قراءات

قراءة في كتاب “العوائق” لمحمد أحمد الراشد

طريق الدعوة شاق طويل، تعترضه العقبات والعوائق، ودون بلوغ نهايته مشاق ومفاوز، والداعية بحاجة إلى التعرف على مشاق الطريق وعوائقه، والاسترشاد بمعالم وعلامات، والاستضاءة بأنوارٍ ومصابيح تهدي السائر وتؤنس وحشته في الطريق، وكتاب “العوائق” للراشد من الكتب المهمة التي أسهمت في بيان معالم الطريق والإرشاد إلى أنواره والتنبيه إلى عوائقه، بأسلوب فريد ولغة جزلة، وهذه القراءة محاولة لتقريبه للقارئ الكريم.

مؤلف الكتاب:

هو محمد أحمد الراشد، وهذا هو اسمه الحركي، أما اسمه الحقيقي فهو: عبد المنعم صالح العلي العزي، عراقي ولد في بغداد عام 1938م، وهو من كبار مفكري الحركة الإسلامية المعاصرة.

تغرَّب قسرًا وسجن سنين، كتب عشرات المؤلفات في الفكر والتربية والسياسة، وأسس مجلس شورى أهل السنة والجماعة في العراق، وسعى إلى تأسيس قيادة سنية في العراق مع توحيد التيارات السنية، كما انشغل بالقضية الفلسطينية طويلاً، حُكِم عليه بالإعدام عام 1987م، وتنقل بين البلاد حتى توفي في المهجر بماليزيا عام 2024م عن عمر ناهز 86 عامًا([1]).

نبذة عن الكتاب:

هو الكتاب الثاني من سلسلة: إحياء فقه الدعوة للمؤلف، وهو من نشر مؤسسة الرسالة – بيروت، أما الكتاب الأول من السلسلة فهو: “المنطلق”، ويقع كتاب “العوائق” في 330 صفحة من القطع الصغير.

القراءة في الكتاب:

الكتاب عبارة عن زفرات نجَّمها المؤلف في ثلاثة وعشرين مقالاً آخذة بحجز بعضٍ إلى الدعاة، مذكرًا بما يراه معيقًا للدعوة، وما عليهم أن يتجنبوه مما يفسدها أو يضعفها، غلب عليها القالب الأدبي الخطابي الوعظي، أكثر فيها من الاستشهاد بالآيات والأحاديث وتنزيلها على المعنى الذي يقصده، وأكثر من الشعر، مع الاستشهاد بأخبار الماضين السالفين وأخبار الدعاة القريبين.

يمزج المؤلف خطراتِه بعضَها ببعض، ويلحق آخرَها معنى أولها؛ يستفتح المقال بعنوان لا تستبينه في طالعته، فهو يسمح لنفسه برواحها إلى حيث تشتهي لتقتطف ما تحب من معاني طارفة وتليدة، ثم يعود بك إلى معنى آخر، ثم يرجع بك إلى ما كان قد عنون له في رأس المقال؛ فكل مقالة من مقالاته كالكتاب كله تطلعك على مراده من ذكر العوائق جملة وبعضها تفصيلاً، ولا تستقل مقالة بمعنى تفهمه وحدها.

يعمد إلى المعاني الإيمانية فيعملها في الدعوة تنبيهًا على أن الإيمان ركيزة واحدة تصحب الإنسانَ في عمله كله؛ حتى يسلم من مفسدات الدعوة وحظوظ النفس.

وإلى جانب ذلك ينبه إلى أمر: خشية (الفتنة)؛ ذاك المصطلح الذي قد كثر في كلامه.

وقد رجع في تأليف كتابه إلى:

  • كتب تراثية ومصادر تاريخية؛ مثل: طبقات ابن سعد، وتاريخ الطبري، والأغاني لأبي الفرج.
  • وشرعية: منها مجموع الفتاوى لابن تيمية، والخراج لأبي يوسف، والأشباه والنظائر للسيوطي.
  • ومسلكية: كالإحياء للغزالي، ومدارج السالكين لابن القيم، وصيد الخاطر لابن الجوزي.

