قراءات

قراءة في كتاب أزمة أخلاق للشيخ محمد سرور زين العابدين رحمه الله تعالى

“إن كل من التزم الأخلاق الإسلامية الرفيعة وتأدب بآداب النبوة لا بدَّ أن يتجنَّب الإرهاب بكلِّ صُوَره وأشكاله، ولا بدَّ أن يكون عادلاً منصفًا في أحكامه وأقواله وأفعاله، وكلُّ من انحطَّت أخلاقُهُ فغيرُ مُستغرَبٍ منه ظُلمُ إخوانه وأعدائه وفساده في الأرض”.

من كلمات الشيخ محمد سرور زين العابدين في مقدمة الكتاب

التعريف بالمؤلف:

محمد سرور زين العابدين داعية ومفكر إسلامي سوري، ولد عام 1938م في حوران جنوب سوريا، انضم في شبابه إلى جماعة الإخوان المسلمين، وتتلمذ على يد كبار رجالاتها مثل الدكتور مصطفى السباعي والأستاذ عصام العطار، ثم انفصل عنها لاحقًا، تخرج في كلية الحقوق في جامعة دمشق، أثناء ذلك تلقى العلوم الشرعية على عدة شيوخ، خرج إلى السعودية في الستينيات وعمل في التدريس سنوات، وتبنى منهجًا يجمع بين السلفية المحافظة والحركية السياسية، ثم تنقل بين الكويت وبريطانيا وغيرها، توفي عام 2016م في قطر.

اشتهر بدعمه للثورة السورية وتحذيره من الخطر الإيراني.

التعريف بالكتاب:

يقع كتاب “أزمة أخلاق” في ثلاثة أبواب، في كل من الباب الأول والثاني ثلاثة فصول، أما الباب الثالث ففيه خمسة فصول، استغرق الكتاب 208 صفحة من القطع المتوسط، وهو من طباعة دار الجابية، لندن.

موضوع الكتاب:

ينادي الكتاب بإصلاح المجتمع بالعودة إلى الأخلاق الحميدة في ضوء الكتاب والسنة للنهوض بالمجتمع، ويرى أن كثيرًا من مشكلات الأمة اليوم هي مشكلات أخلاقية بالدرجة الأولى.

تذكَّر أخي الداعية أنَّ إخوانك الذين تختلفُ معهم هم صفوة الأمة، وهم الأملُ المرتجى بعد الله، منهم من قضى عُمره يربي ويُعلِّم ويدعو، ومنهم من رزقه الله المال فسخَّره لنصرة دين الله، ومنهم من جاهد لتكون كلمةُ الله هي العليا، ومنهم فارق الديار والأهل والخلان فِرارًا بدينه، وهؤلاء لا بدَّ أنَّ لهم أخطاء فلا تتَّهم إخوانك في نواياهم، وأحسِن الظنَّ بهم، ولا تنسَ فضلهم في العمل الإسلامي.
الشيخ محمد سرور

استعراض الكتاب:

الباب الأول: العدل والإنصاف:

عرّف المؤلف العدلَ، وذكر شواهد عليه من الأدلة الشرعية وتاريخ المسلمين في ثلاثة فصول:

الفصل الأول: العدل في مدلوله الشرعي

فالعدل: هو القسط والإنصاف، والاستقامة وعدم الجور، والقصد في الأمور، وما قام في النفوس أنه مستقيم فهو العدل قال تعالى: ﴿‌فَلَا ‌تَتَّبِعُوا ‌الْهَوَى ‌أَنْ ‌تَعْدِلُوا﴾ [النساء: 135].

ومن العدل الصدق والإنصاف في القول كله، قال تعالى: ﴿‌وَإِذَا ‌قُلْتُمْ ‌فَاعْدِلُوا ‌وَلَوْ ‌كَانَ ‌ذَا ‌قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الأنعام: 152].

ومن العدل الوفاء بالعقود وعدم بخس الناس حقوقهم، قال تعالى: ﴿‌وَلَا ‌تَبْخَسُوا ‌النَّاسَ ‌أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [هود: 85].

