يكشف الكتاب كيف استخدمت أمريكا وحلفاؤها استراتيجيات معقّدة لإعادة رسم خريطة العالم الإسلامي، وكيف تمّ تنفيذ مشاريع مثل “خارطة حدود الدم” و”الفوضى الخلّاقة” لإضعاف الدول الإسلامية، كما يُبرز دور الإعلام والعقوبات الاقتصادية والمنظمات الدولية في فرض السيطرة الغربية، مؤكدًا أنّ الحلّ يكمن في الوعي والوحدة والتنمية المستقلّة لمواجهة مخطّطات التفكيك والهيمنة، وزيادة عمل الدعاة والمفكّرين في نشر الفكر الإسلامي.
لمحة عن الكتاب:
يتناول الكتاب الجهود الغربية في تقسيم البلاد الإسلامية بما يتوافق مع مصالحها، مستعرضًا مشاريع مثل مشروع سايكس بيكو ومشروع الشرق الأوسط الكبير، كما يناقش دور القوى الإقليمية التي تحرّكت لتحقيق أطماعها القومية في ظلّ هذه المخططات، مؤكّدًا على أهمية الوعي بهذه المشاريع الغربية كخطوة أولى لمواجهتها.
صدر الكتاب عن مركز “تكوين” في عام 2014م، ويحتوي على 216 صفحة.
لمحة عن المؤلف:
وُلد الدكتور وليد بن عبد الله الهويريني في المملكة العربية السعودية، وهو كاتب وباحث متخصّص في الفكر السياسي والاجتماعي، حصل على درجة الدكتوراه في مجال تخصّصه، تتميز كتاباته بالتحليل العميق والرؤية النقدية، معتمدًا على منهجية تجمع بين التاريخ والسياسة لفهم التغيرات في العالم الإسلامي.
من مؤلفاته الأخرى:
» “عصر الإسلاميين الجدد”، يقدّم رؤية لأبعاد المعركة الفكرية والسياسية في حقبة الثورات العربية.
» “تحوّلات الإسلاميين من لهيب سبتمبر إلى ربيع الثورات”، يستعرض فيه التحولات التي شهدتها الحركات الإسلامية بين أحداث 11 سبتمبر والثورات العربية.
بين ثنايا الكتاب:
الفصل الأول- أرض الإسلام من الوحدة إلى التقسيم:
يتناول فيه المؤلف الخلفيةَ التاريخية والاستراتيجية لمخططات تقسيم العالم الإسلامي، مستعرضًا الدوافع والأحداث التي قادت القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة إلى التدخّل في شؤون المنطقة.
أبرز النقاط في هذا الفصل:
1. الجذور التاريخية للمخططات الغربية:
يستعرض هذا الفصل المراحل المختلفة التي مرّت بها المنطقة الإسلامية في ظلّ الاستعمار والهيمنة الغربية بعد سقوط الدولة العثمانية التي تعدّ آخر دولة حفظت بيضة المسلمين، حيث بدأ الاستعمار الغربي عندما احتلت فرنسا الجزائر عام 1830م ثم احتلت بريطانيا مصر عام 1882م.
كما يسلّط الضوء على اتفاقية سايكس بيكو ودورها في تقسيم الشرق الأوسط بين فرنسا وبريطانيا، ويذكر أنّ الحدث العظيم الذي يعتبر إعلانًا مروّعًا لسقوط العالم الإسلامي هو إعلان إلغاء الخلافة العثمانية وإعلان دولة تركيا الحديثة.
وفي منتصف القرن العشرين خرج العالم العربي من الاستعمار العسكري وبرز المشروع القومي الناصري وانضم الشباب لهذا المشروع، لكنّ الإسلاميين كانوا يعيشون محنة القمع والتنكيل الأمني من الحكومات، إضافة لشعورهم بالاغتراب المجتمعي، إلا أنّ هذا المشروع تلقّى طعنة عندما هُزم العرب من دولة الصهاينة في يونيو 1967م ثم مات المشروع بعد غزو العراق للكويت ودخول العالم العربي عصر الهيمنة الأمريكية.
