شوال 1441 هـ – يونيو/ حزيران 2020م
الافتتاحية
ابتليت الأمة بوقوع المسجد الأقصى والأرض المباركة في أسر المحتل الغاصب منذ ما يقرب من قرنٍ من الزمان[1]، وقد كان هذا البلاء مقدّمةً لبلاءات كثيرة، ليس أوّلها تهجير أهل فلسطين، والتمكين لنظام طائفي باطني في سورية يحمي حدود المحتلّ الغاصب، وليس آخرها تسابق محموم للتطبيع مع المحتل وتقبّل وجوده، فضلاً عن تجميل صورته بتحميل سجلّ إجرامه على الضحية، وصولاً إلى التعاون معه ومناصرته، وتسخير مقدّرات البلاد والعباد لخدمة مشروعه!
ومن أبرز صور التطبيع مع الكيان المحتلّ: الكلامُ -غير المسبوق- عن أحقّية اليهود الغاصبين في أرض فلسطين، بزعم وجود بني إسرائيل التاريخي في فلسطين منذ القِدم، وتصوير المسألة على أنّها صراع شعبين لا ناقة لنا فيها ولا جمل، وأنّه متى ما أسّس المحتلُّون دولةً وأصبحوا فيها مواطنين بدعمٍ دولي فقد انتهت القضية بالنسبة لنا، وينبغي أن نعترف لهم بها، مدفوعين بمواقف فكرية وسياسة معيّنة.
وقد تنوَّع ظهور هذا التطبيع في مقالاتٍ تُنشر بين الفينة والأخرى، وأعمالٍ إعلامية ودرامية، والتي لا تخرج عن كونها صدىً لما يطرحه المحتلُّ نفسه من مزاعم وادّعاءات وأكاذيب، مرافقةً لتسابق في التطبيع العملي في مجالات متعدّدة.
وقد انبرى العديد من الغيورين للردّ على هذه الدعوى بالمنطق التاريخي نفسه الذي بُنيت عليه الشُّبهة، فبيّنوا بالدلائل التاريخية أنّ الوجود المعروف لبني إسرائيل على أرض فلسطين جاء بعد عدّة قرون من سكنى (الكنعانيين) و(الآموريين) بها، وهما قبائل هاجرت من شبه الجزيرة العربية حوالي (2600) قبل الميلاد، وقد دلَّت على ذلك العديد من الآثار التاريخية، بالإضافة إلى تاريخ انتقال بني إسرائيل الذي ينصُّ على نزولهم بأرضٍ معمورةٍ قبل ذلك، كما تنصُّ عليه التوراة والروايات التاريخية قاطبة.
فإذا كان دليلُ الأحقّية يقوم على الأقدمية في الإقامة والعمارة: فبنو إسرائيل مسبوقون بسُكنى تلك البلاد، وقد جاؤوا لاحقين، ثمّ إنَّها قد خرجت من تحت أيديهم من مئات السنين وحكمها أقوام عديدون كان آخرهم المسلمون، فإن كان هناك حقّ قديم فالحقّ يتنازعه عدة أقوام.
وإذا كانت الأحقّية تقوم على الوجود: ففرق بين وجودٍ أصيل عمل على عمارة الأرض دون إضرار بآخرين، وبين وجودٍ طارئٍ قام على احتلالٍ وتهجيرٍ وغصبٍ وتهجير أهل الأرض والأملاك، وسرقة منجزاتهم وتدميرها.
أما إذا كانت الأحقية تقوم على فرض الأمر الواقع: فالأمر سجالٌ لم ينته.
