جانب كبير من كراهية المسلمين للدول الغربية عمومًا يعود إلى تبنِّيها للكيان الصهيوني، والدفاعِ عنه في كل المحافل الدولية، واستخدام “حق النقض/ الفيتو” في مجلس الأمن ضد القرارات التي تُدين الكيان الصهيوني، فما سبب هذا التَّبني؟ هل هو سيطرة اليهود على تلك الدول وقرارها؟ أم مجرد مصالح مشتركة؟ وهل للعقلية الاستعمارية الغربية دور في ذلك؟ وما طبيعة العلاقة بين العالم الغربي والكيان الإسرائيلي؟ هذا ما تعمل هذه المقالة على إيضاحه وإلقاء الضوء عليه.
تهبُّ الولايات المتحدة وبريطانيا لإنقاذ “إسرائيل”؛ التي تعد الدولة الأثيرة بالنسبة لهما، وتبدي “إسرائيل” معاندة أحيانًا حيال أي “ضغوط” هشة تمارس ضدها من واشنطن ولندن، واستقلالاً لافتًا عن هاتين الدولتين اللتين تقودان قاطرة الدعم الغربي للكيان الصهيوني.
يبدو اللوبي الصهيوني في واشنطن مؤثرًا جدًا على الناخب الأمريكي، ودفع من يريد إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، فيما يحصل الأمر عينه في أحيان أخرى، حين يظهر أن الحكومة التي لا ترضاها واشنطن في تل أبيب سرعان ما تغادر السلطة مبكرًا، وحيث تقع “إسرائيل” في مأزق عسكري كبير تكاد تتولى واشنطن قيادة غرفة عملياتها وتستنفر عسكريًا لنجدتها.
جانب كبير من كراهية المسلمين للولايات المتحدة الأمريكية يعود إلى تبنِّيها للكيان الصهيوني، والدفاعِ عنه في كل المحافل الدولية، واستخدام “حق النقض/ الفيتو” في مجلس الأمن ضد القرارات التي تُدين الكيان الصهيوني.
نحو 345 مليار دولار أنفقتها الولايات المتحدة الأمريكية على الكيان الصهيوني في صور مساعداتٍ عسكريةٍ وتقنيةٍ منذ إعلانه “دولة”، رؤوس أموال اليهود الصهاينة تتركَّز في شركاتٍ كبرى تتَّخذ من الولايات المتحدة الأمريكية مقرًا لها، ما يَهَبُ الاقتصاد الأمريكي قوة هائلة.
ما سرُّ العلاقة بين الكيان الصهيوني والغرب؟
على الصعيد السياسي، يمكن الإجابة ببساطة أنَّ كلاً منهما يخدم الآخر، لكن السؤال الأصعب هو في ماهية الدافع وراء هذا التخادُم، خصوصًا حينما تكون فاتورة هذه العلاقة باهظة الثمن في بعض الأوقات، أهي العقيدة أم المصالح الدنيوية؟
عند أصحاب العقائد الفاسدة، غالبًا ما تختلط العقيدة بتحقيق أغراضٍ دنيويةٍ دنيئة، كمِثل ما مرد عليه الكهَّان منذ قديم الزمان، بل كانت المصالح المجتباة من تزييف الدين وتزويره هدفًا يصبو إليه الأحبار والرهبان، وحينما خطب البابا أوربان الثاني في دهماء أوروبا قبل ألف عام يستحثُّهم على غزو بلاد الشام في أولى الحروب الصليبية، استجاش مشاعرَهم الدينية فقال: “يا شعبَ الفرنجة! شعب الله المحبوب المختار! لقد جاءت من تخوم فلسطين، ومن مدينة القسطنطينية، أنباءٌ مُحزنة تُعلن أن جنسًا لعينًا أبعدَ ما يكون عن الله، قد طغى وبغى في تلك البلاد بلاد المسيحيين”؛ وندبهم إلى الغزو قائلاً: “اتخذوا طريقكم إلى ضريح المسيح المقدَّس ربنا ومنقذنا، الضريح الذي تمتلكه الآن أمم نجسة وغيره من الأماكن المقدسة التي لوثت ودنست…”، ثم ثنّى بالحديث عن المصالح المادية التي تُدغدغُ مشاعر الفقراء، قائلاً: “هذه الأرض التي تسكنونها الآن والتي تحيط بها من جميع جوانبها البحار وتلك الجبال، ضيِّقةٌ لا تتَّسع لسكَّانها الكثيرين، تكاد تعجز عن أن تجود بما يكفيكم من الطعام، ومن أجل هذا يذبحُ بعضُكم بعضًا، وتتحاربون ويهلك الكثيرون منكم في الحروب الداخلية… انتزعوا هذه الأرض من ذلك الجنس الخبيث وتملَّكوها أنتم، إنَّ أورشليم أرض لا نظير لها في ثمارها، هي فردوس المباهج، إنَّ المدينة العظمى القائمة في وسط العالم تستغيث بكم أن هُبُّوا لإنقاذها، فقوموا بهذه الرحلة راغبين متحمسين تتخلصوا من ذنوبكم، وثقوا بأنكم ستنالون من أجل ذلك مجدًا لا يفنى في ملكوت السماوات”([1]).
