تزكية

صقل الشخصية وتجديد الحياة معجزة التربية الإسلامية

شخصية الإنسان سر نظرته للوجود، ومفتاح تعامله في الحياة، وسلوكه مع الآخرين، والفكر والمعتقد هما أساس تشكيل وصقل هذه الشخصية، وقد وضع الإسلام أسسًا لهذا التأسيس، كما عمل على إصلاح الموجود منها حتى غدوا سادة الدنيا، وقادة العالم.

العدد الثاني

شعبان 1441 هـ – نيسان/أبريل 2020 م

د. عماد كنعان[1]

نظرة تربوية في مفهوم صقل الشخصيّة:

تعد الشخصيّة القوية إحدى الصفات التي تجعل الإنسان واثقًا من نفسه الهلوعة بالفطرة، والجزوعة بالجِبلَّة، قادرًا على التواصل مع الآخرين بشكل أنجع وأنفع، هذا بالإضافة إلى قدرته على اتّخاذ القرارات وحلّ المشكلات التي لا بد من قدومها يومًا ما؛ حيث خلق الله سبحانه الإنسان في كَبد، ولعله يحسن بنا أن يكون من طلائع هذا المقال عرض خطوات يسيرة تقترحها المدارس التربوية المعاصرة، تساعد في بناء شخصيّة قوية مستقلة.

وترسم التربية الإسلامية المعاصرة في هذا المقام خطوطًا آمنة لملامح تلكم الشخصية الإنسانية الفذَّةِ، وهي درر نفيسة ونصائح ثرَّة مبذولة بين يدي القارئ الكريم:

الإيمان بالله تعالى: فالإيمان يقوي شخصيّة المؤمن، ويُدخِل الهدوء والسكينة إلى قلبه، حيث إنه يهتدي إلى سر هذا الوجود المتخم بالمتغيرات، والمحفوف بالمحن، والحافل بالمنح، فيلحظ ببصيرة المؤمن أن كل نازلة هي قدر إلهي كله خير.

تصحيح تصوّر الإنسان عن نفسه: فتحث الإنسان عبر تغذية راجعة حصيفة دقيقة نحو التركيز على الإيجابيات الموجودة في أكناف النفس البشرية، ثم تشرِّع له فريضة توظيفها فيما ينفعه والآخرين، وتوجهه نحو ما يناسبها من المجالات والعلوم والأعمال.

تنمية المهارات الاجتماعية: وتغذية أساليب التواصل والتعلم والبناء المعرفي والممارسة الرياضية، بما يزيد من رصيدنا المعرفي والقيمي والمهاري. حتى نشارك من حولنا بالحوارات دون مراء مفسد.

الانضمام إلى الأعمال التطوعية: فإنّ المشاركة بالأعمال الجماعية والتعاونية التطوعية تزيد من معرفة سجالات الأيام وطبائع الناس، وتعمل على تقوية ثقة الشخص بنفسه، وتعرفه صالح الناس من طالحهم.

الإيمان يقوي شخصيّة المؤمن، ويُدخِل الهدوء والسكينة إلى قلبه، حيث إنه يهتدي إلى سر هذا الوجود المتخم بالمتغيرات، والمحفوف بالمحن، والحافل بالمنح

رؤية إسلامية لفقه صقل الشخصية:

وإننا نقع في هذه الرؤية التربوية المقتضبة السابقة على خير غفير، وتقارب مهم للغاية، ينسجم كثيرًا مع ما تفتحت عنه أنوار المنهج التربوي النبوية، حيث وَثَّقَتْ أسفار التاريخ المنصفة إنجاز الصحابة لنهضة مبهرة أفضت إلى تحويل قومٍ نالت الجاهلية نصيبًا وافرًا من سلامة عقائدهم، وسداد أقوالهم، ورُشد أفعالهم، بحيث شاع بينهم التدابر والتناحر، والوقوع في محرمات عديدة، تصادم العقل، وتخالف ما ينبغي أن يكون عليه المرء في حياته الاجتماعية.

ولما أذن الله بطلوع فجر الرسالة الخاتمة التي أنزلت على قلب رجل من أعيان أبنائهم، حيث تكلَّلوا بشرف تكليفهم بفريضة تبليغها؛ لَيَحْمِلُوا بذلك أمانة تَنْوء بحملها الجبال الراسيات، ولتبدأ في إثر ذلك إرهاصات معجزة مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم التربوية التي غدا بفضلها أسيادُ العصبية العمياء مناراتٍ مُشِعَّةً تنشر أطياف التوحيد والعدل في أرجاء المعمورة، وذلك بعد أن نشبت تحولات جذرية مذهلة في معتقدات الصحابة وسلوكياتهم، فغدوا بوارق أمل يهدي الله بهم سائر الخلق إلى مكارم الأخلاق.