ومن العدل الحكم بما أنزل الله، قال تعالى: ﴿‌وَإِنْ ‌حَكَمْتَ ‌فَاحْكُمْ ‌بَيْنَهُمْ ‌بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [المائدة: 42].

ومن شواهد السنة:

تجسدت معاني العدل بشخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يعطي كل صاحب حق حقه لا يحابي في ذلك قريبًا ولا عزيزًا، وكان لا يقبل الشفاعة في حدٍّ من حُدود الله، ويتجلى هذا المعنى في قصة المخزومية التي سرقت وشفع لها أسامة بن زيد رضي الله عنهما، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: (أتشفع في حدٍ من حدود الله؟)([1]).

ومن صور من العدل التي ذكرها:
  • عدل الإسلام مع الكفار: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ‌آمَنُوا ‌كُونُوا ‌قَوَّامِينَ ‌لِلَّهِ ‌شُهَدَاءَ ‌بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: 8].

وأنه يوجد في تاريخ المسلمين الكثير من الشواهد على عدل الإسلام مع الكفار منها: صيانة حقوق أهل الذمة على مر العصور.

ومن صور عدل أئمة السلف:

أن جمهورهم كانوا يُنزلون الناس منازلهم، فلا يظلمون أقرانهم بسبب اختلاف الاجتهادات، وقد كان هذا الحال حتى مع المبتدعين.

قال يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يومًا في مسألةٍ ثم افترقنا، فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق في مسالة.

وختم الفصل بهمسة للداعية:

تذكر أخي الداعية أن إخوانك الذين تختلف معهم في مجموعتك هم صفوة هذه الأمة، وهم الأمل المرتجى بعد الله سبحانه وتعالى، منهم من قضى عمره يربي ويعلم ويدعو، وقد نفع الله به خلقًا كثيرًا، ومنهم من رزقه الله المال فسخره لنصرة دين الله، ومنهم من جاهد لتكون كلمة الله هي العليا، ومنهم فارق الديار والأهل والخلان فرارًا بدينه، وهؤلاء الإخوة لا بد أن لهم أخطاء فلا تتهم إخوانك في نواياهم، وأحسن الظن بهم، ولا تنس فضلهم في العمل الإسلامي.

الفصل الثاني: درس لا يُنسى:

وقد خصصه لذكر فائدةٍ أخلاقية في التعامل بين الدعاة من خلال حادثة، وخلاصتها: أنه في جوٍّ مُفعَمٍ بالحيوية والنشاط سأل أحد الدعاة زملاءه عن داعية، فيما لو كان عنده حسنات؟ فأجابوا: نعم وعددوا اثنتين منها، على الرغم من أنهم على خلاف معه، فأخبرهم الشيخ أنه سأل السؤال نفسه لداعيةٍ آخر، فأنكر الأخير أن يكون للمسؤول عنه أي حسنة، ففهم الجميع النصيحة من غير أن يقولها مباشرة وهي: ألا يكونوا من الذين يبالغون في الحب والكره فتعمى أبصارهم وقلوبهم عن محاسن الناس.

إنها السُّنن: عندما كان الرجال المؤسسون للأعمال الدعوية العظيمة يتعاونون على البر والتقوى وطاعة الله، ويتعاملون بالعدل فيما بينهم، بلغوا بهذه الأخلاق مبلغًا من العلم رفيعًا، أما عندما صار التزمُّت والتعصُّب المذهبي، وتفجير الخلافات بين أبناء الأمة ديدَنَ أتباعهم هَوَوا الى وادٍ سحيق، ابتعدا فيه عن الغاية التي كانوا لأجلها.

الفصل الثالث: سؤال وجواب:

وقد عرض فيه المؤلف لسؤال: هل أنا مُلزَمٌ إذا ذكرت حسنةً من حسنات جماعةٍ أن أذكر عيوبها ومآخذي عليها ثم مآخذ الآخرين عليها؟

وذكر الجواب من خلال قصة هجرة الصحابة إلى الحبشة، فقد أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أصابهم من البلاء ما أصابهم بالهجرة إلى الحبشة وقال لهم: (لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها مَلِكًا لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجًا مما أنتم فيه).

