قراءات

قراءة في كتاب: المواثيق الدولية وأثرها في هدم الأسرة، للدكتورة كاميليا حلمي محمد

قراءة في كتاب: المواثيق الدولية وأثرها في هدم الأسرة، للدكتورة كاميليا حلمي محمد

يُتحدث كثيرًا في وسائل الإعلام عن المواثيق والمعاهدات التي تدَّعي حماية المرأة والطفل ورعاية الأسرة، وتُعقد للتوقيع على هذه المواثيق المؤتمرات والمناسبات، ويسلَّط عليها الضوء ويناصرها العديد ممن قد لا يعرف عنها شيئًا، فما هي حقيقة هذه المواثيق؟ وهل وضعت فعلاً لصالح المرأة؟ وما أهدافها ومآلات بنودها وتشريعاتها؟ وما دورنا تجاهها؟ نجد الإجابة على هذه الأسئلة في هذه القراءة.

الكتاب:

عنوانه: «المواثيق الدولية وأثرها في هدم الأسرة بداية من تأسيس منظمة الأمم المتحدة عام ١٩٤٥م وحتى مطلع عام ٢٠١٩م».

يقع في ٧٤٥ صفحة، وطبع الطبعة الأولى، ١٤٤١هـ – ٢٠٢٠م

المؤلفة:

  • حاصلة على دكتوراه في المواثيق الدولية وأثرها في هدم الأسرة، وهذا الكتاب هو رسالتها التي حصلت بها على هذه الدرجة من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، شعبة الدراسات الأسرية، بجامعة طرابلس ٢٠١٩م
  • ماجستير في المفهوم الفعلي لمصطلح العنف الأسري في أهم الاتفاقات الدولية، من أكاديمية الفرحة لعلوم الأسرة- بريطانيا ٢٠١٢م
  • دبلوم المجتمع المدني وحقوق الإنسان، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة عام ٢٠٠٦م.
  • لها نشاط علمي وتدريسي وعضوية في العديد من المؤسسات الدولية والجامعات والهيئات الاستشارية واللجان المهتمة بموضوع الأسرة، وشاركت في العديد من المؤتمرات العالمية والإقليمية والمحلية، والعديد من المؤتمرات الدولية بالأمم المتحدة كمنسقة لائتلاف المنظمات الإسلامية.

المقدّمة:

تسعى الدول الغربية إلى فرض وصايتها على شعوب الأرض قاطبة؛ من خلال عولمة مجموعة من القيم التي تسود مجتمعاتها، وذلك بعد أن يتم صياغتها في إطار فضفاض يسمى: حقوق الإنسان، من خلال هيئة الأمم المتحدة التي أسستها الدول العظمی عام ١٩٤٥م لتكون أداةً لها في حكم العالم، وبالتحديد من خلال لجان المرأة والطفل بها؛ حيث تتم صياغة مفردات تلك المنظومة الغربية في صور مواثيق واتفاقيات دولية، يتم طرحها على الحكومات للتوقيع عليها، مع فتح الباب لوضع التحفظات على بعض بنودها المختلف عليها.

يلي مرحلة التوقيع مرحلة أخرى هي التصديق عليها من خلال المجالس النيابية في الدول المختلفة، والتي يتبعها عملية تغيير وتبديل شاملة للقوانين الوطنية؛ لتصبح هذه الاتفاقيات مرجعية تشريعية إلزامية تحلّ محلّ المرجعيات الأصلية للمجتمعات المختلفة، والتي عادة ما تكون مستمدة من أديان تلك الشعوب وعاداتها وتقاليدها.

وبعد أن يتم تنفيذ المتفق عليه من بنود هذه الاتفاقيات، تبدأ مرحلة الضغط لرفع التحفظات التي وضعتها الدول على بنود الاتفاقيات التي رأت هذه الدول استحالة الموافقة عليها وتطبيقها؛ لتعارضها الشديد إما مع الدين والقيم التي تحكم المجتمعات، وإما مع الدساتير والقوانين الوطنية.