2. الصفقة الخاسرة:
يرى المؤلف أنّ شرارة الصحوة العربية انطلقت عقائديًا وثقافيًا لإيجاد نموذج إسلامي يحاكي النموذج الذي كان في العهد النبوي والراشدين، وهنا قام الغرب بالاتفاق مع النظم العربية الاستبدادية لقمعها بكلّ الوسائل في مقابل دعمها سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا، وقد حقّق هذا الاتفاق مصالح آنية للطرفين ولكنّها ليست بعيدة المدى، فقد أدركت الشعوب العربية أنّ الغرب هو العدو الأكبر وهو الداعم للأنظمة العربية القمعية، وهذه النظم من جهة أخرى -وبسبب الدعم الغربي- استكانت لأوضاعها وتنازلت عن قضايا الأمة الكبرى فغرقت البلاد بالفقر والمرض والجريمة.
3. تشكّل النظام الدولي الجديد:
في هذا المبحث يشرح المؤلف كيف أنّ تشكّل هيئة الأم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية كان له دور كبير في ترسيخ الانقسام بين الدول، ومن نتائج إنشاء هيئة الأمم المتحدة: اعتبار الدولة الحديثة بحدودها الجغرافية هي شرط الاعتراف الدولي بأيّ كيان سياسي وقبول عضويته في النظام الدولي. ودول المركز تمتلك أربع أدوات تسيطر فيها على الدول الأطراف وهي:
أ- القوة العسكرية “السلاح”:
يرى المؤلف أنّ الدول المركز هي التي تحتكر السلاح تصنيعًا وتسويقًا، منحًا ومنعًا، أمّا دول الأطراف فلا يُسمح أن تكون لها صناعات عسكرية مستقلة، ولذلك فقد دُمّر المفاعل النووي العراقي في الثمانينيات، واغتيل مئات العلماء العراقيين في المجالات العلمية بعد الغزو الأمريكي عام 2003م.
ب- الطاقة والموارد:
يذكر المؤلف أنّ دول المركز تحرص على احتكار الطاقة والموارد الطبيعية كالنفط والغاز والقمح ومنابع المياه؛ حتى تسدّ حاجتها أولاً، ولكي تضع يدها على تلك الموارد وتُبقي دول العالم تحت سيطرتها، ولذا تُمنع أيّ دولة أن تستقل بتحقيق الحدّ الأدنى من أمنها الغذائي كزراعة القمح مثلاً.
ج- الشرعية الدولية: “هيئة الأمم المتحدة”، وقد تقدّم الحديث عنها.
د- العولمة (الثقافة والتعليم والإعلام):
يؤكد المؤلف أنّ الإعلام هو أهم أدوات الهيمنة على ثقافة الشعوب وصياغة مفاهيمها واتجاهاتها وأفكارها، حيث إنّ دول المركز تحرص على توظيف الإعلام في كافّة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، مما يجعل شعوب دول الأطراف شعوبًا مستعمَرة ثقافيًا، وعندها شعور بالهزيمة الحضارية؛ فتنظر للنموذج الغربي بقيمه وثقافته على أنّه النموذج المعياري للحضارة والرقي والتقدّم.
4. فخّ التراجع الأمريكي:
في هذه الفقرة يناقش المؤلف فكرة أنّ التراجع الأمريكي في المنطقة الإسلامية قد يبدو ظاهريًا وكأنّه هزيمة أو انسحاب، لكنه في الحقيقة قد يكون جزءًا من استراتيجية أعمق، تقوم على إعادة التموضع واستخدام أدوات غير مباشرة للحفاظ على النفوذ.
أبرز الأفكار في هذا المبحث:
أ. الانسحاب كخدعة استراتيجية:
يشير المؤلف إلى أنّ الولايات المتحدة لا تنسحب من مناطق الصراع دون تحقيق أهدافها، بل تعيد تموضعها بطرق جديدة. مثال ذلك: الانسحاب الأمريكي من العراق لم يكن تخلّيًا عن النفوذ، بل تمّ استبدال أدوات أخرى بالاحتلال المباشر مثل دعم الميليشيات المحلية والتدخل غير المباشر.
ب. استخدام الوكلاء بدلاً من التدخل المباشر:
فبعدما أصبحت الحروب المباشرة مكلفة وغير شعبية داخل الولايات المتحدة، بدأ الاعتماد على الحلفاء الإقليميين والجماعات المسلحة لتحقيق الأهداف الأمريكية. مثال ذلك: دور بعض الدول في تمويل وتسليح الفصائل المسلحة في سوريا والعراق.