لم يكن النجاشي قد أسلم، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم وصف أرضه بأنها أرض صدق، وأنه مَلِكٌ يتَّصفُ بالعدل، ولم يتبع ذلك ذكر عيوبه ومساوئه وأخطائه، ولو كان هذا واجبًا لفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإذا كان ذكر الخصال الحميدة في الكفار لا يلزم أن يصحبه ذكر الخصال الذميمة فيهم، فمن باب أولى أن لا يكون هذا في جماعة من المسلمين تدعو إلى الله وتبذل ما تملكه من إمكانات مادية ومعنوية من أجل هداية الضالين.

إن ذكر الخصال الذميمة في فئةٍ ما، يجب أن يكون من باب النقد الذاتي والإصلاح الداخلي والذي له أهمية كبيرة في حياة الناس، لكن يجب أن يستند إلى عدة أمور:

  • السكوت خير من ترديد أخطاء الآخرين في النقد.
  • تسليط الضوء على ما يتعرض له إخواننا، حتى لو كانوا من غير جماعتنا.
  • عدم ادعاء الكمال في العمل الدعوي لجماعتنا، واتهام الجماعات الأخرى بالنقص.
  • بيان فضل الآخرين وعدم التعصب لآراء الجماعة.

إننا لن نحقق أهدافنا إلا إذا تخلَّقنا بأخلاق سلف هذه الأمة في عدلنا وأعمالنا وأقوالنا، وهكذا كان الرجال الذين أسسوا هذه الجماعات المعاصرة.

إذا كان ذكر الخصال الحميدة في الكفار لا يلزم أن يصحبه ذكر الخصال الذميمة فيهم، فمن باب أولى ألا يكون هذا في جماعة من المسلمين تدعو إلى الله وتبذل ما تملكه من إمكانات مادية ومعنوية من أجل هداية الضالين

الباب الثاني: الإرهاب داخل الصف الإسلامي:

وقد عرض فيه المؤلف جانبًا من السلوكيات والتصرفات غير الأخلاقية داخل الصف الإسلامي والذي سماه بالإرهاب، من خلال ثلاثة فصول:

الفصل الأول: أمثلة تؤكد وجود هذا الإرهاب:

من مظاهر وجود الإرهاب في الصف الإسلامي:

  • التهديد بالقتل ويكون أحيانًا القصد منه التخويف وعدم وجود ضمانات لعدم التنفيذ.
  • ترويج الإشاعات واتهام الجماعات فيما بينها بأشياء لا يصحُّ مُعظمها.

وضرب على ذلك أمثلةً من واقع عدة جماعات في مصر وسوريا وأفغانستان، من تهديد المخالفين بالقتل إلى وقوع ذلك فعليًا.

الفصل الثاني: الإرهاب الفكري:

الإرهاب الفكري: هو كل إرهابٍ لا يصل لحد القتل الجسدي، ولكنه أفدح منه خطرًا وأشد ضررًا، وله مخاطر وخيمةٌ منها:

مخاطر الإرهاب الفكري:
  • امتناع العلماء والدعاة عن النصح وإظهار الصور الصحيحة التي هدفها تدارك الأخطاء، كما جرى في الفترة التي تلت سقوط الشيوعية في أفغانستان، وتناحر الفصائل الإسلامية فيما بينها، وتهديد قادة الفصائل العلماء لتبني أفكارهم وستر جرائمهم.
  • تغيير الحقائق وتحريفها وتغليب المفاسد على المصالح، كتأييد معظم الإسلاميين لزعيم حزب البعث في حرب الخليج الثانية، وغض طرفهم عن جرائمه التي ارتكبها ضد مسلمي العراق.
  • الخوف من قول الرأي الصحيح، حتى لو كان معارضًا لرأي الأغلبية.
  • زرع الحقد والحسد والكراهية بين الناس.
الفصل الثالث: الدوافع والأسباب:

لخص المؤلف أسباب الإرهاب الفكري في خضوع الناس لأنظمة مستبدة طاغية تكبت الأفكار وتصادر الحريات وتقتل روح الإبداع؛ فيؤدي إلى قول ما يرضي الطغاة خوفًا من القتل أو التشريد أو الاعتقال.

