قضايا معاصرة

وسائل التواصل الاجتماعي .. لخدمة الإنسان أم للسيطرة عليه؟!

وسائل التواصل الاجتماعي .. لخدمة الإنسان أم للسيطرة عليه؟!

أضحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية؛ قرَّبت البعيد، وجمعت المتناثر، وقدَّمت خدمات كبيرة للبشرية، لكنها تجاوزت وظيفتها الأساسية، فصارت تُستخدم لترويج الأفكار، وتسويق السِّلع، والتأثير في الرأي العام، كما أنها تسبَّبت بالإدمان لمستخدميها، مما يدعونا إلى إعادة النظر في كيفية استخدامها وطرق التعامل معها.

مدخل:

يقال بأنّ أول الاختراعات التي اخترعها الإنسان كانت قبل ٨,٠٠٠ عام قبل الميلاد تقريبًا، فقد اخترع الإنسان الفؤوس من الصخور والعظام وقرون الحيوانات والعاج بعد تشذيبها، كما اخترع الأقواس والسهام والرِماح، وهكذا توالت الاختراعات التي تساعد الإنسان في حياته اليومية. ومعظم هذه الاختراعات هي أدوات تستخدمها ثم تعيدها إلى مكانها، تبقى جامدة هكذا حتى يُعاد استخدامها مرّة أخرى.

مقدمة غريبة، صحيح؟ قد تكون كذلك، لأننا بصدد بسط الحديث عن أدوات اختُرعت في زماننا هذا لتسهيل التواصل بين البشر وتقليل الكلفة والوقت، لكنها أصبحت فيما بعد شيئًا آخر، والأهمّ أنّها لم تعد كالأدوات السابقة؛ فقد أصبحت أدوات بذكاء اصطناعي، قادرة على تطوير نفسها، بل وإجراء التجارب علينا.

نموذج عمل شبكات التواصل الاجتماعي:

بُنيت شبكات التواصل الاجتماعي على خوارزميات[1] وبرمجيات[2] تراقب وتصنِّف ما يفعله البشر لتبني نماذج لكل شخص، ثم تتوقَّع كيف سيتصرف على منصَّاتها –وأحيانًا على كامل الجهاز– وتبدأ العمل على تطوير نموذج يصنف المستخدمين ويستثمر سلوكهم أكبر استثمار ليبقوا أطول فترة ممكنة وتجني هي مالاً أكثر.

وبالمثال يتَّضح المقال..

تخيلوا معي لوحة إعلانات طرقية بجانب إشارة مرور تعرض إعلانات مرئية للسيارات المتوقفة، في هذا المشهد أربعة عناصر، هي:

  1. لوحات الإعلانات الطرقية.
  2. شركة الإعلانات التي تملك اللوحات الطرقية.
  3. المعلن الذي يدفع لشركة الإعلانات.
  4. الأشخاص المتوفقين بسياراتهم أمام هذه اللوحة.

فلوحة الإعلانات تقابلها منصات التواصل الاجتماعي، وشركة الإعلانات تقابلها الشركات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي، والمعلن الذي يدفع لشركات الإعلانات هو نفسه الذي ينشر الإعلانات على شبكات التواصل الاجتماعي، والأشخاص المتوقّفون بسياراتهم أمام هذه اللوحة يقابلهم مستخدمو هذه الشبكات.

هذا هو نموذج عمل شبكات التواصل الاجتماعي التجاري..

وحتى نعرف عمق تأثير منصات التواصل الاجتماعي هذه على عاداتنا ونحتها المستمر في سلوكيات المجتمع، دعونا نعود لمثالنا، تخيل أن شركة الإعلانات المالكة للوحات الإعلانات الطرقية كانت تملك الصلاحية لتمديد وقت إشارة المرور الحمراء، مما يعني أنك بدل أن تقف على إشارة المرور لمدة ٣٠ ثانية، أصبح باستطاعتها أن تمدد وقت وقوفك إلى دقيقة كاملة وربما أكثر، ماذا يعني هذا؟ هذا يعني أنها أخذت من وقتك حتى تزيد من أرباحها لأنها إما ستبيع الإعلان بسعر أعلى كون مشاهدتك له أصبحت أطول، أو ستبيع عدد إعلانات أكثر، لأن الوقت أصبح أطول فيتسع الزمن لإعلانات أكثر.