ما سبق إنّما هو مناقشة في سياق التنزُّل في النقاش فحسب، فالجانب التاريخي ليس هو الجانب الأهمّ في مسألة الأحقّية في الأرض، وينبغي ألا ننجرف مع هذه المزاعم والرِّد عليها فتنسينا الجوانب الأهم، والتي يمكن تناولها من خلال الأسئلة التالية:
- ما هي أرض فلسطين؟
- وما معيار الأحقّية فيها؟ ومن يعطيها؟
- ومَن المخاطَب بوراثتها؟
- وأخيراً.. من الأحق بأرض فلسطين؟
ما هي أرض فلسطين؟
أرض الشام أرضٌ مقدّسة، وأعظمها قداسة «بيت المقدس» التي فيها المسجد الأقصى الذي بناه أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، فعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أيُّ مسجد وضع في الأرض أوّل؟ قال: «المسجد الحرام». قال قلت: ثمَّ أي؟ قال: «ثمَّ المسجد الأقصى». قال قلت: كم بينهما؟ قال: «أربعون سنة». رواه البخاري ومسلم، وبيت المقدس في أرض تعرف اليوم بفلسطين.
وقد اختار الله تعالى هذه الأرض مبعثًا لكثير من الأنبياء، ومهبطًا لكثير من الرسالات، وختمها بمعراج نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وإمامته للأنبياء في المسجد الأقصى المبارك.
ثم كانت قبلةَ المسلمين للصلاة قبل أن تتحول إلى الكعبة المشرفة، وهي إحدى ثلاث جهات أذن الشرع بشدِّ الرحال إليها عل وجه التعبُّد، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)[2].
ما معيار الأحقية في الأرض؟ ومن يملك حقَّ إعطائها؟
الأرض ومَن فيها ومَن عليها مُلك لله تعالى، وهو المتصرِّف فيها، وهو مَن يعطيها ويمنعها، قال تعالى: ﴿إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين﴾ [الأعراف: 128]، وقال: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ [الأعراف: 137].
واليهود أنفسهم يؤمنون بهذا المعيار ويُدللون عليه بآية وردت في التوراة كما يروونها في سِفر التكوين: »فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلًا: لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ«.
ومن لا يؤمن بهذه المرجعية الدينية: فيُخاطَب بالمرجعية التاريخية الآنفة الذكر.
وأمَّا من كان يستدلُّ بالأمر الواقع: فإنّ التاريخ ودروسَه تقول إنّ وجود اليهودِ في فلسطين على مرِّ التاريخ كان طارئًا مؤقتًا، وما زالت المعركة الحالية قائمةً لم تُحسم، ومن أراد الاستسلام فلا يمثِّل إلا نفسه.
مَن المخاطب بوراثة أرض فلسطين؟
في جميع هذه الحقب التاريخية أوكل الله تعالى إلى أنبيائه والصالحين من عباده رعاية المسجد الأقصى وعمارته وإمامته، وكان كلَّما انحرف فريقٌ من الناس عن الدين الحقّ أورث الله الأرض لعبادٍ آخرين، حتى بعث الله محمّدًا صلى الله عليه وسلّم بالدين الخاتم الذي ارتضاه للخلق جميعًا، وجعله ناسخًا لما قبله، وأمره بنشره في العالم كلِّه؛ ففُتحت البلاد ودخل الناس في دين الله أفواجًا، ومن تلك البلاد: أرض الشام المباركة، التي بشّر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنّها ستكون حصن الإيمان وفسطاط المسلمين حتى نزول عيسى عليه السلام.
فببعثة النبي صلى الله عليه وسلم انتقلت الأحقّية بتلك البلاد والقيام بها إلى المسلمين بغضّ النظر عن عرقهم أو جنسهم، وستبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها كما جاءت بذلك البشارات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وينبني على ذلك أمران:
الأمر الأول: أنَّ المخاطب بوراثة أرض فلسطين هم أهل الحق أتباع الدين الحق، المؤمنون بالله تعالى السائرون على طريقه، وهؤلاء بعضهم أولى ببعض مهما اختلفت ألسنتهم وأقوامهم؛ لذا كان المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم هم أتباع الأنبياء السابقين والوارثون لهم؛ لأنّهم يؤمنون بجميع الأنبياء ولا يفرّقون بينهم، ودينهم هو التوحيد الخالص، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟) فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ r، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) متفق عليه.