وأن هذه العدوى انتقلت إلى الوسط الإسلامي، فعندما تخبو جذوة الإيمان في قلب الإنسان يتأثر بالمحيط ويقلد المستبدين، وقدم لذلك أمثلة لتوضيح هذا المعنى:

  • تأثر الإسلاميين بطريقة انتخاب ممثليهم بالأحزاب العلمانية التي تعتمد على تصفية الخصوم والانقلاب وغيرها.
  • تأثر الإسلاميين بالسياسيين الأوروبيين الذين يعتقدون أنفسهم أكثر كفاءة من أقرانهم في البلاد العربية.

ظهر الإرهاب الفكري بين العلماء والدعاة لأسباب عديدة من أهمها: انتقال عدوى إرهاب الأنظمة المستبدَّة الطاغية التي تَكبِتُ الأفكار وتُصادر الحريات وتقتل روحَ الإبداع، فعندما تخبو جذوة الإيمان في قلب الإنسان يتأثر بالمحيط ويُقلِّدُ المستبدِّين

الباب الثالث: أزمة أخلاق:

وهو الباب الأهم في الكتاب، حيث وضح المؤلف فيه أن سوء التعامل الأخلاقي ليس مجرد ظاهرة طارئة أو قليلة في المجتمع، بل هي أزمة متجذرة فيه، عارضًا لأسس هذه الأزمة وآثارها، ثم طريقة علاجها.

الفصل الأول: المستعمرون والمستغربون وضعوا أساس هذه الأزمة:

شدد المؤلف على أن الأزمة الأخلاقية هي الأزمة التي ابتُعد عن الاهتمام بها رغم أنها أزمة الأزمات لأنها تتصل صلةً وثيقة بكل الأزمات الأخرى.

فالمستعمرون وضعوا أساس هذه الأزمة من خلال الإرساليات التي زعزعت العقيدة الإسلامية في قلوب من وقع في شَرَكهم من أبناء أمتنا، وقد بيَّن أحد قساوستهم أن مَهمَّة المنصرين هي إخراج المسلم من الإسلام وعدم إدخاله في المسيحية، ليصبح مخلوقًا لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، وأعانهم على ذلك مَن تربوا على أيديهم واستقوا منهم في الجامعات الغربية، وتشرَّبوا روح العلمانية، فأنشؤوا الجامعات العلمانية ودرَّسوا المناهج المعادية للإسلام وأدخلوا في المناهج ما سموه بالفنون الجميلة، والتي تتضمن الغناء والرقص والموسيقا وغيرها.

المستغربون على خُطا أساتذتهم:

والمستغربون هم الذين أُرسلوا إلى أوروبا ليُتمُّوا دراستهم. فبعد احتلال نابليون لمصر عام 1798م شهدت خطة المستعمرين بعضَ التقدُّم، عندما أخذ محمد علي باشا وأبناؤه بإرسال الطلبة الصغار إلى فرنسا بقصد الدراسة، وبعد عودتهم تسلَّموا المناصب ووظَّفوها في الدعوة إلى الفكر العلماني.

وعند احتلال الإنجليز لمصر عام 1882م استطاعوا أن يحققوا نجاحًا واسعًا عجز عنه الفرنسيون، ويعود السبب إلى أن النفوس كانت مُهيَّئةً لذلك، حيث كانت طريقة الإنجليز في العمل أكثر خُبثًا، فقد أنشؤوا المدارس والجامعات، ووضعوا المناهج الكفيلة بتحقيق أهدافهم، كانت على رأس هذه الأهداف مسألة تحرير المرأة، فربوا بذلك أجيالاً اختاروهم بعناية فائقة ليُصبحوا بعد رحيلهم رسلاً لهم، لا يرضون بغير نهجهم بديلاً.