لكن، لحسن الحظ أن شركات الإعلان الطرقية لا تملك هذه الصلاحية، ومع الأسف شبكات التواصل الاجتماعي تملكها بطريقة ما، نعم تملكها، بل إن جوهر المنافسة بين منصات التواصل الاجتماعي هو هذا بالذات، سباق بين المنصات لجذب انتباهنا واستهلاك أوقاتنا، أي جوهر المنافسة بين منصات التواصل الاجتماعي هو زيادة عدد الدقائق أو الساعات اليومية التي نقضيها على هذه المنصات، وبكل بساطة، الهدف الأساسي زيادة الربح، فكلما سمّرنا أعيننا لفترات أطول على الخط الزمني (timeline) لهذه الشبكات وبقيت أصابعنا تسحب الشاشة للأعلى لنرى المنشورات التالية؛ رأينا إعلانات أكثر ودفعت الشركات المعلنة لشركات التواصل الاجتماعي أكثر. وكما يقال: «إن لم تدفع ثمن المنتَج فأنت المنتَج».

بُنيت شبكات التواصل الاجتماعي على خوارزميات وبرمجيات تراقب وتصنِّف ما يفعله البشر لتبني نماذج لكل شخص، ثم تتوقَّع تصرفاتهم، وتعمل على استثمار سلوكهم ليبقوا على منصاتها أطول فترة ممكنة وتجني هي مالاً أكثر

أبرز ثلاثة أهداف للشبكات الاجتماعية لزيادة ربحها:

  1. زيادة التفاعل لنبقى فترة أطول.
  2. نمو عدد المستخدمين لتعود وتدعو غيرك.
  3. بيع عدد إعلانات أكبر.

كم نقضي من الوقت على شاشات الجوال؟

قد يقول قائل: أنا لا أقضي وقتًا طويلاً على شاشة الهاتف، هي بضع دقائق فقط، لكن الحقيقة غير ذلك، واستخدام الجوال وتصفحه وتفقده أصبح عادة لا وعي لدينا، خلال المشي، عند أول لحظة ملل، بعد الصلاة، في التجمعات العائلية والمهنية!، قبل النوم، وفي أوقات كثيرة يومية تمتد أيدينا مرارًا وتكرارًا للنظر في تحديثات التطبيقات.

وبإمكان أيٍّ منا أن يتفقَّد مدّة استخدام الجهاز، وينظر للنتائج في نهاية كل يوم، ستُصدمون! نحن نقضي على الأقل ثلاث ساعاتٍ يوميًا على الهاتف وقد تصل إلى خمسة وستة ساعات، ونفتح شاشة الجوال مئات المرات كل يوم.

ففي عام ٢٠٢٠م أشار تقرير نشرته شركة آب آني لمراقبة التطبيقات، ومقرها الرئيسي في الولايات المتحدة، إلى متوسط عدد الساعات التي يقضيها الناس حول العالم في تصفح هواتفهم أثناء اليقظة حيث يصل إلى ٤,٨ ساعات يوميًا، بارتفاع عن عام ٢٠١٩م بنسبة ٣٠ في المئة.

وقُدّرت هذه الإحصاءات قياسًا على عشر دول ضمّت الهند، وتركيا، والولايات المتحدة، واليابان، والمكسيك، وسنغافورة، وكندا.

أما مستخدمو تطبيقات الهاتف في كل من البرازيل، وإندونيسيا، وكوريا الجنوبية فقد تجاوز الوقت الذي يُمضونه في تصفّح هواتفهم مدّة خمس ساعات يوميًا[3].

وهذا لأن صانعي هذه الخوارزميات والمتلاعبين من ورائهم تعلَّموا كيفية تحفيزنا وطوَّروا مهاراتهم، وبدون ممارسات واعية لترشيد استخدامنا للجوال والشبكات الاجتماعية ستَسرِق هذه الأشياء كلَّ اهتمامنا، وتركيزنا، وأوقاتنا، وطاقاتنا، وسنفقد الكثير من عاداتنا اليومية دون أن نُدرك ذلك، كالقراءة الجادَّة البنائية، أو التركيز والمذاكرة، أو النوم العميق، أو الإصغاء التام لمن حولنا وبناء العلاقات أو حتى الاختلاء بالذات.