وتأتي الضغوط الدولية بأشكالها المتعددة؛ لجعل تلك الاتفاقيات المرجعية التشريعية الوحيدة التي تحلّ محلّ كل المرجعيات التشريعية لشعوب العالم، في تناقض غريب بين ما تدّعيه منظمة الأمم المتحدة من حماية للديمقراطية والحرّيات، ومن احترام الثقافات وأديان شعوب العالم المختلفة، وبين ما تمارسه بالفعل على أرض الواقع.

وتحمل هذه المواثيق الدولية رؤية أحادية لقضايا المرأة والطفل، رؤية تعبر عن الفكر النسوي الغربي «الراديكالي»؛ حيث ترتكز على عدد من المصطلحات المطاطة؛ منها: العنف ضد المرأة، والجندر، والصحة الإنجابية وغيرها، مع ربطها جميعًا بالتنمية المستدامة.

وترفع تلك المواثيق شعارات براقة لكنها مفخخة؛ مثل: «المساواة» و«حقوق الإنسان»، ثم تدعو إلى التساوي المطلق بين المرأة والرجل في جميع الميادين: السياسية والاقتصادية والثقافية والمدنية، سواء في الأدوار أو الحقوق أو التشريعات، وتعتبر أي فارق في هذه الأدوار أو التشريعات بين الرجل والمرأة «تمييزًا وعنفًا ضد المرأة» ينبغي القضاء عليه. كما تدعو إلى إطلاق الحريات الجنسية من زنًا وشذوذ، في مقابل التضييق على الزواج ورفع سنّه، وغير ذلك من الأفكار التي تخالف الإسلام، وتؤدّي إلى تفكيك الأسرة وهدمها.

تأتي الضغوط الدولية بأشكالها المتعددة؛ لتُحلَّ اتفاقياتِ المرأة والأسرة محلّ كل المرجعيات التشريعية لشعوب العالم، في تناقض غريب مع ما تدّعيه منظمة الأمم المتحدة من حماية للديمقراطية والحرّيات، ومن احترام ثقافات وأديان شعوب العالم المختلفة

وإسهامًا من المؤلفة في الكشف عن هذه المخططات، وحتى لا تصل المجتمعات الإسلامية إلى ما وصلت إليه المجتمعات الغربية من انحلال وتفكك للأسرة ونتائج اجتماعية مدمّرة؛ فقد قامت بهذه الدراسة لبيان أهم الاستراتيجيات والسياسات التي رسمتها المواثيق الدولية للمرأة والطفل لهدم الأسرة، وأهم المظلات والآليات التي تنتهجها تلك المواثيق لتحقيق ذلك الغرض.

الباب التمهيدي: الأمم المتحدة وتغلغل الفكر النسوي الراديكالي فيها:

أولاً: الهدف الحقيقي لتأسيس الأمم المتحدة:

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قامت الدول العظمى المنتصرة في هذه الحرب بتأسيس منظمة الأمم المتحدة ورفعت شعار: «تعزيز السلام وحقوق الإنسان»، وقد كان هذا الشعار غطاءً للمضمون الفعلي الذي لم يتم الإعلان عنه لكن يشهد له الواقع، وهو: القضاء على مقاومة الشعوب لاحتلال ووصاية الدول العظمى، وإبقاء وإحكام السيطرة عليها.

ومن أهم الوسائل التي اتبعتها الأمم المتحدة للوصول إلى هذه الغاية: القضاء تمامًا على منظومة الأخلاق والقيم بشكل عام، والقيم الأسرية بشكل خاص[1] من خلال فرض رؤيتها لحقوق الإنسان على الشعوب، ومراقبة الحكومات ومحاسبتها في حال عدم تنفيذها.

ثانيًا: الفكر النسوي الراديكالي وتغلغل النسويات الراديكاليات في الأمم المتحدة:

الحركة النسوية الراديكالية هي: حركة فكرية سياسية اجتماعيـة متعددة الأفكـار والتيـارات، ظهـرت في أواخـر الستينيات، تسعى للتغيير الاجتماعي والثقـافي، وتغيير بُنى العلاقات بين الجنسين وصولاً إلى المساواة المطلقة كهدف استراتيجي، وتختلف نظرياتهـا وأهـدافها وتحليلاتهـا تبعًا للمنطلقات المعرفية التي تتبناها، وتتسم أفكارها بالتطرّف والشذوذ، وتتبنّى صـراع الجنسين وعداءهما، وتهدف إلى تقديم قـراءات جديـدة عـن الـدين واللغـة والتـاريخ والثقافة وعلاقات الجنسين.

