الافتتاحية

لمــاذا رَواء؟

مع ولادة مجلتكم الغراء (رواء) تفتح هيئة الشام الإسلامية صفحة جديدة من إنتاجها العلمي والفكري، والذي ترجو أن يكون لبنة في البناء الفكري والثقافي في الساحة، وواحة علمية وتربوية ينهل منها الظامئون ما يرويهم.

نطمح من المجلة أن تلبي تطلعات القراء، فتضع على الحروفِ النقاطَ التي تكمل معانيها وتثريها، وتضيء للعاملين طريقهم للتجديد والإصلاح، وتجعل من وحدة الكلمة واقعاً معاشاً، ومن النهوض والريادة أملاً تردده الألسن وتلامسه الأيدي، وتكون منبراً لرواد الأقلام والأفكار، يبثون من خلاله نتاج عقولهم وتجارب أعمارهم.

نعمل على أن نُقدِّم لقرائنا ما يجعلهم ينتظرونها عدداً بعد آخر، شغوفين لتصفحها، يدفعهم فضولهم لمعرفة ما تحويه طياتها، ونروم فيها التجديد فلا تكون تكراراً لما يملأ صفحات المطبوعات والمواقع والشبكات الاجتماعية، بل نستكتب فيها من الأقلام من يكتب أبحاثاً أصيلة، ترتكز على التراث، وتلامس الواقع.

اسم المجلة (رَواء):

معاني (رَواء) تدور في اللغة العربية حول مورد الماء، وكثرته، وعذوبته، وريِّه للشاربين[1]. والرَّواء: الماء الكثير، وقيل: العَذْب الذي فيه للوارِدين رِيٌّ؛ ففي قول عائشة تصف أبا بكرٍ رضي الله عنهما في خلافته: (واجْتَهَرَ دُفُنَ الرَّواء)[2]، أي: أخرج الماء الغزير المخبَّأ.

فالاجْتِهَار: الاستخراج. وهذا مثل ضَربَته عائشة لإحكام أبي بكر أمر الخلافة بعد انتِشَاره، شبَّهته برجل أتى على آبار قَد اندفَنَ ماؤها، فَنَزَحَها وكَسَحَهَا، وأخرج ما فيها من الدَّفَن حتى نَبَع الماء[3].

والكلمة معروفة في أشعار العرب، فقد قال الزفيـان الســــعدي:

ماءٌ رَواءٌ ونَصِيٌّ حَوْلِيَهْ.. هذا بأَفْواهِك حتى تِيبِيَهْ[4]

وأَنشد ابن بري (من علماء اللغة) لشاعرٍ:

مَنْ يَكُ ذا شَكّ، فهذا فَلْجُ.. ماءٌ رَواءٌ وطَرِيقٌ نَهْجُ[5]

وهذه المجلة نأمل منها ونتفاءل بها أن تكون (رَواءً) للقارئ، وموردًا عذبًا، تروي ظمأه للمعرفة، وتغنيه عن موارد كثيرة، وتُخرج له الغني المخبأ من ديننا وثقافتنا، فلا يصدر عنها بعد أن يردها إلا مكتفيًا ريّانًا.

لماذا مجلة رواء؟

لم تزل هيئة الشام الإسلامية تنشر نتاجها الفكري والعلمي مذ تأسست مطبوعاً، أو على موقعها الإلكتروني، وفي صفحاتها على الشبكات الاجتماعية، لكن إخراجها مجموعةً في مكانٍ واحدٍ، مُحكَّمةً ومُدقَّقةً من جهة مختصَّة، ومنتظمةً في أبوابٍ متناسقة، يجعلها أكثر فائدة وقدرة على إيصال رسالتها.