ولعل خطبة أوربان تُعد منهجًا تأسست عليه استراتيجية غربية لاحقة في جميع حملاتها الصليبية، ومنها تلك التي انحرفت باتجاه زرع “إسرائيل”، فهي تجمع ما بين: التأجيج العرقي (الفرنجة)، والتميُّز الديني (الكاثوليكية)، الدعاية السوداء (ذبح المسيحيين الشرقيين)، إثارة المطامع (ضيق فرنسا وبركة ورحابة الشام)، الهدف الأخروي (صكوك الغفران)، وحدة الهدف (جنة الأرض/ بيت المقدس)، تجنُّب عوامل الخلاف التالية (توحيد الكنائس)([2]).
إنَّ هذا عينَه هو المزيج الذي حرَّك قادة أوروبا لزرع “إسرائيل” في خاصرة العالم الإسلامي، وهو نفسه ما دفع يهودًا لإنضاج فكرة الصهيونية من أجل تحقيق حلمٍ يهوديٍّ أو بالأحرى حلم لدى قطاع من اليهود. إنها العقيدة التي تضع الاستراتيجية، أو هي الاستراتيجية التي تتدثَّر بالعقيدة.
الصهيونية:
والصهيونية، كما تعرِّفها “موسوعة المصطلحات الإسرائيلية”: هي اسم لحركةٍ وإيديولوجية تعبر عن رغبات وطموحات الشعب اليهودي في العصر الحديث وفي مقدِّمتها “العودة” إلى “أرض إسرائيل”، على حدّ تعبير هذه الحركة… وقد أُقرّ اسم “الصهيونية”([3]) في المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في بازل في سويسرا في العام 1897م”([4]). غير أن الصهيونية كمعنًى ومرادٍ أقدم من ذلك بكثير، وهي بلوَرَةٌ لتفاعلٍ فكريٍّ وعَقَديٍّ استمرَّ لعقود قبلها، وإحياء لعقيدة دينية قديمة لدى اليهود، بل لدى فريق مهم من النصارى أنفسهم، حتى قبل أن تولد الأصولية “المسيحية” بزمن طويل؛ فمثلاً “فرسان المعبد” الذين أعلنوا عن أنفسهم في القدس في العام 1117م، واستقروا قرب ما يُسمونه “معبد سليمان” كان لهم شغفٌ بالبحث في العقيدة اليهودية “الباطنية” والتنقيب تحت وحول “الهيكل” المزعوم، وإلى مِثل هذا يشير الكاتبان البريطانيان كرستوفر نايت وروبرت لوماس بالقول([5]): إنَّنا “نملك أدلة قوية على قيام “فرسان المعبد” بحفريات كثيرة قرب خرائب معبد “هيرود”([6]) مضيفين: “إنَّ البحوث والحفريات التي قام بها فرسان المعبد قرب خرائب معبد سليمان لم تذهب هباءً، بل حصلوا على أشياء معيَّنة كانت كافية لتغير نظرتهم في الحياة.. لقد توصلوا إلى “كابالا” Cabala([7]) أي: توصَّلوا إلى فرع من فروع الباطنية اليهودية السرية، فانحرفوا عن عقيدتهم المسيحية”([8]).
ما سرُّ العلاقة بين الكيان الصهيوني والغرب؟ على الصعيد السياسي، يمكن الإجابة ببساطة أنَّ كلًا منهما يخدم الآخر، لكن السؤال الأصعب هو في ماهية الدافع وراء هذا التخادُم، خصوصًا حينما تكون فاتورة هذه العلاقة باهظة الثمن في بعض الأوقات، أهي العقيدة أم المصالح الدنيوية؟
أثر دعوة مارتن لوثر في قيام دولة اليهود:
وبين هذين التاريخين السابقين كانت أهم محطة على الإطلاق تأثيرًا في انطلاقة اليهود نحو فلسطين، هي دعوة القس مارتن لوثر، مؤسس البروتستانتية الأشهر، والذي حوّل دفَّة معاملة اليهود في أوروبا من الاضطهاد والانتباذ والاحتقار إلى التطبيع والتسييد، وأسهم بقوة في جعل دعوات ما يُسمّى بـ “معاداة السامية” في أوروبا تندثر شيئًا فشيئًا مع إطلاق دعوته للبروتستانتية([9])، والتي دافع من خلالها عن اليهود، ودان اضطهادهم الديني، بل بالغ إلى حدِّ قوله في كتابه “المسيح وُلد يهوديًا”: “إننا كالكلاب [أي النصارى] الذين لا مكان لهم سوى تحت المائدة لالتقاط الفتات الذي يتساقطُ من على موائد أربابنا اليهود، وإنَّ ذلك هو أمرٌ حدَّدتُه طلاقةُ القدرةِ الإلهية منذُ القِدَم، فهم السادةُ ونحن العبيد”([10])، من ثم حصل تحوُّلٌ جذريٌّ في أوروبا حين اعتنقت شعوب منها كالألمانية والإنجليزية (ثم كثير من الأمريكيين) البروتستانتية بفروعها المختلفة، حيث آمنت بأنَّ قيام دولة “إسرائيل” مسألةٌ دينيةٌ تُجسِّد نبوءات التوراة، وعليه ارتأت شعوبها وحكوماتها اللاحقة أن من واجبها الدفاع عن اليهود، وما يُدَّعى من حقٍّ لهم بوطنٍ قومي في فلسطين كـ “أرض المعاد” التي عمل لوثر على إحياء التفكير بها حين والى اليهودَ ابتداءً. ثم حتى حين عاداهم في أواخر حياته وألّف كتابه “نفاق اليهود”، فـ “أرض المعاد” في تقدير أتباع لوثر من البروتستانت هي لهم “تكريمًا” أو “نفيًا” عن المجتمع النصراني في أوروبا، كما في فكر الذين آمنوا بما كتبه لوثر في آخر أيامه نقدًا لليهود، ومثلهم الكاثوليك الأوروبيون أيضًا الذين لا يحبِّذون بقاءَهم في أوروبا.