ج. الاقتصاد والحروب غير التقليدية:
لم تعد الحروب تعتمد فقط على الجيوش، بل أصبحت الأدوات الاقتصادية (مثل العقوبات) السياسية والإعلامية تلعب دورًا أكبر، وأمريكا تستخدم العقوبات الاقتصادية لإضعاف الدول المستهدفة، كما فعلت مع إيران وسوريا وفنزويلا.
د. إيجاد حالة عدم الاستقرار لضمان استمرار النفوذ:
يشير المؤلف إلى أنّ التراجع الأمريكي لا يعني انتهاء التأثير، بل يتم استبداله بسياسات تُبقي الدول في حالة ضعف وانقسام. مثال ذلك: حال أفغانستان بعد انسحاب القوات الأمريكية.
الإعلام هو أهم أدوات الهيمنة على ثقافة الشعوب وصياغة مفاهيمها واتجاهاتها وأفكارها، حيث إنّ دول المركز تحرص على توظيف الإعلام في كافّة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، مما يجعل شعوب دول الأطراف شعوبًا مستعمَرة ثقافيًا، وعندها شعور بالهزيمة الحضارية؛ فتنظر للنموذج الغربي بقيمه وثقافته على أنّه النموذج المعياري للحضارة والرقي والتقدّم.
5. مركزية الحدث السبتمبري:
تناقش هذه الفقرة كيف أنّ أحداث 11 سبتمبر 2001م لم تكن مجرّد هجوم إرهابي عابر، بل كانت نقطة تحوّل استراتيجية استغلتها الولايات المتحدة لإعادة تشكيل سياساتها تجاه العالم الإسلامي، وإطلاق مشروع جديد للهيمنة تحت ذريعة “الحرب على الإرهاب”.
أبرز الأفكار في هذه الفقرة:
أ. ذريعة للتدخل العسكري:
وفّرت هجمات 11 سبتمبر مبررًا مثاليًا للولايات المتحدة لغزو أفغانستان (2001م) والعراق (2003م) بحجّة محاربة الإرهاب، رغم أنّ الأدلة على تورط العراق لم تكن موجودة.
كما تمّ استغلال الحادثة لشرعنة التدخلات العسكرية في الشرق الأوسط والتوسع في بناء القواعد العسكرية.
ب. فرض سياسات أمنية مشددة عالميًا:
تحولت مكافحة الإرهاب إلى أداة للضغط على الدول الإسلامية، مما أدّى إلى تقويض سيادتها، من خلال فرض سياسات أمنية أمريكية.
كما تمّ تبرير انتهاك حقوق الإنسان (مثل معتقل غوانتانامو، والتعذيب في السجون السرية) بذريعة “حماية الأمن القومي”.
ج. إعادة تشكيل خريطة العالم الإسلامي وفقًا للمصالح الأمريكية:
فقد تمّ إدخال دول المنطقة في دوامة الحروب الأهلية والصراعات الطائفية التي ساعدت على إضعافها.
د. التوظيف الإعلامي والخطاب المعادي للإسلام:
استخدمت الإدارة الأمريكية والإعلام الغربي خطابًا يربط الإسلام بالإرهاب، مما أسهم في إيجاد موجة عداء ضد المسلمين عالميًا، وتمّ استغلال ذلك للضغط على الدول الإسلامية للقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية تتماشى مع الرؤية الأمريكية.
الفصل الثاني- مخطط التقسيم من التنظير لأرض الواقع:
يوضّح هذا الفصل كيف أنّ الاستعمار لم ينتهِ بانسحاب الجيوش الأجنبية، بل استمر من خلال سياسات الهيمنة الاقتصادية والثقافية، ويناقش كيف تمّ رسم حدود الدول الإسلامية بطريقة تضمن استمرار النزاعات الداخلية، ويُبرز دور المؤسسات المالية الدولية (كصندوق النقد الدولي) في إضعاف الاقتصادات الإسلامية وإبقاء الدول تحت السيطرة، فما يحدث في الشرق الأوسط ليس مجرّد أحداث عشوائية، بل هو جزء من استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى تفتيت الدول الإسلامية وفقًا لمصالح الغرب.
1. مشروع الشرق الأوسط الكبير الجديد:
تناقش هذه الفقرة كيف أنّ “مشروع الشرق الأوسط الكبير” لم يكن مجرّد فكرة إصلاحية كما روّج له، بل هو مخطط استراتيجي لإعادة تشكيل العالم الإسلامي وتفكيكه وفقًا للمصالح الأمريكية والغربية، مستغلاً أدوات سياسية واقتصادية وعسكرية لتحقيق أهداف الهيمنة والتقسيم، مع تحييد الهوية الدينية والثقافية في تعامل الدول العربية مع الصهاينة، وهذا يتطلب ثورة في المفاهيم كما قال بيريز.