الأوقات التي تضيع والتركيز الذي يتلاشى على شاشات الجوال ومواقع التواصل، ونشوة الإنجاز الموهوم، إنما يُصرف في الحقيقة على حساب تركيزنا على أهدافنا وواجباتنا في الحياة

وكما يقول أهل العلم بأنَّ المعصية تحلُّ محل طاعة[4]، وأنَّ البدعة تحلُّ محل سنة، فكذلك الأوقات والتركيز الذي يتلاشى على شاشات الجوال هو في الحقيقة على حساب تركيزنا على أهدافنا وحياتنا.

يرى ابن القيم –رحمه الله– أن «التفكير طاقة تنفد، لذا يجب ألا يتم إحراقها في «الماجَرَيات» وأحوال الناس، بل التركيز على الموضوعات النافعة، وهذا ليس في حال الاجتماع مع الآخرين، بل حتى عند خلوة المرء بنفسه يجب ألا يستهلك طاقته الذهنية في التفكير بالأحداث العابرة، بل يستعملها استعمالاً منظمًا في الأهداف الفاضلة الكبرى»[5]. هذا في زمانه، فكيف في زماننا؟!

الشعور بالإنجاز على شبكات التواصل الاجتماعي:

وهم الشبكات الاجتماعية هو نشوةُ الشعور بالإنجاز والتأثير السريع، فترانا دائمًا نبحث عما نكتب أو ننشر ونراجع عدد الأشخاص المتفاعلين مع ما نشرنا، وكم شخصًا رأى الحالة التي وضعناها، وما هو تقييم الآخرين لأشكالنا وأفكارنا، ويسمى هذا الشعور بالبحث عن (الموافقة الاجتماعية).

ولأنَّ ما يأتي سريعًا يذهب سريعًا، فكلما غبنا قليلاً عن التفاعل مع هذه الشبكات سنشعر بخواء وفراغ، فنُعيد البحث عما ننشر، ونتابع ما نحصل عليه من تفاعل، وهكذا في حلقةٍ مفرغة تستهلك تركيزنا بإنجازٍ هو في كثير من الأحيان وهمي، وهذا لا يعني أنه كذلك لكل ما يُنشر، لكن الخطير أن يصبح النشر لأجل النشر والبحث عن التفاعل والشعور بتلك النشوة العابرة، وهكذا يتولَّد لدينا شعورٌ يدفعنا للتعليق على كل شيء والتفاعل مع كل شيء وضرورة الكتابة والنشر مرة يوميًا ولو لأتفه الأشياء.

كما أنَّ هذا النشر على الشبكات والتفاعل السريع معه يُصعِّب علينا العمل على أرض الواقع لأننا نعتاد الإنجاز الوهمي السريع السطحي غير المؤثر على حساب الإنجاز البطيء العميق المؤثر.

ولنتذكَّر أنَّ رموز الإعجاب والمتابعة وعدد المشاهدات والزيارات تخلط أحيانًا بين الحقيقة والقيمة وبين الشعبية الهشة والزائفة. أيضًا زيادة الاهتمام بالنشر والتفاعل على منصات التواصل الاجتماعي غالبًا ما يكون على حساب الإنجاز الحقيقي على أرض الواقع المؤثر الذي لا يأتي إلا بعد سنوات من البناء ثم سنوات من العمل.

نظام التوصيات:

هل توقفت مرَّةً وسألت نفسك: لمَ عندي ألفا صديق وأتابع عشرات الصفحات على فيسبوك ولا أرى إلا منشورات العشرات منهم وربما أقل!

هذا مُبرمجٌ ومقصود، فالشبكات الاجتماعية، ولأنها تُريدك أن تقضي أطول فترةٍ ممكنة على منصاتها، فهي تدرس بعناية أيَّ تعليق، أو مشاركة، أو إعجاب، أو تفاعل مع أيِّ منشور، بل حتى وقوفك لـثانيتين أو ثلاثة على أحد الفيديوهات وعدم وقوفك إلا لثانية واحدة على فيديو آخر هو أمر مُسجَّل ومحسوب وله تبعات لاحقًا، ويستخدم بصُور سيئة من قبل الشركات.