وَثَّقَتْ أسفار التاريخ المنصفة إنجاز الصحابة لنهضة مبهرة

مصعب الخير، والميلاد الجديد:

إن النماذج الحية التي تبرهن على ادعاء ما سلف أكثر من أن تحصى، ونذكر منها من باب تقديم كوبٍ ماءٍ بوصفه عَيِّنَةً لماءِ نهرٍ عذبٍ زُلَالٍ، ما كان من خبر مصعب بن عميرٍ  أحد حملة اللواء الأمناء، الذي عاش مهاجرًا، ومات شهيدًا، وهو الذي ترك رخاء الجاه والثراء، مستبدلاً به فقرًا مدقعًا، وغربةً مضنيةً، فهو معروف بين أهل مكة أنه رقيق البشرة، حسن اللّمة، ليس بالقصير ولا بالطويل، ومن خصاله أنه كان (أعطر أهل مكة)، ولقّب بين المسلمين (مصعب الخير)، وقد استشهد يوم أحدٍ على رأس اثنين وثلاثين شهراً من الهجرة، وهو ابن أربعين سنةً أو يزيد قليلاً، فوقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بردةٍ مقتولاً، فقال: (لقد رَأَيْتُكَ بمكة وما بها أحدٌ أَرَقَّ حُلَّةً، ولا أحسن لِمَّةً منك، ثم أنت شعث الرأس في بُرْدَةٍ!)[2].

لقد هَجَرَ مصعب الخير ضروب الرفاهية قاطبةً لِيَلِجَ إلى رحاب دين الله حتى وإن كانت الضريبة فقراً يُمَرِّغُ النفس بلظى صحراءٍ قاسيةٍ تطال سياطُ قهرها المأكل والملبس والمشرب والمسكن وحتى سُنَنَ الدفن عند الموت.

وحمل مصعب الخير اللواء يوم أحدٍ بعد أن خالف الرُّماة وصية قائد جيش المسلمين سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرَ أميرهم عبد الله بن جبير، فلما غشي المشركون جيش المسلمين ثبت به مصعبٌ، فأقبل عليه ابن قميئة كالسيل وهو أحد أعتى فرسان المشركين فضرب يده اليمنى فقطعها، ومصعب يقول: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٤]، ثم أخذ اللواء بيده اليسرى، وحنا عليه مجتهدًا في أن يحفظ راية المسلمين خفاقةً، فضرب يده اليسرى فقطعها، فحَنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره، وراح يرتّل الآية الكريمة السابقة نفسها، ثم حمل عليه الثالثة بالرّمح فأنفذه واندق الرّمح، ووقع مصعب وسقط اللواء[3].

هَجَرَ مصعب الخير ضروب الرفاهية قاطبةً لِيَلِجَ إلى رحاب دين الله حتى وإن كانت الضريبة فقراً يُمَرِّغُ النفس بلظى صحراءٍ قاسيةٍ تطال سياطُ قهرها المأكل والملبس والمشرب والمسكن وحتى سُنَنَ الدفن عند الموت

وفي قراءةٍ تحليليةٍ لحادثة ارتقاء سيدنا مصعبٍ شهيداً يقول الصحابيّ خباب: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئًا، منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحدٍ، فلم يوجد له شيءٌ يكفن فيه إلا نَمِرَةً، كانوا إذا وضعوها على رأسه خرجت رجلاه، وإذا وضعوها على رجليه خرج رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوها مما يلي رأسه، واجعلوا على رجليه من الإِذْخِرِ)، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يَهْدُبُهَا»[4].

فَنُّ الإصلاح بالإحسان:

ومن باقات تلك الوقائع الرائعات في السيرة النبوية التي تبين قوة أثر التربية النبوية في تغيير مسار العديد من الناس على نحو كامل ما عَزَمَ عليه فضالة بن عمير بن الملوِّح من الإقدام على جريمة طعن نَبِيِّ الله صلى الله عليه وسلم في بيت الله الحرام، فلما دنا فضالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاطبه قائلاً: «أفضالة»؟ قال فضالة: نعم يا رسول الله، قال: «ماذا كنت تحدّث به نفسك؟»، قال: لا شيء، كنت أذكر الله، فضحك النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «استغفر الله».

ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه، فكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما خلق الله شيئاً أحب إليَّ منه.

قال فضالة: فرجعت إلى أهلي، فمررت بامرأةٍ كنت أتحدث إليها فقالت: هلم إلى الحديث؟ فقلت: لا، وانبعث فضالة يقول:

قالت هلم إلى الحديث فقلت لا
                                                   يأبى عليك الله والإسلام

لو ما رأيت محمداً وقبيله
                                                بالفتح يوم تكسر الأصنام
لرأيت دين الله أضحى بيّنًا
                                     والشّرك يغشى وجهه الإظلام[5]

كيف أصنع من عدوٍّ حاقدٍ، خليلاً وفيًا؟

وتتجلى ملامح الشمائل المحمدية في حُلَّةِ أبها مكارم الأخلاق في حادثة يرويها لنا البيهقي في كتابه «دلائل النبوة» فيقول: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعًا من غطفان من بني ثعلبة قد تجمعوا في مكان يسمى (ذَا أَمَرَّ) يريدون أن يصيبوا من أطراف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعهم رجل منهم يقال له: غَوْرَث بْنُ الْحَارِثِ بن محارب.

فنَدَب النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين، وخرجوا في سبيل الله تعالى، لكن حصل أن هربت منه الأعراب فوق ذرا من الجبال، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع (ذَا أَمَرَّ) وعسكر به، فأصاب جيش المسلمين مطر كثير، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته، فأصابه ذلك المطر فبلَّ ثوبه، وقد جعل رسول صلى الله عليه وسلم وادي (ذَا أَمَرَّ) بينه وبين أصحابه، ثم نزع ثيابه فنشرها لتجف، وألقاها على شجرة، ثم اضطجع تحتها، والأعراب ينظرون إلى كل ما يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقالت الأعراب لغَوْرَث بْنِ الْحَارِثِ، وكان سيدها وأشجعها: قد أمكنك محمدٌ من نفسه، وقد انفرد من أصحابه، حيث إن غوث بأصحابه لم يغث حتى تقتله، فاختار سيفًا من سيوفهم صارمًا، ثم أقبل مشتملا ًعلى السيف، حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف مشهورًا، فقال: يا محمد!، من يمنعك مني اليوم؟ قال: «الله عز وجل».

ثم بعث الله جبريل عليه السلام حيث سقط السيف من يده بمجرد جواب النبي صلى الله عليه وسلم: (الله)، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام على رأسه، فقال: «من يمنعك مني؟»، قال: لا أحد، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، لا أكثّر عليك جمعًا أبدًا.

فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه، ثم أدبر غَوْرَثُ، ثم أقبل بوجهه، ثم قال: والله لأنت خير مني، قال رسول الله: «أنا أحقّ بذلك منك»، فأتى قومه، فقالوا: أين ما كنت تقول! وقد أمكنك والسيف في يدك؟ قال: قد كان والله ذلك رأيي، ولكن نظرت إلى رجل أبيض طويل فدفع في صدري، فوقعت لظهري، فعرفت أنه ملكٌ، وشهدت أن محمدًا رسول الله، والله لا أكثّر عليه، وجعل يدعو قومه إلى الإسلام[6].

ويصح مثالاً على صقل الشخصية ما وقع للصحابية الجليلة تماضر بنت عمرو بن الشريد السلمية الملقبة بالخنساء رضي الله عنها، فقد روي أنها ظلت خمسة عشر عامًا وهي ترثي أخاها صخراً، وأنشدت مئات الأبيات من الشعر في رثائه، وأجمع أهل العلم بالشعر أنه لم تكن امرأة قط قبلها ولا بعدها أشعر منها.

ومن قطافِ بليغ شعرها الموثِّقِ، وبالغِ أساها وعميقِ فاجعتها، ونحيبِها الآسر الدامي، قولها:

ذكرتكَ فاستعبرتُ والصَّدرُ كاظمٌ

                                       على غصَّةٍ منها الفؤادُ يذوبُ

وقولها:

يا عينِ جودي بالدّموعِ الغِزَار

                                     وابكي على اروعَ حامِي الذمارْ

وقولها:

بكتْ عيني وعاوَدَتِ السُّهودا

                                          وبتُّ اللّيلَ جانحَةً عَميدا

إن هذا التجديد للحياة في سيرة أم الصابرات المحتسبات الخنساء ما كان ليحدث لولا أن الإسلام صقل شخصيتها، ورباها تربية إسلامية قائمة على أسس مَكِيْنَةٍ لا تُفَضُّ لِعُرَاهَا حُرْمَة