أبرز الأفكار في هذه الفقرة:
أ. الهدف الحقيقي للمشروع:
ذوبان المنطقة بهمومها وقضاياها في براح شاسع جغرافيًا، متنوّع ومتفاوت في هويته الثقافية والسياسية والاجتماعية، بحيث تتوه هوية العرب وقضاياهم وسط هذا الخضمّ الهائل الاتساع.
ب. أدوات التنفيذ:
• التدخّل العسكري: تم استخدام القوة العسكرية المباشرة كما حدث في العراق وأفغانستان لإضعاف الدول وخلق فراغات سلطة، وكذلك دعم الجماعات المتطرّفة لإثارة النزاعات الداخلية.
• الفوضى الخلاقة: بدعم الثورات والحركات الاحتجاجية كوسيلة لإسقاط الأنظمة دون تقديم بديل مستقر، مما يؤدي إلى حالة عدم استقرار دائم.
• الاقتصاد كأداة ضغط: بفرض العقوبات الاقتصادية على الدول التي ترفض الانصياع للمخططات الغربية مثل إيران وسوريا.
ج. التقسيم وإعادة رسم الحدود:
يهدف المشروع إلى تقسيم الدول الكبرى إلى كيانات أصغر لضمان عدم وجود قوة إسلامية مركزية قادرة على مواجهة النفوذ الغربي، ومن الأمثلة على ذلك: الخرائط التي تظهر تقسيم العراق إلى ثلاث دول (سنّية، شيعية، كردية)، وسوريا إلى عدة مناطق عرقية وطائفية.
د. دور إسرائيل في المشروع:
يؤكد المؤلف أنّ أحد الأهداف غير المعلنة للمشروع هو تعزيز مكانة إسرائيل عبر إضعاف الدول المحيطة بها، ويتمّ ذلك عبر إيجاد صراعات داخلية تمنع الدول العربية والإسلامية من تشكيل تهديد حقيقي لإسرائيل.
“مشروع الشرق الأوسط الكبير” لم يكن مجرّد فكرة إصلاحية كما تمّ الترويج له، بل هو مخطط استراتيجي لإعادة تشكيل العالم الإسلامي وتفكيكه وفقًا للمصالح الأمريكية والغربية، مستغلاً أدوات سياسية واقتصادية وعسكرية لتحقيق أهداف الهيمنة والتقسيم، مع تحييد الهوية الدينية والثقافية في تعامل الدول العربية مع الصهاينة، وهذا يتطلب ثورة في المفاهيم كما قال بيريز.
2. خارطة حدود الدم:
يقدم هذا المبحث تحليلاً لمفهوم “حدود الدم”، الذي يعدّ من أخطر المشاريع التي طُرحت لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، حيث يستند إلى تقسيم الدول الإسلامية إلى كيانات أصغر على أسس طائفية وعرقية؛ مما يؤدي إلى نزاعات مستمرة تُضعف أي إمكانية لنهوض العالم الإسلامي، وتضمن بقاء المنطقة ضعيفة وممزقة، مما يسهل السيطرة عليها واستغلال مواردها.
أبرز الأفكار في هذا المبحث:
أ. مفهوم “حدود الدم” وأصله:
يشير المؤلف إلى أنّ مصطلح “حدود الدم” يرتبط بمقالة نشرتها مجلة القوات المسلحة الأمريكية عام 2006م للكاتب “رالف بيترز”، حيث عرض فيها خريطة جديدة للشرق الأوسط تعكس رؤية أمريكية لتقسيم الدول الإسلامية وفقًا للانتماءات الطائفية والإثنية.
تؤكّد هذه الخطة أنّ الحدود الحالية للشرق الأوسط لا تعكس “الواقع الديموغرافي”، لذا يجب إعادة رسمها بشكل يناسب المصالح الغربية.
ب. أهداف المشروع:
• خلق كيانات صغيرة متناحرة لمنع ظهور أيّ قوة إقليمية موحدة.
• استغلال التوترات العرقية والطائفية كأداة لتفكيك الدول، مثل استغلال الخلافات بين السنّة والشيعة، والعرب والأكراد، والمسلمين والمسيحيين.