انطلاق دعوة مارتن لوثر بدءًا من العام 1517م، صنعت البيئة الملائمة لاستيلاد الحلم الصهيوني في عودة اليهود إلى “أرض المعاد”([11]) (فلسطين)؛ فما بين هذا التاريخ ومؤتمر بازل 1897م الذي مهَّد للهجرة اليهودية إلى فلسطين بمساعدة أوروبية، كان اليهود قد حرثوا الأرض الأوروبية لتقبُّل تبني الدعوة لتهجير اليهود إلى فلسطين، وطرد أهلها منها بحوافز مختلفة، منها التخلصُ من فقرائهم بحيث لا يمثِّلون عبئًا على الأوروبيين، وبقاؤهم حاجزًا يقطع أوصال العالم الإسلامي… إلى غير ذلك من الحوافز.
قبل لوثر كان اليهود مضطهَدين في أوروبا، “وقد كان هذا الاضطهاد نتيجةً لمجموعة من العوامل أولها: تحميل الكنيسة لليهود المسؤولية التاريخية عن قتل المسيح. وأما العامل الثاني فكان عاملاً اجتماعيًا اقتصاديًا تمثّل في تعامل اليهود بالرِّبا وبُخلِهم الشديد وسعيِهم الدائم للتحكم الاقتصادي بالمجتمعات المسيحية التي يعيشون فيها”([12])، وقد انحسر هذا الاضطهاد تدريجيًا بعد دعوة لوثر التي طار بها اليهود، وساهموا بطباعة كتابه “المسيح ولد يهوديًا” وترجمته للغات الأوروبية، بل عُد كتاب لوثر هو بداية التأثير الفعلي للطباعة في أوروبا قبل نشأة الصحف([13]). يقول د. محمد المختار الشنقيطي: “ومن الواضح أنَّ مارتن لوثر لم يكن يُدرك قيمة الأفكار التي طرحها، وأثرها التاريخي الآتي، وخصوصًا فكرة “كون المسيح ولد يهوديًا” التي طوَّرها أتباع لوثر من رجال الدين البروتستانت حتى أصبحت تعني عندهم اليوم من ضمن ما تعنيه:
- أنَّ اليهود هم أهل المسيح وعترته، فلهم ذمةٌ وحُرمةٌ خاصةٌ بسبب ذلك، تقتضي دعمَهم وخدمتَهم و”تطييبَ خواطرهم” كما ورد في العهد القديم.
- أنَّ اتهام اليهود بسفك دم المسيح ليس واردًا، كيف وهم أهل القرابة والرحم. وكل نصوص الإنجيل الواردة في ذلك يجب تأويلها أو ردها.
- أنَّ اليهود “أبناءَ الرب” –هكذا يقول المسيحيون الصهاينة اليوم حرفيًا– شأنُهم شأنُ المسيح الذي هو ابن الله عند المسيحيين (تعالى الله عن ذلك).
- أنَّ اليهود هم الشعب المختار –كما يقولون عن أنفسهم– ولا بدَّ من قبول ذلك، والقول بأن المسيحيين احتلوا تلك المكانة بمجيء المسيح قول مردود”([14]).
بعد لوثر ارتسمت معالم عُلوِّ اليهود الكبير، صحيحٌ أنه اصطدم بصخرةٍ كاثوليكية لم تتكسَّر إلا بعد نحو خمسة قرون، حين وُضعت وثيقة بابوية سنة 1965م على يد مهندسها كارلو فوتييلا (أو يوحنا بولس الثاني فيما بعد) وهي التي اعتبرت “وثيقة تبرئة اليهود من دم يسوع المسيح”، حيث جعلت الوثيقة اليهود هم أهل المنحة التي أعطاها لهم الرب -بزعمهم- وهي أرض كنعان (فلسطين)، وبحسبها فإنَّ المسيح تجسد فيه اليهود كما بقية اليهود([15])، وهو المنطق ذاته الذي أسس عليه مارتن لوثر كتابه “المسيح ولد يهوديًا”، المتقدِّم ذكره.