وخلال فترة قياسية لا تتجاوز أربعة عقود نجح التلاميذ في تحقيق ما عجز عنه المبشرون والمنصرون.

علمانيون أكثر من العلمانية:

فالمستغربون في بلادنا كانوا أكثر علمانية من العلمانية نفسها، وقد ضرب المؤلف أمثلة توضح ذلك من خلال:

  1. موقف المستغربين المعادي لحجاب المرأة.
  2. ومصادرة حرية المسلمين في إدارة شؤون مساجدهم وملاحقة دعاتهم، مما أدى إلى:
  • فتح الباب على مصراعيه أمام دعاة الغلو والتطرُّف من جهة، وأمام دعاة النفاق والمداهنة من جهةٍ أُخرى.
  • نشر الفساد والميوعة والإلحاد، وفي غياب أهل الحق والصلاح يخلو الجو أمام دعاة الشر والإجرام فكيف إذا كان في أجهزة النظام من يدعو إليه جهارًا نهارًا.
  1. عدم السماح بقيام أحزاب سياسية على أساس ديني، والتشديد على الجمعيات الخيرية بما يصل إلى حد عدم السماح لأي منها إلا إذا كانت تخدم مصلحة النظام.

مع الممارسات السياسية بحسب مزاج الحاكم وبطانته، وانفراده بالحكم، واستخدام الجيش وقوات الأمن في قمع معارضيه.

الفصل الثاني: آثار الأزمة:

بين المؤلف آثار هذه الأزمة الأخلاقية على العامة، حيث يتعرض أفراد المجتمع المسلم كل يوم إلى خليط من الإفساد الفكري يتمثل فيما يلي:

  • الطلاب: فالمناهج متضمِّنة لنظريات أساطين الكفر والضلال، وتشويه التاريخ الإسلامي وإبراز ما فيه من آثار جاهلية، وفوق كل هذا تُقدَّم هذه المناهج في جوٍّ من الاختلاط، وهو بمثابة تمرُّدٍ على القيم والأخلاق الإسلامية.
  • والموظفون: يتعرضون للاختلاط فترات ليست قليلة؛ حيث يقضي الموظف ثماني ساعات بصحبة زميلته في مكتبه، وفي الترقية التي لا يحصل عليها إلا إن كان حسن السيرة، وتقدير ذلك لرئيسه، فيجب عليه أن يجيد فن النفاق وتنفيذ كل ما يؤمر.
  • أما العسكريون: فهم يتعرضون للظلم بشكل أكبر يتمثل بتنفيذ الأوامر دون تردد أو تذمر، وبالمبيت في الثكنات بعيدًا عن بيته وأسرته.

عمل المستعمرون على زعزعة العقيدة وثوابت الدين في قلوب الشعوب التي استعمروها، وورث المستغربون عنهم هذا الإفساد ونشروه في البلاد والمجتمع وفرضوه على الناس، ففسد الدين والأخلاق وشاع الانحراف، حتى تأثر به من تصدَّر لحربه من الدعاة وأهل العلم

أثرها على الخاصة:

من الطبيعي أن يتأثر العامة بهذا الغزو المنظم الذي اجتاح بلداننا، ولكن المستغرب أن يتأثر به من تصدر لحربه، وتحذير الناس من آفاته، كالدعاة الذين يحذرون من خوض غمار السياسة، ثم يدخلونها من أسوأ أبوابها استجابة لأوامر السلطان، وكحال قصاصي هذا العصر الذين اعتادوا اختلاق الإشاعات ضد علماء المسلمين انتصارًا لأهوائهم، أو كالذي يتصدر لتدريس الدين فاختلف قوله عن فعله فتصدر عنهم أفعالٌ لا تليق بعامي فضلاً عن داعية، كأن يفجر في الخصومة.