• تعزيز الأمن الإسرائيلي عبر إضعاف الدول المجاورة لها.
ج. مخطط التقسيم وفق “خارطة حدود الدم”:
• العراق: تقسيمه إلى ثلاث دول (شيعية في الجنوب، سنّية في الوسط، كردية في الشمال).
• سوريا: تفتيتها إلى عدة مناطق على أسس طائفية (دولة علوية، دولة سنّية، دولة كردية).
• السعودية: تقسيمها إلى عدة مناطق، تشمل دولة مستقلة للأقلية الشيعية في الشرق حيث تتركز الموارد النفطية.
• إيران وتركيا: تحجيم نفوذهما عبر دعم الحركات الانفصالية، مثل الأكراد والبلوش.
• السودان وليبيا: استكمال مشاريع التقسيم، كما حدث في انفصال جنوب السودان عام 2011م.
د. الأدوات المستخدمة لتنفيذ المخطط:
• أولاً– تفجير المكونات الداخلية: من خلال تفعيل شعور الأقليات بالتهميش لتثويرها، والهدف الاستراتيجي هو تفتيت الدولة العربية المعاصرة، ويذكر المؤلف أنّه كثيرًا ما يتم توظيف الاقتتال الداخلي نحو فرز المكونات المتنوعة المتداخلة جغرافيًا، وهذا يتجلى في الحالة السورية حيث ساهمت الثورة المسلحة في أن يأوي كل مواطن إلى طائفته مما أحدث تغيرًا في الخريطة الديمغرافية.
• ثانيًا– توظيف الجماعات القتالية الجهادية: فكثير من هذه الجماعات ترى أنّ صناعة الفوضى الأمنية هي المدخلَ المناسب للتغيير في العالم العربي والمشروع الجهادي، كما أنّها تعتقد أنّها قادرة على إقامة إمارة تحكم بالشريعة على أيّ بقعة من الأرض، ومن ثمَّ تقوم هذه الإمارة بإعلان الحرب على النظام الدولي ابتداء بالغرب ومرورًا بإيران والشيعة، وانتهاءً بالنظم العربية.
• ثالثًا– إثارة النزاعات الداخلية: بدعم الحروب الأهلية، كما حدث في العراق وسوريا وليبيا.
• رابعًا– التدخلات العسكرية المباشرة: كما حدث في الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان.
• خامسًا– الدعاية الإعلامية: بالترويج لفكرة أنّ التقسيم هو الحلّ الوحيد لتحقيق الاستقرار.
كل هذه الأدوات تؤدّي في النهاية إلى: حالة من الفوضى المستمرة فتتحوّل النزاعات الداخلية إلى صراعات طويلة الأمد، وتُفقد الدول القدرة على أن تصبح قوة إقليمية مما يبقي المنطقة تحت السيطرة الغربية، وتتيح للقوى الكبرى (أمريكا وإسرائيل) التحكّم في الموارد الاستراتيجية مثل النفط والممرات البحرية.
مفهوم “حدود الدم” يعدّ من أخطر المشاريع التي طُرحت لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، حيث يستند إلى تقسيم الدول الإسلامية إلى كيانات أصغر على أسس طائفية وعرقية؛ مما يؤدي إلى نزاعات مستمرة تُضعف أي إمكانية لنهوض العالم الإسلامي، وتضمن بقاء المنطقة ضعيفة وممزقة، مما يسهل السيطرة عليها واستغلال مواردها.
3. هل ستقبل الشعوب العربية خيار التقسيم؟
يذكر المؤلف أنّ البعض يستبعد وقوع التقسيم مستندين على تصوّرهم للحالة الظاهرية لواقع الشعوب العربية، ولكنّ المؤلف يرى أن هذا المنطق غير دقيق لأمرين:
الأول: أنّه لا يوجد بلد عربي يخلو من وجود فجوات بين مكوّناته، وبعض المكونات أخذت نصيبًا كبيرًا من الثروة والسلطة في حين حُرمت مكوّنات أخرى من ذلك، وهذه فرصة للدخول في هذا المشروع.
الثاني: أنّه في بداية الأحداث والثورات يرفض الكثيرون التقسيم ويحاولون الحفاظ على الوحدة، على الرغم من دفع ثمن كبير من مال وعرض وأرض، ولكن بعد زيادة هذه الأثمان لدرجة يصعب تحملها قد يصبح التقسيم مطلبًا.
