها نفقة واضحة النتائج ويسيرة الجهد، وإن كانت باهظة العواقب قاتمة العوائد!
نحن نخشى الصدق، ونفزع من المسؤولية، ونهرب من قدر الحرية الممنوح لنا، لأنّها ليست الانفلات بلا عَنان حقيقة، بل قرار جادّ بشأن ما ستفعله بهذه الحرية، ثمّ هذا القرار مسؤولية، والمسؤولية من بعد التزام بما اخترت.
المقارنة أداةً تربوية:
لذلك كلّه كان أردأ التربية ما يقوم على شحذ هِمّة النشء من خلال مقارنتهم بغيرهم، فهي تعتمد بالأساس على تحفيزهم بإذكاء دافع التميّز على أقرانهم؛ لأنّها تربط أهمّ قيمتين داخليّتين أساسًا “الدافع والهِمّة” بمعايير خارجية وموسميّة، أيْ وقتَ حضورِ الناس أو توافر متفوقين يثيرون حسَّ التحدّي، فتتحوّل العملية التربوية من قصد تشكيل بِنيَة الشخصيّة وصياغة هُويّة الفرد في نفسه، إلى عرض مسرحي عمومي غايته التفاخر والتباهي، وشتّان بين التربية على نهجِ حياةٍ وصياغةِ شخصيّةٍ ستنطبع على ما تعوَّدت عليه في خاصّة نفسها، والتربية على النظر للغير بمعيارية لا يستحقّها ذلك الغير غالبًا، وصياغة شخصية تنطبع على افتراق الظاهر عن الباطن، وبذا نشأت أجيال على ظاهرة تَعاكُس العلانية أمام الناس مع السرِّ في الخَلوَة وقعر الدار، وأن يكون العيب أعلى قدرًا من الحرام ورؤية الخلق أشدّ رعاية من اطلاع الخالق!
وعليه، فأسلوب المقارنة الشائع في المدارس وبين الإخوة من أبعد الأساليب عن النفع التربوي وأكثرها سوءًا في العاقبة؛ لأنّ اختصاص فئة بألقاب “الأمثل” أو “الأول” أو “الأحسن” أو غيرها من “أفعل” التفضيل، وترك غيرهم هملاً، أو حتى اختصاصهم بألقاب التفضيل في المساوئ، مثل الأكثر مشاغبة والأكثر بلادة؛ ترسل رسائل نفسيّة للناشئة أنّ فئة قد احتكرت أسباب الفضائل، وبالتالي لم يعد لغيرهم من العوامّ سوى القوالب العكسية من الفوضى والمشاغبة أو البلادة والكسل! ومن ثَمّ يتّجهون لترسيخ هذا الصفات السلبية في أنفسهم من باب “العناد” تارة، ومن باب الغَيْرة التي يُغلِّفها باللامبالاة الظاهريّة تارة أخرى، والمنشأ في كلتا الحالتين هبوط نفسي في استشعار قيمة ذاته بوصفه فردًا أكرمه الله بالوجود وامتحنه به، وهمود استشعار مسؤوليته الفرديّة عن جودة وجوده، وتلاشي استشعار أواصر الترحاب والانتماء الأسري أو الاجتماعي الذي يشجّع الفرد على أن يسمو لصالحِ مجموعٍ لا يُحِسّ أنّه منهم!
أمّا الأسلوب التربوي النبوي فنجد أنّه يُقرّ لكلّ فرد بميزته، ويحلل كلّ شخص على أنّه نسيج وحده، ويُثني على مناقبه باعتباره فردًا فاضلاً في نفسه لا الفرد الأفضل دون غيره، ولا يتعارض هذا مع ثبوت مكانة مخصوصة لبعضهم دون بعض، لكن يظلّ لكلّ مساحة سبقه وسَعَة للثناء عليه بما فيه، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (أرحمُ أُمتي بأُمتي أبو بكر، وأشدّهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأفرَضُهم زيد بن ثابت، وأقرؤُهم لكتاب الله أُبيّ بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإنَّ لكلِّ أمة أمينًا، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح)[6]. هذا النهج يُشعِر النفوس بالتكاملية السَّوِية دون حَسَد ولا غلّ، ويستجيش بينهم حسّ التعاون الصادق غير الـمُفتَعل، والشعور الصادق بالانتماء الجماعي جنبًا إلى جنب مع التمايز الفردي.
أسلوب المقارنة الشائع في المدارس وبين الإخوة من أبعد الأساليب عن النفع التربوي وأكثرها سوءًا في العاقبة؛ لأنّ اختصاص فئة بألقاب “الأمثل” أو “الأول” أو “الأحسن” أو غيرها من “أفعل” التفضيل، وترك غيرهم هملاً، أو حتى اختصاصهم بألقاب التفضيل في المساوئ، مثل الأكثر مشاغبة والأكثر بَلادة، ترسل رسائل نفسيّة للناشئة أنّ فئةً قد احتكرت أسباب الفضائل، وبالتالي لم يعد لغيرهم من العوام سوى القوالب العكسية من الفوضى والمشاغبة أو البَلادة والكسل!
