دعوة مميزة

أوانُ ذهابِ العِلم!

العلماء ورثة الأنبياء، يُعلّمون الناس ويقودونهم بالوحي، ويردعونهم عن الانحراف والظلم والغلو، فوجودهم وقيامهم بدورهم أمان للمجتمع من الفتنة والهلاك، وبالمقابل فإنَّ في ذهابهم رواجًا للفتن وانتشارًا للظلم والبغي، لكن لماذا يحصل ذلك؟ وما الذي يؤدي إلى الفتن بذهابهم؟ هذه المقالة تتناول هذا الجانب ببعض التفصيل

مقدمة:

تمرُّ الأمة الإسلامية بأزمةٍ خطيرة قد تُودِي بأجيال من المسلمين إلى مجاهِل الضَّياع وأقبية التِّيْه، بخاصة أن هذه الأزمة هي مِن صُنع بعض المسلمين وإن اتخذوا لأنفسهم صفة باحث، أو مفكِّر، أو كاتب؛ فالجمهور -الذي يتلقَّى ويتأثّر ويُسلِّم- يظنُّ أنّ كلَّ متحدِّث من أبناء الإسلام هو ناطقٌ رسميٌّ باسمِه!

ومن هنا عظُم الخطْب، فحُمِّلَ الإسلام -أوّلاً- تبِعة هذه الأخطاء والشُّذوذات، وحُمِّل المسلمون -ثانيًا وسيَتحمّلون طويلاً- نتيجة انعكاسات تلك الآراء والمناهج والأفكار في تكوين عقليَّتهم وتصورهم للمفاهيم الإسلاميّة، وارتدادها على بُنية المجتمع ومسيرة الدَّعوة في العاجل والآجل؛ ذلك أن كثيرًا من تلك الأفكار والطروحات تُمثِّل دعوَةً لا إلى الخروج على القِيَم فحسب، ولكن على مبادئ الإسلام ومنهجِه!

وكان لضعف العلم وغلبة الجهل في العصور المتأخرة، وتصدُّر -أو تصدير- مَن ليس أهلاً، دور كبير في بروز هذه الظاهرة واستفحالها. ولولا أن الله سبحانه قد تكفَّل بحفظ هذا الدِّين، لجرى عليه ما جرى على غيره من تحريف وتبديل.

وفي خطر المحرِّفين بالتأويلات الفاسدة والحجج الباطلة على الدِّين يقول الإمام ابن القيم: «لمَّا سَلَّط المُحرِّفون التأويلات الباطلة على نصوص الشرع: فسد الدِّينُ فسادًا؛ لولا أنَّ الله سبحانه تكفَّل بحفظه وأقام له حرسًا وَكَلَهُم بحمايته من تأويل الجاهلين وانتحال المبطلين؛ لجرى عليه ما جرى على الأديان السَّالفة، ولكن الله برحمته وعنايته بهذه الأمة يَبعثُ لها عند دُرُوسِ السُّنة وظهور البدعة مَن يُجدِّد لها دينها، ولا يزال يَغرِس في دينه غرسًا يستعملهم فيه عِلمًا وعَمَلاً»[1].

نقص العِلم في الآثار النبويَّة:

لقد نبَّه النبيُّ ﷺ -في غير ما حديث- إلى نُقصان العلم ورفعه، الذي سيكون في هذه الأمة، خصوصًا في أجيالها المتأخرة. كما في حديث زياد بن لبيد رضي الله عنه قال: (ذكرَ النبيُّ ﷺ شيئًا، فقال: وذاكَ عند أوانِ ذهابِ العِلم! قال: قلنا: يا رسول الله، وكيف يذهبُ العلمُ، ونحنُ نقرأ القرآن ونُقرئُه أبناءنا، ويُقرئه أبناؤنا أبناءَهُم إلى يوم القيامة؟ قال: ثكلتكَ أمُّك يا ابن أم لبيد! إن كنتُ لأراك من أفقَهِ رجلٍ بالمدينة، أَوَليسَ هذه اليهود والنصارى يَقرؤونَ التوراة والإنجيل لا يَنتفعونَ مما فيهما بشيءٍ؟!)[2].

وفي حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله ﷺ: (من أشْراط الساعة: أن يُرفع العِلم ويثبُت الجهل)[3]، وعن ابن مسعود وأبي موسى قَالا: قال النبيُّ ﷺ: (إِنَّ بين يديِ الساعة لَأَيامًا يَنزلُ فيها الجهلُ ويُرفع فيها العلمُ، ويكثُرُ فيها الهَرْجُ، والهَرْجُ القَتلُ)[4].