وإلى جانب ذلك نهدف لتحقيق جملة من الأهداف من خلال هذه المجلة:

1- إثراء الساحة بمقالات متميزة تلامس الواقع، في قضايا المنهج والتجديد والإصلاح:

وذلك بتقديم مقالات علمية في المجالات المستهدفة، تتميز بالجِدَّة في الطرح، والتأصيل العلمي والمنهجي، مستهدفين في ذلك العاملين في حقول التعليم والدعوة، لكونهم أكثر الناس تعرضًا للمستجدات في المجتمع، واستقبالاً لأسئلة الناس واستشكالاتهم، ولحاجتهم لتنمية معارفهم وعلومهم، ورفدها بكل جديد ومفيد.

وغني عن القول إن الجيل الحالي يتعرض لحملات منظمة من التشويه المعرفي، والانحراف الفطري، مع تجهيل بالدين الصحيح، ونشرٍ للمفاهيم الخاطئة، مما يعني تزايد الحاجة للمنابر التي تعين على تثبيت عقيدة الشباب، وزيادة معرفتهم الدينية، وتوسعة مداركهم وأفكارهم، وتقوية مناعتهم ضد هذه الحملات، وتقديم المفيد للعاملين في هذا المجال.

2- الإسهام في تعزيز جانب الائتلاف وجمع الكلمة بين صفوف الأمة:

المسلمون في هذ العصر أحوج ما يكونون إلى تعزيز جوانب الائتلاف، وجمع الكلمة، وتوحيد الجهود في مواجهة التحديات العامة التي تواجههم، وإلى تلمس المشتركات التي يمكن البناء عليها، والتي يمكن من خلالها الحفاظ على الهوية، تحت مظلة الأخوة الإسلامية.

لا نتوقع انتهاء الخلافات، وإنما نهدف إلى إنارة الطريق لكيفية التعامل معها، ووضعها في مكانها المناسب، والحوار حولها بالطريقة المثلى.

3- بث القيم الحضارية وروح النهضة في المجتمع:

فلا يختلف اثنان على أن النهضة والتحضر إنما تبدأ من الأفكار والقيم والمثل التي يتمثَّلها جيل من الناس، فينقلونها من حيز المعرفة والإدراك إلى دائرة السلوك والتطبيق، ثم تترجم جيلاً بعد جيل إلى واقع حضاري، بأدواته ووسائله العصرية، لتجد طريقها فيما بعد للظهور والتمكين ولو بعد حين.

ونرنو في المجلة إلى تجلية هذه المفاهيم، وبسط هذه القيم، ونشرها بين الناس، بما يجعلها منها بذرة صالحة في طريق النهوض والتقدم.

4- إيجاد منبر لطلبة العلم والباحثين، يحفزهم على البحث والإنتاج العلمي ونشره:

فالعديد من المفكرين وطلبة العلم لديهم أفكار بناءة، وتأملات سديدة، ورؤى متميزة، لكنها تبقى حبيسة الأوراق، وأسيرة الأذهان، مما يفوِّت الكثير من الفوائد والمصالح، ونأمل من خلال هذه المجلة أن نقدم منبراً ناصحاً لهؤلاء تعينهم على نشر ما لديهم، مع توفير بيئة التحكيم والتشاور، إلى جانب خدمات المراجعة، والتوثيق العلمي، والتوجيه والتحكيم، مما يسهم في خروج هذه المواد للجمهور بأفضل صورة ممكنة.

أهلاً بكم قراءً كراماً، ونأمل أن تجدوا في مجلتكم (رواء) كل جديد ومفيد.

سائلين الله تعالى التوفيق والسداد.


1 لسان العرب، لابن منظور (14/346)، الصحاح تاج اللغة، للفارابي (6/2365)، مادة (روي).

2 ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط 1415 هـ – 1995 م، (30/391).

3 النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير، (1/321)، وينظر: تاج العروس، للزبيدي (10/491)، ولسان العرب (4/152).

4 ينظر: الصحاح (6/2365)، ولسان العرب (14/346)، وتاج العروس (38/191).

5 لسان العرب (14/345).

X