انطلاق دعوة مارتن لوثر بدءًا من العام 1517م، صنعت البيئة الملائمة لاستيلاد الحلم الصهيوني في عودة اليهود إلى “أرض المعاد” (فلسطين)؛ فما بين هذا التاريخ ومؤتمر بازل 1897م الذي مهَّد للهجرة اليهودية إلى فلسطين بمساعدة أوروبية، كان اليهود قد حرثوا الأرض الأوروبية لتقبُّل تبني الدعوة لتهجير اليهود إلى فلسطين، وطرد أهلها منها بحوافز مختلفة.
العوامل الرئيسة في قيام دولة اليهود:
في تلك القرون المتطاولة، وبعد طفرة “تطبيع” العلاقة “المسيحية/اليهودية” في أوروبا بدرجة ما، لم تهدأ دعوات ما يُسمى بـ “معاداة السامية”، لكنها ظلت أقل حدةً بكثير مما سبق نشأة البروتستانتية.. تَعَبَّدَ الطريق تدريجيًا لقبول -بل الحماسة- لإنشاء “مملكة الرب” في “أورشليم” (القدس)، وقد عبّدته عوامل مهمة، منها:
- قوة الاقتصاد اليهودي، القائم على الربا، ثم نشر الموبقات الأخرى: ورغم أنَّ اليهود كانوا يتعاطَون الربا قبل البروتستانتية، وضاعف بعضُهم ثرواته بسبب هذه الكبيرة التي كان يُحرِّمها النصارى، “وَأَقْرَضَ بالرِّبا وأَخذَ رِبْحًا حرامًا، أَفَيَحيا؟ إنهُ لا يَحيا! لأنهُ اقتَرَفَ جميعَ هذهِ المُوبِقاتِ فإنَّهُ حَتمًا يَمُوتُ، ويكونُ دمُهُ على رَأسهِ”([16])، إلا أنهم زادوا من نشاطهم الربوي بعد تراجع دعوات ما يُسمى بـ “معاداة السامية” في أوروبا. لقد أتاح تحريف اليهود لشريعتهم بسماحه لهم بالتعامل بالربا مع الأمميين (غير اليهود) أن تتضخم ثرواتهم؛ فأصبحوا قوة اقتصادية هائلة في أوروبا، وحينما خطب لوثر وُدّهم تمكنوا من إشاعة أفكاره لحدٍّ جعلها تطغى على غيرها في مدة وجيزة في كل من ألمانيا وبريطانيا، وبالتالي التمهيد لعصرٍ جديدٍ يعلو فيه اليهودُ بقوةٍ في أوروبا، وسيستغلُّ ذلك غيرُ المتديِّن تيودور هيرتزل في دعوته للصهيونية، والترويج لها، وتجميع التبرعات من أصحاب الثروات الضخمة من اليهود لإنجاز مشروعه بالهجرة اليهودية إلى فلسطين.
- رغبةُ يهود غرب أوروبا الأثرياء نسبيًا (الأشكناز) في منع هجرة يهودِ شرقها الذين يُعانون الاضطهاد في تجمعاتهم الكبيرة نسبيًا في بولندا وأوكرانيا وروسيا وغيرها إلى غرب أوروبا، ما أوجد مخرجًا ليهود الغرب لتهجير يهود بولندا وأوكرانيا وروسيا إلى فلسطين تحت لافتة دينية، وهي الهجرةُ إلى “أرض المعاد” بدلاً من هجرتهم إلى غرب أوروبا، بما سيؤثر سلبًا على مصالحهم ونفوذهم وسمعتهم المالية، ولهذا رأى الأشكناز في هجرة “الفقراء المضطهدين” فرصةً للتخلص منهم([17])، يقول هيكل: “كان منطق هيرتزل في كتابه بسيطًا([18]) إلى درجة تبعث على القلق، وعرض هيكل أسسًا كان منها: أنَّ اليهود الفقراء القادمين من الشرق سوف يكونون مصدر إزعاجٍ وقلقٍ لليهود الأثرياء الذين استقروا في غرب أوروبا”([19]).
- حماسة بعض الأمراء و”النبلاء” في أوروبا لفكرة تهجير اليهود (بكل تنوُّعاتهم) إلى فلسطين، بعد أن ضاقوا بهم ذرعًا، مع تضخُّم ثرواتهم، وبُخلهم، وبدئهم في الظهور قوةً اقتصاديةً يمكن أن تُهدد عروشهم وامتيازاتهم لاحقًا.
- الانقسام الحاصل لدى اليهود ما بين فكرة الاندماج الفاشلة في المجتمعات الأوروبية، والتي ثبت عدم واقعيتها، وفكرة الهجرة التي رجَحت كفَّتُها مع دعوة هيرتزل للصهيونية والهجرة إلى “أرض المعاد”، إذ اعتقد هرتزل أنه يجب على اليهود الانسحابُ من أوروبا، ورأى أنَّه من العسير تجاوز النظرة الدونية التي يُكنُّها الأوروبيون لليهود، فيما عُرف بـ”معاداة السامية”، ولم يجد حلاً شافيًا سوى إنشاء دولة يهودية.