رفع العلم المذكور في الأحاديث النبوية يعني رفع الفقه والفهم، فالعلم ليس مجرَّد القراءة وإحسانها والحفظ وإتقانه، ولكنه حُسن الفهم ودقة الاستنباط وإحكام القواعد وضبط منهج الاستدلال

دلالات خطيرة:

دلَّ حديث زياد رضي الله عنه على أنَّ العلم الذي قصد النبيُّ ﷺ أنه يُرفع، ليس ذهاب نصوص القرآن والسُّنة، ولكنه شيء أعمق من ذلك وأخطر! إنه الفقه والفهم، فالعلم ليس مجرَّد القراءة وإحسانها والحفظ وإتقانه، ولكنه حُسن الفهم ودقة الاستنباط وإحكام القواعد وضبط منهج الاستدلال.

ودلَّ حديث ابن مسعود وأبي موسى رضي الله عنهما على أنّ كثرة القتل يستتبع نزول الجهل، وأنَّ العلم -الذي هو الفقه وفق المنهج الصَّحيح في الفهم- تكون بركته في درء الفتن وعموم الأمن، وقطع الطريق على المتعالمين الذين فسدت أفهامهم، تبعًا لأهوائهم وجهالاتهم.

بركة العلم تكون في درء الفتن وعموم الأمن، وقطع الطريق على المتعالمين الذين فسدت أفهامهم، تبعًا  لأهوائهم وجهالاتهم

رفْع العِلم بموت العلماء:

لا يخفى أن العلم يُحفظ بتدوينه كتابة، ووجود حملته العالمين به: العلماء، وفي الحديث قال ﷺ: (العلماءُ ورثةُ الأنبياء)[5]، فالعلماء هم الذين حملوا علم الأنبياء وتوارثوه وورَّثوه. والوراثة تعني وراثة الحفظ والفهم. والحفظ كما يحصل بالكتب تدوينًا، كذلك يحصل بالصُّدور ضبطًا، أمّا الفهم فشيءٌ زائد عن الحفظ لا يؤخذ إلا بالتلقِّي عن أهله والشَّهادة منهم له بأنه من أهله.

وقد دلَّ حديث زياد بن لبيد رضي الله عنه أنَّ المقصود بالعلم الذي حذَّر الرسول ﷺ من فقده ليس مجرَّد الحفظ، بل الفهم وفق قواعد وأصول، وهو ما يصطلح عليه: المنهج. ومن هنا فإنّ موت حَمَلة العلم (العلماء) إيذانٌ بنقصه ورفعه، وهذا ما دلّت عليه الآثار، كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتدرون ما ذهابُ العلم؟ قُلنا: لا، قال: «ذهابُ العلماء»[6]، وعن ابن مسعود رضي الله عنه كذلك: «لا يأتي عليكم عامٌ إلا والذي بعده شرٌّ منه، ولا أعني عامًا أخصب من عام ولا أمطرَ من عام، ولكن ذهابُ خياركم وعلمائكم، ثم يَحدُثُ قومٌ يقيسون الأمور برأيهم، فيُهدم الإسلام ويُثلَم»[7]. ولما سُئل سعيد بن جُبير رحمه الله ما علامةُ هلاكِ الناس؟ قال: «إذا هلَكَ علماؤُهُم»[8].

قال الحافظ الذهبي رحمه الله: «أما اليوم فما بقي من العلوم القليلةِ إلا القليل، في أناسٍ قليل!»[9]. وقد كانت الكتب والمؤلفات في عصره متوافرة محفوظة، والمكتبات كثيرة عامرة، ولكنهم لم يكونوا يعُدّون وجودها هو العلم، بل وجود حملتها وهم العلماء!

اشتباه العالم بغير العالم يعني ضياع المنهج، واختلال ميزان الفهم. وعندئذٍ لا تسأل عن الفوضى وانتشار الفتن!