واستشهد كذلك بكلام عدد من الرموز والمفكرين المعاصرين.

تلك المعاني هي عُظم الكتاب وجملته؛ فهو يوطن نفوس كوادر الدعوة على حسن البذل والاندماج في بنيان دعوي متين، يعرف كل واحد دوره، ويتقي حظوظ نفسه وتوقه للقيادة، ويكثر من ذكر مفاسد ذلك، ومن ذكر نبذ الاختلاف غير المتزن، ونكث البيعة، كذا التبعية المهينة، والفرقة المورثة للانفراد والانقطاع.

وهو يمثل مرحلة مهمة من مراحل تاريخ الدعوة، والتنظير للتجارب الإصلاحية، وتاريخ التصنيف فيها، والأزمات التي كانت تمر بها، وقد تشترك الأزمات، لكن المجتمعات تتغير في تكوينها وثقافتها ولسانها؛ لذا فكتاب الراشد يعتبر حلقة مهمة للتعرف على المنطلقات، وطرق المعالجة، وأساليبها.

وقد ذكر في مقالاته: «ثلاثين نورًا من أنوار الفطنة للمؤمن من ظلمة الفتنة» ذكر فيها ما على الداعية في العمل الحركي الجماعي فعله، وما عليه أن يجتنبه؛ مذكرًا بالعوائق عن العمل، وناصحًا بالمعين عليه، ومرشدًا إليه، وقد أبقيت هذه الأنوار بترتيبها الذي جاء في الكتاب.

يوطن الكتاب نفوس كوادر الدعوة على حسن البذل والاندماج في بنيان دعوي متين، يعرف كل واحد دوره، ويتقي حظوظ نفسه وتوقه للقيادة، ويكثر من ذكر مفاسد ذلك، ومن ذكر نبذ الاختلاف غير المتزن، ونكث البيعة، كذا التبعية المهينة، والفرقة المورثة للانفراد والانقطاع

الزهرة الحمراء:

استفتح المؤلف كتابه بمقدمة عنونها بـ «هذه الزهرة الحمراء»؛ وإنما قَصَد بها ما يقدمه من نصح للعمل الإسلامي؛ فمثَّل لهذه المعاني بالزهرة في القلب، ثم وضع القارئ أمامَ احتمالين لتلون الزهرة بهذا اللون؛ فإما للخجل من واقع العاملين في الدعوة من اختلافهم ودخول حظوظ النفس بينهم، وإما بلون الدم الذي سقى زهرته التي ما كان لونها كذلك حتى ارتوت منه لمصاب المسلمين.

  1. زمرة القلب الواحد:

تحدث فيه عن تآلف الصف الدعوي، وأن الإيمان هو الذي يدفع صاحبه للاصطفاف في طاعة الجماعة المسلمة، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد).

ثم هو يذكر قيدين لذلك: «ليست هي استكانة خاضع راهب، ولا تملق طامع مصلحي راغب».

ثم يضيف عمقًا مركزيًا في وصف هذا الاصطفاف؛ ألا وهو أنه: «يسوغ من أجلها اتهام العقل عند اختلاف الاجتهاد، والضغط على القلب عند نداء الرغبات؛ حفظًا لهذا الإيمان من أن ينثلم».

ثم تحدث عن سمة قد أوضحها النبي صلى الله عليه وسلم في ذكره أن الإيمان يزيد وينقص؛ فكذلك الدعاة في أحوالهم وأعمالهم.

ثم يعود بالعامل في الدعوة إلى أصل من أعمال القلوب، وهو كذلك من أعمال الدعوة؛ ألا وهو المحاسبة ومراقبة النفس في انفعالاتها وسَورتها فيلجمها بلجام الحق؛ وإنما سبيلك إلى هذا الإنصاف: إنصاف نفسك بالعز، وإنصاف الدعوة بالانتماء وعرفان الجميل لا يثلمه إلا الانتصار للنفس.

ولا ينبغي للداعية الحق أن يطيع فيما يحب ويحدث الفرقة فيما يكره؛ فهذا من ميراث فساد بني إسرائيل الذين كان سمتهم نقض العهود.