ومن أخطر آراء هذه المدرسة: أنّه ينبغي إلغاء ثنائية الذكر والأنثى وتحقيق مساواة الجندر[2]، وأنّ الأصل في العلاقات الجنسية هي العلاقة «المثلية»، وأنّ الزواج هو السجن الأبدي للمرأة يقطع آمالها وأحلامها، وأنّ المرأة ينبغي أن تتحرر من الإنجاب والإرضاع وتربية الأولاد، وأن يكون لها حقّ الإجهاض.

من أخطر آراء الحركة النسوية الراديكالية: إلغاء ثنائية الذكر والأنثى وتحقيق مساواة الجندر، وأنَّ «المثلية» هي الأصل في العلاقات، وأن الزواج سجن للمرأة يقطع آمالها وأحلامها، وأنّ على المرأة أن تتحرر من الإنجاب والإرضاع وتربية الأولاد، وأن يكون لها حقّ الإجهاض

ثالثًا: دور النسويات في تأسيس لجان الأمم المتحدة وصياغة مواثيقها الدولية:

تقول د. كاثرين بالم فورث: «إنّ المواثيق والاتفاقات الدولية التي تخصّ المرأة والأسرة والسكّان تصاغ في وكالات ولجان تسيطر عليها فئات ثلاث: الأنثوية المتطرّفة، وأعداء الإنجاب والسكّان، والشاذّون والشاذّات جنسيًا».

وقد شاركت النسويات في صياغة ميثاق الأمم المتحدة، وصياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفيهما النصُّ على التساوي المطلق بين الرجال والنساء، كما قمن بتأسيس «لجنة مركز المرأة»، مهمتها تعزيز حقوق النساء في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، وإدماج لغة «جندرية» في جميع الاتفاقيات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة.

وكثير من هؤلاء النسويات منتميات إلى اليهودية ويظهرن اعتزازهن بالتراث اليهودي علاوة على انخراطهن في الحركة الصهيونية.

الباب الأول: الاستراتيجيات والسياسات التي رسمتها المواثيق الدولية للمرأة والطفل لهدم واستئصال الأسرة:

صاغت الأمم المتحدة من خلال المواثيق الصادرة عنها في مجال حقوق الإنسان والمرأة والطفل والسكان والتنمية استراتيجيات كاملة يؤدي تطبيقها على أرض الواقع إلى التسارع في هدم الأسرة، وهذه الاستراتيجيات تعمل على مسارين:

الأول: صرف الشباب عن الزواج؛ لمنع تكوين أسر جديدة، والتشجيع على الزنا، وذلك من خلال:

  1. رفع سن الطفولة إلى الثامنة عشرة، وبالتالي رفع سن الزواج، واعتبار أي زواج بفتاة دون هذا السن: جريمة؛ باعتباره: «زواج أطفال».
  2. التحذير من الزواج المبكّر وأنّه سبب في الحدّ من فرص التعليم والعمل بالنسبة للمرأة، وتعريض صحتها للخطر، كما أنّه وسيلة للاتجار بالنساء! وسبب في الزيادة السكانية وحجم الأسرة.
  3. تحديد السن القانونية لاستقلال الفتاة بقرار ممارسة العلاقات الجنسية وهو ١٥ سنة، وعدم تجريم الزنا ما دام رضائيًا، وعدم تجريم الجنس خارج الزواج، ودمج المراهقات الحوامل في التعليم النظامي، والاعتراف بأبنائهن من الزنا في الوقت الذي يتم فيه إنكار أبناء الزواج الشرعي المبكر!
  4. التشجيع على «الممارسات الجنسية المسؤولة» والتي تعني: حصول العلاقة الجنسية بتراضي الطرفين، مع استخدام وسائل الحماية المعروفة، وتحمّلهما المسؤولية لما ينتج عنها من حمل أو أمراض أو غير ذلك.
  5. تعميم برامج الصحة الجنسية والإنجابية لكل الأفراد من كل الأعمار بغض النظر عن كونهم متزوجين أو غير متزوجين وبالمجّان ومن خلال وسائل الإعلام والمدارس ومراكز الرعاية الأولية وغيرها، مع استهداف واضح للمراهقين والصغار. وهذه البرامج تشمل: التثقيف الجنسي، والتدريب على استخدام وسائل الحماية، ووسائل منع الحمل، والتعليم بالأقران في التثقيف الجنسي، ووضع سياسات وبرامج لإباحة الإجهاض للتخلّص من الحمل غير المرغوب به. مع النصّ في جميع المواثيق والاتفاقيات على ضرورة إغفال الحالة الزوجية للمرأة عند تقديم الرعاية لها.
  6. إباحة الدعارة وحمايتها قانونيًا ومجتمعيًا من خلال اعتبارها نوعًا من أنواع «العمل».
  7. إباحة الشذوذ الجنسي، والدعوة إلى تمتّع الشواذ بعدد من الحقوق: كالحقّ في الحياة والأمن والخصوصية، والحق في اعتبارهم أسوياء غير مرضى ومساواتهم بالآخرين مساواة تامّة، والحق في التعبير وتكوين الجمعيات والتجمّعات[3].
  8. الضغط لأجل رفع «التحريم» و«الوصم بالعار» عن الزناة والشاذين جنسيًا، وإلغاء القوانين التي تجرّمهم وتعاقبهم، وتأمين المناخ المحيط بهم؛ لتشجيعهم على طلب خدمات الصحة الجنسية والإنجابية بلا خوف.
  9. إضافة إلى فرض وتعميم منظور الجندر (الهوية الجنسية) وإدراجه في صميم الأجندة العالمية والمؤتمرات التي تعقدها الأمم المتحدة، ووصف القوانين الوطنية التي تقرّ بوجود فوارق بين الجنسين بأنّها أحكام تشريعية تمييزية والمطالبة بإبطالها، والضغط على الحكومات لتطبيق «مساواة الجندر».

من استراتيجيات المواثيق الدولية لهدم الأسرة: دفع المرأة للعمل في المجالات التي يشغلها الرجال عادة؛ لتعزيز الندّية بينهما، وتحقيق استغناء المرأة عن الرجل. وفي المقابل: دفع الرجال للمجالات التي تعتمد على المرأة إمعانًا في تغيير الفطرة وخلط الوضع الاجتماعي

الثاني: هدم الأسر القائمة، وذلك من خلال:

  1. العمل على المساواة التامّة بين الرجال والنساء وفي جميع المجالات، وإحداث تغيير جذري في الأدوار الفطرية لكل من الرجل والمرأة داخل الأسرة، وأهمها: اختصاص الرجل بمهام القوامة واختصاص المرأة بمهام الأمومة ورعاية المنزل، والتي أطلقت عليها الأمم المتحدة مصطلح: (القوالب الجندرية النمطية)! والدعوة إلى توزيع كافة المهام بالتساوي بين الرجل المرأة، ولو أدى ذلك لقيام الرجل بأعمال المنزل وخروج المرأة من البيت للعمل.
  2. دفع المرأة للعمل في الوظائف غير التقليدية وفي المجالات التي يشغلها الرجال عادة وكأنّهم يتعمّدون الاستحواذ عليها؛ لتعزيز بناء العلاقة بينهما على الندّية، ولتحقيق الاستقواء والاستقلال الاقتصادي للمرأة وبالتالي استغنائها عن الرجل، وتحكّمها في كلّ قراراتها الحياتية. وفي المقابل: دفع الرجال للعمل في المجالات التي تعتمد على المرأة إمعانًا في تغيير الفطرة وخلط الوضع الاجتماعي. مع الدعوة إلى المساواة التامة بين الرجل والمرأة في الميراث.
  3. السعي لتحقيق الاستقواء السياسي للمرأة من خلال دفعها إلى دوائر صنع القرار ودعمها بكل الوسائل لتحصل على القوة اللازمة لإحداث التغيير المجتمعي المستهدف والذي تنص عليها المواثيق الدولية في مجال الأسرة. والمعيار الوحيد لوصولها إلى هذه المناصب ليس الكفاءة وإنّما هو تحقيق المساواة مع الرجال. وفي سبيل وصولها للعمل السياسي: يأتي تخليها عن وظيفتها في الأسرة، واقتسام مسؤوليات الأسرة بالتساوي مع الرجل، وغير ذلك من الأمور.
  4. العمل على تحقيق الاستقواء الاجتماعي للمرأة، وهو نتيجة حتمية للاستقواء الاقتصادي والسياسي، وهدفه النهائي: إحداث تغييرات جذرية في القيم والقوانين والسلوكيات والعلاقات الاجتماعية بين الرجل والمرأة، والحد من النسل.
  5. العمل على تحقيق المساواة التامة وإلغاء الفوارق بين الرجل والمرأة، ومن وسائله:
    • إلغاءُ مبدأ (الولي) في الزواج، وإعطاء المرأة الحرية الكاملة في العلاقات والسكن.
    • بناء العلاقة بين الزوجين على «المشاركة الكاملة في الإنتاج والإنجاب»!! وإلغاء (القوامة) على المرأة من خلال إلغاء مقوّماتها مِنْ: طاعة الزوجة لزوجها، واستئذانه للخروج أو السفر، والالتزام بمسكن الزوجية، ومنع الرجل من التعدد والحق في الطلاق، وعدم إلزام المرأة بالعدّة، وإعطائها حقّ «التعقيم».
    • توظيف مصطلحات مطّاطة مثل «العنف ضد المرأة» لتمكين المرأة من الخروج عن طاعة زوجها، بل الشكوى ضده بتهمة «التحرّش الجنسي» و«الاغتصاب الزوجي»!.
    • دفع المرأة لامتلاك المميزات البدنية العضلية التي تعينها على أداء المهام الثقيلة التي ستقوم بها بدل الرجل، وهذا يفسّر التركيز الشديد على دخول النساء للمجالات الرياضية العنيفة.
  6. العمل على تحقيق «استقواء الطفل» وهو ما يؤدّي إلى تمرّده على والديه ورفض أي قيود أو ضوابط يفرضها دين أو مجتمع أو عُرف، من خلال: منع أي شكل من أشكال تأديب الأطفال، ومنع التدخّل في خصوصياتهم، ومنح الدولة حق انتزاع الطفل من أسرته وتوفير أسرة بديلة عند أدنى مخالفة، والمساواة بين الطفل الشرعي وغير الشرعي.

من عجائب المواثيق الدولية أن وثيقة (الحدّ من الكوارث) تنصّ على «مساواة الجندر» و«استقواء المرأة» و«خدمات الصحة الجنسية والإنجابية»!

الباب الثاني: المظلات والآليات التي تستخدمها الأمم المتحدة لهدم واستئصال الأسرة:

أوّلًا: تمكّنت الأمم المتحدة من تمرير أجنداتها الرامية لهدم واستئصال الأسرة من خلال مظلات متعددة من أهمّها:

  1. مظلة «حقوق الإنسان والحريات الأساسية»: وهذه المظلة هي المفتاح لتدويل وتقوية الأجندة النسوية الراديكالية، من خلال تفسير هذه الحقوق والحريات وفق رؤيتهن. ومن خلال المنظور الأممي لحقوق الإنسان والحريات الإنسانية يتم عمل التغييرات الجذرية في المجتمعات لاستئصال الأسرة من خلال مسارين:
    • المساواة التامة بين الرجل والمرأة (مساواة الجندر) والتي من خلالها يتم إلغاء القوامة وترك الأسرة بلا قائد، وتقوية المرأة لتستغني عن الرجل في الأسرة.
    • إشاعة الفواحش من زنى وشذوذ جنسي وما يترتب عليها، باعتبارها من الحريات الشخصية؛ لصرف الشباب عن الزواج، ومن ثمّ استئصال الأسرة.
  2. مظلة «القضاء على العنف ضد المرأة»: للتنفير من الزواج الشرعي ومحاربته، لاسيما إذا كان تحت ١٨ سنة باعتباره زوجًا قسريًا، وتمرير مصطلح التحرّش والاغتصاب الزوجي، وإقرار الشذوذ، وحماية الشاذّات والزانيات من العقوبة.
  3. مظلة «الصحة» و«الوقاية من الإيدز»: لتمرير المساواة الجندرية، وتطبيع الزنا والدعارة والشذوذ، وإباحة الإجهاض.
  4. مظلة «الإسكان والتنمية الحضرية» و«التنمية المستدامة»: لتمرير «المساواة الجندرية»، و«استقواء المرأة»، والقضاء على «الزواج المبكر»، والقضاء على عمل الأطفال وبالتالي يصبح عمل الشاب تحت ١٨ سنة مجرّمًا قانونًا، وضمان حقوق الشواذ، وإباحة الإجهاض، وتخفيض نسل شعوب العالم الثالث.
  5. مظلة «حق المرأة في السكن اللائق»: لتمرير حظر تعدّد الزوجات، والتسوية المالية بعد الطلاق بين الزوجين، والمساواة في الإرث، وإيجاد سكن مناسب لمن تريد مغادرة بيت زوجها! وإعطاء الزانيات والشاذات والداعرات حقوقَ النساء السويّات نفسها!
  6. مظلة «العمل الإنساني الدولي»، و«الإغاثة في الكوارث والحروب والنزاعات»: للوصول إلى المجتمعات الفقيرة والمتضررة من الحروب، ولسحب البساط من تحت المنظمات الإسلامية العاملة في المجال نفسه.

والعجيب أن وثيقة مثل وثيقة: (الحدّ من الكوارث) تنصّ على «مساواة الجندر» و«استقواء المرأة» و«خدمات الصحة الجنسية والإنجابية»!! فهل هذه الأمور ستحدّ من الكوارث؟ أو تواسي من أصابتهم فعلاً؟ أم أنّها مظلّة لتمرير الأجندات المدمرة للمرأة والأسرة والمجتمع والأمّة بل والإنسانية جمعاء، تمامًا مثل المظلات السابقة؟

ثانيًا: تمكّنت الأمم المتحدة من تمرير أجنداتها الرامية لهدم واستئصال الأسرة من خلال الآليات والمنظمات غير الحكومية المتعاونة معها، ومن ذلك:

  1. استغلال التعليم في نشر ما تتضمنه مواثيقها مما سبق بيانه، ومن ذلك: تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية وفق رؤية الأمم المتحدة. وتعزيز التسامح والصداقة مع الجميع بدأً من المحتل الغاصب إلى الشاذين جنسيًا. والعمل على اختلاط التعليم وتأنيث الرياضة. إضافة إلى وضع برامج عديدة تساعد المدرسين على تجاوز الحرج الشديد في الحديث عن قضايا خطيرة مثل: أنّ الممارسات الجنسية بأشكالها المختلفة يمكن أن تكون تعبيرًا عن الحب، وأنّ بإمكانهم القيام بهذه العلاقات بشرط الحصول على الخدمات الصحية الجنسية والإنجابية! وأنّ الأسرة لها أشكال متعدّدة كأُسَر الشواذ، وأنّ الطفل هو مَن يقرر مَن يلمسه وأين وبأيّة طريقة، وتهيئة الطفل لاحتمال أن يتربّى في أسرة بديلة، وغير ذلك.
  2. التركيز على استخدام الإعلام كواحدة من أهم آليات تسويق أجنداتها حول المرأة والأسرة؛ وأفردت له في مواثيقها أبوابًا وفصولاً كاملة، وحثّت حكومات الدول الأعضاء على زيادة الاستفادة على نحو فعّال من وسائط الإعلام الترفيهية بما في ذلك المسلسلات والتمثيليات والمسرح ونحوها.