فخوارزمية الشبكات الاجتماعية تدرس اهتمامك وتفاعلك، وتبدأ بإظهار المنشورات التي تجذبك وتزيد تصفحك وتفاعلك، أما تلك التي لم تُعرها اهتمامًا فبعد أن تتأكد تلك الخوارزمية أنها لا تُساعد على إبقائك لفترة أطول سوف تستثنيها تمامًا من جدار التصفح.

وقد يقول قائل، وما المشكلة؟ هكذا أفضل، لا يظهر لي إلا ما يعجبني، أقول لك: هنا المشكلة يا صديقي، فعادةً يتفاعل الناس إيجابيًا مع الأمور التي تعجبهم، لكن آراء الناس وأفكارهم من حولنا في العالم الواقعي ليست كذلك، فالاختلاف موجود وسيبقى، وإن لم نتعلم كيف نتقبَّله ونُديره ونتعامل معه فسيخرج لدينا أشخاص حادُّون لا يقبلون أيَّ خلاف، بل ويستغربونه، من أين يأتي ذلك؟ عندما تقضي أسابيع وشهورًا على منصات التواصل الاجتماعي، وهذه المنصات لا تقترح لك ولا تُظهر إلا أشخاصًا يفكِّرون كما تفكر، واهتماماتهم تشبه اهتماماتك، وآراؤهم مثل آرائك فسينطبع لديك أن الناس مُعظمهم يفكرون بهذه الطريقة، لكن الحقيقة ليست كذلك، بل منصَّة التواصل الاجتماعي التي تستخدمها أوهمتك بذلك، وركّزت لك المنشورات التي تعجبك، وعندما تخرج للعالم وترى أن هناك من يخالف ستستغرب!

وهذا هو جوهر عملية التأثير بالانتخابات الذي ضجَّت به الدنيا في أمريكا، ففي كل بلدٍ هناك شرائح من الناخبين سبق أن حدَّدت موقفها من الانتخابات، لكن أيضًا هناك شريحة لم تُحدد بعد من ستنتخب، وغالبًا ما تكون هذه الشريحة هي المؤثرة في حسم نتيجة الانتخابات، فتقوم الجهة التي تسعى للتأثير بالانتخابات باستغلال ثغرات في هذه المنصات أو بالتعاون معها لترجيح كفة المنشورات التي تدعو للمرشح الفلاني أو تبرز أخباره وإنجازاته، وتصنع تأثيرًا في المتابعين خاصة ممن لم يحدد موقفه بعد.

كما يعمل نظام التوصيات في المنصات الاجتماعية على اقتراح المنشورات التي تشابه منشورات سابقة كنت قد أبديت اهتمامًا بها، حتى لو كانت شائعاتٍ أو أخبارًا زائفة ومضللة، لذلك قد تتحمل الشبكات الاجتماعية جزءًا من المسؤولية تجاه انتشار هذه الشائعات والأخبار كون هدفها هو حثُّك على المزيد من التصفُّح دون النظر في محتوى المادة ومدى تأثيرها السلبي على المجتمع، مثلاً لو شاهدت فيديو عن أن الأرض مسطَّحة وأمضيت فيه وقتًا فإنَّ نظام التوصيات سيعيد عليك اقتراحًا بمشاهدة فيديوهات ومواد مشابهة، من أشخاص تتابعهم أو مواضيع أو مجموعات وصفحات، وهكذا، حتى تظنَّ أنَّ معظم الناس يفكِّرون مثلك وأنَّ هذا هو الأصل، حينها لا تستغرب كيف لفلان أن يؤمن بذلك ببساطة أو يصدق بإحدى نظريات المؤامرة وهو يرى حوله يوميًا المزيد والمزيد من المواد التي تدفعه لترسيخ قناعاته حول ذلك.