  1. نحو تربية تستدرك:

استفتحها بقصة موسى والخضر في امتثال موسى له، وهو الأعلى منه شأنًا، لكنه كُلِّف باتباعه؛ فاستفتح كلامه بقوله: «هل أتبعك»، وأن طاعة الدعوة تعود لتلك القصة التي أخبر الله عنها، وأن السبيل إلى ذلك بالتربية الإيمانية التي تصفو فيها العقائد وتعظم العبادات وتسمو الأخلاق.

ثم إن ركيزة دعوة الأنبياء وأول لفظهم: توحيد الله هي التي تعلم أتباعهم الحلم وتعصمهم الفتن، ثم ورثتهم من بعدهم كذلك؛ فتلك هي سير السلف وطرق تربيتهم لأتباعهم.

الداعية الحرُّ الذي تحرر من كل أسر، وسَمَت نفسه عن كل أمر دنيٍّ من أمور الدنيا؛ هو أخلص الدعاة لمعاني الحق، قد انتصر على نفسه؛ فلا يضع أمامه إلا الحق، فما سعي الإنسان إن خالط نيته فساد؟! وذلك مما يفسد الشيطان به حرية العامل في الدعوة فيظل أسيرًا لها، وتظل مثبطة له

  1. التأويل المستدرج:

إنما يتفاضل الدعاة بتعظيم معنى الأخوة، وإنما تكون الأخوة بأن تكون في الله، فتلك هي الأخوة التي يعول عليها، ذلك بأن تكون كالبنيان الواحد.

ثم أخذ المؤلف في بيان سبب هذا التصدع بأن بدايته التأويل؛ تأويل توثيق الرجال بعد الجيل الأول في أول الإسلام حينما خرج أهل البدع عن معهود علم السلف وجمهور أئمتهم؛ فأخذوا في نقض البيعة وفرقة الصف كما فعل سلفهم.

  1. سلاسل العيوب:

خلص المؤلف إلى معنى تعالق الفساد الإيماني والدعوي واتصال أسبابه بعضها ببعض، وأنه أودية تردي، وعقب بذكر القلب المجاهد الساعي لاستكمال عرى الإيمان، وأن بعضها يهدي إلى بعض، وكلما ازداد العبد صفاءً أدرك ما يعلو قلبه من فساد في أعمال الإيمان؛ فلا يزال يجاهد حتى يتم نوره كالبدر.

  1. سهام الشيطان:

الداعية الحر الذي تحرَّر من كل أسر وسمت نفسه عن كل أمر دني من أمور الدنيا هو أخلصهم لمعاني الحق؛ قد انتصر على نفسه؛ فلا يضع أمامه إلا الحق، فما سعي الإنسان إن خالط نيته فساد؟!

كل ذلك مما يفسد الشيطان به حرية العامل في الدعوة فيظل أسيرًا لها، وتظل مثبطة له.

  1. الهوى الناقض للبدء النابض:

يجتبي الله بعض خلقه فيختارهم للعيش معه؛ تلك المعية تقوده إلى الارتقاء في المشاهدات التي تجعله يحذر الهوى، وقد رأى الدنيا على ما هي عليه، ونظر بعين قلبه للآخرة؛ لكنَّ الهوى يعمي ويصم.

أما الهوى فمنشؤه ما يميل إليه القلب خلاف الحق فيقعده عن السعي، فكما أن العامل لله حر؛ فالهوى قيد يوثق الإنسان فيه نفسه.

وقد ذكر أربع مفاسد للهوى غير الأسر:

  • الصد عن الحق.
  • إفساد العقل.
  • التنازع بين الإخوة.
  • البطالة والقعود عن العمل.
  1. تأليف الأرواح:

وَلا يَلْبَث الفِتْيان أَن يتفرَّقوا *** إِذا لم يُزوَّج رُوحُ شَكل إلى شَكْلِ

عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، كان أحد الفقهاء العشرة ثم السبعة الذين عليهم كانت الفتوى تدور بالمدينة.

يرى المؤلف أن هذا البيت من عبيد الله مذهب تربوي فذ، وهو أن تعطى أولوية الأمر لتآلف الأرواح قبل أي سعي لتقارب فكري أو علمي، ثم يلفت أن نهج عبيد الله أنبت عمر بن عبد العزيز؛ فانظر إلى الثمرة تعرف صدق رأيه.