غير أنَّ “إسرائيل” لم تكن مَحضَ مشروعٍ تأسَّس على عقيدة صهيونية فحسب، بل كانت في جوهرها كذلك مشروعًا “استعماريًا”، رَنَت من خلاله دُولٌ غربية إلى شقِّ الجسد الإسلامي، وإقامة أكبر قاعدةٍ عسكريةٍ لها في قلب العالم الإسلامي كله.
ولهذا فقد كانت ثمةَ مشاريع عدة لإقامة دولةٍ لليهود في أماكن عدّة، واقترح مؤتمر بازل إحدى هذه المناطق لإقامة تلك الدولة: فلسطين، أو الأرجنتين، أو أوغندا، وتقول مصادر إنَّ منطقة الخزر (قزوين) التي شهدت وجود دولة لليهود قبل 8 قرون، كانت هي الأخرى مرشحة لقيام دولة يهودية.
اختيرت فلسطين فيما بعد، لا لكونها تمثل “أرض المعاد” فحسب، وإنما لأنها تمثل حاجزًا استراتيجيًا شديدَ الأهمية للدول الغربية “الاستعمارية” التي رأتْ في هذا المشروع تحقيقًا لأهدافهم في النيل من القوة الإسلامية، وتحييدها إلى الأبد([20]).
وإذا كان الدافع لدى قطاعات من اليهود دينيًا في اختيارهم لفلسطين، وأيضًا كذلك طمعًا فطريًا يهوديًا في تحقيق الثراء، إيمانًا بما تبشرهم به توراتُهم بأنها الهجرة إلى “أرضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وعَسَلاً”([21])؛ فإن دافع ساسة أوروبا لإقامة وطنٍ لليهود في فلسطين كان في جوهره يدورُ حول كسر ظهر المسلمين.
كان الدافع لدى قطاعات من اليهود دينيًا في اختيارهم لفلسطين، وأيضًا كذلك طمعًا فطريًا يهوديًا في تحقيق الثراء، إيمانًا بما تبشرهم به توراتُهم بأنها الهجرة إلى “أرضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وعَسَلاً”؛ فإن دافع ساسة أوروبا لإقامة وطنٍ لليهود في فلسطين كان في جوهره يدورُ حول كسر ظهر المسلمين.
“من نابليون بونابرت القائد الأعلى للقوات المسلحة للجمهورية الفرنسية في إفريقيا وآسيا إلى ورثة فلسطين الشرعيين… عبيد الله سيعودون إلى صهيون وهم يُنشدون، وسوف تعمُّهم السعادة حين يستعيدون مملكتَهم دون خوف. انهضوا بقوة أيها المشردون في التيه… إنَّ فرنسا تقدم لكم يدها الآن حاملة إرث إسرائيل”([22]).
إنه نداء نابليون إلى يهود العالم بعد فراغه من احتلال مصر واتجاهه نحو أرض فلسطين. يقول الكاتب محمد حسنين هيكل: “إنَّ نابليون بونابرت لم يكن يهوديًا ولا كان مواليًا لليهود، والعكس هو الصحيح… إن التفسير الصحيح –والحوادث اللاحقة شاهد– هو أنَّ هذه الورقة كانت “رؤية”، وهي لم تكن “رؤية نبي”، وإنما كانت رؤية امبراطور يملك حسًا استراتيجيًا نابهًا وبعيدًا”([23]).
والحس الاستراتيجي هذا دفعه إلى الاعتقاد بأن ضلعي الزاوية مصر وسوريا قادران على محاكاة ما حصل في الحروب الصليبية الأولى (نور الدين زنكي/ صلاح الدين) في الخروج من سيطرة “الاستعمارين” الفرنسي والبريطاني، وإقامة مشروع مستقل. ولهذا “فإنه يزرع عند نقطة التقائهما أي عند مركز الزاوية، شيئًا آخر لا هو عربي ولا هو إسلامي … وبها فقد ينشأ وطن يهودي يكون ضمانًا إضافيًا إذا أمكن، ويكون عازلاً إذا اقتضت الضرورات!”([24]).
على خطى نابليون سار اللورد بالمرستون رئيس وزراء بريطانيا، وقد حفزه إلى تنفيذ مشروع الدولة اليهودية شروعُ محمد علي في إعادة بناء وحدةٍ قويةٍ بين مصر والشام بعد هزيمته للقوات العثمانية، فرُغم ما أحاط بمحمد علي من غموضٍ حول توجهات وولاءاته وعلاقاته بفرنسا، إلا أنَّ فرنسا وبريطانيا لم يكونا ليَسمحا بوحدةٍ تمتدُّ من مصر حتى الأناضول مرورًا بالشام، لا تحت السيادة العثمانية، ولا تحت سيطرة محمد علي؛ فأُرغم عُنوة على الرجوع إلى مصر ومغادرة الشام، والانعزال داخل الحيِّز المصري. وينقلُ هيكل عن الوثائق البريطانية في تلك الفترة أنَّ أهداف بالمرستون في ذلك الوقت تركَّزت في “مواجهة محمد علي على ثلاث مراحل: إخراجه من سوريا، واحتواؤه في مصر، وإنشاء عازل حاجز بين البلدين”([25])، وهذه الأهداف كانت من اقتراح روتشيلد([26]) في خطاب موجه إلى بالمرستون بتاريخ 21 مايو 1839م يشبِّه فيه مصر بالزجاجة، وسيناء بعنقها، وفلسطين بسدادة الفلين، التي تسد قوة هذا الجسد الكبير.