الفصل الثالث- أهمية الوعي وسبل مقاومة مخطط التقسيم:
يرى المؤلف أنّه من الضروري بناء تصوّر دقيق للواقع قبل اتخاذ أي موقف صحيح، ويذكر أنّ حدث الثورات العربية كان ضخمًا أربك النخب الإسلامية والليبرالية والقومية؛ ممّا أدّى لحدوث اصطدام في الآراء بين هذه النخب، ويذكر أهم الأسباب التي أنتجت هذه الحالة:
1. توصيف الواقع بناء على قراءة سابقة انتهت صلاحيتها:
فتحليل النخب الإسلامية للأحداث ظلّ أسيرًا للموقف الغربي القديم الذي يقوم على دعم النُظم الاستبدادية في مقابل قهر الشعوب وقمع الإسلاميين وتأمين مصالحه في المنطقة، على الرغم من أنّ الغرب بدأ في تغيير مواقفه وإحلال معادلات جديدة لتأمين مصالحه في المنطقة، وهذا التغيير لم يأت فجأة، بل مرّ بخطة خضعت للمراجعة والمتابعة على مرّ سنوات أو عقود.
2. التطرف في التعامل مع نظرية المؤامرة:
من الناس مَن يعتقد أنّ كلّ التحوّلات التي نعيشها يتحكم بها الغرب، وبالتالي فلا أمل في التغيير، بينما يسخر البعض الآخر من هذه النظرية ويرون أنّ الغرب لا علاقة له بما يعانيه المسلمون من تخلف واستبداد.
3. مشاركة الإسلاميين في المسار السياسي:
في حقبة ما -قبل الثورات- لم يكن لدى الإسلاميين تواجد حقيقي في العمل السياسي مما جعل دورهم في التحليل والنقد متخففًا من استحقاقات الصراع السياسي الذي تفرضه حسابات أي حزب يخوض مسار العمل الديمقراطي، كما أنّ لديهم خلافات وإشكالات حقيقية مع بعض مكوّنات الديمقراطية الغربية في مجال التشريع والحريات الليبرالية، بالإضافة إلى التركة السياسية الثقيلة التي تركتها حكومات ما قبل الثورات التي كانت ترتبط بعلاقات استراتيجية مع الغرب والعدو الصهيوني، إضافة إلى محاولتهم الإصلاح المتدرّج من الداخل ومحاولة التصالح مع مؤسسات الدولة العميقة؛ وهذا كله أدى إلى عدم قدرتهم على صياغة خطاب سياسي إعلامي متماسك؛ الأمر الذي تسبب في الثورة المضادة لإسقاطهم.
يرى المؤلف أنّه من الضروري بناء تصوّر دقيق للواقع قبل اتخاذ أي موقف صحيح، ويذكر أنّ حدث الثورات العربية كان ضخمًا أربك النخب الإسلامية والليبرالية والقومية؛ ممّا أدّى لحدوث اصطدام في الآراء بين هذه النخب
دور النظم العربية في مقاومة مخطط التقسيم:
يؤكد المؤلف أنّه عند حدوث أيّ أزمة لأيّ مجتمع فإنّ حجم المسؤولية عن الأزمة يتم توزيع أوزانها بحسب ما تمتلكه كل جهة من سلطة وصلاحيات.
والشعوب هي الضمانة الوحيدة لاستقرار الدول، والمجتمعات العربية تحتاج لخطوات إصلاحية لتقوية جبهتها الداخلية ونسيجها الوطني لتلافي التصدّع في مكوناتها والتهديدات الخارجية التي تطرق أبوابها.
كما أنّ مشاريع الاتحاد كمشروع الاتحاد الكونفدرالي في الخليج سيكون مهمًا جدًا في ظلّ التحدّيات التي تستهدف المنطقة، وسيغلق -لو تحقّق- فجوات مهمّة في أمن دول الخليج.