وهذا التآلف ضروري لاقتفاء سبيل المصطفى صلى الله عليه وسلم والتمسك بنهجه، قال رسول الله صلى الله علبه وسلم: (لن تزال ‌هذه ‌الأمة ‌قائمة ‌على ‌أمر ‌الله، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله).

والرأي الذي ارتضاه المؤلف في صفة الطائفة المنصورة ما قاله النووي احتمالاً: «أن تكون هذه الطائفة فرقةً من أنواع المؤمنين ممن يقيم أمر الله تعالى من مجاهد وفقيه، ‌ومحدث ‌وزاهد، ‌وآمر ‌بالمعروف ‌وغير ‌ذلك ‌من ‌أنواع ‌الخير، ولا يلزم اجتماعهم في مكان واحد، بل يجوز أن يكونوا متفرقين».

  1. الجندية طريق القيادة:

فيه يضرب المثال بحسن تربية عبيدالله بن عتبة لتلميذه عمر بن عبد العزيز الذي أحسن قيادة الأمر فأحسن سياسة الناس؛ فلم يكلهم لفراغهم، بل شغلهم بما يصلحهم، وزهدهم في طلب الرئاسة، ثم ما كان من سفيان الثوري والفضيل بن عياض من مواصلة ذات النهج في ذم طلب الرئاسة، وفي الزهد فيها؛ فما من سبيل صحيح إليها إلا أن تأتي تكليفًا دون تشوف لها أو طلبها، واستمر هارون الرشيد في شغل الناس بالغزو حتى لا يفرغوا فتنشأ العداوات.

الداعية لا يكمل إلا إذا صار غضبه لله، وتجنب الغضب لنفسه، والانتصار لها، وإذا كانت صفة الحرية عريقة في الداعية؛ فهو مُلجَم بلجام التقوى، وإذا عركته خبرة الناس وعرف طبائع النفوس فسيجد في نفسه بحبوحة الإعذار

  1. أنوار الفطنة تبدد ظلمات الفتنة:

الرجل العاقل الفطن هو الذي يعمل ليذهب بالظلم، لا الذي يحبس نفسه في ظلمة اليأس ينتظر أن يرى نور الحق، أما فطنة الإيمان فلا تبالي بالعوائق؛ لثقتها بصحة ما هي عاملة فيه، وأول تلك الأنوار التي تذهب بظلمة الفتن:

  • النور الأول: الاستعاذة بالله من الفتن؛ فالله سبحانه وحده هو الذي يعيذ، وهو الذي يحفظ، وهو الذي يثبت.
  1. تناصح وتغافر:

دين الإسلام دين جد؛ ومنه الدعوة إليه؛ فمن رام أن يسلك سبيلها فلا بد له من مسارين تربويين:

  • مسار التجرد الإيماني من شهوات النفس وحظوظها.
  • ومسار الاستدراك بعلاج ما طرأ من عيوب.
  • النور الثاني من أنوار الفطنة: تنقية النية مما علق بها من شوائب.

وتخليط النيات هو أصل الفساد؛ فالناصر هو الله، وما من عمل إلا والنية ميزانه، وعليها عقدته وإبرامه.

  • النور الثالث: قَبول النصيحة، وطلبها من الخبراء.

وذاك من حق الأخ على أخيه، وهي علامة صدق المؤمن في صلاح نفسه؛ وذلك كان دأب السلف، وإذا كان هذا حالهم فداعية اليوم أحق بذلك لما يحيط به من الفتن.

  • النور الرابع: تغليب نفسية التغافر.
  1. شرط بشرط:
  • النور الخامس: التقوى في الغضب الهاجم.

فالداعية لا يكمل إلا بما وُصِفَ به أحمد بن حنبل رحمه الله: «يغضب لله ولا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها»، وإذا كانت صفة الحرية عريقة في الداعية؛ فهو مُلجَم بلجام التقوى، ثم إذا هو قد عركته خبرة الناس وعرف طبائع النفوس فسيجد في نفسه بحبوحة الإعذار.