إذن، هل أسهمتْ منصَّات التواصل الاجتماعي بإقناع أشخاص أكثر وأكثر بمعلومات خاطئة؟

تشير دراسة لمعهد «ماساتشوستس» للتقنية بأن الأخبار الكاذبة تنتشر على تويتر أسرع بـ ٦ مرات من الحقيقية.

ويقول أحد خبراء منصات التواصل الاجتماعي السابقين: أنشأنا نظامًا ينحاز للمعلومات الخطأ – عن غير قصد– وليس لأننا أردنا ذلك، بل لأنَّ المعلومات الخطأ تجني للشركات الكثير من المال[6].

ويقول آخر من كبار الموظفين السابقين لدى شركات منصات التواصل الاجتماعي ممن استضافتهم منصة نيتفلكس في فيلم (المعضلة الأخلاقية): «خلقت التكنولوجيا الفوضى العارمة والغضب واللامبالاة وقلة الثقة في بعضنا البعض والوحدة والاغتراب والمزيد من الاستقطاب واختراق المزيد من الانتخابات والشعبوية والمزيد من الإلهاء وعدم القدرة على التركيز على القضايا الحقيقية؛ فذلك هو المجتمع والآن أصبح المجتمع غيرَ قادرٍ على معالجة نفسه ويتحوَّل إلى نوعٍ من الفوضى».

والآن بعد توضيح طبيعة عمل هذه الشبكات وعُمق تأثيرها، لا بدَّ من العمل المستمر على وضع الحلول المناسبة لترشيد هذا الاستخدام والتخفيف من آثاره السلبية، فالموضوع ليس سهلاً، فهذا الهاتف صغير الحجم الذي تحمله بين يديك، يقبع في الطرف المقابل حاسوب عملاق يحثُّك على مشاهدة المزيد، ومتابعة المزيد، ويتعلم عنك أكثر وعما يعجبك وما لا يعجبك، ليعرف كيف يستدرجك ويوجِّهك.

الشبكات الاجتماعية تدرس اهتمامك وتفاعلك، وتبدأ بإظهار المنشورات التي تجذبك وتزيد تصفحك وتفاعلك، أما تلك التي لم تُعرها اهتمامًا فهي لا تُساعد على إبقائك لفترة أطول، ولذلك تستثنيها الشبكات من جدار التصفح

نصائح لترشيد تعاملنا مع منصات التواصل الاجتماعي[7]:

١. لا تشارك المحتوى قبل التحقُّق:

كثير منا لم يستوعب بعد كيف أنَّ منصَّات التواصل الاجتماعي أصبحت أكبر أداةٍ لنشر الأخبار الكاذبة والمضللة والمقصودة في كثير من الأحيان، ويقع في هذا الفخ حتى بعض الأفاضل ومن نثق بهم بدون قصد، ولا يتردَّد هؤلاء بأن يقولوا لك (وصلني من أخ ثقة)، ويكون الثاني وصله من أخ ثقة أيضًا، وهكذا، وتكون الثغرة إما أخٌ مستعجل لا يعرف كيف يتوثَّق من المعلومة على شبكة الإنترنت أو متساهلٌ بالنشر أو مندفعٌ وراء عاطفته أو باحثٌ عن التفاعل.

وهناك مثالٌ صغير أطرحه دائمًا على من حولي عندما ينقل أحدهم خبرًا كبيرًا وقد انتشر على مجموعات الواتس أب فأسأله، هل أذاعته القناة الإخبارية الفلانية أو الفلانية؟ يقول لا، فأقول له، معقول خبر بهذا الحجم (أحيانًا على مستوى دول) يتناقله الناس على مجموعات الواتس أب كأنه تسريب وما زالت القنوات الكبيرة المتخصصة لم تعلم به؟ هذه إحدى القواعد اليسيرة في التوقُّف عن نشر أخبار كهذه.

لذلك، قبل أن تُشارك محتوىً ما عبر الإنترنت «تأكَّد من الحقائق»، و«ضع في اعتبارك المصدر».