خطورة موت العلماء:

لا شك أنَّ ذهاب العلم مُقترنٌ برواج الفتن، وإنَّ الالتحام بالعلماء عصمةٌ للأمة من الضلال، فالعلماء كسفينة نوح، من تخلَّف عنها كان من المُغرقين. قال الإمام ابن القيّم رحمه الله: «فقهاء الإسلام ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام: الذين خُصُّوا باستنباط الأحكام، وعُنوا بضبط قواعد الحلال والحرام؛ فهم في الأرض بمنزلة النُّجوم في السَّماء، بهم يهتدي الحَيران في الظَّلماء، وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرضُ عليهم من طاعة الأمهات والآباء بنصّ الكتاب؛ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ [النساء: ٥٩]؛ قال ابن عباس في إحدى الروايتين عنه، وجابر بن عبد الله، والحسن البصري، وأبو العالية، وعطاء بن أبي رباح، والضحَّاك، ومجاهد، في إحدى الروايتين عنه: أولو الأمر: هم العلماء، وهو إحدى الروايتين عن أحمد»[10].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنّه قال: «لا يزال عالمٌ يموت، وأثرٌ للحقِّ يَدْرُس، حتى يكثُر أهل الجهل، وقد ذهب أهلُ العلم، فيعملونَ بالجهلِ، ويدينون بغير الحق، ويضلُّون عن سواء السبيل»[11]. وكان الزُّهري رحمه الله يقول: «كان من مضى من علمائنا يقول: الاعتصامُ بالسُّنة نجاةٌ، والعلم يُقبَض سريعًا، فنَعْشُ العلم ثباتُ الدِّين والدُّنيا، وذهاب العلماء ذهابُ ذلك كلِّه»[12].

اشتباه العالِم بغيره:

اشتباه العالم بغير العالم يعني ضياع المنهج، واختلال ميزان الفهم. وعندئذٍ لا تسأل عن الفوضى وانتشار الفتن! يدلُّ على ذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: (إنَّ اللهَ لا يقبضُ العلمَ انتزاعًا ينتزعهُ من العباد، ولكن يقبضُ العلمَ بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالمًا اتخذَ الناسُ رؤوسًا جهَّالاً فسُئلوا فأفتوا بغير بعلم؛ فضَلُّوا وأضلُّوا)[13]. وفي رواية للبخاري: (فيفتون برأيهم!).

فإذا مات العلماء وتصدَّر أشباههم وأخذوا موقعهم، وأحسن الناسُ الظنَّ بهم وسألوهم؛ حدثت الفوضى ووقع الانحراف، واشتدَّت الكُربة وعظُمت المحنة بالرؤوس الجهَّال، وقد سمَّاهم النبيُّ ﷺ كما في حديث أبي أميَّة الجُمَحي t: الأصاغِر! فقال: (إنَّ من أشراطِ السَّاعة: أن يُلتمَسَ العلمُ عند الأصاغِر!)[14].

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «لا يزالُ الناسُ صالحين متماسكين، ما أتاهُم العلمُ من أصحاب محمدٍ ﷺ ومن أكابرهم، فإذا أتاهُم من أصاغِرهِم هَلَكُوا!»[15].

فهذا الأثر يدل على أنَّ العلم لا يؤخذ من المجاهيل ومن لا يُعرف بطلبه، وأنَّ هَلَكةَ الناس تكون إذا سلَّموا قيادهم لأمثالهم.

«أكثر ما يُفسِد الدنيا: نصفُ متكلِّم، ونصف متفقِّه، ونصف متطبِّب، ونصف نحْوي! هذا يفُسد الأديان، وهذا يفُسد البلُدان، وهذا يفُسد الأبدان، وهذا يفُسد اللسِّان»!

ابن تيمية

ظاهرة أنصاف العلماء:

وتعتبر أحد وجوه مسألة اشتباه العالم بغيره، فإذا أُخذ العلم عن غير متأهِّل، أو استُفتيَ مَن لم تكتمل عنده أدوات النظر والاجتهاد؛ وقع المحظور، ومن درر الإمام الشافعي رحمه الله قولُه: «إذا تصدَّر الحَدَثُ، فاتهُ عِلمٌ كثير»[16].

وإلى مثل هؤلاء يشير كلام العلامة الشوكاني رحمه الله حين قسم الناسَ إلى ثلاث طبقات بقوله: «النّاسُ على طبقاتٍ ثلاث:

  • فالطبقة العالية: العلماء الأكابر، وهم يَعرفون الحقَّ والباطل، وإن اختلفوا لم ينشأ عن اختلافهم الفتن، لعلمهم بما عند بعضهم بعضًا.
  • والطبقة السَّافلة[17]: عامّةٌ على الفطرة لا ينفرون عن الحق، وهم أتباع من يقتدون به، إن كان محقًّا كانوا مثله، وإن كان مُبْطِلاً كانوا كذلك.
  • والطبقة المتوسّطة: هي منشأُ الشَّرّ وأصلُ الفِتَن النّاشئة في الدِّين، وهم الذين لم يُمْعِنوا في العلم حتَّى يرتقوا إلى رُتبة الطّبقة الأولى، ولا تركوه حتَّى يكونوا من أهل الطّبقة السَّافلة، فإنَّهم إذا رَأَوْا أحدًا من أهل الطَّبقة العليا يقول ما لا يعرفونَه مما يُخالف عقائدهم التي أوقعهم فيها القُصورُ؛ فَوَّقُوا إليه سهامَ التقريع، ونسبوه إلى كلِّ قولٍ شنيعٍ، وغيّروا فِطَرَ أهل الطّبقة السفلى عن قَبُولِ الحق بتمويهاتٍ باطلةٍ، فعند ذلك تقوم الفتنُ الدينيَّة على ساق»[18].

وهؤلاء الذين عناهم ابن تيميَّة رحمه الله بقوله: «أكثر ما يُفسِد الدنيا: نصفُ متكلِّم، ونصف متفقِّه، ونصف متطبِّب، ونصف نحْوي! هذا يُفسد الأديان، وهذا يُفسد البُلدان، وهذا يُفسد الأبدان، وهذا يُفسد اللِّسان!»[19].

فخطورة هذا الصِّنف كونه ثنى الرُّكب أمام العلماء، لكنه لم يستكمل آلة طلب العلم، ولم يحرِّر القواعد، ولم يشهد له أهل الصَّنعة الأكابر. فحالهم كما قال الذَّهبي: «فخَلَفَ من بعدهم خلفٌ بانَ نقصُهُم في العِلْم والعَمَل. وتلاهُم قومٌ انتموا إلى العلم في الظاهر، ولم يُتقنوا منه سوى نزرٍ يسير، أَوْهَموا بِهِ أنهم عُلماء فُضلاء!»[20].

اشتباه أهل البدع والأهواء بعُلماء أهل السُّنة:

فالخوارج – مثلاً – أهل عبادة واجتهاد في الطاعة، لكنَّهم لم يفقهوا حقيقة العلم ولم يطلبوه على وجهه، وقد ذَكرَت كتبُ التراجم بعضَ رؤوس البدع من المعتزلة وغيرهم بالزهد والعبادة. فمثل هؤلاء قد يَشتبه حالهم على الناس فيُظنُّ بهم العلم، وقد فطن الإمام الآجُرّي رحمه الله لهذا الأمر فقال: «لا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارجيٍّ .. أن يغترَّ بقراءته للقرآن، ولا بطول قيامه في الصلاة، ولا بدوام صيامه، ولا بحُسْن ألفاظه في العلم، إذا كان مذهبه مذهب الخوارج»[21].

اشتباه الخطيب، والواعِظ، والمفكِّر بالعالم:

لا يلزم من كون الشخص خطيبًا مفوَّهًا، أو واعظًا بارعًا، أن يكون عالمًا، فكم من واعظٍ يأخذ بقلوب الناس بحسن حديثه وجميل بيانه، وكم من مفكّرٍ سارت الركبان بكتبه ومقالاته؛ ليس في كلامهم إلا التنميق والزخرفة، وهم أبعد ما يكونون عن التحقيق والعلم!

قال ابن مسعود رضي الله عنه: «إنكم في زمانٍ كثيرٌ علماؤه، قليلٌ خطباؤه … وإن من ورائكم زمانًا كثير خطباؤه، قليلٌ علماؤه»[22]. وقد سألَ حمَّادُ بن زيد أيوب السختياني رحمهما الله: العلمُ اليَوم أكثر أَو فِيما تقدَّم؟ فقال: «الكلام اليوم أكثر، والعلمُ فيما تقدَّم أَكثر». قال ابن القيِّم معلِّقًا: «فَفرَّقَ هذا الراسخُ بين العلم والكلام! فالكتبُ كثيرَة جدًّا، والكلام والجدال والمقدَّرات الذهنيَّة كثيرة، والعِلمُ بمعزلٍ عن أكثَرها»[23].

مع التنبيه أنَّ هذا لا يعني كل الخطباء أو الوعّاظ أو المفكّرين؛ بل قد يكون الواحد منهم من أئمة العلم والدِّين، ولكن اقتضى التنبيه لاشتباه الحال عند المتأخرين.

لا يلزم من كون الشخص خطيبًا أو واعظًا أن يكون عالمًا، فكم من واعظٍ يأخذ بالقلوب بحسن الحديث والبيان، وكم من مفكّرٍ سارت الركبان بكتبه ومقالاته، وهم أبعد ما يكونون عن التحقيق والعلم!