  • النور السادس: وزن المسلم بحسناته وأخطائه معًا.

فتقال العثرة لذوي السوابق، ويُنظر إليهم على أنهم بشر يعتريهم ما يعتري بني آدم؛ فلا يلبثون أن يعودوا لأصلهم الطيني في معترك الحياة.

وإنما سادت الأمة ورأسهم أبو بكر وعمر؛ فقد كان عمالهم رجالاً كخالدٍ وأبي عبيدة، فكل شرط لتحققه شرط.

  1. إنه دم الدعوة:

ما زال المعين الأول وردًا لا ينضب يستقي منهم كل من سار في العمل لدين الله؛ ففي سيرهم نور الهداية الذي اقتبسوه من سيدهم صلى الله عليه وسلم.

فعلى الداعية العاقل أن ينظر ما ينير طريقه في هديهم.

  • ومن هنا يذكر الراشد النورَ السابع: الالتفات إلى عيب النفس.

فإن أول هذا الباب ما يستدرج الشيطان به صاحبه من تتبع عيوب الناس، وإعجابه بنفسه؛ فيقف عليها بذم عيوب الناس ظنًا منه تعميتها وأنه وارى سوءته؛ فتصيبه الغفلة عن نفسه فيهملها ويتفرغ للناس.

  • ثم يخلص إلى النور الثامن: صون الأذن عن استماع الغمز.
  • ثم النور التاسع: المساررة في نصيحة القادة.
  1. دعوة القول الطيب:

لا يمنع حسن النظر أن يأمر المرء بالمعروف، وينهى عن المنكر مع مراعاة الأنوار المذكورة، ولا تعني هذه أن يقعد المرء عن الصدع بالحق في موضعه.

  • لذا ينبغي على العاقل أن يتحلى بالنور العاشر: الإقلال من الكلام.

يعالج المؤمنُ لسانَه، وذلك الذي يجعله يتمهل في إقدامه وإحجامه، ورأس ذلك ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)، والسلامة لا يعدلها شيء، أما اللغو فشَيْنٌ كله.

  1. خير يَعافُ الصَّاخبين:

إشعاع مشكاة الفطنة مستمر؛ فمما تفيضه على صاحبها أن تهَبَه الوقار، وكلما تشرف العبد بأنوار الوحي فإنها تنير قلبه.

  • والنور الحادي عشر: الإمساك عن الجدل.

فالمراء فيما لا ينفع يوغر صدور الفرد والجماعة، وهو علامة غبن الإنسان أن يعطى الجدل ويحرم العمل.

  • النور الثاني عشر: المبالغة في الصدق يوم الفتنة.

وإنما قصد المؤلف تحري الصدق وتعمده، لا المعنى العرفي منه؛ ليكون له سجية؛ ينظر في حاله وفعله مراقبًا الله سبحانه ألا يطلع منه على دسيسة سوء ولا إشارة فتنة.

تظهر فطنة المؤمن في تمييزه بادرة الشبهات وهي مقبلة، وفي معرفته ما وطَّأ به الشيطان سبيله من مرادات الخير فيخلط سواد فخه ببعض الإضاءة لعلها تروج على من أُفِك عن السبيل

  1. النجوى طريق البطالة:

«‌إنما ‌تنقض ‌عرى ‌الإسلام ‌عروة ‌عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية» عمر بن الخطاب.

فمن لم يعرف الشر لا يأمن من مواقعته، وقد ذكر المؤلف أن تسميتها «جاهلية» إنها هي لغة القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم في تسميتهم الشرَّ كله جاهلية وإن لم يكن مكفرًا.

ومن أنوار فطنة الدعوة ألا يكون ابنها خبًا، بل يحسن استشراف العواقب، وذلك من تمام صحة القلب.

  • النور الثالث عشر: ترك النجوى.

لا يكن حال المؤمن في حله وترحاله إلا مع من يزيده إيمانًا؛ وقد جاء ذلك كثيرًا في حروف السلف؛ طلبًا لزيادة الإيمان، فإن لم يجد ذلك فذاك وقت الخلوة.