الأمر الثاني: وقع بنو إسرائيل في العديد من الأخطاء في هذا الأمر، وأهمها:
- زعمهم أنَّ الأرض المقدسة أورثها الله تعالى لهم بمثل قوله تعالى: ﴿ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: 21]، كان لجنسهم وقوميتهم، فقالوا: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة: 18]، وقالوا: ﴿لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ﴾ [البقرة: 111].
- ظنُّوا أنَّ توريثَ الأرض لهم على سبيل التأبيد وأنّه لا يتغيّر ولا يتبدّل.
والصواب أنّ هذا الوعد كان لأسلافهم؛ لأنّهم كانوا موحّدين متّبعين لنبيّهم، وكان هذا العطاء مشروطًا بالبقاء على الإيمان، أمّا من بدّل وغيّر فإنَّ الوعد لا يشملُه، وهذا حال الأرض المقدّسة التي كانت قبل بني إسرائيل لغيرهم، وبعد ذلك للمسلمين، وكذلك سائر البلاد، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ [النور: 55].
وهذا كان شأنَ بني إسرائيل قبل أن تورث الأرض لهم، قال تعالى: ﴿قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَاۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف:129].
وبنو إسرائيل قد برعوا في تحريف كلام الله بحروفه ومعانيه، فهم غير مؤتمنين عليه ولا على تفسيره.
مَن الأحقّ بأرض فلسطين؟
الأحقِّيَّة بالأرض المقدسة لم تكن نابعة من الأسبقية التاريخية؛ بل بأمر الله تعالى لرسله ولعباده المؤمنين الذين يُقيمون دينه وشريعته، فقد جاء إليها إبراهيم عليه السلام مهاجرًا من العراق، وسكن فيها، وهذه الهجرة لم تكن أمراً عفوياً، أو بحثاً عن الماء والكلأ كما يحصل كثيراً مع البشر، بل كانت بأمرٍ ووحيٍ من الله، تماماً كما اختار الله وادي مكّة المكرّمة غير ذي الزرع لسُكنى إسماعيل عليه السلام وأمِّه هاجر، وكما اختار الله أرضَ المدينة ذات النخل بين حرّتين لهجرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
فكان من ذرية إبراهيمَ: إسحاق، ثم وُلد لإسحاقَ يعقوب (وهو إسرائيل الذي يُنسب له بنو إسرائيل)، وإسرائيل (نبي الله يعقوب عليه السلام) وُلِد ونشأ فيها، ثمَّ انتقل وبنوه إلى مصر بعد أن تمكّن فيها ابنه يوسف عليه السلام وصار عزيزها، وكان ذلك بتقديرٍ من الله ووحيٍ منه أيضًا، وهناك توسّعت ذريته وكبرت حتى صارت اثنتي عشرة أسباطاً، حتى بُعث فيهم موسى عليه السلام فأمره ربّه تبارك وتعالى بالهجرة بقومه -بني إسرائيل- مُجدداً إلى فلسطين، قال تعالى على لسان موسى عليه السلام: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ [المائدة: 21].
ونلحظ هنا أنَّ الأحقِّيَّة بالأرض لم تكن نابعة من الأسبقية التاريخية؛ فلو استطردنا في منطق الأسبقية لقلنا بعدم أحقّية إبراهيم عليه السلام وذرّيته في فلسطين؛ لأنّه جاء إليها من العراق، ولا بأحقّية موسى عليه السلام وقومه من بني إسرائيل فيها؛ فهم الذين خرج أجدادهم منها باختيارهم حتى سكنها غيرهم.
وبعد انتقال بني إسرائيل من مصر إلى فلسطين وانتصارهم على الجبّارين الوثنيين، صار حكم هذه البلاد إليهم، وصارت إمامة المسجد الأقصى إلى الأنبياء والصالحين منهم، ومن أبرزهم: نبيُّ الله سليمان بن داوود عليهما السلام، الذي أعاد بناءه كما هو معروف، وقد روى النسائي وابن ماجة وغيرهما بالسند إلى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لما فرغ سليمان بن داوود من بناء بيت المقدس، سأل الله ثلاثًا: حكمًا يصادف حكمه، وملكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعده، وألا يأتي هذا المسجد أحدٌ لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما اثنتان فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة)، ولم يزل بيت المقدس على ما بناه سليمان حتى غزاه بختنصّر، فخرّب المدينة، وهدمها ونقض المسجد، وسبى بني إسرائيل إلى العراق.