ومن مظاهر التحوّل الإعلامي الكبير في مجال حرف الأسرة وتفكيكها:

  • التركيز على المساواة التامة بين الرجل والمرأة في جميع الميادين، وإنهاء ولاية الرجل على المرأة وقوامته عليها. وقد وقعت الأمم المتحدة اتفاقيات مع الدول المختلفة بخصوص المساواة بين الرجل والمرأة في الإعلام.
  • القضاء على «القوالب النمطية لأدوار الجنسين» والمتمثلة في الأب والأم والأولاد والأسرة الممتدة، وتغييرها على أساس «الجندر»؛ فبات من المألوف جدًا أن يظهر الرجل وهو يعتني بالأطفال والطبخ، وتظهر المرأة كسيدة أعمال أو شرطية!
  • نشر الانحلال الأخلاقي والرذيلة من خلال البرامج والمسلسلات والأفلام التي تتعمّد كسر الحياء والفضيلة، وإشاعة «الثقافة الجنسية» حسب النموذج الغربي، وتعزز «استقواء المرأة» و«استقواء الطفل»، وحق «تغيير الجنس» و«الإجهاض» ونحوها.
  • نشر الشذوذ والتعاطف معه ودعمه، من خلال: الأفلام والمسلسلات التي تصوّر الشاذين ومعاناتهم، والأسر التي ينشئونها وأنّها أسر فيها مقوّمات الاستقرار، وتمكين الشواذ من الإعلاميين من بث برامجهم الاجتماعية على القنوات الفضائية، إضافة للحملات الإعلامية التي أطلقتها الأمم المتحدة بغرض تسليط الضوء على «تنوّع المثليين» ومكافحة «رهاب المثلية» مثل حملة: «لست وحدك»!
  • السماح بنشر هذا الركام العَفِن إضافة إلى الأفلام الإباحية بكافّة أشكالها على مواقع التواصل الاجتماعي، دون ضابط سوى تحديد سنّ المشاهدة في بعضها.

3. استغلال المنظمات غير الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني، لتنفيذ أجندات الأمم المتحدة، وللضغط على الحكومات غير المتعاونة.

ومن المنظمات العالمية غير الحكومية ذات الشراكة مع الأمم المتحدة: منظمة «العفو الدولية»، ومنظمة «مراقبة حقوق الإنسان»، ومنظمة «المساواة الآن»، و «عيادة القانون الدولي لحقوق الإنسان للمرأة»، و«المنظمة النسوية للبيئة والتنمية»، ومنظمة «حقوق المرأة في التنمية».

ومن المنظمات العربية ذات الشراكة مع الأمم المتحدة: «منظمة المرأة العربية» التي تعمل في إطار جامعة الدول العربية، ومنظمة «مفتاح» الفلسطينية.

4. توظيف القيادات الدينية لتوجيه العامّة نحو الأمور التي تتفق مع توجّهاتها، كإضفاء الشرعية على «استخدام خدمات تنظيم الأسرة» و«الخدمات الصحية الجنسية والإنجابية» والتي تعني في نصوص الأمم المتحدة: حرية ممارسة الجنس، وحرية الإجهاض. والتعاطف مع المريض الذي يصاب بالأمراض الجنسية بغض النظر عن سبب الإصابة بالمرض.

5. تقديم الدعم والتمويل للمنظمات والأفراد؛ لمساعدتها ومساندتها ودعمها لأجنداتها، وقيامها بتطبيق اتفاقياتها.

ثالثًا: الضغط للتطبيق الكامل للمواثيق الدولية، وتغيير القوانين والتشريعات الوطنية والأعراف والتقاليد:

وللوصول إلى مرحلة التطبيق الكامل لهذه المواثيق يتم المرور بثلاث مراحل:

  1. التوقيع والتصديق على الاتفاقيات بوسائل إقناع متعددة، من أهمها: ترك المجال مفتوحًا للتحفّظ على أي بند من بنودها.
  2. تطبيق وتنفيذ هذه الاتفاقيات.
  3. الضغط لرفع التحفّظات التي وضعتها الدول على بعض البنود، بدعوى أن حقوق الإنسان كلٌّ لا يتجزّأ، وأنّه في حال كان الدين والعرف هما السبب في وجود هذه التحفظات فينبغي اتخاذ التدابير اللازمة لإزالتها!