ثم ينبه إلى أن النجوى دون الجماعة هي من الضلالة المفسدة، وأن ذلك يؤدي إلى نكث البيعة.

  • النور الرابع عشر: حمل القلب على استقباح الفتن.

أولُ المذهبِ الإعجابُ بشيء من الباطل، ولا يزال المرء يحدث نفسه حتى يفعل! لذا عظم الوحي من قضية الإنكار ولو بالقلب حتى لا يستلين الباطل.

  1. اللهب البارد:
  • النور الخامس عشر: إن الله لا يصلح عمل المفسدين.

تلك الآية تهيب بكل عاقل أن يلوذ بباب الله ليصلح ما بينه وبين ربه حتى يتولى الله صلاحه؛ فهو مقدر الأقدار؛ فذاك الذي يجعله معول بناء، ويمنعه الكسل.

  • النور السادس عشر: إدانة السوء الظاهر.

هذا أصل من أصول الدين، وسبب خيرية الأمة؛ ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى لو لم يقصد المنكرَ فاعلُه، وهاك حديث السفينة، فقد ضرب به النبي صلى الله عليه وسلم مثالاً بينًا لمن ترك المنكرات تمضي دون مدافعة.

ثم ينبه على الفرق بين الأمر بالمعروف وبين مصطلح (المعارضة)، ويقرر أن الثاني لا تعرفه أخلاق الإسلام، وأنه نهج باطل، وأنه طريق إلى الفرقة والتباغض، وهذا الذي يفرق بين القيادة في الدعوة –التي يعتبرها كالإمامة في الصلاة– وبين بقية الأحزاب التي يكون باعثها أرضيًا وعملها أرضيًا.

ثم يخلص إلى أنه ينبغي على الدعوة أن تزيل هذا الضرر مهما كان فاعله.

  1. مهاجرون يأبون التعرب:

تظهر فطنة المؤمن في تمييزه بادرة الشبهات وهي مقبلة، وفي معرفته ما وطَّأ به الشيطان سبيله من مُرادات الخير فيخلط سواد فخه ببعض الإضاءة لعلها تروج على من أُفِك عن السبيل.

  • النور السابع عشر: اتقاء الغدر.

يشير فيه إلى غدر البيعة الشرعية في الدعوة، وإنما البيعة وفاء يجب الالتزام به، والمؤمنون عند شروطهم.

ويذكر أن كلام ابن تيمية عن القواعد الفقهية الحاكمة للعقود والمعاملات ليس فيه ما يمنع من العمل بهذه الشروط الرضائية التي يوجبها الداعية على نفسه طمعًا في أجر العمل الجماعي.

  • النور الثامن عشر: خطأ الاحتجاج بزلات السلف.

يمثل المؤلف بمن يتذرع بالخروج على عثمان على من نكث البيعة، ومن يقتدي بمن فعل ذلك من السلف اتباعًا لزلاتهم، وترك أن جمهور المهاجرين والأنصار ثبتوا على البيعة لعثمان في وقت الشدة.

  • النور التاسع عشر: الاعتبار باستكبار الشرع لتعرب المهاجر.

يعني أن يتعظ الداعية بما قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه من رجوع المهاجر إلى البادية، ثم يعقب أن حكم التعرب بعد الهجرة وكونه كبيرة خاص بجيل المهاجرين، إلا أن النهي يلحق من اتسم بالهجرة في العمل الجماعي والفتوح وتعليم التابعين، وإدارة الدولة المتوسعة.

  1. الصادق الكذوب:

يذكر المؤلف أن ثمرات التنظيم الحركي وما كان منه على أرض الواقع أعظم مما تصوَّره الجيل الأول، وأن تضافر الجهود أعظم فائدة من العمل العفوي.

ومن جملة الفوائد التي لم يقصدها الجيل الأول: تمحيص القائمين من بين جمهرة المتصدرين، وظهور المعدن النفيس من البهرج.

  • النور العشرون: تعليق التضحية على أمر القادة.

فلا يقدم آحاد الدعاة على التضحية دون إذن القائد، وأن ذلك فساد في ميزان الفقهاء، وأن البيعة توجب طاعة الأمير في كل خطوة.