وبعد أن عادوا إلى فلسطين، استمرَّ الأنبياء في إمامة بني إسرائيل، حتى كان آخرهم زكريا وابنه يحيى وابن خالته عيسى بن مريم عليهم السلام جميعاً.
وفي جميع هذه الحقب التاريخية .. كان الله قد أوكل إلى أنبيائه والصالحين من عباده رعاية المسجد الأقصى وعمارته وإمامته، كائنًا من كان مرتادوه والمصلون فيه (عرباً أم عبرانيين أم أقباطاً…).
ثم لما جاء الإسلام وفتح المسلمون البلاد وحكموها بدين الله الذي اختاره للعالمين؛ صارت رعاية المسجد الأقصى وعمارته وإمامته إليهم، وهم على مرّ العصور بشهادة التاريخ لا يمنعون أحدًا منه، وزوّاره كائنًا مَن كانوا آمنين مطمئنين.
الخلاصة:
إنّ حكم أنبياء بني إسرائيل أرضَ فلسطين كان حكمًا صحيحًا بأمرٍ من الله تعالى، لكن اليهود فقدوا حقّهم في هذه الأرض وفي إمامة المسجد الأقصى بكُفرهم بأنبياء الله وبتآمرهم لقتل عيسى عليه السلام وبتحريفهم للتوراة، والنصارى فقدوا حقَّهم في الأرض وفي الإمامة بكُفرهم بالله بقولهم بالتثليث، وبتحريفهم للإنجيل، ثم مَنَحَ الله تعالى هذا الحقَّ بهذه الأرض وإمامة المسجد الأقصى لأمة محمّد صلى الله عليه وسلم، وابتدأ ذلك بإسرائه به صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى ليلاً في العهد المكّي من دعوته فصلى فيه قبل أن يُعرج به إلى السماء، وأنزل ذلك في القرآن الكريم: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾، وحدّث النبيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَّته بفضائل الشام وبيت المقدس، وبشَّرهم ببشارات كثيرة متعلقة بها، ليرشدهم إلى أحقية أمّة الإسلام في هذه البلاد المباركة إلى أن تقوم الساعة.
فأحقيتنا في فلسطين ليست لأنَّنا عرب وهم بنو إسرائيل؛ فالعرب فيهم المؤمنون وفيهم الكفّار، واليهود كانوا مؤمنين أتباع أنبياءٍ حتى كفروا بأنبيائهم وجحدوا نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم؛ بل نحن أصحاب الحقِّ في فلسطين لأنّنا أصحاب الدين الصحيح، وأتباع الأنبياء والرسل، وهم قد ضلّوا عن اتِّباع أنبياء الله، وبدّلوا دينهم، وبغوا في الأرض. وهذا عامٌّ في جميع المسلمين (لا يخصُّ منهم قوماً دون قوم، أو شعباً دون شعب).
[1] في أبريل/نيسان 1920م اجتمع مندوبو “دول الاتفاق” (فرنسا وبريطانيا) المنتصرة في الحرب العالمية الأولى في مدينة سان ريمو الإيطالية فيما سُمّيَ مؤتمر سان ريمو لتعديل اتفاقية سايكس-بيكو وتقرير الشكل النهائي لتقسيم الأراضي التي احْتُلت من الدولة العثمانية. في هذا المؤتمر اتفق الطرفان على منح فلسطين لبريطانيا وتعديل المتفق عليه سابقاً. تاريخ توجهات بريطانية – شرقية: مذكرات السير رونالد ستورس: ترجمة رؤوف عباس، ص400.
[2] أخرجه البخاري (1139) واللفظ له، ومسلم (1397).