لفتة تربوية للوالدين في المقارنة بين الإخوة:
من أخطر وسائل بذر بذور الشقاق بين الإخوة: اعتماد المقارنة بينهم أسلوبًا في التربية؛ فيعمد أحد الوالدين أو كلاهما لعقد المقارنات الـمُفسِدة بين الإخوة، أو يعمد لدوام المفاضلات المثيرة للغَيْرة، أو يتّخذ من أحدهم مَثلاً مُلزِمًا للبقيّة. والصواب أن يَعرِف لكلٍّ مِن أولاده شخصيته وطبيعته، ويحضّهم على المكارم عامّة، ثم يترك لكلّ منهم أن يصيب منها ما استطاع وما يُسِّر له وحُبِّبَ إليه، وألا يحرم أحدًا حقَّه في الثناء على تميّزه في أمر دون إخوته، بل يُشيد بكلٍّ فيما أَحسَن علانية، ويُظهِر لكلٍّ منهم الرضا والتفضيل والمحبّة المخصوصة فيما بينه وبينه، وإذا خصَّ أحدًا بشيء بَيَّن السبب للكلّ، ثم خَصَّ غيره في حينه، وبذلك يشعرُ كلّ واحد أنّه مُفضَّلٌ عند والده وإن اختلف وجه التفضيل، فلا يعود ذلك مَدعاة للتناحُر والغَيرة والشِّقاق بينهم.
وإذن، بدل اتخاذ المقارنة دافعًا لحثّ الطفل على المكارم، فليُحَضَّ عليها مباشرة. فبدل: “كن مثل أخيك في حبّ القراءة”، يُقال: “طفل نبيهٌ مثلك يصير أنبهَ إذا قرأ كذا وكذا”، وهذا قبس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال في حقّ ابن عمر رضي الله عنهما: (نِعمَ الرَّجلُ عبدُ الله لو كان يُصلي بالليل)، مع أنّه كان في الصحابة مصلّون كثر لو شاء لسمّى واحدًا منهم فقارنه به! لكنّ هذا النوع من الحثّ هو الذي ترك في نفس الفتى الأثر المرجوّ، فكان ابن عمر بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً[7].
بدلَ اتخاذ المقارنة دافعًا لحثّ الطفل على المكارم، فليُحَضَّ عليها مباشرة. فبدل: “كن مثل أخيك في حبّ القراءة”، يُقال: “طفل نبيهٌ مثلك يصير أنبَهَ إذا قرأ كذا وكذا”.
ختامًا:
من إحسان الوالِديّة أن يكون الوالدان منصفَين وعادلَين في الغضب والرضا، وعند القِسْمة والعطيّة، والثناء والمؤاخذة، عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: “سألَت أمي أبي بعضَ الموهبة لي من ماله، ثم بدا له فوهبها لي، فقالت: لا أرضى حتى تُشهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي وأنا غلام فأتى بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنّ أمّه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهذا، قال: (أَلكَ ولد سِواه، قال: نعم، قال: لا تُشهدني على جَور)[8]. وجاء في شرح الحديث في فتح الباري: “واختلاف الألفاظ في هذه القصّة الواحدة يرجع إلى معنى واحد، وقد تمسّك به مَن أوجب التسوية في عطيّة الأولاد، … وذهب الجمهور إلى أنّ التسوية مستحبّة، فإن فضّل بعضًا صح وكُرِه، واستحبت المبادرة إلى التسوية أو الرجوع، فحملوا الأمر على الندب، والنهي على التنزيه”[9].
وفي رواية أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم سأل بشيرًا والد النعمان: (أليس يَسُرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ قال: بلى، قال: فلا إذًا)[10]. فتأمل المنطق، إذ إنّ الوالدين وإنْ فضّلا بعض الأبناء على بعض، ينتظرون ويتوقّعون ويسرّهم أن يجدوا من الكلّ البرّ! وعليه كان الإنصاف أن يكونا عادلين مع أبنائهم بما يسرّهم ويجبر خواطرهم، فيكون ردّ أبنائهم من جنس عملهم.
هدى عبد الرحمن النمر
كاتبة ومؤلّفة ومتحدِّثة في الفكر والأدب وعُمران الذات
[1] معجم اللغة العربية المعاصرة، ص (1414).
[2] المعجم الغني، ص (17355).
[3] أخرجه البخاري (4015).
[4] أخرجه مسلم (2563).
[5] فتح الباري، لابن حجر (11/245).
[6] أخرجه أحمد (13990).
[7] أخرجه البخاري (3738).
[8] أخرجه البخاري (2650).
[9] فتح الباري (5/214).
[10] أخرجه مسلم (1623).