كتب هيرتزل كتابه “الدولة اليهودية” في العام 1896م، في البداية كخطاب لآل روتشيلد سعيًا لإقناعهم بإقامة دولة يهودية ذات سيادة، ثم تبلورت الفكرة لعقد مؤتمر بازل لجمع كلِّ الحالمين بإقامة تلك الدولة، ودشَّن بعدها “الحركة الصهيونية”، وأُقيمت الوكالةُ اليهودية لجمع التبرعات لتكريس الجهود نحو الهجرة. وكانت فكرة الكتاب تدور حول أنَّ الكل رابح:
- اليهود الأغنياء: سيتخلَّصون من عِبء مُزاحمة فقراء يهود شرق أوروبا لهم في غربها.
- الدول الأوروبية: ستتخلَّص من نفس العبء حيث يمكن دمج أغنياء اليهود فيما لا يمكن دمج فقرائهم بسهولة أو تقبُّلهم في أوروبا.
- اليهود الفقراء: سيُهاجرون إلى الأرض الموعودة التي “تفيض لبنًا وعسلاً”.
وقد تحرَّك المؤتمر في اتجاهاتٍ مختلفة، أهمُّها الدولة العثمانية، حيث عرض هيتزل 20 مليون جنيه استرليني (2 مليون لشراء أراضي سلطانية في فلسطين، و18 مليون لسداد ديون الدولة العثمانية للبنوك اليهودية! التي كانت تقيِّد الخلافة بديونها).
لكن جهود هيرتزل فشلت في اسطنبول، فكانت الوجهة الموازية هي الناجحة، بريطانيا، لكن ليست على يديه، بل على يد رفيقه في الدعوة للصهيونية، رئيس وزراء “إسرائيل” لاحقًا حاييم وايزمان الذي حصل إثر جهود متراكمة على “وعد بلفور” 1917م من الحكومة البريطانية، التي كانت تحتلُّ فلسطين في ذلك الوقت.
كتب هيرتزل كتابه “الدولة اليهودية” في العام 1896م، في البداية كخطاب لآل روتشيلد سعيًا لإقناعهم بإقامة دولة يهودية ذات سيادة، ثم تبلورت الفكرة لعقد مؤتمر بازل لجمع كلِّ الحالمين بإقامة تلك الدولة، ودشَّن بعدها “الحركة الصهيونية”، وأُقيمت الوكالةُ اليهودية لجمع التبرعات لتكريس الجهود نحو الهجرة.
كان البريطانيون متشبِّعين بالاستراتيجية الفرنسية البونابرتية، المؤمِنة بضرورة وجود حاجز يفصل ما بين دولة الخلافة (تركيا) ومصر عبر الشام، ولم يكونوا ليتركوا الأمور لـ”المصادفة” بعد أن زحف جيش محمد علي في العام 1839م لينتصر في معركة نصيبين على الجيش العثماني ويستولي على قونية وكوتاهية ويقترب من إسطنبول، حيث لم يكن مقبولاً لديهم أن تخضع مصر لتركيا أو تخضع تركيا لمصر والشام فيما بينهما، مهما كان الحاكم.
تُدرك بريطانيا وغيرها من “الدول الاستعمارية” أنَّ الخلافة العثمانية لم تقم بالأساس إلا بعدما فتح السلطان سليم الأول مصر بعد انتصاره على سلطان المماليك طومان باي في معركة الريدانية عام 1517م، حينها تحولت الدولة العثمانية من “سلطنة” إلى “خلافة”، وظلت لثلاثة قُرون تمثِّل قوةً مرهوبةً حتى أوهَنَتْها عوامل كثيرة، كان من بينها هجوم محمد علي عليها، ولم يكن الأوروبيون ليقبلوا تجديد شباب تلك الدولة بخلافةٍ يقودها محمد علي هذه المرة، رغم كل علاقاته المشبوهة بالفرنسيين، ودور “الدول الاستعمارية” في تمرُّده على الدولة العثمانية بادئ الأمر.
هنا زُرعت “إسرائيل” لئلا تتكرَّر أيُّ “مغامرةٍ” لتوحيد العالم الإسلامي انطلاقًا من قلبه في تلك المنطقة الاستراتيجية، عبقرية الجغرافيا والتاريخ (تركيا، الشام، مصر). قام المشروع الصهيوني بإرادةٍ أوروبيةٍ، ثم أمريكيةٍ لاحقًا، وتم تبنِّيه والدفاع عنه مرارًا من أجل هذه الوظيفة الكبرى: عزل العالم الإسلامي، شرقِه عن غربِه، شمالِه عن جنوبِه.