أثرها في الحالات الاستثنائية:

إذا اشتد عود الإسلاميين في ظل هامش الحرية المسموح بها، ونجحوا في الوصول إلى الحكم، يقوم العسكريون وأتباعهم بانقلابٍ عليهم، يخطفون به السلطة منهم، ويبدأ التنكيل بهم؛ فمنهم من يُقتل ومنهم من يُطرد والغالبية العظمى تدخل السجون، فيفتقد الناس الدعاةَ المصلحين، ويضعُف الإقبال على المساجد ويُصبح المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، فينتشر الفساد وتكثر السرقات، ويفتقد الأمن ولا يأمن المواطن على عرضه وماله ونفسه.

لكن هذه الاستثناءات لا تدوم مهما طالت، فقد ظهرت الصحوة الإسلامية في أكثر من بلد بعد أن بطش بها الطغاة، فاشتدت وعظمت بعد هلاكهم.

الفصل الثالث: صور من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها:

حيث عرض المؤلف صورًا من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه قبل البعثة تدل على عظيم أخلاقهم، حيث كان للعرب قبل الإسلام طبيعةٌ قابلة للخير لكنَّها معطلةٌ عن فعله، فلما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم أخذوا هذا الهدي العظيم بتلك الفطرة الجيدة، فاجتمع لهم الكمال بالقوة المخلوقة فيهم، والكمال الذي أنزله الله إليهم.

ولم يكن أحدٌ من قريش يُنكر الخصال الحميدة التي امتاز بها النبي صلى الله عليه وسلم عن أقرانه. فقد كان يصل الرحم، ويحمل الكَلَّ، ويُكسب المعدوم، ويُقري الضيف، ويُعين على نوائب الحق، ويصدق الحديث.

وكان أبو بكر رجلاً تاجرًا ذا خُلُقٍ عظيم، وكان رجالُ قومه يأتونه، ويألفونه لغير واحد من الأمر، لعلمه وتجارته وحسن مجالسه. وقد بدأ بدعوة من وثق بهم من قومه، فاختار نوعياتٍ مُعيَّنةً من الرجال، وتجنَّب غيرَهم، فأسلم معه عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم أجمعين.

من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم بعد البعثة:

وصف الله تبارك وتعالى أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿‌وَإِنَّكَ ‌لَعَلَى ‌خُلُقٍ ‌عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4]، خلقٌ عظيمٌ لم يبلغ مستواه أحدٌ من العالمين، ومن آثار هذا الخلق أنه يسمع الثناء من الله تعالى فيزداد تواضعًا، وكان يختار لأمته أيسر الأمور، ويُحذِّرهم من الغُلوِّ والتنطُّع في الدين، وكان يكثر مشورة أصحابه، وفيما يلي عرض لبعض صور أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم:

  • حِلمه صلى الله عليه وسلم: فلم يضرب أحدًا بيده ولم ينتصر لنفسه.
  • رحمته: حيث قال للأعرابي الذي لا يقبِّل أبناءه: (أوَأملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك).
  • تواضعه: فما قال لأنس بن مالك رضي الله عنه وقد خدم عنده عشرًا أُفٍّ قط، وما قال له لشيء صنعه: لم صنعته، ولا لشيء تركه: لم تركته.
  • عفوه: فقد عفا عن الأعرابي الذي جبذه بردائه جبذة أثَّرت في صفحة عاتقه، لكنه ما كان يعفو إذا انتُهكت حُرمات الله، وكان يوصي أصحابه بحسن الخلق ويرغبهم فيه.
من أقوال العلماء في محاسن الأخلاق:

عرض المؤلف لكلام عددٍ من العلماء في بيان محاسن الأخلاق، والتحذير من مساوئها ومنها:

  • قال أبو حامد الغزالي: هو أن يكون كثير الحياء، قليل الأذى، كثير الصلاح، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزلل قليل الفضول، برًا وَصولاً وقورًا صبورًا راضيًا حليمًا رفيقًا عفيفًا شفيعًا، لا لعانًا ولا سبابًا ولا نمامًا ولا مغتابًا، ولا عجولاً ولا حقودًا ولا بخيلاً ولا حسودًا، بشاشًا هشاشًا يُحبُّ في الله، ويُبغض في الله، ويرضى في الله، ويغضب في الله فهذا هو حُسن الخلق.
  • يقول ابن القيم: أصل الأخلاق المذمومة كلِّها: الكبر والمهانة، والدناءة، وأصل الأخلاق المحمودة كلها: الخشوع، وعلو الهمة. وقال: فمن علت همته، وخشعت نفسه، اتصف بكل خلق جميل، ومن دنت همته، وطغت نفسه، اتَّصف بِكلِّ خُلُقٍ رذيل.