تبقى التوعية أهم سلاح في مواجهة الحرب الشرسة التي تشنها المواثيق الدولية على الأسرة، ومن مجالاتها: تشجيع الزواج وتيسيره، والإعلاء من شأن دور الزوجة والأم داخل الأسرة، إلى جانب التحالفات بين الجهات المعنية بالحفاظ على الأسرة

توصيات الدراسة:

ختمت المؤلفة كتابها بعدد من التوصيات، من أبرزها:

  1. نشر الوعي بين الشعوب بخطورة ما تنص عليه المواثيق الدولية المعنية بالمرأة والطفل؛ بهدف تشكيل رأي عام ضاغط باتجاه إعادة النظر فيها أو الانسحاب منها.
  2. نشر الوعي بخطورة الفكر النسوي الراديكالي ومن يمثّله في بلادنا الإسلامية من خلال الوسائل المتنوّعة.
  3. العمل على تكوين تحالف يجمع كل الجهات المعنية بالحفاظ على الأسرة؛ لتكوين جبهة تعمل على حماية الأسرة، وصدّ الهجمة التغريبية الشرسة عليها على كافة المستويات العالمية والإقليمية والمحلية. وقد ذكرت المؤلفة في ثنايا الكتاب أنّ «ائتلاف المنظمات الإسلامية» الذي شارك ممثلوه كمراقبين في مؤتمر بكين +٥ (٢٠٠٠م) قاموا بتوزيع الانتقادات لمسوّدة الوثيقة الختامية على الوفود الرسمية المشاركة، وقامت بعض المنظّمات النصرانية الداعمة للأسرة بأداء الدور نفسه؛ مما كان له دور في فتح النقاش والجدل حول بعض القضايا المحورية التي تم تمريرها في مؤتمر سابق، مما أدّى هذا إلى وصف هذا المؤتمر أنه (بكين -٥) بالسالب؛ لأنّه أعادهم إلى الوراء وعطّل بعض القرارات.
  4. تنقية قوانين الأسرة من كل ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية، ونشرها، وإبرازها كبديل إسلامي للمواثيق الدولية.
  5. التوعية بأهمية تشجيع الزواج وتيسير السبل إليه لإنقاذ المجتمعات مما تردّت إليه من ولوغ في الفواحش.
  6. التركيز إعلاميًا واجتماعيًا وقانونيًا على الإعلاء من شأن دور الزوجة والأم داخل الأسرة، وأهميته القصوى في بناء مستقبل الأمم والشعوب.
  7. الدعوة إلى تأسيس مكاتب للإرشاد الأسري ومساعدة الأزواج على تخطي ما يواجههم من مشكلات وأزمات أسرية انطلاقًا من الدين الإسلامي الحنيف.

والحمد لله رب العالمين


[1]  وذلك لأنّ الأسرة هي المحضن المسؤول عن التربية وتوريث الدين والقيم والأخلاق، والانتماء للوطن وشرف الدفاع عنه.

[2]  تقوم «نظرية الجندر» على إلغاء ثنائية الذكر والأنثى، وإحلال كائن افتراضي اسمه «النوع الاجتماعي» الذي يحدّد هو نفسه فقط هويته، ويقرّر ما إذا كان يريد أن يكون ذكرًا أو أنثى، وبالتالي: إغراق المجتمع في فوضى حرّية التصرّف في الجسد، وحرية الإنجاب أو الإجهاض، وفوضى الإباحية الجنسية والشذوذ، وفوضى تبادل الأدوار بين الرجال والنساء.

[3]  وقد وصل الأمر إلى تأسيس مجموعة أممية للشواذ عام ٢٠٠٨ تسمّى: «مجموعة الأمم المتحدة الأساسية للمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجندرية»، وإطلاق حملة «أحرار ومتساوون» عام ٢٠١٣ هدفها تعريف العالم بقضية الشذوذ وإعطاء الشواذ كل الحقوق.


أ. جهاد بن عبدالوهاب خيتي

المشرف العام على موقع (على بصيرة)، ماجستير في السنة وعلوم الحديث

لتحميل المقال اضغط [هنا]

X