دور النخب والشعوب في مقاومة مخطط التقسيم:
يشرح المؤلف كيف أنّ الشعوب العربية تعاني من الشعور المفرط بالوعي والتحرر الذي منعهم من تجاوز مرحلة الصدمة التي أعقبتها فرحة غامرة لم تنجح في التعاطي مع حجم التحديات السياسية والفكرية والاجتماعية لحقبة الثورات العربية، ويرى أنّنا نحتاج اليوم أن نقف موقفًا وسطيًا معتدلاً بين رؤية مغرقة في الأحلام ظنّت أنّ الشعوب العربية قلبت صفحة التخلف والاستبداد خلال أشهر قليلة، والرؤية المعاكسة المتشائمة من تداعيات الثورات العربية التي ظنّت أنّه لا شيء تغير في مسيرة هذه الشعوب، ويذكر أنّ زلزال الثورات العربية هو منعطف حادّ جاء كحلقة من التدافع التاريخي بين الحق والباطل، وأنّ حجم التربص الاستعماري الغربي والكيد الصفوي يجعلان من توحّد الأمة حول الأصول العامة مهمًّا للغاية.
تمتين الجبهة الداخلية:
أنتج غياب العدالة الاجتماعية في المجتمعات الإسلامية وجود فجوات اقتصادية واجتماعية بين شرائح المجتمع؛ مما أثّر سلبًا على تماسك البنية المجتمعية، إضافة إلى وجود العنصرية والطائفية والمناطقية فيها، ومما ساعد على خروج هذه المشكلات هو مناخ الثورات العربية وانفتاح المجتمعات على الإعلام، لذلك يرى المؤلف أنّه من الضروري أن يعمل المفكّرون على تصحيح هذه المشاكل، وبناء مجتمع يُعلي من شرط الكفاءة على كل الامتيازات الفئوية التي تفرزها البيئات الفاسدة.
أنتج غياب العدالة الاجتماعية في المجتمعات الإسلامية وجود فجوات اقتصادية واجتماعية بين شرائح المجتمع؛ مما أثّر سلبًا على تماسك البنية المجتمعية
تقويم ثنائية الثائرين:
يشرح المؤلف هذا المصطلح بأنّ تزامن تراكم ملفات الاستبداد مع اندلاع الثورات العربية أوجد ما يسمى ثنائية الثائرين أو استبداد الثائرين، حيث أصبح بعض الثوار الطامحين للإصلاح لا يرضى من المخالفين له بإدانة الظلم فحسب، بل يجب أن توافقه في مسلكه في تغيير هذا الظلم، حتى لو كانوا من العلماء والمفكرين، ويرى المؤلف أنّنا بحاجة ماسّة لتجنّب تشطير جهود دعاة الإصلاح والتغيير، وهذا يحتاج صبرًا وعدلاً من المصلحين بألا يحتكروا سبل التغيير في مشروعهم.
الإعداد الإيماني ومضاعفة الجهد الدعوي:
يرى المؤلف أن المجتمعات العربية لا تزال توجد فيها فراغات في المجالات الفكرية والتربوية والإيمانية، وتحتاج لانصراف ثلّة من الدعاة لبناء المجتمع وتربيته على القيم الإسلامية وتصحيح ممارساته الخاطئة.
مجابهة الخطر الإيراني الصفوي بما يتناسب مع ظرفه الزماني والمكاني:
يذكر المؤلف أنّ التعويل الغربي على الورقة الطائفية جعل من المشكلة تتوزع في معظم المجتمعات العربية، فقد نجح النظام الإيراني في زرع تنظيمات حركية داخل الطائفة الشيعية الحركية، وقوتها تختلف من بلد لآخر، ففي لبنان واليمن هناك توظيف للقوة العسكرية، أمّا في البحرين فقد تمّ توظيف المظاهرات السلمية لإسقاط البلد في حضن إيران، وعلى أهل السنّة أن يتعاملوا بحكمة لصدّ هذا الخطر بما يتناسب مع المكان الجغرافي له وأسلحته المستخدمة فيه.
دعم الجهاد الفلسطيني ضدّ الصهاينة:
يرى المؤلف أنّه من تداعيات الثورات العربية انكفاء كل شعب على همومه القطرية وتواري القضية الفلسطينية في سلم اهتمامات الشعوب الإسلامية لمرتبة متأخّرة، في حين أنّ الجهاد الفلسطيني يتميّز بثلاث خصائص هي: قدسية القضية، والإجماع الشعبي على مشروعية هذا الجهاد، وأهمية دولة الاحتلال الاستثنائية للغرب.
يرى المؤلف أن المجتمعات العربية لا تزال توجد فيها فراغات في المجالات الفكرية والتربوية والإيمانية، وتحتاج لانصراف ثلّة من الدعاة لبناء المجتمع وتربيته على القيم الإسلامية وتصحيح ممارساته الخاطئة.