٢. خصص أوقاتًا معينة لاستخدام الإنترنت والهاتف الجوال:

ولا تتصفح المواقع عشوائيًا، بل ادخل للموقع والتطبيقات بهدف معين، وعندما تحقِّقه اخرج منها، وإن صعُب عليك فخصص أوقاتًا يحظر فيها استخدامه: في المسجد، في الطريق ماشيًا، عند اجتماعات العمل والعائلة والأصدقاء، في ساعات معينة يومية، وهذا مفيد حتى على مستوى العائلة، ففي النهاية أنت قدوةٌ لأبنائك، يجب أن يروا أنه هناك أوقات معينة يوضع فيها الجوال بعيدًا ويتفرغ فيها الإنسان لعبادته وعمله ومهامِّه وعلاقاته الاجتماعية، ويا ترى، كم أخذت منا الهواتف الجوالة أوقات ذكر وعبادة وتأمل وقراءة وعمل؟

ومما يعين على ذلك: أن نقوم بحساب الأوقات التي نقضيها على الجوال ونسعى لتقليلها تدريجيًا، وأهم ما يساعد على ذلك إيجاد أعمال نافعة (وربما متراكمة) نقوم بها في الوقت الذي نوفّره.

٣. لا تشارك في نشر التفاهة:

النشر اليومي وتفاعل المتابعين والشعور بالتواصل مع الآخرين شعورٌ جذَّاب، لكن بهذا الشعور وهذه الحاجة للنشر أصبح المحتوى الأكثر مشاركة وانتشارًا هو المحتوى التافه وغير المفيد للأسف، بل تجاوز ذلك لنشر ما يُسيء لنا ولمن حولنا، فكم من ذي شيبةٍ أصبح يشارك في فيديوهات ساخرة! لأجل المتعة أو الربح، وكم من أسرة اعتادت أن تُشاركَ يومياتِها وخصوصياتِها مع الملايين، وكم من رذيلةٍ نُشرت أو فَضيحة عمَّت!

٤. استبدل المحتوى المفيد بالمحتوى الترفيهي أو التافه:

فبدل تصفح تطبيقات المحتوى المرئي الترفيهي، حاول قراءة شيءٍ، أو تابع منصات التواصل التي تضمُّ محتوى مفيدًا أكثر من غيرها.

٥. لا تتابع كلَّ شيء:

منصَّات التواصل الاجتماعي في توسُّع، والحسابات والقنوات في ازدياد، فلن يسعك الوقت لمتابعتها كلها، بل لن يسعك الوقت لمتابعة المفيد فيها حتى، لذلك حاول التركيز وقلل ما تتابعه، ومن الممكن أن تراجع كل فترة ما تتابعه وتخلّص من المتابعات والاشتراكات التي ترى أنه لا يسعك الوقت لمتابعتها.

أيضًا مما يمكن أن يضم لهذه النصيحة هو التركيز على منصة أو اثنتين في شبكات التواصل الاجتماعي، بدل السعي للنشر والتفاعل مع باقة من الشبكات الاجتماعية.

٦. أطفالك مسؤوليتك:

عند السماح للأطفال باستخدام الهاتف فهذا لا يعني فتح الباب على مصراعيه، بل يمكن تقسيم استخدام الأطفال الهاتف الجوال لمراحل عدة، منها مثلاً أن بداية الاستخدام هي لتطبيقات التواصل الأساسية مع العائلة، ومتابعة الدراسة والمواد المفيدة النافعة، وتأخير استخدام شبكات التواصل قدر الإمكان، خاصة التي تعتمد على المحتوى المرئي الترفيهي، كسناب شات وانستغرام، والدراسات تقول بأنَّ هذين الأخيرين هما الأكثر سلبية على المراهقات وتقبُّلهنّ لأشكالهنّ.

وقد تمسَّك العديد من التقنيين بهذه القاعدة. قال أليكس روتر، نائب الرئيس الأول للهندسة في «تويتر» (Twitter): إن أطفاله لا يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي على الإطلاق.

وقال تيم كيندال، المدير السابق في فيسبوك: إنه يصر على ذلك: «نحن لا ندع أطفالنا يقضون أيَّ وقت أمام الشاشة».

فيما قال جوناثان هايدت، عالم النفس الاجتماعي والمؤلف بجامعة نيويورك: إنه إذا كنت ستسمح لأطفالك بالتسجيل على وسائل التواصل الاجتماعي، فانتظر حتى المدرسة الثانوية. وقال: «المدرسة المتوسطة صعبة بما فيه الكفاية»[8].