 لكن بعد أن أسلمت وحسن إسلامها انقلب حالها، وضربت للنساء أروع الأمثلة في البطولة والصبر ورباطة الجأش، فحينما كان المسلمون يتجهزون لغزوة القادسية جمعت أبناءها الأربعة وقالت لهم: يا بني إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم لَبَنُو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خُنْتُ أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هَجَّنْتُ حسبكم، ولا غَبَّرْتُ نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:200]، فإذا أصبحتم غدًا إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شَمَّرَتْ عن ساقها، واضطرمت لظى على سياقها، وجللت ناراً على أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة، فخرج بنوها قابلين لنصحها عازمين على قولها، فلما أضاء لهم الصبح باكروا مراكزهم، واستشهدوا الأربعة جميعًا ومعهم أبوهم، فبلغها الخبر فقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته [7].

إن الانقلاب في موقف الخنساء رضي الله عنها حَوَّلها من سيدة الحِدَادِ عند العرب قديمًا وحديثًا إلى سيدة مؤمنة رضيت بقضاء الله تعالى وأسلمت أمرها إليه طائعة خاشعة منيبة، إن هذا التجديد للحياة في سيرة أم الصابرات المحتسبات الخنساء ما كان ليحدث لولا أن الإسلام صقل شخصيتها، ورباها تربية إسلامية قائمة على أسس مَكِيْنَةٍ لا تُفَضُّ لِعُرَاهَا حُرْمَة.

النبي صلى الله عليه وسلم حرص على تربية أصحابه تربية قرآنية، حيث أنشأ الفرد وأقام الدولة على هذا الأساس المتين

قطوفٌ دانيةٌ:

إن المنهج النبوي في التربية والتعليم نجح نجاحًا باهرًا ليس له مثيل في التاريخ الإنساني حينما استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن ينشئ جيلاً راقيًا من الصحابة يتمتعون بشخصية إسلامية متميزة، لم يستطع المفكرون والمصلحون وعلماء الاجتماع والفلاسفة في شتى بقاع الأرض قديمًا وحديثًا؛ أن يَصِلوا بمجتمعاتهم إلى ما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم بالمجتمع الإسلامي، وهذا دليل واضح على أن التربية الإسلامية قادرة على أن تسمو بالمجتمع إلى أرقى مستوى يمكن أن يصل إليه بنو البشر.

ولعل السِرَّ في ذلك يتجلى في عاملين رئيسين:

الأول منهما: العناية الإلهية العظيمة المتمثلة بالوحي الذي كان رفيقًا هاديًا ومعينًا للنبي صلى الله عليه وسلم في أثناء تربيته لجيل النصر المنشود، والذي من أدلته وشواهده قوله تعالى: ﴿وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: 62، 63]، وقوله سبحانه:﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [النور: 21].

وثانيهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم حرص على تربية أصحابه تربية قرآنية، حيث أنشأ الفرد وأقام الدولة على هذا الأساس المتين، وجعلت هذه التربية الإيمانية الصحابة ينقادون انقيادًا تامَّا للأوامر الدينية بدافع من عقيدتهم، دون حاجة لرقابة الخَلْق، ودون خوف من العقاب الدنيوي المُقَدَّر، حتى أن المذنب كان يبادر بطلب إنزال العقوبة بحقه حتى يُطَهِّرَ نفسه من رِجْسِ خطيئته.


[1] دكتوراه في التربية من جامعة دمشق، أستاذ جامعي في عِدَّة جامعات، باحث وكاتب، مُعدُّ ومُقدِّم برامج تلفزيونية.

[2] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/86) بهذا اللفظ، وهو عند الحاكم في المستدرك (4904).

[3] الطبقات الكبرى، لابن سعد (‏3/90‏)، وأصل الحديث في البخاري (1276).

[4] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (‏36069‏). ومعنى (نَمِرَة): الكساء الملون المخطط، وتجمع على نمرات ونمور، و(يَهْدُبُهَا): يجتنيها ويقطفها.

[5] سيرة ابن هشام (2/417).

[6] أخرجه البيهقي في دلائل النبوة في دلائل النبوة(‏1031‏)، وأصله في الصحيحين: البخاري (2910)، ومسلم (843).

[7] الاستيعاب في معرفة الأصحاب، للقرطبي(1/590 – 591).

X