الورقة الأخيرة: أحلامنا الخالدة التي لن تموت:
يذكر المؤلف ثلاث فجوات في منظومة الوعي التي تهدّد جيل الشباب:
الفجوة الأولى- الانقطاع التاريخي:
فالأجيال الحالية ولدت في ظلّ هيمنة الحضارة الغربية على العالم، وهي تتحكّم في مسار حياة الشباب عبر قاطرتين، الأولى: إفرازات الدولة الحديثة المعاصرة التي تصوغ حياة الأجيال اقتصاديًا وثقافيًا وسياسيًا، حيث إنّ معظم الدول الإسلامية بنيت أسسها وفق مفاهيم علمانية؛ مما أوجد تشوهات عميقة في أفكار ومفاهيم قطاعات شعبية غير قليلة. والثانية: الهيمنة الغربية الاستعمارية، فقد تم احتلال شريحة من عقول الشباب العرب الذين باتوا يعانون من الاستعمار الثقافي وهو أصعب من الاستعمار العسكري المباشر، فأصيبت ذاكرتهم بفجوة انقطاع في فهم تاريخ الأمة وهويتها، والقراءة الفاحصة للحظة سقوط الأمة في أسر الحضارة الغربية.
الفجوة الثانية- التعجل التغييري:
يرى المؤلف أنّ من الأسباب التي أدّت لفشل العديد من التجارب الدعوية والجهادية والسياسة في تحقيق أهدافها هو التعجل التغييري، ومعناه: محاولة الجماعة تحقيق أهداف طموحة لا تمتلك الأدوات الكافية لترجمتها لواقع، ويرى أنّ تفادي فجوة التعجل تبنى على ركيزتين: الأولى: الفهم والاستيعاب العميق القائم على دراسات علمية متخصصة في كافّة المجالات بحجم إمكانات أعداء مشروع الأمة الإسلامية. والثانية: معرفة حجم القدرة على تمدّد المشروع الإسلامي في الفضاءات التي تنشأ عن تدافع القوى المختلفة وحراكها السياسي والجهادي.
الفجوة الثالثة- الغرق المرحلي:
على المصلحين -كما يرى المؤلف- التدرّج في الإصلاح، وخاصة في الميادين الجهادية والسياسية، لكنّ الاستمرار بهذا التدرّج يفضي إلى التعوّد عليه والغرق في تفاصيله وبحث طرق نشره، مما يغرق الإنسان في دائرته فيفقد القدرة على التفكير خارجه، ويتحوّل العمل المرحلي إلى محطّة نهائية، فينجح الخصوم في جرّ المصلحين للتعايش مع الأوضاع الفاسدة، وعلى علماء الأمة ردم هذه الفجوة من خلال نشر المفاهيم الشرعية لدى الجماهير بعيدًا عن مقتضيات الصراع السياسي.
في نهاية الكتاب يبيّن المؤلف أنّه من خلال إسهابه في الحديث عن مخططات الغرب وشواهدها أراد إلقاء الضوء على جانب مغيّب في الإعلام بسبب أجواء الصراع التي عاشتها الشعوب خلال الثورات العربية، ويقول المؤلف: إنّ الغرب يخطط كثيرًا فينجح حينًا ويفشل حينًا، وكم أفشلت الشعوب والنخب مخططات استعمارية أُنفق عليها ملايين الدولارات، فهذه الشعوب تحلم بغدٍ مشرق يزخم بقيم الحرية والعدل تحت ظلال أعظم شريعة عرفتها البشرية جمعاء.
على المصلحين التدرّج في الإصلاح، وخاصة في الميادين الجهادية والسياسية، لكنّ الاستمرار بهذا التدرّج يفضي إلى التعوّد عليه والغرق في تفاصيله وبحث طرق نشره، مما يغرق الإنسان في دائرته فيفقد القدرة على التفكير خارجه، ويتحوّل العمل المرحلي إلى محطّة نهائية، فينجح الخصوم في جرّ المصلحين للتعايش مع الأوضاع الفاسدة، وعلى علماء الأمة ردم هذه الفجوة من خلال نشر المفاهيم الشرعية لدى الجماهير بعيدًا عن مقتضيات الصراع السياسي.
ياسمين الحايك
بكالوريوس إرشاد وتوجيه نفسي، ناشطة وباحثة في قضايا المرأة.