٧. قلل من الإشعارات:

لا داعيَ لتلقي إشعار صوتي وهزّاز وضوئي لكل رسالة وتفاعل يحصل على منصات التواصل الاجتماعي، فما تفعله هذه الإشعارات هو حثُّك على تفقُّد سبب الإشعار، وهذا يعني فتح الهاتف الجوال وتصفُّح ما يحدث وقد يسحبُك لسلسلة من التصفُّح لم تكن تخطِّط لها أصلاً ويسرق مما كنت فيه، ومنصة واحدة من هذه المنصات مثل واتس أب مثلاً فيها من المجموعات ما يكفي لأخذ ساعة منك يوميًا على الأقل لتتابع كل ما يحدث فيها.

فاجعل الإشعارات الصوتية للمهمَّات فقط كورود اتصال مثلاً، أو ما يتعلق بالعمل، وأغلق إشعارات شبكات التواصل الاجتماعي خاصة الصوتية تمامًا.

٨. حاول ألا تنقر على مقاطع الفيديو أو المنشورات الموصى بها لك:

أصبحت خوارزميات التوصيات نوعًا من الخلطة السرية لمنصات التكنولوجيا، فهي ما يضمن استمرار تفاعل المستخدمين مع التطبيقات، وتقوم بجمع قائمة طويلة من المحتوى ذي الصلة عند الانتهاء من قراءة منشور أو مشاهدة مقطع فيديو.

فعلى سبيل المثال، تعدُّ خوارزمية التوصية الخاصة بـ «تيك توك» (TikTok) -تطبيق مشاركة الفيديو- أساس التطبيق المشهور والتي بسببها جذب ملايين المستخدمين الشباب.

وبسبب هذه الخوارزمية استطاع تطبيق تيك توك وغيره من التطبيقات أن يسلب ساعات من أوقات الملايين يوميًا، فهي لم تعد أداة تدخلها لتبحث عن مقطع أو اثنين ثم تخرج، لا! بل أداة تسحبك من مقطع لآخر في سلسلة طويلة لا تنتهي.

قال عالم الحاسوب جارون لانيير الذي عُرف باسم الأب المؤسس للواقع الافتراضي: إنه بدلاً من ترك الخوارزميات ترشدك، من الأفضل البحث عن الفيديو التالي الذي تريد مشاهدته.

ويقول: «اختر أنت ما تريد مشاهدته دائمًا. هذه طريقة أخرى للقتال».

وينصح غليوم شازلوت مهندس «يوتيوب» (YouTube) السابق بتثبيت إضافة لمتصفح «كروم» (Chrome) الذي يمكنه وقف التوصيات للعديد من الأنظمة والمنصات.

٩. لا تنقر على (clickbait) أو ما يعرف بـ(فخ النقرة):

«كليك بايت» (clickbait) شكل من أشكال الإعلان الكاذب، ويتكون من رابط مصمم لجذب الانتباه وإغراء المستخدمين باتِّباعه وقراءة الجزء المرتبط به من المحتوى عبر الإنترنت أو عرضه أو الاستماع إليه، مع الوعد بميزات معيَّنة عادةً ما تكون مثيرة أو مضللة.

وأجبر ناشرو الأخبار على التكيُّف مع خوارزميات منصات التكنولوجيا هذه، مما أدى إلى تغيير أنواع القصص التي ينشرونها بناء على ما يجذب انتباه المستخدمين على الإنترنت.

٠ ١ . تحكَّم في ما يُقترح لك:

في عدد من منصات التواصل الاجتماعي هناك خيار لتغيير طريقة عرض المنشورات من (المختارة لك) إلى (الأحدث) تصفح من خلاله أو جرب استخدامه كل فترة.