الفصل الرابع: مكانة الأخلاق في بيان جعفر:

وفيه عرضٌ لخطاب جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه خطيب المسلمين المهاجرين للحبشة، ومما جاء فيه ردًا على اتهامات قريش لهم:

“أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنعبُده ونوحِّده، ونخلع ما كنا نعبُدُ نحن وآباؤنا مِن دونه مِن الحجارة والأوثان، وأَمَرَنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم، والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام”.

ففي هذا الخطاب يتجلى ما يأتي:

  • التمسُّك بالأخلاق الفاضلة، والكفُّ عن كلِّ ما فيه إيذاءٌ للناس، وذلك مقرونًا بعبادة الله وحده لا شريك له.
  • يجب أن يكون المسلمون في سلوكهم وأخلاقهم قدوةً طيبةً، فلا يَصدُرُ عنهم أعمالٌ مُخِلَّة بالآداب تُناقض عقيدة التوحيد.
  • استخدم عمرو بن العاص المراوغة والحيلة والرشاوى والنميمة والافتراء، وهذه هي أخلاق رجال السياسة، واستخدم سيدنا جعفر الصدق والشفافية والثبات على المبدأ، وهذه هي أخلاق المسلمين؛ تكون سياستهم منضبطة بضوابط شرعية، فهزم المكر والخداع والمراوغة أمام الحق الذي أحسن الصدع به رجال مستضعفون غرباء ليس لهم حول ولا قوة.

تزكية النفوس سبقت العلم وارتبطت بسائر العبادات، فانتصر المسلمون على شهواتهم وحفظوا أعمالهم عن كبائر الذنوب والمعاصي، وطهَّروا قلوبهم من الرياء والنميمة والنفاق، ولا شك أن عالمنا اليوم يفتقد إلى هذه المزايا الرفيعة، والقيم الراقية، ويحتاج إلى من يقوم بهذه المهمة العظيمة وهي تربية أجيالٍ على نهج الإسلام تتمتع بالأخلاق من صدق وعدل وغيرها

الفصل الخامس: تزكية النفوس:

وفي هذا الفصل بيان لعلاج هذه الأزمة من خلال التربية؛ فقد كانت تربية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه تربيةً فريدةً في نوعِها وشُموليتها، فكان قدوةً لهم بأقواله وأفعاله، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة: 2].

ففي نعمة تلاوة القرآن المستمرة تزكيةٌ للنفوس، فكان صلى الله عليه وسلم يُطهِّر نفوس أصحابه من الأخلاق السافلة والرذائل الممقوتة، ويُخلِّقُها بالأخلاق الحميدة.

فتزكية النفوس سبقت العلم، وارتبطت بسائر العبادات من صلاةٍ وصيامٍ وحجٍّ وغيرها، فانتصر المسلمون على شهواتهم وحفظوا أعمالهم عن كبائر الذنوب والمعاصي وطهَّروا قلوبهم من الرياء والنميمة والنفاق، وهكذا كان شأنُ التابعين ومن تبعهم من أعلام وقادة هذا الدين، ولا شك أن عالمنا اليوم يفتقد إلى هذه المزايا الرفيعة، والقيم الراقية، ويحتاج إلى من يقوم بهذه المهمة العظيمة وهي تربية أجيالٍ على نهج الإسلام تتمتع بالأخلاق من صدق وعدل وغيرها. لينهض العالم من جديد وتعيش الإنسانية فترة تحاكي عصور المسلمين المشرقة.


غسان أسود
إجازات قرآنية، مدرس في جمعية لتعليم القرآن الكريم.


 

([1]) أخرجه البخاري (3475)، ومسلم (1688).

X