  • النور الحادي والعشرون: قيادة الباطل مثلبة كما أن جندية الحق منقبة.

ليست القيمة في العمل لدين الله بأن تكون رأسًا أو ذنبًا؛ إنما في البذل للحق وإن كنت تابعًا؛ وما ينفع الإمام في الباطل إلا وزر أصحابه!

  • النور الثاني والعشرون: أقوال الحق الصادقة لا تكفي لتزكية قائلها تزكية مطلقة.

فالتعويل يكون على سلوك المرء، أما القول فقد يكون حقًا يراد به باطل، أو في مقام يحسن فيه السكوت، أو من شخص له دسيسة غل وحقد، مبطن للشر مظهر للخير.

  • النور الثالث والعشرون: سوء الرؤساء دليل ضرر المجموعة.

إذا تعكرت العين فقد فسد الماء جميعه، فما من جماعة إلا وتصطبغ بآراء قادتها، وحالة التبعية التي يكون عليها الأتباع تؤذن بالانسياق الروحي لقائدهم وتجعلهم يتمثلون حاله وسلوكه.

على الدعوة أثناء مراحلها الأولى ألا تبحث عن الكثرة، وأن تضيق من احتمال قبول من يخالف سمتها بين صفوفها، وليس هذا تضييقًا للعمل، ولا أثرة به، ولكن الشرع أعطى حق إزالة أسباب الضرر وقدمها على جلب النفع

  1. انهيار الضِّرَار:

تكون التَّبِعة على الدعاة الذين يُقتدى بهم أكبر؛ فهم الذين يُنظر إليهم، فإذا جاء الفساد مِن قِبل مَن يُرجى منه صلاح الناس؛ فمَن يصلحهم؟!

  • النور الرابع والعشرون: الحرص على نجاة النفس.

يقصد به الحرصَ على النجاة من تبعات الإمارة في الآخرة، وأنها تستلزم سؤالاً يوم القيامة عن كل شيء، وأنها خزي وندامة؛ فمن لم يعلم من نفسه أنه يقوم بها حق القيام فليطلب لنفسه السلامة.

  • النور الخامس والعشرون: تمييز الغايات الصدامية في مساجد الضرار.

فإن لكل مشربه وغايته، ولا يمنعه كونه مسجدًا أن يكون قد أنشئ لحرب الإسلام؛ فيذكر الراشد أن الحال هو نفسه مع الدعوة، وأن من أمارات هؤلاء: ترك ما حلَّ بالمجتمع من فساد، والتوجه إلى الشباب الملتفين حول الدعاة، وإن من الخطر العظيم أن يصغي إليهم المخلصون.

  • النور السادس والعشرون: مضاعفة الحذر من فتن آخر الزمان.

مما لا يُختلف فيه أننا أقرب للساعة من ذي قبل، وأن ذلك يستدعي حذرًا وعملاً! وإن في العمل للساعة شغلاً.

  1. دماءٌ على المصحف:

ينبه المؤلف إلى أن الدعوة أثناء مراحلها الأولى لا تبحث عن الكثرة، وأن تضيق من احتمال قبول من يخالف سمتها بين صفوفها، وليس هذا تضييقًا للعمل، ولا أثرة به، ولكن الشرع أعطى حق إزالة أسباب الضرر، وقدمها على جلب النفع، وليس لذي معاكسة أن يزاحم.

  • النور السابع والعشرون: الاتعاظ بالتاريخ.

فقد كانت خطة اليهود زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه تدور على محور واحد: إفساد طاعة الجنود لأمرائهم، فضخموا ما بدر منه من اجتهادات أمرها يسير حتى صارت فتنة؛ فهدموا باسم الأمر بالمعروف، وسال دمُ عثمانَ الشريفُ على مصحف عثمان!

  • النور الثامن والعشرون: الإعراض عن الجاهلين.

فمن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يغضب لنفسه، وكذا ينبغي أن يكون الداعية.

  • النور التاسع والعشرون: كبت الإشاعة.

قال الله سبحانه: ﴿‌وَلَوْ ‌رَدُّوهُ ‌إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 83]؛ فقد أرشدت الآية إلى علاج ما يأتي من أخبار.