ومنذ الفتح الإسلامي: ظلَّ البحرُ الأحمرُ بأهميَّته الكبرى بحيرةً إسلامية مُغلقةً محرَّمةً على الدول “الاستعمارية”، ومن قبلِها الحملات الصليبية، وقد حال حُكَّام مصر جميعًا من المسلمين على مرِّ العصور من أن تتسبَّب التجارة عبر البحر الأحمر بالسماح لسفن غير المسلمين في العبور من هذا البحر بين أوروبا والهند، حمايةً لمقدَّسات المسلمين، إلى أن شُقَّت قناة السويس وتم تدويل البحر، حتى قبل إنشاء ما يسمى بدولة “إسرائيل”، وبدأت بريطانيا تحديدًا في تبني المشروع الصهيوني، باحتلال فلسطين أولاً ثم السماح لليهود بالهجرة، ولعصاباتهم بالتسلح، وللفيلق اليهودي في الجيش البريطاني([27]) بحماية عملية الترانسفير (التهجير) منذ أن دنَّست أقدام اليهود الصهاينة الأرض التي باركها الله سبحانه وتعالى. سمحت بريطانيا بتدفُّق عددٍ مكافئ من اليهود لسكان فلسطين من المسلمين تقريبًا، وغضت الطرف عن تولّي عصابات هوشيمير أولاً (1909م)، ثم الهاغانة (1920م) ثانيًا، وأرغون (1937م) ثالثًا، وشتيرن (1940م) رابعًا، تهجير المسلمين (الفلسطينيين) قسريًا باستخدام سياسة الأرض المحروقة، وبارتكاب المجازر واحدةً تِلو الأخرى، إلى أن تغوَّلت تلك العصابات، وأُضفيت عليها “الشرعية” الدولية بصدور قرار تقسيم فلسطين (1947م).
أقيمت الدولة الصهيونية في العام التالي، وكان الاعتراف الأمريكي والأوروبي سريعًا، عملت القوى الغربية على رعاية “إسرائيل” في جميع المجالات، لاسيما العسكري، وعملت دومًا على اضطلاع الكيان الصهيوني بدوره الذي أنيط به منذ البداية: إحلال الوهن في الجسد الإسلامي، فسلكت “إسرائيل” العديد من السياسات من أجل تجسيد هذا الهدف على أرض الواقع، واتَّخذت في سبيل ذلك العديد من السبل، منها الحروب، واتفاقاتُ السلام والتطبيع، وإقامةُ المشاريع المختلفة مع الدول المطبِّعة قصدَ إضعافها، وتطويقُ المحيط العربي والإسلامي في الفضاءات الخارجية الإفريقية والآسيوية، ونشرُ الفساد بأنواعه داخل الدول “المجاورة”، وقتلُ القضية الفلسطينية، ومدُّ نفوذها داخل دواليب الحكم إلى غير ذلك، وصولاً إلى السعي إلى قيادة المنطقة برُمَّتها.. وهي في طريقها لم تزل تُواجه عقباتٍ كثيرةً، حيث ستستمرُّ سنةُ التدافع مهما بلغ الوهن غايته في المحيط الإسلامي.. يتواصل المشروع تقدمًا، وتتواصل المقاومة جُهدًا وجهادًا.
أ. أمير سعيد
كاتب وباحث.
([1]) صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس، للدكتور علي الصلابي (1/39).
([2]) الحروب الصليبية، العلاقات بين الشرق والغرب، للدكتور محمد مؤنس عوض، ص (67-78).
([3]) تعود تسمية “الحركة الصهيونية” إلى أحد ألقاب جبل صهيون في القدس كما ورد في “سفر إشعياء”.
([4]) موسوعة المصطلحات الصادرة عن “المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية”، مدار: 5000 آلاف مصطلح إسرائيلي.
([5]) في كتابيهما “مفتاح حيرام”.
([6]) الماسونية وفرسان المعبد – قصة الإسلام – لأورخان محمد علي، نقلًا عن كتاب هارون يحيى: الماسونية العالمية Harun Yahya Global masonluk Kultur yayclk. Ist. 2002. – نقلًا عن Christopher Knight and Robert Lomas The Hiram Key Arrow Books 1997. ص (37).
([7]) الكابالا مأخوذة من الكلمة العبرية قبل، أي أن الكهنة اليهود قد قبلوا تلك العقيدة، وهي عبادة الشيطان الذين يعتبرون أنه تعرض للظلم –تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا – ويتعاطون السحر والشعوذة، والكابالا مليئة بالرموز السحرية والطلاسم وغيرها وهي دين الماسونية المتبع.
([8]) الماسونية وفرسان المعبد – مصدر سابق.
([9]) الكلمة في أصلها اللاتيني مشتقة من “بروتست” ” proteste” بمعنى الاحتجاج والاستشهاد من أجل شيء، ينظر د. مريم بنت بنيان الحربي/البروتستانتية وأثرها على العالم الإسلامي ص (2)، وأصل الاحتجاج كان على قرار مؤتمر ورمس الذي قرر طرد لوثر من الكنيسة، وهي اصطلاحًا مذهب نصراني يدعو إلى العودة المباشرة إلى جذور التوراة والإنجيل دون الحاجة إلى فهم القساوسة والوسطاء.
([10]) مارتن لوثر واليهود، للدكتور راجح إبراهيم السباتين، ص (16).