ختامًا:

إنَّ الواقع الفكري والعقائدي للأمة الإسلامية اليوم، يؤكد أننا في حاجة ماسَّة إلى حركة إحياء شاملة، تجدد للأمة أمر دينها، وتقوِّم ما اعوجَّ من سلوكها، ولا بد لهذه الحركة في طريقها للتغيير من الالتفاف الصادق حول العلماء الربانيين الناصحين، ومن يسلك سبيلهم من الطلبة والدعاة والمصلحين. وأن يحذروا من أولئك المفتونين، الذين يُلبِّسون على الناس دينهم بإثارة الشبهات والانتصار للأقوال المهجورة والمسائل الشاذَّة والمخترعة.

وهنا لا بد أن نلفت الأنظار إلى ما يقوم به بعض من يزعم النقد والتصحيح، ولكنه يشتط في الرَّد، ولا ينضبط بأدب الخلاف ولا يراعي مراتب المسائل، فينقد نقدًا لاذِعًا حتى فيما يسوغ فيه الخلاف ويشتطُّ ويبالغ!

وهذا الأسلوب عند البعض يُنبئ عن خطرٍ عظيم وشر مستطير، فالرَّد وبيان الحق إن لم يقُم على ضوابطَ متينة وفْقَ شروطٍ رصينة؛ أفضى إلى مفاسد عظيمة. فكم اتهم من طلبة علم ومشايخ وعلماء ورُموا بالبدعة والانحراف لعدم مراعاة الأسلوب العلمي والضوابط وأدب الخلاف.

نسأل اللهَ سبحانه أن يحفظ علينا ديننا، ويلهمنا رشدنا، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.


أ. محمد أمجد عبد الرزاق بيات

ماجستير في الفقه، باحث شرعي ومدرس.


[1] الصواعق المرسلة (٢/٤٠٠).

[2] أخرجه ابن ماجه (٤٠٤٨)، وأحمد (١٧٤٧٣) وهو حديثٌ صحيح.

[3] متفقٌ عليه: أخرجه البخاري (٥٢٣١)، ومسلم (٢٦٧١).

[4] متفقٌ عليه: أخرجه البخاري (٧٠٦٢)، ومسلم (٢٦٧٢).

[5] أخرجه أبو داوود (٣٦٤١)، والترمذي (٢٦٨٢)، وابن ماجه (٢٢٣).

[6] أخرجه أحمد (١٩٤٦).

[7] أخرجه ابن وضّاح في البدع والنهي عنها (٢٣٢).

[8] أخرجه ابن أبي شيبة (٣٧٢٠٦)، والدارمي في سننه (٢٤٧).

[9] وهذا يشبه ما قاله الشعبي رحمه الله: «لا تقومُ الساعةُ حتى يصيرَ العلمُ جهلاً، والجهلُ علمًا».

[10] إعلام الموقعين (٢/١٤-١٥).

[11] جامع بيان العلم (١/ ٦٠٣) رقم (١٠٣٩).

[12] أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (١٣٦).

[13] متفق عليه: البخاري (١٠٠)، ومسلم (٢٦٧٣).

[14] أخرجه ابن المبارك في الزهد (٦١) والطبراني وغيرهما. قال ابن عبد البر: «ذكر أبو عبيد في تأويل هذا الخبر عن ابن المبارك أنه كان يذهبُ بالأصاغرِ إلى أهل البدع، ولا يذهب إلى السِّنِّ، قال أبو عبيد: وهذا وجهٌ».

[15] رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم رقم (١٠٥٧). وقال أيضًا: «إنكم لن تزالوا بخير ما دام العلمُ في كباركم، فإذا كان العلم في صغاركم سفَّهَ الصغيرُ الكبير». جامع بيان العلم رقم (١٠٥٩).

[16] الفوائد والأخبار، لابن حمكان، ص (١٣٩)، وصفة الصفوة، لابن الجوزي (١/٤٣٥).

[17] المقصود بها: الطبقة الدنيا.

[18] البدر الطالع، للشوكاني (١/٤٧٣).

[19] مجموع الفتاوى (٥/١١٨-١١٩).

[20] سير أعلام النبلاء (٧/١٥٣).

[21] الشريعة (١/٣٤٥).

[22] الزّهد، لهنّاد (٢/٣٥٥).

[23] الفوائد (ص١٠٤).

X