يُعتبر الشخص مُدمنًا للإنترنت –وفق بعض الدراسات- إذا تعدّى استخدامه للإنترنت ثمانٍ وثلاثين ساعة أسبوعيًا، وهو ما يؤدِّي إلى إهمال الحياة الشخصية والمهام اليومية، وعلاج ذلك يستدعي استشارة المختصين مع العزيمة والإصرار لتصحيح المسار

النصيحة الأخيرة: عالج إدمانك:

علينا أن ندرك بأنَّ إدمان الإنترنت حالةٌ مرضيّة حديثة، ظهرت بالتزامن مع ظهور الإنترنت، وتقتصر على مستخدمي الإنترنت دون غيرهم، فتؤدّي إلى تغيّر السلوكيات والتصرفات، ويُعتبر الشخص مُدمنًا للإنترنت وفق وصف كيمبرلي يونغ عالمة النفس الأمريكية إذا تعدّى استخدامه للإنترنت ثمان وثلاثين ساعة في الأسبوع الواحد، أي ما يعادل ٥:٣٠ ساعات يوميًا تقريبًا، وإدمان الإنترنت يدخل ضمن نطاق الإدمان بشكل عام، وهو اعتياد شخص على أمرٍ مُعيّن واستخدامه لفترات طويلة دون القدرة على التخلُّص منه أو تركه، ويؤدي هذا الإدمان إلى إهمال الحياة الشخصية والمهام اليومية.

واتباع النصائح التي ذكرت في المقال واستشارة الخبراء مع وجود العزيمة والإصرار على التصحيح كفيل بإذن الله في علاج هذا وتجاوزه.

وفي الختام:

علينا أن نستحضر بأنَّنا مسلمون وأننا خلفاء في الأرض، وأن المسؤولية على قدر التشريف، فالمسلم في هذه الأرض يسعى لإصلاح نفسه ومن ثم إصلاح من ولاه الله أمرَه ومن حوله، واستحضار هذا يبين المسؤولية التي تقع على عاتقنا في حفظ أوقاتنا فيما ينفع، وحفظ أوقات من ولانا الله أمره من الأبناء والأهل، وتحديات التعليم والتربية في هذا العصر أصعب مما سبق، فإن كان الأب والأم يُضيِّعان من أوقاتهما ٣-٤ ساعات يوميًا على الجوال، وكذلك الأبناء، فمتى يكون التعليم والتربية والتواصل؟!


[1] الخوارزمية هي مجموعة من الخطوات الرياضية والمنطقية والمتسلسلة اللازمة لحل مشكلةٍ ما. وسميت الخوارزمية بهذا الاسم نسبة إلى العالم أبي جعفر محمد بن موسى الخوارزمي الذي ابتكرها في القرن التاسع الميلادي.

[2] البرمجيات Software مصطلحٌ عام يُطلق على أي برنامج منفرد أو مجموعة من البرامج والبيانات والمعلومات المخزنة.

[3] مقالة: كم عدد الساعات التي نقضيها في تصفح هواتفنا يوميًا؟ – BBC

[4] قال ابن القيم في الجواب الكافي، متحدثًا عن آثار الذنوب والمعاصي: «ومنها: حرمان الطاعة، فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أن يصد عن طاعة تكون بدله، ويقطع طريق طاعة أخرى، فينقطع عليه بالذنب طريق ثالثة، ثم رابعة، وهلم جرًّا، فينقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة، كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها». الجواب الكافي، ص (٥٤). وفي حاشية العدوي -المالكي- على الخرشي (٣/٤٦): «إنّ الله يحرم الإنسان القُربَة بذنب أصابه».

[5] كتاب الماجريات، لإبراهيم السكران، ص (٤٢)، ولكاتب هذه المقالة قراءة في كتاب الماجريات للسكران، نشرت في العدد الثالث من المجلة.

[6] الفيلم الوثائقي (المعضلة الأخلاقية).

[7] بعض هذه النصائح مقتبس من مقال على الجزيرة نت يلخص أبرز نصائح خبراء التقنية من فيلم (المعضلة الأخلاقية).

[8] الفيلم الوثائقي (المعضلة الأخلاقية).


أ. أحمد أرسلان

مدوِّن، ومتخصص في صناعة المحتوى والإنتاج الإعلامي.


لتحميل المقال اضغط [هنا]

مدوِّن، ومتخصص في صناعة المحتوى والإنتاج الإعلامي.
X