([11]) التسمية لهم بطبيعة الحال، كبروتستانت وصهاينة فحسب.
([12]) مارتن لوثر واليهود، للدكتور راجح السباتين، ص (1).
([13]) طبع كتاب “المسيح ولد يهوديًا” لمارتن لوثر 5 طبعات في سنة نشره ووزع بالآلاف في دول أوروبا.
([14]) الصهيونية المسيحية والسياسة الأمريكية، للدكتور محمد بن محمد المختار الشنقيطي، ص (5).
([15]) يراجع: تبرئة اليهود من دم المسيح، ردًا على سؤال حول ذلك، موقع كنيسة الإسكندرية للأقباط الكاثوليك، القس د. يوأنس لحظي جيد.
([17]) يراجع: السياسة السوفيتية بشأن فلسطين، لأرنولد كرامر، 1947-1948، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد الثاني، رقم 2، شتاء 1973، ص (109)، ويراجع أيضًا: أفكار بسيطة بشأن معاداة السامية، لمكسيم رودنسون، مجلة الدراسات الفلسطينية، خريف 2019م.
([18]) كتاب “الدولة اليهودية”.
([19]) المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل – الأسطورة والإمبراطورية والدولة اليهودية، لمحمد حسنين هيكل، ص (67).
([20]) فقد عارضها كثير من اليهود لاسيما يهود الأرثوذكس، “فاليهودية ترى مشروعية إقامة دولة لليهود ولكن بعد مجيء (المسيح المخلص)، وتنفرد الصهيونية عن بقية اليهود بالدعوة إلى إقامة دولة لليهود قبل مجيء (المسيح المخلص)” من بحث: الشخصيات اليهودية المعارضة للصهيونية، لمهند القصير، عرض وتحليل، المجلة العربية للدراسات الإسلامية والشرعية، ص (166)، ويقول القصير: “ظهرت المعارضة اليهودية للصهيونية متزامنة مع ظهور الصهيونية، وقد برزت بوضوح عندما قام هرتزل بدعوة اليهود إلى مشروعه حيث قام المعارضون بالرد عليه بالبيانات والاحتجاجات وعدم الاستجابة لندائه حتى سماهم (حاخامات الاحتجاج)، ويمكن أن يقال إنها تحديدًا انطلقت من معارضة حاخامات ألمانيا لعقد المؤتمر الصهيوني الأول في ميونخ بألمانية مما دعى الصهاينة إلى نقل مؤتمرهم إلى مدينة بازل في سويسرا، وعقب عقد المؤتمر الصهيوني الأول بادرت هيئة حاخامات الألمان إلى إصدار بيان تحتج فيه على الصهيونية، وفي عام 1897م عقد المعارضون مؤتمر مونتريال رفضوا وأدانوا فيه الصهيونية”، وينظر: تشريح العقل الإسرائيلي، للسيد ياسين، ص (97)، و:الشخصيات اليهودية المعارضة للصهيونية، لمهند القصير، ص (174)، ويقدر د. ياكوف م. رابكن في كتابه: المناهضة اليهودية للصهيونية ص (7) أعدادهم بمئات الألوف، الشخصيات اليهودية المعارضة للصهيونية، لمهند القصير، ص (175)، وهو عدد كبير بالنظر إلى أعداد اليهود الصهاينة يومئذ، ودافعهم لهذا هو ما يرجع إلى إيمان هؤلاء بأن “الخلاص سيأتي اليهودَ من الله وليس من البشر”، فبحسب شمشون روفائيل هيرش زعيم اليهود الأرثوذكس في ألمانيا في حوار له مع صحيفة واشنطن بوست 33أكتوبر1978م: “فلقد تلقى اليهود الرسالة من الرب، لئلا يفرضوا عودتهم إلى الأرض المقدسة ضد إرادة من يسكنونها، فإن فعلوا ذلك فإنهم يتحملون نتائجه، والتلمود يقول: إن هذا الانتهاك سوف يجعل من لحمكم فريسة للسباع في الغابة. إن المذبحة الكبرى نتيجة من نتائج الصهيونية” فلسطين أرض الرسالات، لرجاء جارودي، ص (234)، الشخصيات اليهودية المعارضة للصهيونية، لمهند القصير، ص (178).
([22]) المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل، ص (31).
([26]) أحد أكبر أثرياء العالم، وأسرته لم تزل مؤثرة جدًا في السياسة والاقتصاد العالميين حتى الآن.
([27]) بعد أيام من إطلاق وعد بلفور احتل الجيش البريطاني بقيادة إدموند ألّنبي القدس ودخل مع جيشه فيلق يهودي تم تدريبه بتوجيه من وزير المستعمرات البريطاني وينستون تشرشل، وكان من أعضاء هذا الفيلق ديفد بن غوريون أول رئيس وزراء “إسرائيلي”، فيلق يهودي في القدس بعد وعد بلفور/الجزيرة نت – 1 نوفمبر 2017م، تراجع أيضًا دراسة د. عبد الوهاب شاكر: المخططات الصهيونية لإنشاء الفيلق اليهودي.