  • النور الثلاثون: خوف تنكر الأرض والمؤمنين للخوالف.

يشير به أن من خالف جماعة الدعوة فلن يجد إلا الوحشة، وأن عليه أن يرهب المقاطعة له؛ «ذلك أن الفقهاء أجازوا لنا ترك السلام على مقارف الذنب».

ثمة فروق بين جيل الدعاة اليوم وجيل السلف؛ فمن قارن بينهما دون تمييز الفروق فإنه قد فاته فرق ما بين العصرين؛ وأولها: أن مربي السلف هم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فكل متصدٍ للتربية بعدهم ناقص، وكما أن المربي قد اختلف؛ فالمتربي كذلك، فلا يصح لوم المربي وحده

  1. نهضة العاثر:

يذكر فيها المؤلف أن مَن أبى إلا القعود عن الدعوة؛ ترك إلى اختياره وإن كان صالحًا عفيفًا.

ثم يعرض قصة داعية تنكب عن الطريق، وترك العمل، وبدأ ينشر قيل وقال، فأرسل له أميره برسالة عتاب ووعظ وزجر؛ وقال له فيها:

فإنه مما أدركنا من كلام السلف أنَّ الله تعالى إذا أراد بعبدٍ خيرًا جعل فيه ثلاث خصال: الفقه في الدين، والزهادة في الدنيا، والبصر بعيوبه.

أدعوك إلى أن ترجع بذاكرتك إن استطعت إلى أول هذا الخلاف، وسترى أن البداية كانت كلمة همس بها أحدهم في أذنك، فغلى بها صدرك. وما إخالك تستطيع نسبة شيء من الاجتهاد في أمور الدعوة مما تخالفنا فيه إلى نفسك قبل تلك الهمسة. فتحاسبنا عن صغائر لا يخلو منها مجتهد، ولو شئنا أن نذكرك بنقصٍ بعد نقص بدر منك لأسكتناك!

فاستعذ بالله من الفتن، ونَقِّ نيتك مما علق بها، وليسعك التغافر، واحرص على نجاة نفسك، والتفت إلى عيبك، وانظر إلى صواب الدعاة إذا نبهك أحد إلى أخطائهم.

فرجع عما أحدث، وأجابه عليه برسالة قبول لما قاله، وعاد إلى طريق الدعوة.

  1. أخيار ولا فخر:

ثمة فروق بين جيل الدعاة اليوم وجيل السلف؛ فمن قارن بينهما دون تمييز الفروق فإنه قد فاته فرق ما بين العصرين؛ وأولها: أن مربي السلف هم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فكل متصدٍ للتربية بعدهم ناقص، وكما أن المربي قد اختلف؛ فالمتربي كذلك، فلا يصح لوم المربي وحده، ثم إن الناس كإبل مئة؛ فإذا ظهر مَن يتمثل أخلاق السلف وسلوكهم فهم قليل، كما أن المنقول عن أجيال السلف إنما هي الفضائل وحدها، ونحن نرى الصورة الفاضلة لمجموع أجيال السلف، ولا نرى عيب أفرادهم، وما هذا بطعن فيهم فهي مدفونة في حسناتهم العظيمة، ولكنها دعوة إلى الواقعية في فهم الإنسان والتاريخ، ثم إننا في أزمنة ضعف وتراجع، والنفوس تألف ما تراه وتستسيغه.

فكل ما سبق يستوجب سلوكين:

    • ألا نسرف في اتهام أنفسنا.
    • ألا يسرف المنتقد في النقد.

      23. كلمة أخيرة:

يذكر فيها جملة ما ذكره في الكتاب من التحذير من الفتن وأسبابها وخطرها على الدعوة.

ويرجو أن يتأملها القراء فرادى حتى تصفو لهم ويتأمل ما فيها من آيات وأحاديث وكلام أهل العلم وأشعار، وأن يعيد قراءتها.


أ. إسلام عفيفي
باحث في التراث والمخطوطات، ومهتم بعلوم القرآن والتفسير.


([1]) موقع الجزيرة نت.

X